1 Jul 2024
الدرس الخامس: جمع أقوال العلماء في المسائل المستخلصة
وهو الأساس الذي تبنى عليه سائر أعمال ومهارات التحرير العلمي؛ وتقحم الدارس للكلام في مسألة قبل معرفة أقوال العلماء فيها من مظانّ الوقوع في أخطاء وأوهام وضلالات تبعده عن الصواب.
ومن يعمل في تلخيص مسائل التفسير ينبغي أن يتقن مهارة جمع الأقوال واستخلاصها في المسألة؛ فيجمع ما يتعلق بالمسألة التي يبحثها من أقوال العلماء في تلك المصادر، ولو كان كلامهم في تلك المسألة متفرقا في مواضع منها، وذلك لأجل أن يلمّ بأطراف المسألة، ويستوعب ذكر أقوال العلماء فيها ما أمكن.
ثمّ يصنّف الأقوال التي يستخلصها إلى أحد ثلاثة أصناف: متفقة، أو متقاربة، أو مختلفة.
خلاف التنوّع: هو ما يمكن الجمع فيه بين الأقوال من غير تعارض.
وخلاف التضاد: هو ما لا يمكن الجمع فيه بين الأقوال؛ لأنّ القول بأحدها يقتضي ردّ غيره من الأقوال.
وقد تشترك الأقوال في قدر من المعنى ثم يقع الخلاف فيما بعد ذلك؛ فمن حصافة الدارس أن ينبّه على القدر الذي اتفقوا عليه، ثم يفصل الخلاف فيما اختلفوا فيه.
وسنرجئ شرح تصنيف الأقوال إلى الدروس القادمة بإذن الله تعالى؛ ليكون التركيز في هذا الدرس على إتقان مهارة جمع أقوال العلماء في المسائل المستخلصة.
تنبيهات وتوضيحات:
● بعض الأقوال ينصّ عليها المفسّرون، وبعضها تُستخرج بالنظر والتأمل.
● بعد تحرير أقوال المفسرين نحذف الرموز من أسماء المسائل لعدم الحاجة إليها؛ لأننا نذكر أسماءهم بلا رموز في تفاصيل الكلام في المسائل.
الأمثلة والتطبيقات:
تفسير قول الله تعالى: {والسماء والطارق . وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب} - قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقسم تعالى بالسّماء وما جعل فيها من الكواكب النّيّرة؛ ولهذا قال: {والسّماء والطّارق}، ثمّ قال: {وما أدراك ما الطّارق}. ثمّ فسّره بقوله: {النّجم الثّاقب}. قال قتادة وغيره: إنّما سمّي النّجم طارقاً؛ لأنّه إنّما يرى باللّيل ويختفي بالنّهار. ويؤيّده ما جاء في الحديث الصّحيح: (نهى أن يطرق الرّجل أهله طروقاً) أي: يأتيهم فجأةً باللّيل، وفي الحديث الآخر المشتمل على الدّعاء: ((إلاّ طارقاً يطرق بخيرٍ يا رحمن)). وقوله: {الثّاقب} قال ابن عبّاسٍ: المضيء. وقال السّدّيّ: يثقب الشّياطين إذا أرسل عليها. وقال عكرمة: هو مضيءٌ محرقٌ للشّيطان). [تفسير القرآن العظيم: 8 / 374-375] |
في هذا النصّ ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: بيان المقسم به
- المقسم به هو السماء وما جعل فيها من الكواكب النيّرة، ذكره ابن كثير.
المسألة الثانية: سبب تسمية النجم طارقاً.
- سبب تسمية النجم طارقاً لأنه إنما يُرى بالليل، وهو قول قتادة، ذكره ابن كثير، واحتجّ له بحديث: نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً" وحديث" إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان"
المسألة الثالثة: معنى الثاقب
وفيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: المضيء، وهو قول ابن عباس، ذكره عنه ابن كثير.
والقول الثاني: يثقب الشياطين إذا أرسل عليها، وهو قول السدي، ذكره عنه ابن كثير.
والقول الثالث: مضيء ومحرق للشياطين، وهو قول عكرمة، ذكره عنه ابن كثير.
تفسير قول الله تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}- قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (الهمّاز بالقول، واللمّاز بالفعل، يعني: يزدري الناس وينتقص بهم، وقد تقدّم بيان ذلك في قوله: {همّازٍ مشّاءٍ بنميمٍ}.قال ابن عبّاسٍ: همزةٌ لمزةٌ: طعّانٌ معيابٌ. وقال الربيع بن أنسٍ: الهمزة يهمزه في وجهه، واللّمزة من خلفه. وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.وقال مجاهدٌ: الهمزة: باليد والعين، واللّمزة: باللسان، وهكذا قال ابن زيدٍ. وقال مالكٌ: عن زيد بن أسلم: همزُه لحوم الناس). [تفسير القرآن العظيم: 8 / 481] |
ذكر ابن كثير أقوالاً للعلماء في الفرق بين "الهمزة اللمزة" اتفقت على أنه كثير العيب للناسِ، لكن اختلفوا في الفرق بين الهمزة واللمزة على أقوال:
القول الأول: الهمزة الذي يعيب الناس بقوله، واللمزة الذي يعيب الناس بفعله، وهو اختيار ابن كثير.
القول الثاني: الذي يعيب الناس في وجوههم، واللمزة الذي يعيبهم من خلفهم، وهو قول الربيع بن أنس البكري.
القول الثالث: الهمزة الذي يعيب الناس بفعله بيده وعينه، واللمزة الذي يعيبهم بقوله، وهو قول مجاهد، وقريب منه قول عبد الرحمن بن زيد.
اجمع أقوال المفسرين في المسائل التالية وصنّفها:
تفسير قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}- قال الحسين بن مسعود البغوي (ت: 516هـ): ({وجوه يومئذ} يعني يوم القيامة {ناضرة} قال ابن عباس: « حسنة »، وقال مجاهد: « مسرورة »، وقال ابن زيد: « ناعمة »، وقال مقاتل: « بيض يعلوها النور »، وقال السدي: « مضيئة »، وقال يمان: « مسفرة »، وقال الفراء: « مشرقة بالنعيم ». يقال: نضَرَ اللهُ وجهَه ينضَر نَضَرا، ونَضَّره اللهُ وأنضَرَه، ونَضِرَ وجهُه يَنْضَر نَضْرَةً ونضَارةً، قال الله تعالى: {تعرف في وجوههم نضرة النعيم}). [معالم التنزيل: 8 / 284 ] - قال معين الدين محمد بن عبد الرحمن الإيجي(ت:905هـ): ( {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ}: يوم القيامة، {نَاضِرَةٌ}: من النضارة أي: حسنة بهيَّة مشرقة). [جامع البيان: 4 / 413 ] - قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي(ت:1376هـ): ({وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح). |
تفسير قول الله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}- قال عبد الحقّ بن غالب ابن عطية الأندلسي(ت:542هـ): (قوله تعالى: {وله ما سكن}...الآية {وله}: عطف على قوله: {لله} واللام للملك، و{ما} بمعنى الذي، و{سكن} هي من السكنى ونحوه أي ما ثبت وتقرر، قاله السدي وغيره. وقالت فرقة: هو من السكون. وقال بعضهم: لأن الساكن من الأشياء أكثر من المتحرك، إلى غير هذا من القول الذي هو تخليط. والمقصد في الآية عموم كل شيء، وذلك لا يترتب إلا أن يكون سكن بمعنى استقر وثبت، وإلا فالمتحرك من الأشياء المخلوقات أكثر من السواكن، ألا ترى إلى الفلك والشمس والقمر والنجوم السابحة والملائكة وأنواع الحيوان. و{الليل والنهار} حاصران للزمان. {وهو السميع العليم}: هاتان صفتان تليقان بنمط الآية من قِبَل أنَّ ما ذكر قبلُ من الأقوال الردية عن الكفرة العادلين، هو سميع لهم، عليم بمواقعها، مُجازٍ عليها، ففي الضمير وعيد). [المحرر الوجيز: 2 / 272 ] - قال محمد بن صالح العثيمين(ت:1421هـ): (قوله: {وَلَهُ} الضمير يعود على الله عز وجل. قوله: {سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} يصح أن تكون من السكنى، ويصح أن تكون من السكون الذي هو ضد الحركة، فإن كانت من السكون، بقي أن يقال: وأين المتحرك؟؛ لأن الأشياء إما ساكن وإما متحرك، وهنا قال: {وَلَهُ مَا سَكَنَ} والجواب عن هذا الإشكال أن يقال: إن هذا من باب الاستغناء بذكر أحد الضدين عن الآخر، ونظيره قول الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} السرابيل تقي الحر والبرد، لكن ذكر الحر والبأس؛ لأن اللباسين متفقان، هذا يلبس عند حرارة الجو، والثاني يلبس عند حرارة القتال، فاستغنى بذكر الحر عن ذكر البرد. أما إذا جعلناها من السكنى فالمعنى أن له كل شيء؛ لأن كل المخلوقات ساكنة في مقارّها. فإن قيل: وإذا كان اللفظ صالحاً لهذا وهذا، فهل نستعمله في المعنيين؟ فالجواب: نعم، بشرط ألا يقع بينهما منافاة، فإن وقع بينهما منافاة أخذ بما يرجحه الدليل، تأمل قوله: {فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} تجد أنه عام في الزمان، وقوله: في الآية التي قبلها: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} عام في المكان، فذكر الله تبارك وتعالى عموم المكان وعموم الزمن). |
التطبيق الثالث: معنى وصف البلد بالأمين في قول الله تعالى: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)}
تفسير قول الله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)}- قال إسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي(ت:774هـ): ({وهذا البلد الأمين} يعني: مكة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وإبراهيم النخعي، وابن زيد، وكعب الأحبار. ولا خلاف في ذلك.وقال بعض الأئمة: هذه محال ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار:فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم.والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران.والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمداً صلى الله عليه وسلم). [ تفسير القرآن العظيم: 8 / 434 ]- قال معين الدين محمد بن عبد الرحمن الإيجي(ت:905هـ): ({وَهَذا البَلَدِ الأَمِينِ}: أمانته أن يحفظ من دخله، كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه، فهو من آمن، أو المأمون من الغوائل، فهو من أمنه، والمراد: مكة). [ جامع البيان: 4 / 508 ] |
المثال الأول:
الأقوال في المراد بالرجع في قول الله تعالى: {والسماء ذات الرجع}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: الرّجع: المطر. وعنه: هو السّحاب فيه المطر. وعنه: {والسّماء ذات الرّجع}: تمطر ثمّ تمطر. وقال قتادة: ترجع رزق العباد كلّ عامٍ، ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم.
وقال ابن زيدٍ: ترجع نجومها وشمسها وقمرها يأتين من ههنا).
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (ثمَّ أقسمَ قسماً ثانياً على صحةِ القرآنِ، فقالَ: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}أي: ترجعُ السماءُ بالمطرِ كلَّ عامٍ، وتنصدعُ الأرضُ للنباتِ، فيعيشُ بذلكَ الآدميونَ والبهائمُ، وترجعُ السماءُ أيضاً بالأقدارِ والشؤون الإلهيةِ كلَّ وقتٍ، وتنصدعُ الأرضُ عن الأمواتِ
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(11-{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} الرَّجْعُ: الْمَطَرُ؛لأَنَّهُ يَجِيءُ وَيَرْجِعُ وَيَتَكَرَّرُ).
مجموع الأقوال:
ورد في المراد بالرجع أربعة أقوال:
القول الأول: المطر، وهو قول ابن عباس، وقتادة. ذكر ذلك عنهم ابن كثير، وذكر هذا القول كذلك السعديّ والأشقر.
القول الثاني: السّحاب فيه المطر، وهو مروي أيضا عن ابن عباس، ذكره ابن كثير.
القول الثالث: النجوم والشمس والقمر، وهو قول ابن زيد، كما ذكر ابن كثير.
القول الرابع: الأقدار والشؤون الإلهية، ذكره السعديّ.
المثال الثاني:
المراد بالحسنى في قوله تعالى: (وصدّق بالحسنى(6)) الليل.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وصدّق بالحسنى} أي: بالمجازاة على ذلك. قاله قتادة.
وقال خصيفٌ: بالثّواب. وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وأبو صالحٍ، وزيد بن أسلم: {وصدّق بالحسنى} أي: بالخلف.
وقال أبو عبد الرحمن السّلميّ والضّحّاك: {وصدّق بالحسنى} أي: بلا إله إلاّ الله.
وفي روايةٍ عن عكرمة: {وصدّق بالحسنى} أي: بما أنعم الله عليه.
وفي روايةٍ عن زيد بن أسلم: {وصدّق بالحسنى} قال: الصلاة والزكاة والصوم. وقال مرّةً: وصدقة الفطر.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا صفوان بن صالحٍ الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا زهير بن محمّدٍ، حدّثني من سمع أبا العالية الرّياحيّ يحدّث عن أبيّ بن كعبٍ، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحسنى، قال: ((الحسنى الجنّة)) ).
- الأقوال الواردة في المراد بالحسنى:
الأول: المجازاة على العطاء، قاله قتادة.
الثاني: الثواب، قاله خصيفٌ.
الثالث: الخلف، قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وأبو صالحٍ، وزيد بن أسلم.
الرابع: ما أنعم الله به على العبد، وهو رواية أخرى عن عكرمة.
الخامس: لا إله إلا الله، قاله أبو عبد الرحمن السّلميّ والضّحّاك.
السادس: الصلاة والزكاة والصوم، وهو رواية عن زيد بن أسلم، وزاد في رواية أخرى قال: وصدقة الفطر.
السابع: الجنة، وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا صفوان بن صالحٍ الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا زهير بن محمّدٍ، حدّثني من سمع أبا العالية الرّياحيّ يحدّث عن أبيّ بن كعبٍ، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحسنى، قال: ((الحسنى الجنّة)).
المثال الثالث:
الأقوال في المراد بالحفدة في قوله تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
قال ابن كثير رحمه الله:
(يذكر تعالى نعمه على عبيده ، بأن جعل لهم من أنفسهم أزواجا من جنسهم وشكلهم [وزيهم] ولو جعل الأزواج من نوع آخر لما حصل ائتلاف ومودة ورحمة ، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورا وإناثا ، وجعل الإناث أزواجا للذكور .
ثم ذكر تعالى أنه جعل من الأزواج البنين والحفدة ، وهم أولاد البنين . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، وابن زيد .
قال شعبة ، عن أبى بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( بنين وحفدة ) هم الولد وولد الولد .
وقال سنيد : حدثنا حجاج عن أبي بكر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : بنوك حين يحفدونك ويرفدونك ويعينونك ويخدمونك . قال جميل :
حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال
وقال مجاهد : ( بنين وحفدة ) ابنه وخادمه . وقال في رواية : الحفدة : الأنصار والأعوان والخدام .
وقال طاوس : الحفدة : الخدم وكذا قال قتادة ، وأبو مالك ، والحسن البصري .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة أنه قال : الحفدة : من خدمك من ولدك وولد ولدك .
قال الضحاك : إنما كانت العرب يخدمها بنوها .
وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) يقول : بنو امرأة الرجل ليسوا منه . ويقال : الحفدة : الرجل يعمل بين يدي الرجل ، يقال : فلان يحفد لنا قال : ويزعم رجال أن الحفدة أختان الرجل .
وهذا [ القول ] الأخير الذي ذكره ابن عباس قاله ابن مسعود ، ومسروق ، وأبو الضحى ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والقرظي . ورواه عكرمة ، عن ابن عباس .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : هم الأصهار .
قال ابن جرير : وهذه الأقوال كلها داخلة في معنى : " الحفد " وهو الخدمة ، الذي منه قوله في القنوت : " وإليك نسعى ونحفد " ولما كانت الخدمة قد تكون من الأولاد والأصهار والخدم فالنعمة حاصلة بهذا كله ; ولهذا قال : ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة )
قلت : فمن جعل ) وحفدة ) متعلقا بأزواجكم فلا بد أن يكون المراد الأولاد ، وأولاد الأولاد ، والأصهار ; لأنهم أزواج البنات ، وأولاد الزوجة ، وكما قال الشعبي والضحاك فإنهم غالبا يكونون تحت كنف الرجل وفي حجره وفي خدمته . وقد يكون هذا هو المراد من قوله [ عليه الصلاة ] والسلام في حديث بصرة بن أكثم : " والولد عبد لك " رواه أبو داود .
وأما من جعل الحفدة هم الخدم فعنده أنه معطوف على قوله : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) أي : وجعل لكم الأزواج والأولاد.)
ذكر ابن كثير في معنى "الحفدة" عددا من الأقوال المأثورة عن السلف:
1: أولاد البنين . روي عن ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، وابن زيد .
2: الأبناء، روي عن ابن عباس
3: الخدم، روي عن مجاهد، وطاوس، وقتادة، وأبي مالك، والحسن البصري
4: الأنصار والأعوان والخدم، روي عن مجاهد
5: الأولاد وأولاد الأولاد، روي عن عكرمه، والضحاك
6: بنو امرأة الرجل، روي عن ابن عباس، وابن مسعود ، ومسروق ، وأبي الضحى ، وإبراهيم النخعي ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والقرظي
7: الرجل يعمل بين يدي الرجل، لم ينسبه
8: أختان الرجل، لم ينسبه
9: أصهار الرجل، روي عن ابن عباس