الدروس
course cover
الدرس الثالث
12 Oct 2022
12 Oct 2022

1094

0

0

course cover
الصاحبي في فقه اللغة

القسم الأول

الدرس الثالث
12 Oct 2022
12 Oct 2022

12 Oct 2022

1094

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثالث


قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب القول في حقيقة الكلام

زعم قوم أن "الكلام ما سمع وفهم" وذلك قولنا: "قام زيد" و"ذهب عمرو".

وقال قوم: "الكلام حروف مؤلّفة دالة على معنى".

والقولان عندنا متقاربان؛ لأن المسموع المفهوم لا يكاد يكون إلاّ بحروف مؤلّفة تدل على معنى.

وقال لي بعض فقهاء بغداد: إن الكلام على ضربين مهمل ومستعمل. قال: فالمهمل: "هو الّذي لم يوضع للفائدة" والمستعمل: "ما وضع ليفيد".

فأعلمته أن هذا كلام غير صحيح، وذلك أن المهمل على ضربين:

ضربٌ لا يجوز ائتلاف حروفه في كلام العرب بتّةً، وذلك كجيم تؤلّف مع كاف أو كاف تقدّم على جيم، وكعين مع غين، أو حاء مع هاء أو غين، فهذا وما أشبهه لا يأتلف.

والضرب الآخر ما يجوز تألّف حروفه لكن العرب لم تقل عليه، وذلك كإرادة مريد أن يقول: "عضخ" فهذا يجوز تألّفه وليس بالنافر، ألا تراهم قد قالوا في الأحرف الثلاثة: "خضع" لكن العرب لم تقل عضخ، فهذان ضربا المهمل.

وله ضرب ثالث وهو أن يريد مريد أن يتكلم بكلمة على خمسة أحرف ليس فيها من حروف الذّلق أو الأطباق حرف.

وأي هذه الثلاثة كان فإنه لا يجوز أن يسمى: "كلاماً" لما ذكرناه من أنه وإن كان مسموعاً مؤلفاً فهو غير مفيد.

وأهل اللغة لم يذكروا المهمل في أقسام الكلام وإنما ذكروه في الأبنية المهملة الّتي لم تقل عليها العرب.

فقد صح ما قلناه من خطأ من زعم أن المهمل كلام.


باب أقسام الكلام

أجمع أهل العلم أن الكلام ثلاثة: اسم وفعل وحرف.

فأما الاسم فقال سيبويه: "الاسم نحو رجل وفرس".

وهذا عندنا تمثيل، وما أراد سيبويه به التحديد، إلاّ أن ناساً حكوا عنه أن "الاسم هو المحدّث عنه" وهذا شبيه بالقول الأول لأن "كيف" اسم ولا يجوز أن يحدّث عنه.

وسمعت أبا عبد الله بن محمد بن داود الفقيه يقول سمعت: أبا العباس محمد بن يزيد المبرّد يقول:

مذهب سيبويه أن "الاسم ما صلح أن يكون فاعلاً".

قال: وذلك أن سيبويه قال: "ألا ترى أنك لو قلت: إن يضرب يأتينا وأشباه ذلك لم يكن كلاماً، كما تقول إن ضاربك يأتينا".

قال: فدل هذا على أن الاسم عنده ما صلح له الفعل.

قال: وعارضه بعض أصحابه في هذا بأن "كيف" و"عند" و"حيث" و"أين" أسماء وهي لا تصلح أن تكون فاعلة.

والدليل على أن أين وكيف أسماء قول سيبويه: "الفتح في الأسماء قولهم: كيف وأين".

فهذا قول سيبويه والبحث عنه.

وقال الكسائي: "الاسم ما وصف".

وهذا أيضاً معارض بما قلناه من كيف وأين أنهما اسمان ولا ينعتان.

وكان الفرّاء يقول: "الاسم ما احتمل التنوين أو الإضافة أو الألف واللام" وهذا القول أيضاً معارض بالذي ذكرناه أو نذكره من الأسماء الّتي لا تنوّن ولا تضاف ولا يضاف إليها ولا يدخلها الألف واللام.

وكان الأخفش يقول: "إذا وجدت شيئاً يحسن له الفعل والصفة نحو: زيد قام وزيد قائم ثمّ وجدته يثنى ويجمع نحو قولك: الزيدان والزيدون ثمّ وجدته يمتنع من التصريف فاعلم أنه اسم".

وقال أيضاً: ما حسن فيه "ينفعني" و"يضرّني".

وقال قوم: الاسم ما دخل عليه حرف من حروف الخفض. وهذا قول هشام وغيره.

وله قول آخر: إن الاسم ما نودي.

وكلّ ذلك معارض بما ذكرناه من "كيف وأين" ومن قولنا: "إذا" وإذا اسم لحينٍ.

فحدثني علي بن إبراهيم القطان قال: سمعت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد يقول حدّثني أبو عثمان المازني قال: سألت الأخفش عن "إذا". ما الدليل على أنها اسم لحين? فلم يأت بشيء.

قال: وسئل الجرميّ فشغّب. وسئل الرّياشيّ فجوّد.

وقال: الدليل على أنها اسم للحين أنه يكون ضميراً، ألا ترى أنك تقول: "القتال إذا يقوم زيد" كما تقول: "القتال يوم يقوم زيد"?

وقد أومأ الفراء في معنى "إذا" إلى هذا المعنى.

وعاد القول بنا إلى تحديد الاسم. فقال المبرّد في كتاب المقتضب: كل ما دخل حرف من حروف الجر فهو اسم فإن امتنع من ذلك فليس باسم.

وهذا معارض أيضاً "بكيف وإذا" وهما اسمان لا يدخل عليهما شيء من حروف الجرّ.

وسمعت أبا بكر محمد بن أحمد البصير وأبا محمد سلم بن الحسن يقولان: سئل الزّجاج عن حد الاسم فقال: صوت مقطّع مفهوم دالٌ على معنى غير دال على زمان ولا مكان.

وهذا القول معارض بالحرف وذلك أنا نقول "هل" و"بل" وهو صوت مقطّع مفهوم دال على معنى غير دال على زمان ولا مكان.

وقول من قال: "الاسم ما صلح أم ينادى" خطأ أيضاً لأن "كيف" اسم و"أين وإذا"، ولا يصلح أن يقع عليها نداء.

قال أحمد بن فارس: هذه مقالات القوم في حدّ الاسم يعارضها ما قد ذكرته. وما أعلم شيئاً مما ذكرته سلم من معارضة. والله اعلم أيّ ذلك أصحّ.

وذكر لي عن بعض أهل العربية أن "الاسم ما كان مستقرّاً على المسمّى وقت ذكرك إيّاه ولازماً له".

وهذا قريب.


باب الفعل

قال الكسائيّ: "الفعل ما دلّ على زمان".

وقال سيبويه: "أما الفعل فأمثلةٌ أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى، وما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع".

فيقال لسيبويه: ذكرت هذا في أوّل كتابك وزعمت بعد أنّ "ليس" و"عسى" و"نعم" و"بئس" أفعال، ومعلومٌ أنها لم تؤخذ من مصادر.

فإن قلت: إني حددت أكثر الفعل وتركت أقلّه.

قيل لك: إن الحد عند النّظّار ما لم يزد المحدود ولم ينقصهً ما هو له.

وقال قوم "الفعل ما امتنع من التثنية والجمع".

والرّدّ على أصحاب هذه المقالة أن يقال: إن الحروف كلها ممتنعة من التثنية والجمع وليست أفعالاً.

وقال قوم: "الفعل ما حسنت فيه التاء نحو قمت وذهبت".

وهذا عندنا غلط لأنا قد نسميه فعلاً قبل دخول التاء عليه.

وقال قوم: "الفعل ما حسن فيه أمس وغداً".

وهذا على مذهب البصريين غير مستقيم، لأنهم يقولون أنا قائم غداً، كما يقولون أنا قائم أمس.

والذي نذهب إليه ما حكيناه عن الكسائيّ من أن "الفعل ما دلّ على زمان كخرج ويخرج" دلّنا بهما على ماضٍ ومستقبل.


باب الحرف

قال سيبويه: وأما ما جاء لمعنى، وليس باسم ولا فعل، فنحو "ثمّ" و"سوف" و"واو القسم" و"لام الإضافة".

وكان الأخفش يقول: ما لم يحسن له الفعل ولا الصفة ولا التثنية ولا الجمع ولم يجز أن يتصرّف فهو حرف.

وقد أكثر أهل العربية في هذا، وأقرب ما فيه ما قاله سيبويه، إنه الّذي يفيد معنىً ليس في اسم ولا فعل. نحو قولنا "زيدٌ منطلقٌ" ثمّ نقول "هل زيدٌ منطلق?" فأفدنا بـ"هل" ما لم يكن في "زيد" ولا "منطلق").  [الصاحبي في فقه اللغة: 87-95]

هيئة الإشراف

#2

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب أجناس الأسماء

قال بعض أهل العلم:

الأسماء خمسة: "اسم فارق" و"اسم مفارق"، و"اسم مشتق" و"اسم مضاف"، "واسم مقتضٍ".

فالفارق: قولنا "رجل" و"فرس"، فرقنا بالاسمين بين شخصين.

والمفارق: قولنا "طفل"، يفارقه إذا كبر".

والمشتق: قولنا "كاتب" وهو مشتق من "الكتابة" ويكون هذا على وجهين:

أحدهما مبنيّاً على فعل, وذلك قولنا "كتب فهو كاتب".

والآخر يكون مشتقاً من الفعل غير مبنيٍّ عليه كقولنا "الرحمن" فهذا مشتق من "الرحمة" وغير مبني من "رحم".

وكلّ ما كان من الأوصاف أبعد من بنية الفعل فهو أبلغ، لأن "الرحمن" أبلغ من "الرحيم" لأنا نقول "رحم فهو راحم ورحيم" ونقول: "قدر فهو قادرٌ وقدير".

وإذا قلنا: "الرحمن" فليس هو من "رحم" وإنّما هو من الرّحمة".

وعلى هذا تجري النعوت كلّها في قولنا "كاتب" و"كتّاب" و"ضارب" و"ضروب".

والمضاف: قولنا: "كلّ" و"بعض" لا بدّ أن يكونا مضافين.

والمقتضي: قولنا "أخ" و"شريك" و"ابن" و"خصم" كلّ واحد منها إذا ذكر اقتضى غيره، لأن الشريك مقتضٍ شريكاً والأخ مقتض آخر.

وقال بعض الفقهاء:

أسماء الأعيان خمسة: اسم لازمٌ واسم مفارقٌ واسم مشتقٌّ واسم مضاف واسم مشبهٌ.

فاللازم: "إنسان" و"سماء" و"أرض" لأن هذه الأسماء لا تنتقل من مسميّاتها.

قال: والمفارق: اللقب الّذي يسمى به نحو: "زيد" و"عمرو". وقد يقع أيضاً بأن يقال: المفارق "الطفل" لأنه اسم يزول عنه بكبره.

والمشتق: كـ"دابّة" و"كاتب".

والمضاف: قولنا "ثوب عمرو" و"جزء الشيء".

والمشبّه: قولنا "رجلٌ حديدٌ وأسدٌ" على وجه التشبيه.

قال: وجماعها أنها وضعت للدّلالة بها.

قلنا: وهذه قسمة ليست بالبعيدة.


باب النعت

النّعت: هو الوصف كقولنا: "هو عاقل" و"جاهل".

وذكر عن الخليل أن النعت لا يكون إلاّ في محمود، وأن الوصف قد يكون فيه وفي غيره.

والنّعت: يجري مجريين:

أحدهما تخليص اسم من اسم كقولنا "زيد العطّار" و"زيد التّميميّ" خلصناه بنعته من الّذي شاركه في اسمه.

والآخر على معنى المدح والذم نحو "العاقل" و"الجاهل".

وعلى هذا الوجه تجري أسماء الله جلّ وعزّ، لأنه المحمود المشكور المثنّى عليه بكلّ لسان، ولا سميّ له جلّ اسمه فيخلص اسمه من غيره.


باب القول على الاسم من أي شيء أخذ

قال قوم: الأسماء سماتٌ دالّة على المسميّات، ليعرف بها خطاب المخاطب.

وهذا الكلام محتمل وجهين:

أحدهما أن يكون الاسم سمة كالعلامة والسّيماء.

والآخر أن يقال: إنه مشتق من "السّمة".

فإن أراد القائل أنها سمات على الوجه الأول فصحيح.

وإن كان أراد الوجه الثاني فحدثني أبو محمد سلم بن الحسن البغدادي قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن السّري الزّجّاج يقول: معنى قولنا "اسمٌ" مشتق من "السموّ" والسموّ الرفعة. فالأصل فيه "سموٌ" على وزن حمل وجمعه "أسماء" مثل قولك: قنو وأقناء.

وإنما جعل الاسم تنويهاً ودلالة على المعنى لأن المعنى تحت الاسم.

ومن قال: إن اسماً مأخوذ من "وسمت" فهو غلط؛ لأنه لو كان كذا لكان تصغيره "وسيمٌ" كما أن تصغير عدّة وصلة: وعيدة ووصيلة.

قال أبو إسحاق: وما قلناه في اشتقاق "اسم" ومعناه قول لا نعلم أحداً فسّره قبلنا.

قلت: وأبو إسحاق ثقة. غير أني سمعت أبا الحسين أحمد بن عليّ الأحول يقول: سمعت أبا الحسين عبد الله بن سفيان النحوي الخزاز يقول: سمعت أبا العباس محمد بن يزيد المبرّد يقول: الاسم مشتق من "سما" إذا علا.

قال: وكان أبو العباس ربما اختصني بكثير من علمه فلا يشركني فيه غيري.


باب آخر في الأسماء

قد قلنا فيما مضى ما جاء في الإسلام من ذكر المسلم والمؤمن وغيرهما.

وقد كانت حدثت في صدر الإسلام أسماء، وذلك قولهم لمن أدرك الإسلام من أهل الجاهلية "مخضرم".

فأخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد مولى بني هاشم قال: حدثنا محمد بن عباس الخشكي عن إسماعيل بن أبي عبيد الله قال: المخضرمون من الشعراء: من قال الشعر في الجاهلية ثمّ أدرك الإسلام.

فمنهم حسان بن ثابت ولبيد بن ربيعة, ونابغة بني جعدة, وأبو زيد, وعمرو بن شاس والزّبرقان بن بدر, وعمرو بن معدي كرب وكعب بن زهير ومعن بن أوس.

وتأويل المخضرم: من خضرمت الشيء أي قطعته، وخضرم فلان عطيته أي قطعها، فسمّي هؤلاء "مخضرمين" كأنهم قطعوا من الكفر إلى الإسلام.

وممكن أن يكون ذلك لأن رتبتهم في الشعر نقصت لأن حال الشعر تكامنت في الإسلام لما أنزل الله جلّ ثناؤه من الكتاب العربي العزيز.

وهذا عندنا هو الوجه، لأنه لو كان من القطع لكان كلّ من قطع إلى الإسلام من الجاهلية مخضرماً، والأمر بخلاف هذا.

ومن الأسماء الّتي كانت فزالت بزوال معانيها قولهم: المرباع، والنّشيطة، والفضول.

ولم نذكر الصّفيّ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد اصطفى في بعض غزواته وخصّ بذلك، وزال اسم الصّفي لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

ومما ترك أيضاً: الإتاوة، والمكس، والحلوان. وكذلك قولهم: انعم صباحاً، وانعم ظلاماً. وقولهم للملك: أبيت اللّعن.

وترك أيضاً قول المملوك لمالكه: ربّي. وقد كانوا يخاطبون ملوكهم بالأرباب قال الشاعر:

وأسلمن فيها ر بّ كندة وابنه ... وربّ معدٍّ بين خبتٍ وعرعر

وترك أيضاً تسمية من لم يحجّ "صرورةً".

فحدثنا علي بن إبراهيم عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد في حديث الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا صرورة في الإسلام".

ومعنى ذلك فيما يقال: هو الّذي يدع النكاح تبتّلاً.

حدثني علي بن أحمد بن الصّبّاح قال: سمعت ابن دريد يقول:

أصل الصّرورة: أن الرجل في الجاهلية كان إذا أحدث حدثاً فلجأ إلى الحرم لم يهج وكان إذا لقيه وليّ الدم في الحرم قيل: هو صرورة فلا تهجه. ثمّ كثر ذلك في كلامهم حتّى جعلوا المتعبّد الّذي يجتنب النساء وطيب الطعام: صرورة وصرورياً، وذلك عنى النابغة بقوله:

... ... ... ...   = ... ... صرورةٍ متعبّد

أي منقبض عن النساء. فلما جاء الله جل ثناؤه بالإسلام وأوجب إقامة الحدود بمكة وغيرها سمّي الّذي لم يحجّ "صرورة" وصروريا خلافاً لأمر الجاهلية، كأنّهم جعلوا أن تركة الحجّ في الإسلام كترك المتألّه إتيان النساء والتنعّم في الجاهلية.

ومما ترك أيضاً قولهم: الإبل تساق في الصّداق النّوافج. على أن من العرب من كان يكره ذلك. قال شاعرهم:

وليس تلادي من وراثة والدي ... ولا شان مالي مستفاد النوافج

وكانوا يقولون: "تهنك النافجة" مع الّذي ذكرنا من كراهة ذوي أقدارهم لها وللعقول. قال جندل الطّهويّ:

وما فكّ رق ذات خلق خبرنج ... ولا شان مالي صدقةٌ وعقول

ولكن نماني كلّ أبيض صارمٍ ... فأصبحت أدري اليوم كيف أقول

ومما كره في الإسلام من الألفاظ قول القائل: "خبثت نفسي" قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يقولنّ أحدكم خبثت نفسي".

وكره أيضاً أن يقال: استأثر الله بفلان.

ومما كرهه العلماء قول من قال: سنة أبي بكر وعمر، إنما يقال: فرض الله جلّ وعزّ وسنّته، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومما كانت العرب تستعمله ثمّ ترك قولهم: حجراً محجوزاً. وكان هذا عندهم لمعنيين:

أحدهما عند الحرمان إذا سئل الإنسان قال: حجراً محجوراً، فيعلم السائل أنه يريد أن يحرمه. ومنه قوله:

حنّت إلى النّخلة القصوى فقلت لها ... حجرٌ حرام ألا تلك الدّهاريس

والوجه الآخر: الاستعاذة. كان الإنسان إذا سافر فرأى من يخافه قال: حجراً محجوراً. أي حرام عليك التعرّض لي. وعلى هذا فسّر قوله عزّ وجلّ: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجرًا محجورًا} يقول المجرمون ذلك كما كانوا يقولونه في الدنيا).  [الصاحبي في فقه اللغة: 96-107]

هيئة الإشراف

#3

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب ما جرى مجرى الأسماء وإنما هي ألقاب

ومما جرى مجرى الاسم وهو لقب قولهم: مدركة وطابخة. وذلك في العرب على ثلاثة أضرب: ضربٌ مدح، وضربٌ ذم، وضرب تلقّب الإنسان لفعل يفعله.

فالمدح: تلقيبهم البحر والحبر والباقر والصادق والدّيباج وغيرهم.

والذم: فكتلقيبهم بالوزغ ورشح الحجر وما أشبه ذلك.

وأما اللقب المأخوذ من فعل يفعل فكطابخة ومدركة.

وقوله جلّ ثناؤه {ولا تنابزوا بالألقاب} فقال قتادة: هو أن تقول للرجل: يا فاسق يا منافق.

وروى الشّعبيّ عن أبي جبيرة بن الضحاك وأبو جبيرة رجل من الأنصار من بني سلمة قال: فينا أنزلت هذه الآية, وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم علينا، وليس منا رجلٌ إلاّ له لقبان أو ثلاثة, فجعل بعضنا يدعو بعضاً بلقبه، فسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل هو أحياناً يدعو الرجل ببعض تلك الألقاب، فقيل له" يا رسول الله إنه يغضب من هذا، فأنزل الله جلّ ثناؤه {ولا تنابزوا بالألقاب} .

وأما تسمية العرب أولادها بكلب وقرد ونمر وأسد فذهب علماؤنا إلى أن العرب كانت إذا ولد لأحدهم ابن ذكر سمّاه بما يراه أو يسمعه مما يتفأّل به، فإن رأى حجراً أو سمعه تأوّل فيه الشدة والصلابة والبقاء والصبر.

وإن رأى ذئباً تأوّل فيه الفطنة والنّكر والكسب.

وإن رأى حماراً تأوّل فيه طول العمر والوقاحة.

وإن رأى كلباً تأوّل فيه الحراسة وبعد الصوت والإلف.

وعلى هذا يكون جميع ما لم نذكره من هذه الأسماء.


باب الأسماء التي تسمى بها الأشخاص على المجاورة والسّبب

قال علماؤنا: العرب تسمّي الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له أو كان منه بسبب. وذلك قولهم "التيمّم" لمسح الوجه من الصعيد، وإنما التيمّم الطلب والقصد. يقال: تيمّمتك وتأممتك أي تعمّدتك.

ومن ذلك تسميتهم السحاب "سماءً" والمطر "سماء" وتجاوزوا ذلك إلى أن سموا النبت سماءً. قال شاعرهم:

إذا نزل السماء بأرض قوم

وربما سموا الشحم "ندىً" لأن الشحم عن النبت، والنبت عن الندى قال ابن أحمر:

كثور العداب الفرد يضربه النّدى ... تعلّى النّدى في متنه وتحدّرا

ومن هذا الباب قول القائل:

"قد جعلت نفسي في أديم".

أراد بالنفس الماء وذلك قوام النفس بالماء.

وذكر ناس أنّ من هذا الباب قوله جل ثناؤه: {أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ} يعني خلق. وإنما جاز أن يقول أنزل لأن الأنعام لا تقوم إلاّ بالنبات والنبات لا يقوم إلاّ بالماء، والله جلّ ثناؤه ينزل الماء من السماء.

قال: ومثله: {قد أنزلنا عليكم لباسًا} وهو جلّ ثناؤه إنما أنزل الماء، لكن اللباس من القطن، والقطن لا يكون إلاّ بالماء.

قال: ومنه قوله جلّ ثناؤه: {وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحًا} إنما أراد -والله أعلم- الشيء ينكح به من مهر ونفقة، ولا بد للمتزوج به منه.


باب القول في أصول أسماء قيس عليها وألحق بها غيرها

كان الأصمعي يقول: أصل "الورد" إتيان الماء، ثمّ صار إتيان كلّ شيء ورداً.

و"القرب" طلب الماء. ثمّ صار يقال ذلك لكل طلب، فيقال: "هو يقرب كذا" أي يطلبه و "لا تقرب كذا".

ويقولون: "رفع عقيرته" أي صوته، وأصل ذلك أن رجلاً عقرت رجله فرفعها وجعل يصيح بأعلى صوته فقيل بعد ذلك لكل من رفع صوته: رفع عقيرته.

ويقولون: "بينهما مسافة" وأصله من "السّوف" وهو الشم. ومثل هذا كثير.

قلنا: وهذا الّذي عن الأصمعي وسائر ما تركنا ذكره لشهرته فهو راجع إلى الأبواب الأول، وكلّ ذلك عندنا توقيف على ما احتججنا له.

وقول هؤلاء: إنه كثر حتّى صار كذا، فعلى ما فسرناه من أن الفرع موقّفٌ عليه، كما أن الأصل موقّف عليه).  [الصاحبي في فقه اللغة: 108-113]

هيئة الإشراف

#4

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب الأسماء كيف تقع على المسميات

يسمّى الشيئان المختلفان بالاسمين المختلفين، وذلك أكثر الكلام كرجل وفرس.

وتسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو: "عين الماء" و"عين المال" و"عين السحاب".

ويسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة. نحو: "السيف والمهنّد والحسام".

والذي نقوله في هذا: إن الاسم واحد وهو "السيف" وما بعده من الألقاب صفات.

ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى.

وقد خالف في ذلك قوم فزعموا أنها وإن اختلفت ألفاظها فإنها ترجع إلى معنى واحد. وذلك قولنا: "سيف وعضب وحسام".

وقال آخرون: ليس منها اسم ولا صفة إلاّ ومعناه غير معنى الآخر.

قالوا: وكذلك الأفعال. نحو: مضى وذهب وانطلق. وقعد وجلس. ورقد ونام وهجع.

قالوا: ففي "قعد" معنى ليس في "جلس" وكذلك القول فيما سواه.

وبهذا نقول، وهو مذهب شيخنا أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب.

واحتج أصحاب المقالة الأولى بأنه: لو كان لكلّ لفظة معنىً غير معنى الأخرى لما أمكن أن يعبّر عن شيء بغير عبارته. وذلك أنّا نقول في "لا ريب فيه": "لا شك فيه" فلو كان "الرّيب" غير "الشّكّ" لكانت العبارة عن معنى الرّيب بالشك خطأ. فلما عبّر عن هذا بهذا علم أن المعنى واحد.

قالوا: وإنما يأتي الشعر بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحد تأكيداً ومبالغة. كقولهم:

وهند أتى من دونها النأي والبعد

فقالوا: فالنأي هو البعد.

قالوا: وكذلك قول الآخر:

... عام الحبس والأصر

إن الحبس هو الأصر.

ونحن نقول: إن في قعد معنىً ليس في جلس. ألا ترى أنّا نقول "قام ثمّ قعد" و"أخذه المقيم والمقعد" و"قعدت المرأة عن الحيض". ونقول لناس من الخوارج "قعدٌ" ثمّ نقول: "كان مضطجعاً فجلس" فيكون القعود عن قيام والجلوس عن حالة هي دون الجلوس لأن "الجلس: المرتفع" فالجلوس ارتفاع عما هو دونه.

وعلى هذا يجري الباب كلّه.

وأما قولهم: إن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يعبّر عن الشيء بالشيء. فإنا نقول: إنّما عبّر عنه من طريق المشاكلة، ولسنا نقول إن اللفظتين مختلفتان، فيلزمنا ما قالوه. وإنما نقول إن في كلّ واحدة منهما معنىً ليس في الأخرى.

ومن سنن العرب في الأسماء أن يسمّوا المتضادّين باسم واحد. نحو "الجون" للأسود و"الجون" للأبيض.

وأنكر ناس هذا المذهب وأن العرب تأتي باسم واحد لشيء وضدّه.

وهذا ليس بشيء. وذلك أن الّذين رووا أن العرب تسمي السيف مهنّداً والفرس طرفاً هم الّذين رووا أن العرب تسمّي المتضادّين باسم واحد.

وقد جرّدنا في هذا كتاباً ذكرنا فيه ما احتجوا به، وذكرنا ردّ ذلك ونقصه، فلذلك لم نكرره.


باب الأسماء التي لا تكون إلا باجتماع صفات وأقلها ثنتان

من ذلك "المائدة" لا يقال لها مائدة حتّى يكون عليها الطعام لأن المائدة من "مادني يميدني" إذا أعطاك. وإلاّ فاسمها "خوان".

وكذلك "الكأس" لا تكون كأساً حتّى يكون فيها شراب. وإلا فهو "قدح" أو "كوب".

وكذلك "الحلّة" لا تكون إلاّ ثوبين: إزار ورداء من جنس واحد فإن اختلفا لم تدع حلّة.

ومن ذلك "الظعينة" لا تكون ظعينة حتّى تكون امرأة في هودج على راحلة.

ومن ذلك "السّجل" لا يكون سجلاً إلاّ أن يكون دلواً فيه ماء.

و"اللّحية" لا تكون إلاّ شعراً على ذّقّن ولحيين.

ومن ذلك "الأريكة" وهي الحجلة على السرير لا تكون كذا.

فسمعت عليّ بن إبراهيم يقول سمعت ثعلباً يقول: الأريكة لا تكون إلاّ سريراً متّخذاً في قبة عليه شواره ونجده.

وكذلك "الذنوب" لا تكون ذنوباً إلاّ وهي ملأى، ولا تسمّى خالية ذنوباً.

ومن ذلك "القلم" لا يكون قلماً إلاّ وقد بري وأصلح، وإلاّ فهو أنبوبة.

وسمعت أبي يقول: قيل لأعرابي "ما القلم?" فقال: "لا أدري" فقيل له "توهّمه" فقال: "هو عود قلم من جانبيه كتقليم الأظفور فسمّي قلما".

ومن ذلك "الكوب" لا يكون إلاّ بلا عروة.

و"الكوز" لا يكون إلا بعروة.


باب الاسمين المصطلحين

أخبرنا عليّ بن إبراهيم عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: قال الأصمعي: إذا كان أخوان أو صاحبان وكان أحدهما أشهر من الآخر سمّيا جميعاً باسم الأشهر، قال الشاعر:

ألا من مبلغ الحرّين عني ... مغلغلةً وخصّ بها أبيّا

وأحدهما هو "الحرّ".

وكذلك الزّهدمان والثعلبتان.

ويكون ذلك في الألقاب كقولهم لقيسٍ ومعاوية ابني مالك بن حنظلة "الكردوسان", ولعبس وذبيان "الأجربان".

وذكر الأبواب بطولها. وإنما نذكر من كلّ شيء رسماً لشهرته.


باب في زيادات الأسماء

ومن سنن العرب الزّيادة في حروف الاسم، ويكون ذلك إما للمبالغة وإما للتشويه والتقبيح.

سمعت من أثق به قال: تفعل العرب ذلك للتشويه، يقولون للبعيد ما بين الطرفين المفرط الطول "طرمّاح", وإنما أصله من "الطّرح" وهو البعيد، لكنه لما أفرط طوله سمي طرمّاحاً، فشوّه الاسم لما شوهت الصورة. وهذا كلام غير بعيد.

ويجيء في قياسه قولهم "رعشنٌ" للذي يرتعش, و"خلبنٌ" و"زرقمٌ" للشديد الزّرق و"صلدم" للناقة الصّلبة، والأصل صلد و"شدقم" للواسع.

ويكون من الباب قولهم للكثيرة التّسمّع والتّنظّر: "سمعنّةٌ، نظرنّة".

ومن الباب: كبير وكبار وكبّار. وطوال وطوّال).  [الصاحبي في فقه اللغة: 114-122]