الدروس
course cover
الدرس الثاني
12 Oct 2022
12 Oct 2022

1094

0

0

course cover
الصاحبي في فقه اللغة

القسم الأول

الدرس الثاني
12 Oct 2022
12 Oct 2022

12 Oct 2022

1094

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثاني


قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب القول في اللغة الّتي بها نزل القرآن وأنه ليس في كتاب الله جل ثناؤه شيء بغير لغة العرب

حدثنا أبو عليّ بن إبراهيم القطّان قال: حدثنا عليّ بن عبد العزيز عن أبي عبيد عن شيخ له أنه سمع الكلبيّ يحدث عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبعة أحرف أو قال بسبع لغات، منها خمسٌ بلغة العجز من هوازن وهم الذين يقال لهم عليا هوازن وهي خمس قبائل أو أربع، منها سعد بن بكر وجشم بن بكر ونصر بن معاوية وثقيف.

قال أبو عبيد: وأحسب أفصح هؤلاء بني سعد بن بكر لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصح العرب ميد أني من قريش وأني نشأت في بني سعد بن بكر", وكان مسترضعاً فيهم، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم.

وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يستحبّ أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر.

وقال عمر: لا يملينّ في مصاحفنا إلاّ غلمان قريش وثقيف.

وقال عثمان: اجعلوا المملي من هذيل والكاتب من ثقيف.

قال أبو عبيد: فهذا ما جاء في لغات مضر وقد جاءت لغاتٌ لأهل اليمن في القرآن معروفةٌ. منها قوله جلّ ثناؤه: {متّكئين فيها على الأرائك} فحدّثنا أبو الحسن علي عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: حدثنا هشيم أخبرنا منصور عن الحسن قال: كنا لا ندري ما الأرائك حتى لقينا رجلا من أهل اليمن فأخبرنا أن الأريكة عندهم: الحجلة فيها سرير.

قال أبو عبيد: فحدثنا الفزاري، عن نعيم بن أبي بسطام، عن أبيه، عن الضحاك بن مزاحم في قوله جل وعز: {ولو ألقى معاذيره} قال: ستوره. وأهل اليمن يسمون الستر: المعذار.

وزعم الكسائي عن القاسم بن معن في قوله جل وعز: {اسكن أنت وزوجك الجنة} أنها لغة لأزد شنوءة، وهم من اليمن.

ويروى مرفوعا: إن القرآن نزل على لغة الكعبيين: كعب بن لؤي، وكعب بن عمرو، وهو أبو خزاعة.

فأما قولنا: إنه ليس في كتاب الله تبارك وتعالى شيء بغير لغة العرب فلقوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا}.

وقال: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} وقرئت: (بلسن قومه).

فحدثني أبي قال: حدثني أبو نصر ابن أخت الليث بن إدريس، عن خاله الليث، عن ابن السكيت، قال:

حكى أبو عمرو: لكل قوم لسن، أي لغة يتكلمون بها.

وقال الله تعالى: {بلسان عربي مبين}.

وقال ابن عباس: ما أرسل الله عز وجل من نبي إلا بلسان قومه، وبعث الله محمدا، صلى الله عليه وسلم بلسان العرب.

وادعى ناس أن في القرآن ما ليس من لغة العرب، حتى ذكروا لغة الروم والقبط والنبط.

فحدثني أبو الحسين محمد بن هارون، قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز، عن علي ابن المغيرة الأثرم، قال:

قال أبو عبيدة: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول. ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول.

قال: وقد يوافق اللفظ اللفظ ويفارقه ومعناهما واحد، وأحدهما بالعربية والآخر بالفارسية، أو غيرها.

قال: فمن ذلك: الاستبرق بالعربية، وهو الغليظ من الديباج. والفرند، وهو إستبره بالفارسية.

قال: وأهل مكة يسمون المسح الذي يجعل فيه أصحاب الطعام البر-: البلاس، وهو بالفارسية: بلاس، فأمالوها وأعربوها، فقاربت الفارسية العربية في اللفظ والمعنى.

ثم ذكر أبو عبيدة: البالغاء، وهي الأكارع. وذكر القمنجر، الذي يصلح القسي. وذكر الدست والدشت، والخيم والشخت، ثم قال: وذلك كله من لغات العرب وإن وافقه في لفظه ومعناه شيء من غير لغاتهم.

وهذا كما قاله أبو عبيدة. وقول سائر أهل اللغة: إنه دخل في كلام العرب ما ليس من لغاتهم فعلى هذا التأويل الذي تأوله أبو عبيدة.

فأما أبو عبيد القاسم بن سلام، فأخبرني علي بن إبراهيم، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، قال:

أما لغات العجم في القرآن، فإن الناس اختلفوا فيها: فروي عن ابن عباس، وعن مجاهد وابن جبير وعكرمة وعطاء وغيرهم من أهل العلم-: أنهم قالوا في أحرف كثيرة: إنها بلغات العجم، منها: طه، واليم، والطور، والربانيون، فيقال: إنها بالسريانية.

ومنها قوله جل وعز: الصراط، والقسطاس، والفردوس، يقال: إنها بالرومية.

ومها قول جل: {كمشكاة} و{كفلين من رحمته} يقال: إنها بالحبشية.

وقوله "هيت لك" يقال إنها بالحورانيّة.

قال: فهذا قول أهل العلم من الفقهاء.

قال: وزعم أهل العربية أن القرآن ليس فيه من كلام العجم شيء وأنه كله بلسانٍ عربيّ، يتأوّلون قوله جلّ ثناؤه: {إنّا جعلناه قرآنًا عربيًّا}، وقوله: {بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ}.

قال أبو عبيدة: والصواب من ذلك عندي -والله اعلم- مذهب فيه تصديق القولين جميعاً, وذلك أنّ هذه الحروف وأصولها عجمية -كما قال الفقهاء- إلاّ أنها سقطت إلى العرب فأعربتها بألسنتها، وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربيّة. ثمّ نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب, فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: عجمية فهو صادق.

قال: وإنما فسّرنا هذا لئلا يقدم أحد على الفقهاء فينسبهم إلى الجهل، ويتوهّم عليهم أنهم أقدموا على كتاب الله جلّ ثناؤه بغير ما أرداه الله جلّ وعزّ، وهم كانوا أعلم بالتأويل وأشدّ تعظيماً للقرآن.

قال أحمد بن فارس: ليس كل من خالف قائلاً في مقالته فقد نسبه إلى الجهل. وذلك أن الصدر الأول اختلفوا في تأويل آي من القرآن فخالف بعضهم بعضاً. ثمّ خلف من بعدهم خلف، فأخذ بعضهم بقولٍ وأخذ بعض بقول، حسب اجتهادهم وما دلّتهم الدّلالة عليه. فالقول إذن ما قاله أبو عبيد، وإن كان قوم من الأوائل قد ذهبوا إلى غيره.

فإن قال قائل: فما تأويل قول أبي عبيد، فقد أعظم وأكبر?

قيل له: تأويله أنه أتي بأمر عظيم وكبير. وذلك أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شيء، لتوهّم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله لأنه أتي بلغات لا يعرفونها، وفي ذلك ما فيه.

وإذا كان كذا فلا وجه لقول من يجيز قراءة القرآن في صلاته بالفارسية لأن الفارسية ترجمة غير معجزة. وإنّما أمر الله جلّ ثناؤه بقراءة القرآن العربي المعجز.

ولو جازت القراءة بالترجمة الفارسية لكانت كتب التفسير والمصنّفات في معاني القرآن باللّفظ العربيّ أولى بجواز الصّلاة بها، وهذا لا يقوله أحد.


باب القول في مأخذ اللغة

تؤخذ اللغة اعتياداً كالصبي العربيّ يسمع أبويه وغيرهما، فهو يأخذ اللغة عنهم على مر الأوقات.

وتؤخذ تلقّناً من ملقّن.

وتؤخذ سماعاً من الرّواة الثقات ذوي الصدق والأمانة، ويتّقى المظنون.

فحدثنا علي بن إبراهيم عن المعدانيّ عن أبيه عن معروف بن حسان عن اللّيث عن الخليل قال:

إن النّحارير ربّما أدخلوا على الناس ما ليس من كلام العرب إرادة اللّبس والتّعنيت.

قلنا: فليتحرّ آخذ اللغة وغيرها من العلوم أهل الأمانة والثقة والصدق والعدالة. فقد بلغنا من أمر بعض مشيخة بغداد ما بلغنا. والله جل ثناؤه نستهدي التوفيق، وإليه نرغب في إرشادنا لسبل الصدق، إنه خير موفق ومعين.


باب القول في الاحتجاج باللغة العربية

لغة العرب يحتج بها فيما اختلف فيه، إذا كان " التنازع في اسم أو صفة أو شيء ومما تستعمله العرب من سننها في حقيقة ومجاز، أو ما أشبه ذلك مما يجيء في كتابنا هذا إن شاءَ الله.

فأما الذي سبيله سبيل الاستنباط، أو ما فيه لدلائل العقل مجال - فإن العرب وغيرهم فيه سواء؛ للآن سائلا لو سأل عن دلالة من دلائل التوحيد أو حجة في أصل فقه أو فرعه - لم يكن الاحتجاج فيه بشيء من لغة العرب، إذ كان موضوع ذلك على غير اللغات.

فأما الذي يختلف فيه الفقهاء - من قوله جل وعز: (أو لامستُم النِساء) وقوله: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قُروء) وقوله جل وعز: (ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم) وقوله: (ثم يعودون لما قالوا) - فمنه ما يصلح الاحتجاج فيه بلغة العرب، ومنه ما يوكل إلى غير ذلك).  [الصاحبي في فقه اللغة: 41-49]

هيئة الإشراف

#2

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب القول في حاجة أهل الفقه والفتيا إلى معرفة اللغة العربية

أقول: إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لا غناء بأحد منهم عنه. وذلك أن القرآن نازلٌ بلغة العرب، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، عربي. فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز، وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب - لم يجر من العلم باللغة بُدّا.

ولسنا نقول: إن الذي يلزمه من ذلك الإحاطة بكل ما قالته العرب؛ لأن ذلك غير مقدور عليه، ولا يكون إلا لنبي، كما قلناه أولاً. بل الواجب علم أصول اللغة والسنن التي بأكثرها نزل القرآن وجاءت السنة. فأما أن يكلف القارئ أو الفقيه أو المحدث معرفة أوصاف الإبل وأسماء السباع ونعوت الأسلحة، وما قالته العرب في الفلوات والفيافي، وما جاء عنهم من شواذ الأبنية وغرائب التصريف - فلا.

ولقد غلط أبو بكر بن داود أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، في كلمات ذكر أنه أخطأ فيها طريق اللغة. وليس يبعد أن يغلط في مثلها مثله في فصاحته. لكن الصواب على ما قاله أصوب.

فأما الكلمات فمنها: إيجابه ترتيب أعضاء الوضوء في الوضوء، مع إجماع العربية أن الواو تقتضي الجمع المطل لا التوالي.

ومنها: قوله في التزويج: إذا قال الولي: زوجتك فلانة، فقال المزوج: قد قبلتها - : إن ذلك ليس بنكاح حتى يقول: قد تزوجتها أو قبلت تزويجها. قال: ومعلوم أن الكلام إذا خرج جواباً فقد فهم أنه جواب عن سؤال، قال الله جل وعز: (فهل وجد نم ما وعد ربكم حقاً قالوا: نعم) وقال: (ألست بربكم قالو بلى) فاكتفى من المحبين بهذا، وما كلفوا أن يقولوا: بلى أنت ربنا.

قال: ومنها تسمية البكر التي لا توطأ حائلا. وابن داود يقول: إنما تسمى حائلا إذا كانت حاملاً مرة، أو توقع منها حمل فحالت.

ومنها قوله في الطائفة: إنها تكون ثلاثة وأكثر. وقد قال مجاهد: الطائفة تقع على الواحد.

ومنها قوله في قول الله جل وعز: (ذلك أدنى ألا تعولوا) أي لا يكثر من تعولون. والعرب تقول في كثرة العيال: أعال الرجل فهو معيل.

ومنها قوله في القروء: إنها الأطهار. فإن القرء من قولهم: يقرى الماء في حوضه. قال والعرب تقول: لا تطأ جاريتك حتى تقريها. وقال صلى الله عليه وسلم: دعي الصلاة أقرائك. قال أبو بكر: ومن العظيم أنّ علياً وعمر رضي الله عنهما قد قالا: "القرؤ: الحيض" فهل يجترا على تجهيلهما باللغة؟

ومنها قوله في قوله جلّ ثناؤه: {حرّض المؤمنين على القتال} أنه أراد الذكور دون الإناث. قال: وهذا من غريب ما يغلط فيه مثله. يقول الله جلّ ثناؤه: {يا بني آدم} أفتراه أراد الرّجال دون النساء؟

قال ابن داود: وإنّ قبيحاً مفرط القباحة بمن يعيب مالك بن أنسٍ بأنه لحن في مخاطبة العامّة بأن قال: "مطرنا البارحة مطراً أيّ مطراً" أن يرضى هو لنفسه أن يتكلم بمثل هذا. لأن النّاس لم يزالوا يلحنون ويتلاحنون فيما يخاطب بعضهم بعضاً اتّقاءً للخروج عن عادة العامة فلا يعيب ذلك من ينصفهم من الخاصة، وإنّما العيب على من غلط من جهة اللغة فيما يغير به حكم الشريعة والله المستعان.

فلذلك قلنا: إنّ علم اللغة كالواجب على أهل العلم، لئلاّ يحيدوا في تأليفهم أو فتياهم عن سنن الاستواء.

وكذلك الحاجة إلى علم العربية، فإن الإعراب هو الفارق بين المعاني. ألا ترى أن القائل إذا قال: "ما أحسن زيد" لم يفرّق بين التعجب والاستفهام والذمّ إلاّ بالإعراب.

وكذلك إذا قال: "ضرب أخوك أخانا" و"وجهك وجه حرّ" و"وجهك وجهٌ حرٌ" وما أشبه ذلك من الكلام المشتبه.

هذا وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أعربوا القرآن".

وقد كان الناس قديماً يجتنبون اللحن فيما يكتبونه أو يقرؤونه اجتنابهم بعض الذنوب. فأما الآن فقد تجوزا حتّى أن المحدّث يحدث فليحن. والفقيه يؤلف فيلحن. فإذا نبها قالا: ما ندري ما الإعراب وإنما نحن محدّثون وفقهاء. فهما يسران بما يساء به اللبيب.

ولقد كلمت بعض من يذهب بنفسه ويراها من فقه الشافعي بالرتبة العليا في القياس، فقلت له: ما حقيقة القياس ومعناه، ومن أي شيء هو? فقال: ليس عليّ هذا وإنما علي إقامة الدّليل على صحته.

فقل الآن في رجل يروم إقامة الدليل على صحة شيء لا يعرف معناه، ولا يدري ما هو. ونعوذ بالله من سوء الاختيار.


باب القول على لغة العرب هل لها قياس وهل يشتق بعض الكلام من بعض؟

أجمع أهل اللغة -إلا من شذ عنهم- أن للغة العرب قياساً, وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض.

وأن اسم الجنّ مشتق من الاجتنان. وأن الجيم والنون تدلاّن أبداً على الستر. تقول العرب للدّرع: جنّة, وأجنة الليل, وهذا جنين، أي هو في بطن أمّه أو مقبور, وأن الإنس من الظهور؛ يقولون: آنست الشيء: أبصرته.

وعلى هذا سائر كلام العرب، علم ذلك من علم وجهله من جهل.

قلنا: وهذا أيضاً مبنيٌ على ما تقدم من قولنا في التوقيف. فإن الّذي وقّفنا على أن الاجتنان التستر هو الّذي وقّفنا على أن الجنّ مشتق منه.

وليس لنا اليوم أن نخترع ولا أن نقول غير ما قالوه ولا أن نقيس قياساً لم يقيسوه، لأن في ذلك فساد اللغة وبطلان حقائقها.

ونكتة الباب أن اللغة لا تؤخذ قياساً نقيسه الآن نحن.


باب القول على أن لغة العرب لم تنته إلينا بكليتها وأن الّذي جاءنا عن العرب قليل من كثير وأن كثيراً من الكلام ذهب بذهاب أهله

ذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أنّ الّذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقلّ.

قال: ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاءنا شعرٌ كثيرٌ وكلام كثير.

وأحر بهذا القول أن يكون صحيحاً. لأنّا نرى علماء اللغة يختلفون في كثير مما قالته العرب، فلا يكاد واحد منهم يخبّر عن حقيقة ما خولف فيه، بل يسلك طريق الاحتمال والإمكان.

ألا ترى أنّا نسألهم عن حقيقة قول العرب في الإغراء "كذبك كذا" وعما جاء في الحديث من قوله: "كذب عليكم الحجّ" و"كذبك العسل" وعن قول القائل:

كذبت عليكم أوعدوني وعلّلوا ... بي الأرض والأقوام قردان موظبا

وعن قول الآخر:

كذب العتيق وماء شنٍّ باردٌ ... إن كنت سائلتي غبوقاً فاذهب

ونحن نعلم أن قوله: "كذب" يبعد ظاهره عن باب الإغراء.

وكذلك قولهم "عنك في الأرض" و"عنك شيئاً" وقول الأفوه:

عنكم في الأرض إنّا مذحجٌ ... ورويداً يفضح الليل النهار

ومن ذلك قولهم: "أعمد من سيّد قتله قومه?" أي "هل زاد?" فهذا من مشكل الكلام الّذي لم يفسر بعد. قال ابن ميّادة:

وأعمد من قوم كفاهم أخوهم ... صدام الأعادي حين فلّت نيوبها

قال الخليل وغيره: "معناه هل زدنا علة أن كفينا?".

وقال أبو ذؤيب:

صخب الشوارب لا يزال كأنه ... عبدٌ لآل أبي ربيعة مسبع

فقوله "مسبعٌ" ما فسّر حتّى الآن تفسيراً شافيًا. ومنه قول الأعشى:

ذات غرب ترمي المقدّم بالرّد ... ف إذا ما تتابع الأرواق

وقوله في هذه القصيدة:

المهنين ما لهم في زمان الـ ... ـجدب حتّى إذا أفاق أفاقوا

ومن هذا الباب قولهم "يا عيد ما لك" و"يا هيئ ما لك" و"يا شيء ما لك" ويا في مالك.

ولم يفسّروا قولهم "صه" و"ويهك" و"إنيه" ولا قول القائل:

بخائبك الحق يهتفون وحيّ هل

ويقولون: "خائبكما" و"خائبكم".

فأمّا "الزّجر والدّعاء" الّذي لا يفهم موضوعه فكثير. كقولهم: "حي هل" و"حيّ هلا", و"بعينٍ ما أرينّك", في موضع أعجل.

و"هج", و"هجا", و"دع", و"دعا", و"لعًا" للعاثر يدعون له. وينشدون:

ومطيّة حمّلت ظهر مطيّةٍ ... حرجٍ تنمّى مل عثار بدعدع

ويروى: تنم من العثار.

ويروى عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تقولوا: دعدع ولا لعلع، ولكن قولوا: اللهم ارفع وانفع".

فلولا أن للكلمتين معنى مفهوماً عند القوم ما كرههما النبيّ -صلى الله عليه وسلم.

وكقولهم في الزّجر: "أخّر" و"أخّري" و"ها" و"هلا" و"هاب" و"ارحبي" و"عدّ" و"عاج" و"يا عاط" و"يعاط" وينشدون:

وما كان على الجيء ... ولا الهيء امتداحيكا

وكذلك "إجد" و"أجدم" و"حدّج".

لا نعلم أحداً فسّر هذا.

وهو باب يكثر ويصحّح ما قلناه.

ومن المشتبه الّذي لا يقال فيه اليوم إلاّ بالتقريب والاحتمال, وما هو بغريب اللفظ لكنّ الوقوف على كنهه معتاصٌ, قولنا: "الحين", و"الزمان", و"الدهر", و"الأوان", إذا قال القائل أو حلف الحالف: "والله لا كلمته حيناً ولا كلمته زماناً أو دهراً".

وكذلك قولنا: "بضع سنين" مشتبه.

وأكثر هذا مشكل لا يقصر بشيء منه على حدّ معلوم.

ومن الباب قولهم في الغنى والفقر وفي الشريف والكريم واللئيم، إذا قال: "هذا لأغنياء أهلي" أو "فقرائهم" أو "أشرافهم" أو "كرامهم" أو "لئامهم". وكذلك أن قال: "امنعوه سفهاء قومي" لم يمكن تحديد السّفه.

ولقد شاهدت منذ زمانٍ قريب قاضياً يريد حجراً على رجل مكتهل. فقلت: "ما السبب في حجره عليه?" فقال: "يزعم أنه يتصيّد بالكلاب وأنه سفيه" فقرئ على القاضي قوله جلّ ثناؤه: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه فكلوا ممّا أمسكن عليكم} فأمسك القاضي عن الحجر على الكهل.

وكذلك إذا قال: "ما لي لذوي الحسب" أو "امنعوه السّفلة" وما أشبه هذا مما يطول الباب بذكره فلا وجه في شيء من هذا غير التقريب والاحتمال، وعلى اجتهاد الموصى إليه أو الحاكم فيه. وإلا فإنّ تحديده حتّى لا يجوز غيره بعيدٌ.

وقد كان لذلك كله ناس يعرفونه. وكذلك يعلمون معنى ما نستغربه اليوم نحن من قولنا: "عبسور" في الناقة: "وعيسجور" و"امرأة ضناك" و"فرس أشقّ أمقّ خبقٌ" ذهب هذا كله بذهاب أهله ولم يبق عندنا إلاّ الرسم الذي نراه.

وعلماء هذه الشريعة -وإن كانوا اقتصروا من علم هذا على معرفة رسمه دون علم حقائقه- فقد اعتاضوا عنه دقيق الكلام في أصول الدين وفروعه من الفقه والفرائض. ومن دقيق النحو وجليله. ومن علم العروض الّذي يربي بحسنه ودقته واستقامته على كل ما يبجح به الناسبون أنفسهم إلى الّتي يقال لها: الفلسفة. ولكل زمان علم، وأشرف العلوم علم زماننا هذا والحمد لله).  [الصاحبي في فقه اللغة: 50-66]

هيئة الإشراف

#3

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب انتهاء الخلاف في اللغات

تقع في الكلمة الواحدة لغتان. كقولهم: "الصّرام", و"الصّرام", و"الحصاد", و"الحصاد".

وتقع في الكلمات ثلاث لغات. نحو: "الزّجاج" و"الزّجاج" و"الزّجاج", و"وشكان ذا", و"وشكان ذا", و"وشكان ذا".

وتقع في الكلمة أربع لغات. نحو: "الصّداق" و"الصّداق" و"الصّدقة" و"الصّدقة".

وتكون منها خمس لغات. نحو: "الشّمال" والشّمل" و"الشّمل" و"الشّأمل" و"الشّمل".

وتكون فيها ست لغات: "قسطاس" و"قسطاس" و"قصطاس" و"قستاس" و"قسّاط" و"قسّاط".

ولا يكون أكثر من هذا.

والكلام بعد ذلك أربعة أبواب:

الباب الأول: المجمع عليه الّذي لا علة فيه، وهو الأكثر والأعم. مثل: الحمد والشكر، لا اختلاف فيه في بناء ولا حركة.

والباب الثاني: ما فيه لغتان وأكثر إلاّ أن إحدى اللّغات أفصح. نحو: "بغداذ" و"بغداد" و"بغدان" هي كلّها صحيحة، إلاّ أن "بغداد" في كلام العرب أصح وأفصح.

والباب الثالث: ما فيه لغتان أو ثلاث أو أكثر، وهي متساوية، كـ"الحصاد" و"الحصاد". و"الصّداق" و"الصّداق"، فأيّا ما قال القائل: فصحيح فصيح.

والباب الرابع: ما فيه لغة واحدة، إلاّ أن المولّدين غيّروا فصارت ألسنتهم بالخطأ جاريةً. نحو قولهم: "أصرف الله عنك كذا" و"إنجاص" و"إمرأة مطاعةٌ" و"عرق النّسا" بكسر النون، وما أشبه ذا.

وعلى هذه الأبواب الثلاثة بنى أبو العباس ثعلب كتابه المسمّى فصيح الكلام أخبرنا به أبو الحسن القطّان عنه.


باب مراتب الكلام في وضوحه وإشكاله

أما واضح الكلام فالذي يفهمه كلّ سامع عرف ظاهر كلام العرب. كقول القائل: شربت ماءً ولقيت زيداً.

وكما جاء في كتاب الله جل ثناؤه من قوله: {حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير}.

وكقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتّى يغسلها ثلاثاً".

وكقول الشاعر:

إن يحسدوني فإني غير لائمهم ... قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا

وهذا أكثر الكلام وأعمّه.

وأما المشكل، فالذي يأتيه الإشكال من غرابة لفظه.

أو أن تكون فيه إشارة إلى خبر لم يذكره قائله على جهته.

أو أن يكون الكلام في شيء غير محدود.

أو يكون وجيزاً في نفسه غير مبسوط.

أو تكون ألفاظه مشتركةً.

فأما المشكل لغرابة لفظه فقول القائل: "يملخ في الباطل ملخاً ينقض مذرويه", وكما أنه قيل: "أيدالك الرجل المرأة?" قال: "نعم، إذا كان ملفجاً".

ومنه في كتاب الله جل ثناؤه: {فلا تعضلوهنّ}، {ومن النّاس من يعبد اللّه على حرفٍ}، {وسيّدًا وحصورًا}، {ويبرئ الأكمه}, وغيره مما صنّف علماؤنا فيه كتب غريب القرآن.

ومنه في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم: "على التّيعة شاة, والتّيمة لصاحبها, وفي السّيوب الخمس لا خلاط ولا وراط ولا شناق ولا شغار. من أجبى فقد أربى" وهذا كتابه إلى الأقيال العباهلة.

ومنه في شعر العرب:

وقاتم الأعماق

شأز بمن عوه

مضبورةٍ قرواء هرجابٍ فنق

وفي أمثال العرب: "باقعةٌ", و"شراب بأنقع", و"مخرنبقٌ لينباع".

والذي أشكل لإيماء قائله إلى خبر لم يفصح به كقول القائل: "لم أفرّ يوم عينين" و"رويداً سوقك بالقوارير" وقول امرئ القيس:

دع عنك نهباً صيح في حجراته

وقول الآخر:

إن العصا قرعت لذي الحلم

وفي كتاب الله جل ثناؤه ما لا يعلم معناه إلاّ بمعرفة قصته، وهو قوله جلّ ثناؤه: {قل من كان عدوًّا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن اللّه}.

وفي أمثال العرب: "عسى الغوير أبؤساً".

والذي يشكل لأنه لا يحدّ في نفس الخطاب, فكقوله جلّ ثناؤه: {أقيموا الصّلاة} فهذا مجمّل غير مفصل حتّى فسّره النبي -صلى الله عليه.

والذي أشكل لوجازة لفظه قولهم:

الغمرات ثمّ ينجلينا

والذي يأتيه الإشكال لاشتراك اللفظ قول القائل:

"وضعوا اللّجّ على قفيّ".

وعلى هذا الترتيب يكون الكلام كلّه في الكتاب والسّنة وأشعار العرب وسائر الكلام.


باب ذكر ما اختصت به العرب

من العلوم الجليلة الّتي خصت بها العرب الإعراب الّذي هو الفارق بين المعاني المتكافئة في اللفظ، وبه يعرف الخبر الّذي هو أصل الكلام، ولولاه ما ميّز فاعل من مفعول، ولا مضاف من منعوت، ولا تعجّبٌ من استفهام، ولا صدر من مصدر، ولا نعتٌ من تأكيد.

وذكر بعض أصحابنا أن الإعراب يختص بالأخبار.

وقد يكون الإعراب في غير الخبر أيضاً. لأنّا نقول: "أزيدٌ عندك?" و"أزيداً ضربت?" فقد عمل الإعراب وليس هو من باب الخبر.

ورغم ناس يتوقف عن قبول أخبارهم أن الذين يسمون الفلاسفة قد كان لهم إعرابٌ ومؤلّفات نحوٍ.

قال أحمد بن فارس: وهذا كلام لا يعرّج على مثله. وإنما تشبّه القوم آنفاً بأهل الإسلام، فأخذوا من كتب علمائنا، وغيّروا بعض ألفاظها، ونسبوا ذلك إلى قوم ذوي أسماء منكرةٍ بتراجم بشعةٍ لا يكاد لسان ذي دين ينطق بها.

وادّعوا مع ذلك أن للقوم شعراً، وقد قرأناه فوجدناه قليل الماء، نزر الحلاوة، غير مستقيم الوزن.

بلى، الشّعر شعر العرب، ديوانهم وحافظ مآثرهم، ومقيّد أحسابهم، ثمّ للعرب العروض الّتي هي ميزان الشّعر، وبها يعرف صحيحه من سقيمه.

ومن عرف دقائقه وأسراره وخفاياه علم أنه يربي على جميع ما يبجح به هؤلاء الّذين ينتحلون معرفة حقائق الأشياء من الأعداد والخطوط والنقط الّتي لا أعرف لها فائدة غير أنها مع قلة فائدتها ترقّ الدّين، وتنتج كل ما نعوذ بالله منه.

وللعرب حفظ الأنساب وما يعلم أحدٌ من الأمم عني بحفظ النسب عناية العرب. قال الله جلّ ثناؤه: {يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} فهي آية ما عمل بمضمونها غيرهم.

ومما خصّ الله جلّ ثناؤه به العرب طهارتهم ونزاهتهم عن الأدناس الّتي استباحها غيرهم من مخالطة ذوات المحارم. وهي منقبة تعلو بجمالها كلّ مأثرةٍ والحمد لله.


باب الأسباب الإسلامية

كانت العرب في جاهليتها على إرثٍ من إرث آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسائكهم وقرابينهم. فلما جاء الله جلّ ثناؤه بالإسلام حالت أحوالٌ، ونسخت ديانات، وأبطلت أمورٌ، ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخر بزيادات زيدت، وشرائع شرعت، وشرائط شرطت. فعفّى الآخر الأوّل، وشغل القوم -بعد المغاورات والتّجارات وتطلّب الأرباح والكدح للمعاش في رحلة الشتاء والصّيف، وبعد الأغرام بالصّيد والمعاقرة والمياسرة- بتلاوة الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وبالتّفقّه في دين الله عزّ وجلّ، وحفظ سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- مع اجتهادهم في مجاهدة أعداء الإسلام.

فصار الّذي نشأ عليه آباؤهم ونشأوا عليه كأن لم يكن وحتى تكلّموا في دقائق الفقه وغوامض أبواب المواريث وغيرها من علم الشريعة وتأويل الوحي بما دوّن وحفظ حتّى الآن.

فصاروا -بعدما ذكرناه- إلى أن يسأل إمامٌ من الأئمة وهو يخطب على منبره عن فريضة فيفتي ويحسب بثلاث كلمات. وذلك قول أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه حين سئل عن ابنتين وأبوين وامرأة: "صار ثمنها تسعاً" فسميت: "المنبريّة".

وإلى أن يقول هو صلوات الله عليه علي منبره والمهاجرون والأنصار متوافرون: "سلوني، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل" وحتى قال صلوات الله عليه وأشار إلى ابنيه: "يا قوم، استنبطوا منّي ومن هذين علم ما مضى وما يكون".

وإلى ان يتكلم هو وغيره في دقائق العلوم بالمشهور من مسائلهم في الفرض وحده، كالمشتركة، ومسألة المباهلة والغرّاء، وأمّ الفرّوخ، وأمّ الأرامل، ومسألة الامتحان، ومسألة ابن مسعود، والأكدريّة.

ومختصرة زيد، والخرقاء، وغيرها ممّا هو أغمض وأدقّ.

فسبحان من نقل أولئك في الزمن القريب بتوقيفه، عمّا ألفوه ونشأوا عليه وغذوا به، إلى مثل هذا الّذي ذكرناه.

وكلّ ذلك دليل على حقّ الإيمان وصحة نبوة نبيّنا محمد -صلى الله عليه وسلم.

فكان مما جاء في الإسلام ذكر المؤمن والمسلم والكافر والمنافق. وأنّ العرب إنّما عرفت المؤمن من الأمان والإيمان وهو التصديق. ثمّ زادت الشريعة شرائط وأوصافاً بها سمي المؤمن بالإطلاق مؤمناً.

وكذلك الإسلام والمسلم، إنّما عرفت منه إسلام الشيء ثمّ جاء في الشّرع من أوصافه ما جاء.

وكذلك كانت لا تعرف من الكفر إلاّ الغطاء والسّتر.

فأما المنافق فاسمٌ جاء به الإسلام لقوم أبطنوا غير ما أظهروه، وكان الأصل من نافقاء اليربوع.

ولم يعرفوا في الفسق إلاّ قولهم: "فسقت الرّطبة" إذا خرجت من قشرها، وجاء الشرع بأن الفسق الأفحاش في الخروج عن طاعة الله جلّ ثناؤه.

ومما جاء في الشرع الصلاة وأصله في لغتهم: الدّعاء.

وقد كانوا عرفوا الركوع والسجود، وإن لم يكن على هذه الهيئة، فقالوا:

أو درّةٍ صدفيّةٍ غوّاصها ... بهج متى يرها يهلّ ويسجد

وقال الأعشى:

يراوح من صلوات المليك ... طوراً سجوداً وطوراً جؤاراً

والذي عرفوه منه أيضاً ما أخبرنا به عليٌّ عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: قال أبو عمروٍ: "اسجد الرجل: طأطأ وانحنى" قال حميد بن ثور:

فضول أزمّتها أسجدت ... سجود النصارى لأربابها

وأنشد:

فقلن له أسجد لليلى فأسجدا

يعني البعير إذا طأطأ رأسه لتركبه.

وهذا وإن كان كذا, فإن العرب لم تعرفه بمثل ما أتت به الشريعة من الأعداد والمواقيت والتّحريم للصلاة، والتّحليل منها.

وكذلك القيام أصله عندهم الإمساك ويقول شاعرهم:

خيلٌ صيامٌ وأخرى غير صائمة ... تحت العجاج وخيلٌ تعلك اللّجما

ثم زادت الشريعة النّية، وحظرت الأكل والمباشرة وغير ذلك من شرائع الصوم.

وكذلك الحجّ، لم يكن عندهم فيه غير القصد، وسبر الجراح. من ذلك قولهم:

وأشهد من عوفٍ حلولاً كثيرةً ... يحجّون سبّ الزّبرقان المزعفرا

ثم زادت الشريعة ما زادته من شرائط الحج وشعائره.

وكذلك الزّكاة، لم تكن العرب تعرفها إلاّ من ناحية النّماء، وزاد الشرع ما زاده فيها مما لا وجه لإطالة الباب بذكره.

وعلى هذا سائر ما تركنا ذكره من العمرة والجهاد وسائر أبواب الفقه.

فالوجه في هذا إذا سئل الإنسان عنه أن يقول: في الصلاة اسمان لغويٌّ وشرعيٌّ، ويذكر ما كانت العرب تعرفه، ثمّ ما جاء الإسلام به.

وهو قياس ما تركنا ذكره من سائر العلوم، كالنحو والعروض والشّعر, كل ذلك له اسمان لغوي وصناعيٌّ).  [الصاحبي في فقه اللغة: 67-86]