12 Oct 2022
الدرس الرابع
قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (
باب الحروف
قال أحمد بن فارس: هذا باب يصلح في أبواب العربية، لكني رأيت فقهاءنا يذكرون بعض الحروف في كتب الأصول، فذكرنا منها ما ذكرناه على اختصار.
فأصل الحروف: الثمانية والعشرون الّتي منها تأليف الكلام كلّه.
وتتولّد بعد ذلك حروف كقولنا: "اصطبر" و"ادكر" تولدت الطاء لعلّة، وكذلك الدال.
فأول الحروف الهمزة، والعرب تنفرد بها في عرض الكلام مثل "قرأ" ولا يكون في شيء من اللغات إلاّ ابتداءً.
وممّا اختصت به لغة العرب الحاء والظاء. وزعم ناس أن الضاد مقصورة على العرب دون سائر الأمم.
قال أبو عبيدة: وقد انفردت العرب بالألف واللام اللتين للتعريف، كقولنا: "الرجل" و"الفرس" فليسا في شيء من لغات الأمم غير العرب.
باب ذكر دخول ألف التعريف ولامه في الأسماء
تدخل ألف التعريف ولامه على اسمين: متمكن وغير متمكن فالذي هو غير متمكن "الّذي" و"الّتي". والمتمكن قولنا: "رجل".
ثمّ يكون ذلك للتعريف والجنس.
فالأول قولنا: "رجل" لمنكورٍ، فإذا عهد مرّة قيل "الرجل". والجنس قولنا "كثر الدينار والدّرهم" وقوله:
والذئب أخشاه إن مررت به
لا يريد به ذئباً بعينه، إنما يريد أنه يخشى هذا الجنس من الحيوان.
ويكون الألف واللام بمعنى الّذي كقولنا "جاءني الضارب عمرًا" بمعنى: الّذي ضرب عمراً.
وربما دخلا على الاسم وضعاً، لا لجنس ولا لشيء من المعاني كقولنا: "الكوفة" و"البصرة" و"البشر" و"الثّرثار".
وربما دخلا للتفخيم نحو "العبّاس" و"الفضل. وهذان هما اللذان يدخلان في أسماء الله -جلّ وعزّ- وصفاته.
باب الألف المبتدأ بها
يقولون: ألف أصل، وألف وصل، وألف قطع، وألف استفهام، وألف المخبر عن نفسه.
فالألف الّتي للأصل قولنا "أتى يأتي". وألف القطع مثل "أكرم". وألف الاستفهام نحو: "أخرج زيد?". وألف المخبر عن نفسه نحو: "أنا أخرج".
وألف الوصل: تدخل على الأسماء والأفعال والأدوات. ففي الأسماء قولنا: "اسم" و"ابن" وفي الأفعال قولنا: "اضرب".
والتي تدخل على الأدوات مختلف فيها:
قال قوم هي الألف في قولك: "أيم الله". والألف الّتي تدخل على لام التعريف مثل "الرجل"، وهذا في مذهب أهل البصرة.
وكثيراً ما سمعت أبا سعيد السيرافيّ يقول في ألف الرجل ألف لام التعريف.
والكوفيون يقولون ألف التعريف ولامه وهما مثل "هل" و"بل".
باب وجوه دخول الألف في الأفعال
دخول الألف في الأفعال لوجوهٍ:
أحدها: أن يكون الفعل بالألف وغير الألف بمعنىً واحد نحو قولهم "رميت على الخمسين" و"أرميت" أي زدت و"عند العرق" إذا سال و"أعند".
والوجه الآخر: أن يتغيّر المعنيان، وإن كان الفعلان في القياس راجعين إلى أصل واحد نحو: "وعيت الحديث" و"أوعيت المتاع في الوعاء". ومن هذا الباب "أسقيته" إذا جعلت له سقياً و"سقيته" إذا أنت سقيته.
والوجه الثالث: أن يتضادّ المعنيان بزيادة الألف نحو: "ترب" إذا افتقر, و"أترب" إذا استغنى.
والوجه الرابع: أن يكون الفعلان لشيئين مختلفين، فيكون بغير ألف لشيء وبالألف لشيء آخر. من ذلك "حيّ القوم بعد هزال" إذا حسنت أحوالهم و"أحيوا" إذا حيّت دوابّهم.
والوجه الخامس: أن يكون بالألف بمعنى العرض وبغير ألف لإنفاذ الفعل نحو "بعت الفرس" إذا أمضيت بيعه و"أبعته" إذا عرضته لبيع.
والوجه السادس: أن يكون بالألف إخباراً عن مجيء وقت نحو: "أحصد الزّرع" حان له أن يحصد.
والوجه السابع: أن يكون دالاًّ على وجود شيء بصفة نحو "أحمدت الرجل" إذا وجدته محموداً.
والوجه الثامن: أن يدل على إتيان فعل نحو"أخسّ الرجل" أتى بخسيس.
وتكون الألف للتعدية نحو "أذهبت زيداً".
وربّما كانت هذه الألف للشيء نفسه، ويكون الفاعل ذلك بلا ألف نحو: "أقشع الغيم" و"قشعته الريح"، و"أترفت البئر" ذهب ماؤها و"ترفناها نحن" و"أنسل ريش الطائر" سقط و"نسلته أنا"، و"أكبّ على وجهه" قال الله جل ثناؤه: {أفمن يمشي مكبًّا على وجهه} و"كبّه الله" قال الله جل ثناؤه: {فكبّت وجوههم في النّار}
باب شرح جملةٍ تقدّمت في ألفات الوصل
ألفات الوصل تكون في صدور الأسماء والأفعال والأدوات.
ويذكر أهل العربية أنها نيّفٌ وأربعون ألفاً- على تكرير يقع في بعضها- لأن الّذي يذكر منها في المصادر مكرّرٌ في الأفعال.
فأما الّتي في الأسماء فتسع عشرة ألفاً. وهي على ضربين: ألفٌ في اسم لم يصدر عن فعل، وألف في اسم صادر عن فعل.
فالألفات في الأسماء الّتي لم تصدر عن الأفعال ثمان: ألف "ابن" و"ابنة" و"اثنين" و"اثنتين" و"امرئ" و"امرأة" و"اسم" وألف ثامنة يعني ألف است.
والألفات في الأسماء الصادرة عن الأفعال هي الّتي في "اقتطاع" و"استعطاف" و"ارتداد" و"احميرار" و"اسحنكاك" و"اقشعرار" و"اخروّاط" و"اعريراء" و"اطّواف" و"اثيقال". وهذه تكون في الإدراج ساكنةً وإذا ابتدئ بها كانت مكسورة.
وأما الّتي في الأفعال فثلاث: منها في الأمر بالفعل الثلاثي. مثل "اضرب، اعلم، اقتل".
ومنها في الأفعال الماضية التي صدرت عنها الأسماء المتقدّم ذكرها إحدى عشرة ألفاً وهي: أفتعل، وانفعل، واستفعل، وافعلّ، وافعال، وافعنلل، وافعوعل، وافعلل، وافعل، وافّاعل. وقد ذكرنا ترجمة هذه الأمثلة.
ثم تقع هذه الألقاب بعينها في الأفعال المستقبلة المأمور بها وهي: افتعل، وانفعل، واستفعل، وافعلل، وافعالل، وافعنلل، وافعول، وافعوعل، وافعلل، وافعل، وافاعل.
وقد أعلمت أن فيها تكريراً ليكون الباب أبلغ شرحاً.
وأما الّتي تقع في الأدوات فقليلة على اختلاف فيها، وإنما هي في قولهم "أيم الله". والألف التي مع اللام في قولنا: "الرجل" والغلام.
وموضع الاختلاف أن الألف في "أيم" مقطوعة صحيحة. وهي بالهمزة أشبه منها بألفات الوصل، إلاّ أن نقول "إيم الله" بالكسر فيكون حينئذ أشبه بألف الوصل.
والألف الّتي مع اللام قد تقدم ذكرها). [الصاحبي في فقه اللغة: 123-130]
قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (
باب الباء
الباء من حروف الشفّة. ولذلك لا تأتلف مع الفاء والميم: أما الفاء فلا تقارنها باء متقدمة ولا متأخرة. وأما الميم فلا تتقدم على الباء ملاصقةً لها بوجه, ومتأخّرةً كذلك إلاّ في قولنا "شبمٌ". وقد يدخل بينهما دخيل في مثل "عبام" وهي على الأحوال يقل تألفها معها.
وهي من الحروف الأصلية، وما أعلمهم زادوها في شيء من أبنية كلامهم، إلاّ في حرف قاله الأغلب:
فلّك ثدياها مع النتوب
أراد النّتوء فزاد الباء.
والباء تكون للإلصاق، وللاعتمال، وفي موضع "عن"، وفي موضع "من".
وتكون للمصاحبة، وتقع موقع "مع". وتقع موقع "في" و"على".
وتكون للبدل، ولتعدية الفعل، وللسبب.
وتكون دالّة على نفس المخبر عنه وظاهرها يوهم أن الإخبار عن غيره، ومنها الملصقة بالاسم والمعنى الطرح.
ومنها باء الابتداء، ومنها باء القسم.
فالإلصاق قولك: "مسحت يدي بالأرض". ومن أهل العربية من يقول: "مررت بزيد" إنها للإلصاق، كأنّه ألصق المرور به. وكذا إذا قال: "هزأت به".
والاعتمال قولنا "كتبت بالقلم" و"ضربت بالسيف".
وذكر ناس أن هذه والتي قبلها سواء.
والباء الواقعة موقع "عن" قولهم "سألت به" إنما أردت عنه ومنه {سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ}. ومنه:
وسائلة بثعلبة بن سير
والباء الواقعة موقع "من" في قوله جل ثناؤه: {عينًا يشرب بها عباد اللّه} أراد منها. و:
شربت بماء الدّحرضين
وباء المصاحبة: "دخل فلان بثيابه وسيفه" وقوله عزّ وجلّ: {وقد دخلوا بالكفر} ومنه "ذهبت به" لأنك تكون مصاحباً له. والباء الّتي في موضع "في" قوله:
ما بكاء الكبير بالأطلال
والتي في موضع "على" قوله:
أربٌ يبول الثّعلبان برأسه
أراد "على" رأسه.
وباء البدل, قولهم: "هذا بذاك" أي عوض منه. ومنه:
قالت بما قد أراه بصيراً
وباء تعدية الفعل "ذهبت به" بمعنى "أذهبته".
وقوله جلّ ثناؤه: {أسرى بعبده ليلا} ليس من ذا، لأن سرى وأسرى واحد.
وباء السبب: قوله جلّ ثناؤه: {والّذين هم به مشركون} أي من أجله. فأما قوله جلّ وعزّ: {وكانوا بشركائهم كافرين} فمحتمل أن يكونوا كفروا بها وتبرءوا منها. ويجوز أن تكون باء السبب، كأنّه قال: "وكانوا من أجل شركائهم كافرين".
والباء الدالّة عن نفس المخبّر عنه والظاهر أنها لغيره قولك: "لقيت بفلان كريماً" إنما أردته هو نفسه. ومنه قوله:
ولم يشهد الهيجا بألوث معصم
أراد نفسه.
والزائدة, قولك: "هززت برأسي" و:
" ... لا يقرأن بالسّور".
وباء الابتداء قولك: "باسم الله" المعنى: أبدأ باسم الله.
وباء القسم: قولك "أقسم بالله" ثمّ يحذف "أقسم" فيقال: "بالله". فإن أرادوا أن يقسموا بمضمر لم يقولوه إلاّ بالباء يقولون: "والله" فإذا أضمروا قالوا: "به لا فعلت" قال:
ألا نادت أمامة بارتحال ... لتحزنني فلا بك ما أبالي
فأما قوله جلّ ثناؤه: {ولم يعي بخلقهنّ بقادرٍ}، فقال قوم: الباء في موضعها وأن العرب تعرف ذلك وتفعله. قال امرؤ القيس:
فإن تنأ عنها حقبةً لم تلاقها ... فإنّك مما أحدثت بالمجرّب
وقال قوم: إنما هو "بالمجرّب" بكسر الراء، ويكون معناه "كالمجرّب" كما قال عديّ:
إنني والله فاقبل حلفتي ... بأبيلٍ كلّما صلّى جأر
قالوا: معناه "كأبيل" وهو الراهب وبمنزلته في الدين والتقوى.
ومن روى بيت امرئ القيس بالفتح فالمعنى "بموضع التجريب" كما قال جلّ ثناؤه: {فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب} أي بحيث يفوزون. وكذلك "بالمجرّب" أي بحيث جرّبت وبحيث التجريب، والمجرّب والتجريب واحد.
كقولهم "ممزّق" بموضع تمزيق في قوله جلّ ثناؤه {ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ}.
باب التاء
التاء: تزاد في الكلام أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة:
فزيادتها في الأسماء أولى في نحو "تنضب" و"تتفل". وفي الفعل "تفعل" وما أشبهه. والثانية نحو "اقتدر". والثالثة "استفعل". والرابعة "سنبتةٌ من الدهر" لأن الأصل "سنبة". والخامسة مثل "عفريت". والسادسة مثل "عنكبوت".
ومن التاءات: تاء القسم نحو: "تالله". قالوا: هي عوض من الواو كقولهم "تجاه" و"تكلان".
وتقع في جمع المؤنث نحو: "قائمات".
وتكون بدلاً من الهاء في لغة من يقول: "ليست عندنا عربيت".
وتاء تدخل على "ثمّ" و"ربّ" و"لا"، كقولهم ثمت وربّت ولات حين. وناس يقولون: هي داخلة على "حين".
وتاء المؤنث نحو: "هي تفعل".
وتاء النفس نحو: "فعلت" و"فعلت" في المخاطبة. و"فعلت" و"فعلت" في الإخبار عن المؤنث.
وتاء تكون بدلا من سين في بعض اللغات. أنشد ابن السكيت:
يا قبح الله بني السعلات ... عمرو بن ربوع شرار النات
وأما الثّاء:
فلا أعرف لها علّةً، ولا تقع زائدةً.
وكذلك الجيم:
إلاّ في الّذي ذكرناه من اللغات المستكرهة.
والحاء والخاء:
لا أعرف لهما علّةً.
والدال:
لا علّة لها إلاّ في لغة من يقلب التاء دالاً. فحدثنا عليّ عن محمد بن فرح عن سلمة عن الفرّاء قال: قوم من العرب يقولون: "أجدبيك" في موضع "أجتبيك" يجعلون تاء الافتعال بعد الجيم دالاً, ويقولون: "اجدمعوا" وأنشد:
فقلت لصاحبي لا تحبسانا ... بنزع أصوله واحدزّ شيحا
والراء:
لا أعرف لها علة.
وكذلك الزاي إلا في قولهم: "رازي" و"مروزي".
وأما السين:
فإنها تزاد في "استفعل". ويختصرون "سوف أفعل" فيقولون "سأفعل".
ولا أعرف للشين علّة غير الّذي ذكرناه في الحروف المستكرهة.
وكذلك في الحروف الّتي بعدّها حتّى العين.
وعلة العين أنّها تقوم مقام الهمزة في لغة بني تميم يقولون: "علمت عنّ ذاك" كأنما أراد "أنّ".
وكذلك الحروف الّتي بعدها حتّى الفاء). [الصاحبي في فقه اللغة: 131-141]
قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (
باب الفاء
قال البصريون "مررت بزيد فعمرو: الفاء أشركت بينهما في المرور وجعلت الأول مبدوءاً به".
وكان الأخفش يقول: "الفاء تأتي بمعنى الواو" وأنشد:
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
وخالفه بعضهم في هذا فقال: ليس في جعل الشاعر الفاء في معنى الواو فائدةٌ، ولا حاجة به إلى أن يجعل الفاء في موضع الواو ووزن الواو كوزن الفاء.
قال: وأصل الفاء أن يكون الّذي قبلها علّةً لما بعدها. يقال: "قام زيد فقام الناس".
وزعم الأخفش أن الفاء تزاد، يقولون: "أخوك فجهد" يريد: أخوك جهد، واحتجّ بقوله جلّ ثناؤه: {فأنّ له نار جهنّم}.
وكان قطرب يقول بقول الأخفش، يقول: إن الفاء مثل الواو في "بين الدخول فحومل".
قال: ولولا أن الفاء بمعنى الواو لفسد المعنى، لأنه لا يريد أن يصيّره بين الدّخول أولاً ثمّ بين حومل.
وهذا كثير في الشعر.
وتكون الفاء جواباً للشرط. تقول: "إن تأتني فحسنٌ جميل" ومنه قوله جلّ ثناؤه: {والّذين كفروا فتعسًا لهم} دخلت الفاء لأنه جعل الكفر شريطة كأنّه قال: ومن كفر فتعساً له.
وأمّا القاف:
فلا أعلم لها علّة إلاّ في جعلهم إيّاها عند التعريب مكان الهاء نحو "يلمق".
باب الكاف
تقع الكاف مخاطبة: للمذكر مفتوحة، وللمؤنث مكسورة. نحو: "لَكَ" و"لَكِ".
وتدخل في أول الاسم للتشبيه فتخفض الاسم. نحو: "زيد كالأسد".
وأهل العربية يقيمونها مقام الاسم ويجعلون لها محلاً من الإعراب، ولذلك يقولون: "مررت بكالأسد" أرادوا بمثل الأسد. وانشدوا:
على كالخنيف السّحق يدعو به الصدى ... له قلبٌ عاديّةٌ وصحون
فأما الكاف في قوله جل ثناؤه: {أرأيتك هذا الّذي كرّمت عليّ} فقال البصريون: هذه الكاف زائدة، زيدت لمعنى المخاطبة.
قال محمد بن زيد: وكذلك رويدك زيداً.
قال: والدليل على ذلك أنّك إذا قلت أرأيتك زيداً? فإنما هي أرأيت زيداً? لأن الكاف لو كانت اسماً لاستحال أن تعدى "أرأيت" إلى مفعولين إلاّ والثاني هو الأول.
يريد قولهم "أرأيت زيداً قائماً?" لا يتعدى "رأيت" إلى مفعولين إلاّ إلى مفعول هو "زيد" ومفعول آخر هو "قائم" فالأول هو الثاني.
قال: و"أرأيتك زيداً?" الثاني غير الكاف.
قال: وإن أردت رؤية العين لم يتعدّ إلاّ إلى مفعول واحد.
قال: ومع ذلك إن فعل الرجل لا يتعدى إلى نفسه فيتصل ضميراً إلاّ في باب "ظننت" و"علمت". فأمّا ضربتني وضربتك فلا يكون. وكذلك إذا قلت: "رويدك زيداً" إنما يراد "أرود زيداً".
قال الزجّاج: الكاف في هذا المكان لا موضع لها لأنها ذكرت في المخاطبة توكيداً. وموضع هذا نصب بـ"أرأيتك?".
وقال الكوفيون: إن محلّ هذه الكاف الرفع إذا قلنا "لولاك" فهي في موضع رفع. ثمّ نقول: "لولا أنت" وإنما صلح هذا لأن الصورة في مثل هذا صورة واحدة في الرفع والنصب والخفض.
وتكون الكاف دالة على البعد. تقول: "ذا" فإذا بعد قلت "ذاك".
وتكون الكاف زائدة كقوله: {ليس كمثله شيءٌ}.
وتكون للعجب نحو: "ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة".
باب اللام
اللام تقع زائدة في موضعين: في قولهم "عبدل" وفي قولهم "ذلك".
واللام تكون مفتوحة ومكسورة: ففي المفتوحات لام التوكيد وربما قيل: لام الابتداء نحو قوله جل ثناؤه: {لأنتم أشدّ رهبةً}. وقال:
للبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشّفوف
وتكون خبراً لـ"إن": إنّ زيداً لقائمٌ.
ولام التوكيد: إن هذا لأنت.
وتكون في خبر الابتداء زائدة نحو:
أم الحليس لعجوز شهربه.
وزعم ناس أنها تقع صلةً لا اعتبار بها. ويزعم أنه اعتبر ذلك من قراءة بعض القراء "إلاّ أنّهم ليأكلون" ففتح "أن" وألغى اللام.
وأنشد بعض أهل العربية:
وأعلم علماً ليس بالظّنّ أنّه ... متى ذلّ مولى المرء فهو ذليل
وأن لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل
ولام تكون جواب قسم "والله لأقومنّ" وتلزمها النون فإن كانت للماضي لم يحتج إلى النون "والله لقام".
ولام الاستغاثة نحو قولهم: "يا للنّاس".
فإن عطفت عليها أخرى كسرت. ينشدون:
يبكيك ناءٍ بعيد الدّار مغتربٌ ... يا للكهول وللشّبّان والشّيب
قال بعض أهل العلم: إن لام الإضافة تجيء لمعان مختلفة:
منها أن تصيّر المضاف للمضاف إليه. نحو {وللّه ما في السّماوات}.
ومنها أن تكون سبباً لشيء, وعلةً له. مثل {إنّما نطعمكم لوجه الله}.
ومنها أن تكون إرادة. نحو: "قمت لأضرب زيداً" بمعنى قمت أريد ضربه.
ومنها أن تكون بمعنى "عند" مثل قوله جل ثناؤه: {أقم الصّلاة لذكري} و{لدلوك الشّمس} أي عنده.
ومنها أن تكون بمنزلة "في". مثل قوله جلّ وعزّ: {لأوّل الحشر} أي في أول الحشر.
ومنها أن تكون لمرور وقت. نحو قول النابغة:
توهّمت آياتٍ لها فعرفتها ... لستّة أعوام وذا العام سابع
ومنه قولهم: "غلام له سنة" أي أتت عليه سنة.
وتكون بمعنى "بعد" مثل قوله -صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" أي بعد رؤيته.
وتكون للتخصيص. نحو "الحمد لله", وفي الكلام "الفصاحة لقريش والصباحة لبني هاشم".
وتكون للتعجب. نحو: "لله درّه! فارسا" وينشدون:
لله يبقى على الأيّام ذو حيدٍ ... بمشمخرٍّ به الظّيّان والآس
ويقولون: "يا للعجب! " معناه: يا قوم تعالوا إلى العجب وللعجب أدعو.
وقد تجتمع الّتي للنداء والتي للعجب فيقولون:
ألا يا لقوم لطيف الخيال ... يؤرّق من نازحٍ ذي دلال
وتكون للأمر. نحو: {ليقضوا تفثهم} وربما حذفت هذه فيقولون:
محمد تفد نفسك كلّ نفسٍ
وقالوا في لام الأمر: كان الأصل "اذهب" فلما سقطت الألف لم يوصل إلى الفعل إلاّ بلام، لأن الساكن لا يبدأ به.
وقوله جل ثناؤه: {إنّا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}.
فقال قائل: لم جاز أن تكون المغفرة جزاءً لما امتنّ به عليه وهو قوله: {إنّا فتحنا لك فتحًا}?
فالجواب من وجهين:
أحدهما أن الفتح وإن كان من الله جلّ ثناؤه فكل فعل يفعله العبد من خير فالله الموفق له والميسّر، ثمّ يجازي عليه، فتكون الحسنة من العبد منةً من الله جلّ وعزّ عليه. وكذلك جزاؤه له عنها منه.
والوجه الآخر أن يكون قوله جلّ ثناؤه: {إذا جاء نصر اللّه والفتح، ورأيت النّاس يدخلون في دين اللّه أفواجًا، فسبّح بحمد ربّك واستغفره} فأمره بالاستغفار إذا جاء الفتح، فكأنه أعلمه أنه إذا جاء الفتح واستغفر غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكأن المعنى على هذا الوجه: إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً، فإذا جاء الفتح فاستغفر ربك ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
وقال قوم: إنا فتحنا لك في الدّين فتحاً مبيناً لتهتدي به أنت والمسلمون فيكون ذلك سبباً للغفران.
ومن اللامات لام العاقبة. قوله جل ثناؤه: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحزنًا}.
وفي أشعار العرب ذلك كثير:
جاءت لتطعمه لحما ويفجعها ... بابنٍ فقد أطعمت لحماً وقد فجعا
وهي لم تجئ لذلك، كما أنهم لم يلتقطوه لذلك، لكن صارت العاقبة ذلك.
ومن الباب قوله جلّ ثناؤه: {ربّنا ليضلّوا عن سبيلك} أي: أتيتهم زينة الحياة فأصارهم ذلك أن ضلّوا.
وكذلك قوله جلّ ثناؤه: {فتنّا بعضهم ببعضٍ ليقولوا} هي لام العاقبة.
وتكون زائدة. {هم لربّهم يرهبون} و{للرّؤيا تعبرون} ). [الصاحبي في فقه اللغة: 142-152]
قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (
باب زيادة الميم
والميم تزاد أولى في مثل: مفعل ومفعل ومفعل وغير ذلك.
وتزاد في أواخر الأسماء. نحو: زرقم وشدقم.
زيادة النون
تزاد أولى وثانيةً وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة.
فالأولى: "نفعل". وقالوا: "نرجس" وليس نرجس من كلام العرب، والنون لا تكون بعدّها راء.
والثانية: نحو: "ناقةٌ عنسلٌ".
والثالثة: في "قلنسوة".
والرابعة: في "رعشن".
والخامسة: في "صلتان".
والسادسة: في مثل "زعفران".
وتكون في أول الفعل للجمع. نحو: "نخرج".
وعلامة للرفع في: "يخرجان" فإذا قلنا: الرجلان فقال قوم: هي عوض من الحركة والتنوين. وقال آخرون: هي فرق بين الواحد المنصوب والاثنين المرفوعين.
وتقع في الجمع نحو: "مسلمون" وربما سقطت فقالوا:
الحافظو عورة العشيرة
وتكون ثانية فعل المطاوعة نحو "كسرته فانكسر" و"بغيته فانبغى".
وتكون للتأكد مخفّفة ومثقّلة. نحو: "اضربن" و"اضربنّ" إلاّ أنها تقلب عند التخفيف في الكتاب ألفاً. نحو: "لنسفعاً".
وتكون للمؤنثة, نحو: "تفعلين" وللجماعة "تفعلن".
وتلحق آخر الاسم في "زيدٌ خرج", فرق بين المفرد والمضاف.
ويقولون: فرقاً بين ما يجري وما لا يجري.
وقالت الجماعة: إنما اختيرت النون لأنها أشبه بحروف الإعراب من جهة الغنّة.
ومما تختص به النون من بين سائر الحروف انقلابها في اللفظ إلى غير صورتها ضرورة، وذلك إذا كانت ساكنة وجاءت بعدها باء تنقلب ميماً "عنبر" و"شنباء".
زيادة الهاء
والهاء تزاد في "يا زيداه" وفي "سلطانيه" وهم يسمونها استراحة وبيان حركة. وللوقف على الكلمة نحو "عه" و"شه" و"اقتده".
باب الواو
لا تكون الواو زائدةً أولى. وقد تزاد ثانيةً وثالثة ورابعة وخامسة.
فالثانية نحو "كوثر" والثالثة نحو "جدول". والرابعة نحو "قرنوة".
والخامسة نحو "قمحدوة".
وتكون للنّسق، وهو العطف، نحو: "زيد وعمرو".
وتكون علامة رفع نحو: "أخوك والمسلمون".
فإذا قالوا: "يعجبني ضرب زيدٍ وتغضب" فقال قوم: نصب "تغضب" على إضمار "أن" معناه وأن تغضب فيصير في معنى المصدر. كأنك قلت "يعجبني ضرب زيد وغضبك" فتخرج بذلك من أن تكون ناسقةً فعلاً على اسم. ويقولون:
للبس عباءة وتقرّ عيني
بمعنى وأن تقرّ عيني.
فإن نسقت فعلاً على فعل مجموعين فإعرابهما واحد هو "يقوم ويضرب زيداً" فإن لم ترد الجمع بينهما نصبت الثاني فيقال نصب بإضمار "أن" يقولون: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" و:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
وتكون بمعنى الباء في القسم نحو "والله".
وتكون الواو مضمرة في مثل قوله جل ثناؤه: {ولا على الّذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولّوا} التأويل: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم وقلت: لا أجد ما أحملكم عليه تولوا. فجواب الكلام الأول تولّوا.
وتكون بمعنى "ربّ". نحو:
وقاتم الأعماق ... ...
وتكون بمعنى "مع" كقولهم "استوى الماء والخشبة" أي مع الخشبة وأهل البصرة يقولون في قوله جلّ ثناؤه: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} معناها مع شركائكم. كما يقال: "لو تركت الناقة وفصيلها" أي مع فصيلها.
وقال آخرون: أجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم، اعتباراً بقوله جلّ وعزّ: {وادعوا من استطعتم}.
وتكون صلةً زائدةً كقوله جلّ وعزّ: {إلّا ولها كتابٌ معلومٌ} المعنى إلاّ لها.
وتكون بمعنى "إذ" كقوله جلّ وعز: {وطائفةٌ قد أهمّتهم} يريد إذ طائفة. وتقول: "جئت وزيدٌ راكب" أي إذ زيد راكب.
وقال قوم: للواو معنيان: معنى اجتماع ومعنى تفرّق نحو "قام زيد وعمرو". وإن كانت الواو في معنى اجتماع لم تبل بأيّهما بدأت. وإن كانت في معنى تفرّق فعمرو قائم بعد زيد.
وذهب آخرون إلى أن الواو لا تكون إلاّ للجمع. قالوا: إذا قلت: "قام زيد وعمرو" جاز أن يكون الأمر وقع منهما جميعاً معاً في وقت واحد وجاز أن يكون الأول تقدم الثاني، ونكتة بابها أنّها للجمع.
وتكون الواو عطفا بالبناء على كلام يتوهّم، وذلك قولك إذا قال القائل: "رأيت زيدا عند عمرو", قلت أنت "أو هو ممن يجالسه?".
قال البصريون: معناه كأنّ قائلاً قال: "هو ممن يجالسه" فقلت أنت "أو هو كذاك?".
وفي القرآن {أو أمن أهل القرى}?.
وكذلك قوله جلّ ثناؤه: {أئنّا لمبعوثون، أوآباؤنا الأوّلون}, فليس بأو إنما هي واو عطف دخل عليها ألف الاستفهام كأنه لما قيل لهم: {إنّكم مبعوثون} استفهموا عنهم.
وتكون الواو مقحمةً كقوله جلّ ثناؤه: {فاضرب به ولا تحنث} أراد -والله أعلم- فاضرب به لا تحنث، جزماً على جواب الأمر.
وقد تكون نهياً والأول أجود.
وكذلك قوله تعالى: {مكّنّا ليوسف في الأرض ولنعلّمه} أراد "لنعلمه" وقد قيل: "ولنعلمه فعلنا ذلك".
وكذلك: {وحفظًا من كلّ شيطانٍ} أي "وحفظاً فعلنا ذلك". وقوله:
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى
قيل: هي مقحمة. وقيل: معناه أجزنا وانتحى.
باب الياء
الياء: تزاد أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة.
فالأولى "يرمعٌ" و"يربوعٌ". والثانية "حيدرٌ". والثالثة "خفيددٌ". والرابعة "إصليتٌ". والخامسة "ذفاري".
وتكون أولى في الأفعال نحو: "يضرب".
وللإضافة نحو: "عبادي".
وللتثنية والجمع نحو: "الزّيدين" و"الزّيدين".
وتكون علامة للخفض نحو: "أخيك".
وللتّأنيث نحو: "استغفري".
وللتّصغير نحو: "بييتٌ".
وللنّسب نحو: "كوفّي"). [الصاحبي في فقه اللغة: 152-159]