الدروس
course cover
الدرس الخامس
12 Oct 2022
12 Oct 2022

1094

0

0

course cover
الصاحبي في فقه اللغة

القسم الأول

الدرس الخامس
12 Oct 2022
12 Oct 2022

12 Oct 2022

1094

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الخامس


قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب القول على الحروف المفردة الدّالّة على المعنى

وللعرب الحروف المفردة الّتي تدلّ على المعنى. نحو التاء في "خرجت" و"خرجت", والياء "ثوبي" و"فرسي".

ومنها حروف تدلّ على الأفعال نحو "إزيدًا" أي عده. و"ح" من وحيت. و"د" من وديت, و"ش" من وشيت الثوب, و"ع" من وعيت, و"ف" من وفيت و"ق" من وقيت و"ل" من وليت و"ن" من ونيت و"هـ" من وهيت. إلا أنّ حذّاق النحويين يقولون في الوقف عليها "شه" و"ده" فيقفون على الهاء.

ومن الحروف ما يكون كناية وله مواضع من الإعراب نحو قولك: "ثوبه" فالهاء كنايةٌ لها محلٌ من الإعراب.

ومنه ما يكون دلالة له مثل "رأيتها" فالهاء اسم له محل والميم والألف علامتان لا محلّ لهما.

فعلى هذا يجيء الباب.

فأمّا الحروف الّتي هي في كتاب الله جل ثناؤه فواتح سور فقال قوم: كل حرف منها مأخوذ من اسم من أسماء الله، فالألف من اسمه "الله" واللام من "لطيف" والميم من "مجيد". فالألف من آلائه واللام من لطفه والميم من مجده.

يروى ذا عن ابن عباس وهو وجه جيّد، وله في كلام العرب شاهد، وهو:

قلنا لها: قفي فقالت قاف

كذا ينشد هذا الشطر، فعبر عن قولها: "وقفت" بـ "قاف".

وقال آخرون: إن الله جلّ ثناؤه أقسم بهذه الحروف أن هذا الكتاب الّذي يقرأه محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الكتاب الّذي أنزله الله جل ثناؤه لا شك فيه.

وهذا وجه جيد، لأن الله جلّ وعز دل على جلالة قدر هذه الحروف، إذ كانت مادّة البيان ومباني كتب الله عزّ وجلّ المنزلة باللغات المختلفة، وهي أصول كلام الأمم، بها يتعارفون، وبها يذكرون الله جلّ ثناؤه. وقد أقسم الله جل ثناؤه في كتابه بالفجر والطور وغير ذلك، فكذلك شأن هذه الحروف في القسم بها.

وقال قوم: هذه الأحرف من التسعة وعشرين حرفاً دارت بها الألسنة، فليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه جلّ وعزّ، وليس منها حرف إلا هو في آلائه وبلائه، وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم: فالألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون. رواه عبد الله بن جعفر الرازي عن أبيه عن الرّبيع بن أنس.

وهو قول حسنٌ لطيف، لأنّ الله جلّ ثناؤه أنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- الفرقان فلم يدع نظماً عجيباً ولا علماً نافعاً إلا أودعه إيّاه، علم ذلك من علمه وجهله من جهله. فليس منكراً أن ينزل الله جلّ ثناؤه هذه الحروف مشتملة -مع إيجازها- على ما قاله هؤلاء.

وقولٌ آخر روي عن ابن عباس في {ألم}: "أنا الله أعلم". وفي {ألمص}: "أنا الله أعلم وأفصل".

وهذا وجه يقرب مما مضى ذكره من دلالة الحرف الواحد على الاسم التامّ والصفة التامّة.

وقال قوم: هي أسماء للسّور فـ {ألم} اسم لهذه و {حم} اسم لغيرها.

وهذا يؤثر عن جماعة من أهل العلم، وذلك أن الأسماء وضعت للتمييز، فكذلك هذه الحروف في أوائل السّور موضوعة لتمييز تلك السّور من غيرها.

فإن قال قائل: فقد رأينا {ألم} افتتح بها غير سورة، فأين التمييز?

قلنا: قد يقع الوفاق بين اسمين لشخصين، ثمّ يميز ما يجيء بعد ذلك من صفة ونعت كما قيل "زيد وزيد" ثمّ يميزان بأن يقال: "زيد الفقيه" و"زيد العربيّ" فكذلك إذا قرأ القارئ {ألم، ذلك الكتاب} فقد مّيزها عن الّتي أولها {ألم، اللّه لا إله إلّا هو}.

وقال آخرون: لكل كتاب سرٌّ وسرّ القرآن فواتح السور.

وأظنّ قائل هذا أراد أن ذلك من السرّ لا يعلمه إلا الخاص من أهل العلم والراسخون فيه.

وقال قوم: إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه وقال بعضهم لبعض: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} فأنزل الله تبارك وتعالى هذا النظم ليتعجبوا منه، ويكون تعجبهم منه سبباً لاستماعهم، وأسماعهم له سبباً لاستماع ما بعده، فترق حينئذ القلوب وتلين الأفئدة.

وقول آخر: إن هذه الحروف ذكرت لتدل على أن القرآن مؤلف من الحروف الّتي هي أب ت ث فجاء بعضها مقطعاً وجاء تمامها مؤلفا ليدل القوم الذين نزل القرآن فيما بين ظهريهم أنه بالحروف الّتي يعقلونها فيكون ذلك تقريعاً لهم ودلالة على عجزهم عن أن يأتوا بمثله بعد أن أعلموا أنه منزل بالحروف الّتي يعرفونها ويبنون كلامها منها.

قال أحمد بن فارس:

وأقرب القول في ذلك وأجمعه قول بعض علمائنا: إن أولى الأمور أن تجعل هذه التأويلات كلّها تأويلاً واحدا فيقال: إن الله جلّ وعزّ افتتح السور بهذه الحروف إرادةً منه الدلالة بكل حرف منها على معان كثيرة لا على معنىً واحد. فتكون هذه الحروف جامعة لأن تكون افتتاحا للسور، وأن يكون كلّ واحد منها مأخوذاً من اسم من أسماء الله جلّ ثناؤه، وأن يكون الله جل ثناؤه قد وضعها هذا الموضع قسماً بها، وأن كل حرف منها في آجال قوم وأرزاق آخرين، وهي مع ذلك مأخوذة من صفات الله جلّ وعزّ في أنعامه وأفضاله ومجده، وأن الافتتاح بها سبب لأن يستمع إلى القرآن من لم يكن يستمع، وأن فيها أعلاماً للعرب أن القرآن الدال على صحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم هو بهذه الحروف، وأن عجزهم عن الإتيان بمثله مع نزوله بالحروف المتعالمة بينهم دليل على كذبهم وعنادهم وجحودهم، وأن كلّ عدد منها إذا وقع في أول سورة فهو اسم لتلك السورة.

وهذا هو القول الجامع للتأويلات كلّها من غير اطراح لواحد منها.

وإنما قلنا هذا لأن المعنى فيها لا يمكن استخراجه عقلاً من حيث يزول به العذر، ولأن المرجع إلى أقاويل العلماء، ولن يجوز لأحد أن يعترض عليهم بالطعن وهم من العلم بالمكان الّذي هم به ولهم مع ذلك فضيلة التقدم ومزية السبق. والله أعلم بما أراد من ذلك).  [الصاحبي في فقه اللغة: 160-165]

هيئة الإشراف

#2

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب الكلام في حروف المعنى

رأيت أصحابنا الفقهاء يضمّنون كتبهم في أصول الفقه حروفاً من حروف المعاني، وما أدري ما الوجه في اختصاصهم إيّاها دون غيرها. فذكرت عامّة حروف المعاني رسماً واختصاراً.


فأوّل ذلك ما كان أوله ألف:

باب أم

"أم" حرف عطف نائب عن تكرير الاسم أو الفعل نحو "أزيد عندك أم عمرو?".

ويقولون: ربمّا جاءت لقطع الكلام الأوّل واستئناف غيره، ولا يكون حينئذ من باب الاستفهام. يقولون: "إنّها الإبلٌ أم شاء".

ويكون ههنا -في قول بعضهم- بمعنى "بل" كقوله جل ثناؤه: {أم يقولون شاعرٌ}.

وينشدون:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرّباب خيالا

وقال بعض أهل العربية: أمررت برجل أم امرأة "أم" تشرك بينهما كما أشركت بينهما "أو".

وقال آخرون: في "أم" معنى العطف، وهي استفهام كالألف إلاّ أنها لا تكون في أول الكلام لأن فيها معنى العطف.

وقال قوم: هي "أو" أبدلت الميم من الواو لتحول إلى معنى، يريد إلى معنى "أو" وهو قولك في الاستفهام: "أزيد قام أم عمرو?" فالسؤال عن أحدهما بعينه. ولو جئت بـ"أو" لسألت عن الفعل. وجواب أو "لا" أو "نعم", وجواب أم "فلان" أم "فلان".

وقال أبو زيد: العرب تزيد "أم". وقال قوله جلّ ثناؤه {أم أنا خيرٌ من هذا الّذي هو مهينٌ}: معناه "أنا خير" من هذا الذي.

وكان سيبويه يقول: "أفلا تبصرون": أم أنتم بصراء؟

وكان أبو عبيدة يقول: "أم" يأتي المعنى ألف الاستفهام كقوله جلّ ثناؤه {أم تريدون أن تسألوا رسولكم} بمعنى "أتريدون"?

وقال أبو زكريا الفرّاء: العرب تجعل "بل" مكان "أم" وأم مكان بل. إذا كان في أول الكلمة استفهام. قال:

فوالله ما أدري أسلمى تغوّلت ... أم النوم أم كلٌّ إليّ حبيب

معناه: "بل".

فأما قوله جلّ ثناؤه: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجبًا} فقيل: أظننت يا محمد هذا، ومن عجائب ربك جل وعزّ ما هو أعجب من قصة أصحاب الكهف?

وقال آخرون: "أم" بمعنى ألف الاستفهام كأنه قال: "أحسبت"? و"حسبت" بمعنى "علمت" ويكون الاستفهام في "حسبت" بمعنى الأمر كما تقول لمن تخاطبه "أعلمت أن زيداً خرج"? بمعنى أمر, أي اعلم أن زيداً خرج.

قال: فعلى هذا التدريج يكون تأويل الآية: اعلم يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً.


باب أو

أو: حرف عطف يأتي بعد الاستفهام للشكّ: "أزيد عندك أو بكر?" تريد "أحدهما عندك?" فالجواب "لا" أو "نعم".

وإذا جعلت مكانها "أم" فأنت مثبت أحدهما غير أنّك شاكٌ فيه بعينه فتقول: "أزيد عندك أم عمرو؟ " فالجواب "زيد" أم "عمرو".

وتكون "أو" للتخيير كقوله جل ثناؤه: {إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ}.

وتكون للإباحة تقول: "خذ ثوباً أو فرساً".

وأما قوله جلّ ثناؤه: {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا} فقال قوم: هذا يعارض ويقابل بضدّه فيصح المعنى ويبين المراد، وذلك أنّا نقول: "أطع زيداً أو عمراً" فإنما نريد أطع واحداً منهما، فكذا إذا نهيناه وقلنا: "لا تطع زيداً أو عمراً" فقد قلنا لا تطع واحداً منهما.

وقوله جلّ ثناؤه: {إلى مئة ألفٍ أو يزيدون} فقال قوم: هي بمعنى الواو "ويزيدون".

وقال آخرون: هي بمعنى "بل".

وقال قوم: هي بمعنى الإباحة كأنه قال: إذا قال قائل: "هم مائة ألف" فقد صدق.

وقول القائل: "مررت برجل أو امرأة" فقد أشركت "أو" بينهما في الخفض وأثبتت المرور بأحدهما دون الآخر.

وتكون "أو" بمعنى "إلاّ أن" تقول "لألزمنّك أو تعطيني حقي" بمعنى إلاّ أن تعطيني. قال امرؤ القيس:

فقلت له لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا

وزعم قوم أن "أو" تكون بمعنى الواو ويقولون: كل حق لها داخل فيها أو خارج منها، وكل حق سميّناه في هذا الكتاب أو لم نسمه وإن شئت قلت بالواو وأنشدوا:

فذلكما شهرين أو نصف ثالث ... إلى ذاكما ما غيّبتني غيابيا

رواه ثعلب" ألا فالبثا.

وكان الفرّاء يقولون: في "مائة ألف أو يزيدون": معناه بل يزيدون.

وقال بعض البصريين منكراً لها: لو وقعت "أو في هذا الموضوع موقع "بل" لجاز أن تقع في غير هذا الموضع وكنا نقول "ضربت زيداً أو عمراً" على غير الشك لكن بمعنى "بل"، وهذا غير جائز.

قالوا: ووجه آخر وهو أنّ بل تأتي للإضراب بعد غلط أو نسيان وهذا منفي عن الله جل ثناؤه فإن أتي ثناؤه بها بعد كلام قد سبق من، وهذا غير القائل فالخطأ إنما لحق كلام الأول نحو قوله جل ثناؤه: {وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدًا} فهم أخطئوا في هذا وكفروا به فقال جلّ وعزّ: {بل عبادٌ مكرمون} .

وزعم قوم أن معناها "أو يزيدون على ذلك".

قلنا: والذي قاله الفراء فقول قد تقدمه فيه ناس.

وقول من قال: أن "بل" لا يكون إلاّ إضراباً بعد غلط أو نسيان فخطأ، لأن العرب تنشد:

بل هاج أحزاناً وشجواً قد شجا

وهذا ليس من المعنيين في شيء.

فأما قوله: "أو أشدّ قسوةً" وما أشبهه من قوله عزّ وجل: {كلمح البصر أو هو أقرب} أن المخاطب يعلمه، لكنه أبهمه على المخاطب وطواه عنه.

وقال آخرون: بعضها كالحجارة وبعضها أشدّ قسوة. أي هي ضربان: ضرب كذا أو ضرب كذا.


باب إي وأي:

إي: في زعم أهل اللغة يكون بمعنى "نعم" تقول "إي وربّي". أي: "نعم وربّي" قال الله جل ثناؤه: {ويستنبئونك أحقٌّ هو قل إي وربّي}.

وأي: معناها "يقول" ومثال ذلك أن تقول في تفسير "لا ريب فيه": "أي لا شك فيه"، المعنى: يقول لا شك فيه.

وسمعت أبا بكر أحمد بن عليّ بن إسماعيل الناقد يقول: سمعت أبا إسحاق الحربيّ يقول سمعت عمرو بن أبي عمرو الشّيبانيّ يقول: سألت أبي عن قولهم "أي" فقال: كلمةٌ للعرب تشير بها إلى المعنى.


باب إنّ وأنّ وإنْ وأنْ

قال "الفرّاء": "إنّ" مقدرة لقسم متروك استغني بها التقدير: "والله إنّ زيداً عالمٌ".

وكان ثعلب يقول: "إن زيداً لقائم" هو جواب ما زيد بقائم فـ"إنّ" جواب "ما" و"اللام" جواب "الباء".

وكان بعض النحويين يقولون: "إنّ" مضارعة للفعل لفظاً ومعنىً: أما اللفظ فللفتحة فيها كما تقول "قام". والمعنى في "أن زيداً قائم": ثبت عندي هذا الحديث.

وقال سيبويه: سألت الخليل عن رجل سميناه بـ"إن" كيف إعرابه? قال: بفتح الألف لأنه يكون كالاسم، وإذا كان بكسر الألف لكان كالفعل والأداة، ولذلك نصب في ذاته لأنه كالفعل ومعناه التثبيت للخبر الّذي بعده، ولذلك نصب به الاسم الّذي يليه.

ومما يدل على أن "إن" للتثبيت قول القائل:

إن محلاًّ وإنّ مرتحلا ... وإنّ في السّفر ما مضوا مهلا

وتكون أنّ": بمعنى "لعلّ" في قوله عزّ وجلّ: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت} بمعنى "لعلّها إذا جاءت".

وحكى الخليل: "ائت السوق أنك تشتري لنا شيئاً" بمعنى "لعلّك".

و"أنّ" إذا كانت اسماً كانت في قولك "ظننت أن زيداً قائم" فيكون "أن" والذي بعدها قصةً وشأناً، نحو "ظننت ذاك" فيكون محلّه نصباً.

وإذا قلت: "بلغني أن زيداً عالمٌ" فهذا في موضع رفع.

وإذا قلنا: "عجبت من أنّ زيداً كلّمك" فمحله خفض، على ما رتبناه من أنه اسم.

وأما "إن": فإنها تكون شرطاً، تقول: "إن خرجتَ خرجتُ".

وتكون نفياً كقوله جلّ وعزّ: {إن الكافرون إلّا في غرورٍ}.

وكقول الشاعر:

وما إن طبنا جبنا ولكن ... منايانا ودولة آخرينا

وتكون بمعنى "إذ" قال الله جلّ وعزّ: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} بمعنى "إذ" لأنه جلّ وعزّ لم يخبرهم بعلوّهم إلا بعدما كانوا مؤمنين.

وزعم ناس: أنها تكون بمعنى "لقد" في قوله جلّ ثناؤه: {إن كنا عن عبادتكم لغافلين} بمعنى: لقد كنا.

و "أن" تجعل الفعل بمعنى المصدر، كقوله جل ثناؤه: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} بمعنى "والصوم خير لكم".

وتكون بمعنى "إذ" تقول: "أعجبني أن خرجت", وفرحت أن دخلت الدار".

وقد تضمر في قوله:

ألا أيّهذا الزاجري أحضر الوغى

وتكون بمعنى "أي" قال الله جلّ ثناؤه: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} بمعنى: أي امشوا.


باب إلى

تكون "إلى" بمعنى الانتهاء، تقول: "خرجت من بغداد إلى الكوفة".

وتكون بمعنى "مع". قالوا في قوله جل ثناؤه: {من أنصاري إلى اللّه}: بمعنى "مع الله".

وقال قوم: معناها من يضيف نصرته إلى نصرة الله جلّ وعزّ لي? فيكون بمعنى الانتهاء، وكذلك قوله جلّ ثناؤه: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} أي مع أموالكم.

وربما قامت "إلى" مقام "اللام" قال "الشماخ:

فالحق ببجلة ناسبهم وكن معهم ... حتّى يعيروك مجداً غير موطود

واترك تراث خفافٍ إنهم هلكوا ... وأنت حيٌّ إلى رعلٍ ومطرود

يقول: اترك تراث خفاف لرعل ومطرود. وخفافٌ ورعل ومطرود بنو أبٍ واحد.

وأخبرنا عليّ ابن ابراهيم القطان عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: ألقى عليّ أعربيٌ هذا البيت فقل لي: ما معناه? فأجبته بجواب، فقال لي: ليس هو كذا. وأجابني بهذا الجواب. وكان الّذي أجابه به ابن الأعرابي أن خفافاً من غير رعل ومطرود.


باب ألا

"ألا" افتتاح كلام.

وقد قيل: إن "الهمزة" للتنبيه و"لا" نفي لدعوى في قوله جلّ ثناؤه {إنّما نحن مصلحون، ألا إنّهم هم المفسدون} فالهمزة تنبيهٌ لمخاطب و"لا" نفي للإصلاح عنهم.

وفي كلام العرب كلمة أخرى تشبهها لم تجئ في القرآن وهي "أما" وهي كلمة تحقيق إذا قلت "أما إنّه قائمٌ" فمعناه "حقاً إنّه قائمٌ".


باب إنما

سمعت عليّ بن إبراهيم القطّان يقول: سمعت ثعلباً يقول: سمعت سلمة يقول:

سمعت الفرّاء يقول: إذا قلت: "إنما قمت" فقد نفيت عن نفسك كلّ فعل إلا القيام، وإذا قلت: "إنما قام أنا" فإنك نفيت القيام عن كلّ أحد وأثبتّه لنفسك.

قال الفرّاء: يقولون: "ما أنت إلا أخي" فيدخل في هذا الكلام الأفراد. كأنه ادعى أنه أخٌ ومولىّ وغير الأخوّة، فنفى بذلك ما سواها.

قال: وكذلك إذا قال: "إنما أنت أخي".

قال الفرّاء: لا يكونان أبداً إلا ردّاً، يعني أن قولك "ما أنت إلاّ أخي" و"إنّما قام أنا" لا يكون هذا ابتداء أبداً وإنما يكون ردّاً على آخر، كأنّه ادّعى أنه أخٌ ومولىّ وأشياء أخر، فنفاه وأقرّ له بالأخوة، أو زعم أنه كانت منك أشياء سوى القيام فنفيتها كلها ما خلال القيام.

وقال قوم: "إنما" معناه التحقير. تقول: "إنما أنا بشر" محقراً لنفسك.

وهذا ليس بشيء: قال الله جلّ ثناؤه: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} فأين التحقير ها هنا؟

والذي قاله الفرّاء صحيح، وحجته قوله -صلى الله عليه وسلم: "إنّما الولاء لمن أعتق").  [الصاحبي في فقه اللغة: 166-183]

هيئة الإشراف

#3

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

باب إلاّ

أصل الاستثناء أن تستثني شيئاً من جملة اشتملت عليه في أول ما لفظ به، وهو قولهم: "ما خرج الناس إلا زيداً" فقد كان "زيد" في جملة الناس ثمّ أخرج منهم، ولذلك سمي "استثناءً لأنه ثنّي ذكره مرةً في الجملة ومرّة في التفصيل. ولذلك قال بعض النحويين: المستثنى خرج مما دخل فيه، وهذا مأخوذ من "الثّنا" والثّنا الأمر يثّنى مرّتين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا ثنا في الصدقة" يعني لا تؤخذ في السنة مرتين. قال أوس:

أفي جنب بكرٍ قطّعتني ملامةً ... لعمري لقد كانت ملامتها ثنا

يقول: ليس هذا بأولّ لومها، فقد فعلته قبل هذا، وهذا ثنًا بعده.

وقال بعض أهل العلم: "إلا" تكون استثناء لقليل من كثير، نحو "قام الناس إلا زيداً".

وتكون محققة لفعلٍ منفيّ عن اسم قبلها، نحو "ما قام أحد إلا زيد". وتكون بمعنى "واو العطف" كقوله:

وأرى لها داراً بأغدرة السيّـ ... ـدان لم يدرس لها رسم

إلا رماداً هامداً دفعت ... عنه الرّياح خوالدٌ سحم

أراد "ورماداً".

وتكون بمعنى "بل" كقوله جلّ ثناؤه: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلّا تذكرةً} بمعنى "بل تذكرة".

ومنه قوله عزّ وجلّ: {واللّه أعلم بما يوعون فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ، إلّا الّذين آمنوا} معناه: والذين آمنوا {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} .

وتكون "إلا" بمعنى "لكن" وتكون من الّذي يسمونها الاستثناء المنقطع كقوله جل ثناؤه: {لست عليهم بمسيطرٍ، إلّا من تولّى} -معناه لكن من تولى- {وكفر} .

ومن الباب قوله جلّ ثناؤه: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ إلّا من شاء} كان الفرّاء يقول: استثنى الشيء من الشيء ليس منه على الاختصار، ومن ذلك هذه الآية. ثمّ قال: وفي كتاب الله جل ثناؤه: {والفواحش إلّا اللّمم} قال: هو مختصر، معناه "إلا أن يصيب الرجل اللمم" واللمم الذنوب. والله جلّ ثناؤه لا يأذن في قليل الذنب ولا كثيره.

قال: ومما جاء في شعر العرب قول أبي خراش:

نجا سالم والنفس منه بشدقه ... ولم ينج إلا جفن سيفٍ ومئزرا

فاستثنى الجفن والمئزر وليسا من سالم، وإنما هذا على الاختصار. وأنشد:

وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس

معناه "لكن فيها".

ومثله قوله جلّ ثناؤه: {فإنّهم عدوٌّ لي إلّا ربّ العالمين}.

وأما قوله: {لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّةٌ إلّا الّذين ظلموا} فقال قوم أراد: "إلا على الذين ظلموا فإن عليهم الحجة" ويكون حينئذ "الذين" في موضع خفض ويكون أيضاً على "لكن الذين ظلموا فلا تخشوهم" تبتدئه.

وقال جل وعز: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلّا بالّتي هي أحسن إلّا الّذين ظلموا} فهذا قد انقطع من الأوّل ويجوز أن يكون على الاستثناء من أوله كأنه قال: "إلا الذين ظلموا فجادلوهم بالتي هي أسوأ من لسان أو يدٍ" أي أغلظ، يريد مشركي العرب.

وقوله جلّ ثناؤه: {لا يحبّ اللّه الجهر بالسّوء من القول إلّا من ظلم} قال قوم: إنما يريد المكره لأنه مظلوم فذلك عنه موضوع وإن نطق بالكفر. والاستثناء باب يطول.

وقد يستثنى من الشيء الموحّد لفظاً وهو في المعنى جمع، نحو: {إنّ الإنسان لفي خسرٍ، إلّا الّذين آمنوا}.

واستثناء الشيء من غير جنسه لا معنى له مع الّذي ذكرناه من حقيقة الاستثناء.

وإذا جمع الكلام ضروباً من المذكورات وفي آخره استثناء، فالأمر إلى الدليل فإن جاز رجعه على جميع الكلام كان على جميعه كقوله جلّ ثناؤه: {إنّما جزاء الّذين يحاربون اللّه ورسوله} ثمّ قال: {إلّا الّذين تابوا} والاستثناء جائز في كلّ ذلك.

والذي يمنع منه الدليل قوله جلّ ثناؤه: {فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا} الآية فالاستثناء ها هنا على ما كان من حق الله جلّ ثناؤه دون الجلد.


باب من الاستثناء آخر

قال قوم: لا يستثنى من الشيء إلا ما كان دون نصفه: لا يجوز أن يقال عشرة إلا خمسة.

وقال قوم: يستثنى القليل من الكثير ويستثنى الكثير مما هو أكثر منه.

وهذه العبارة هي الصحيحة. فأما من يقول: يستثنى الكثير من القليل فليست بالعبارة الجيدة، قالوا: "عشرة إلا خمسة" حتّى يبلغ التسعة.

قالوا: ومن الدليل على أن نصف الشيء قد يستثنى من الشيء قوله جلّ ثناؤه: {يا أيّها المزّمّل قم اللّيل إلّا قليلًا} ثمّ قال: {نصفه} أفلا تراه سمّى النصف قليلاً واستثناه من الأصل?

قال أحمد بن فارس: واعترض قوم بهذا الّذي ذكرناه على أبي عبد الله مالك بن أنس في قوله في الجائحة؛ لأن مالكاً يذهب إلى أن الجائحة إذا كانت دون الثلث لم يوضع لأنها قليل بمنزلة ما تناله العوافي من الطير وغيرها وما تلقيه الريح، فإذا بلغت الجائحة الثلث وما زاد فهي كثيرة ولزم وضعها للحديث المرويّ فيها.

قال المعترض على أبي عبد الله مالك رضي الله تعالى عنه: فقد دفع هذا الفصل المعنى الّذي ذهب إليه مالك، لأن قوله جلّ ثناؤه: {قم اللّيل إلّا قليلًا} قد جعل النصف قليلاً، فإذا كان نصف الشيء قليلاً منه وجب أن يكون كثيرة ما فوق النصف.

فالجواب عن هذا أن مالكاً إنما ذهب في جعله الثلث كثيراً إلى حديث حدثناه عليّ بن إبراهيم عن محمد بن يزيد عن هشام بن عمار عن ابن عيينة عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال: "مرضت عام الفتح حتّى أشرفت، فعادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: أي رسول الله إن لي مالاً وليس يرثني إلا ابنتي أفأتصدّق بثلثي مالي? قال: "لا". قلت: فالشطر? قال: "لا" قلت: فالثلث? قال: "الثلث كثير، إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالةً يتكففون الناس" , فبقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ مالك، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم بتأويل كتاب الله جلّ ثناؤه.


باب إيّا

"إيّا" كلمة تخصيص. إذا قلت: "إياك أردت" وكان الأصل "أردتك" فلما قدمت الكاف كما تقدم المفعول به في "ضربت زيداً" لم تستقم كاف وحدها مقدمة على فعل فوصل بها "إيا".

وقد تكون "إيّا" للتحذير كقوله:

فإياكم وحية بطن واد ... هموز الناب ليس لكم بسي.


باب إذا

تكون "إذا" شرطاً في وقت موقت. تقول: "إذا خرجت خرجت".

وزعم قوم أن "إذا" تكون لغواً وفضلاً وذكروا قوله جلّ ثناؤه: {إذا السّماء انشقّت} قالوا: تأويله: "انشقت السماء" كما قال: {اقتربت السّاعة} و{أتى أمر اللّه}.

قالوا: وفي شعر العرب قوله:

حتّى إذا أسلكوهم في قتائدةٍ ... شلاًّ كما تطرد الجمّالة الشردا

المعنى: حتّى أسلكوهم.

وأنكر ناس هذا وقالوا: {إذا السّماء انشقّت} لها جواب مضمر. وقول القائل: "حتّى إذا أسلكوهم" فجوابه قوله: "مثلاً"، يقول: "أسلكوهم شلّوهم شلاًّ".

واحتج أصحاب القول الأول بقول الشاعر:

فإذا وذلك لا مهاة لذكره ... والدهر يعقب صالحاً بفساد

قالوا: المعنى "وذلك".

وقال أصحاب القول الثاني: الواو مقحمة، المعنى "فإذا ذلك".

وقولهم: "إذا فعلت كذا" يكون على ثلاثة أضرب:

ضربٌ يكون المأمور به قبل الفعل: "إذا أتيت الباب فالبس أحسن لباس" ومنه قوله جلّ ثناؤه: {إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا}.

وضربٌ يكون مع الفعل كقولك: "إذا قرأت فترسّل". وضرب يكون بعد الفعل نحو {إذا حللتم فاصطادوا} و{إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا}.


باب إذ

إذ تكون للماضي تقول: "أتذكر إذ فعلت كذا?" فأما قوله جلّ ثناؤه: {ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا} فـ"ترى" مستقبل و"إذ" للماضي، وإنما كان كذا لأن الشيء كائن وإن لم يكن بعد، وذلك عند الله جلّ ثناؤه، قد كان، لأن علمه به سابق وقضاءه به نافذ فهو كائن لا محالة، والعرب تقول مثل ذا وإن لم تعرف العواقب. قال الشاعر:

ستندم إذ يأتي عليك رعيلنا ... بأرعن جرار كثير صواهله

وقوله جل ثناؤه: {إذ قال اللّه يا عيسى} فقال قوم: قال له ذلك لمّا رفعه إليه.

وقال آخرون: "إذ" و"إذا" بمعنىً. كقوله جلّ ثناؤه: {ولو ترى إذ فزعوا} بمعنى: "إذا". قال أبو النجم:

ثمّ جزاه اللّه عنّا إذ جزى ... جنات عدن في العلالي العلى

المعنى: "إذا جزى" لأنه لم يقع.

ومثله قوله الأسود:

الحافظ الناس في تحوط إذا ... لم يرسلوا تحت عائذ ربعا

وهبّت الشمأل البليل وإذ ... بات كميع الفتاة ملتفعا

قالوا: فـ"إذا" و"إذ" بمعنىً. قال:

وندمان يزيد الكأس طيبا ... سقيت إذا تغورت النجوم

و"إذ" تكون بمعنى "حين" كقوله جلّ ثناؤه: {ولا تعملون من عملٍ إلّا كنّا عليكم شهودًا إذ تفيضون فيه} أي "حين تفيضون".


باب إذًا

"إذاً" مجازاة على فعل، يقول: "أنا أقوم" فتقول: "إذاً أقوم معك". هذا هو الأصل. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "فإني إذاً صائم" أي إذا لم يحضر الطعام فإني صائم. وقال الشاعر:

أزجر حماري لا يرتع بروضتنا ... إذاً يرد وقيد العير مكروب.


باب أيٍّ

"أيٌّ" تكون استفهاماً. تقول: "أيّ الرجلين عندك?".

وتكون للترجيح بين أمرين تقول: "أيّا مّا فعلت فلي كذا" أي إن فعلت هذا وإن فعلت هذا.

وتكون للتعجب نحو: "أيّ رجل زيدٌ! ".


باب أنّى

"أنّى" بمعنى "كيف" كقوله جلّ ثناؤه: {أنّى يحيي هذه الله بعد موتها}؟.

وتكون بمعنى: "من أين" كقوله: {أنّى يكون له ولد}? أي من أين يكون له ولد. والأجود أن يقال في هذا أيضاً كيف. قال الكميت:

أنّى ومن أين آبك الطرب ... من حيث لا صبوةٌ ولا ريب

فجاء بالمعنيين جميعًا.


باب أين وأينما:

"أين" تكون استفهاماً عن مكان. نحو "اين زيدٌ?".

وتكون شرطا لمكان. نحو "أين لقيت زيداً فكلّمه" بمعنى في أي مكان.

فأمّا "أينما" فإنّما يكون شرطاً لمكان ما، نحو "أينما تجلس أجلس" ولا يكون استفهاماً.


باب أيّان

"أيّان" بمعنى "متى" و"أي حين".

قال بعض العلماء: نرى أصلها "أيّ أوان" فحذفت الهمزة وجعلت الكلمتان واحدة. قال الله جلّ ثناؤه: {أيّان يبعثون} أي متى و{أيّان يوم الدّين} أي متى.


باب الآن

يقولون: "الآن" حدّ الزمانين، حدّ الماضي من آخره وحدّ المستقبل من أوّله.

وكان الفرّاء يقول: بني على الألف واللام لم يخلعا منه وترى على مذهب الصّفة لأنه صفة في المعنى واللفظ، كما فعلوا في "الّذي" و"الّذين" فتركوهما على مذهب الأداة، والألف واللام غير مفارقين.

ومثله قوله:

فإنّ الأولاء يعلمونك منهم ... كعلمي مطّنّوك ما دمت أشعرا

فأدخل الألف واللام على "أولاء" ثمّ تركها مخفوضة في موضع نصب كما كانت قبل أن يدخلها الألف واللام.

ومثله:

وإنّي حبست اليوم والأمس قبله ... ببابك حتّى كادت الشمس تغرب

فأدخل الألف واللام على "أمس" ثمّ تركه مخفوضاً على جهته الأولى.

ومثله:

تفقّأ فوقه القلع السّواري ... وجنّ الخازباز به جنونا

وأصل "الآن" إنما كان "أوان" حذفت منها الألف وغيّرت واوها إلى الألف، كما قالوا في الراح "الرياح" أنشد الفرّاء قال أنشدني أبو القمقام الأسدي:

كأنّ مكاكيّ الجواء غديّةً ... نشاوى تساقوا بالرّياح المفلفل

فجعل "الرياح" و"الأوان" مرةً على جهة "فعل" ومرة على جهة "فعال" كما قالوا: "زمن" و"زمان".

وإن شئت جعلت "الآن" من قولك: "آن لك أن تفعل" أدخلت عليها الألف واللام ثمّ تركتها على مذهب فعل فأتى النصب من نصب "فعل" وهو وجه جيد. كما قالوا: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال".

و"الآن" في كتاب الله جلّ ثناؤه: {آلآن وقد عصيت قبل}، {آلآن وقد كنتم به تستعجلون} أي في هذا الوقت وهذا الأوان تتوب وقد عصيت قبل؟!.

قال الزجاج: "الآن" عند الخليل وسيبويه مبنيٌّ على الفتح تقول: "نحن من الآن نصير إليك" فتفتح. لأن الألف واللام إنما تدخل لعهد، و"الآن" تعهد قبل هذا الوقت، فدخلت الألف واللام للإشارة إلى الوقت. المعنى: "نحن من هذا الوقت نفعل" فلما تضمّنت معنى هذا وجب أن تكون موقوفة ففتحت لالتقاء الساكنين.


باب إمّا لا

هما كلمتان "إمّا" و"لا" تقول: "أخرج" فإذا امتنع قلت: "إمّا لا فتكلّم" أي "إن لم يكن منك خروج فليكن منك تكلّم".

فـ"إمّا" شرط و"لا" جحدٌ. كأنّك قلت: "إن لا".


باب أمّا وإمّا

"أمّا" كلمة إخبار لا بدّ في جوابها من "فاء". تقول: "أمّا زيد فكريم".

"وإمّا" تكون تخييراً وإباحة. نحو: اشرب إما ماءً وإمّا لبناً.

وقد تكون بمعنى الشرط، والأكثر في جوابها نون التوكيد. نحو: {إمّا ترينّ من البشر أحدًا} و{قل ربّ إمّا ترينّي ما يوعدون}.

وقد يكون بلا "نون" نحو قوله:

إمّا ترى رأسي علاني أغثمه).  [الصاحبي في فقه اللغة: 184-206]

هيئة الإشراف

#4

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

ومما أوله باء: بلى

"بلى" تكون إثباتاً لمنفيّ قبلها. يقال: "أما خرج زيدٌ?" فنقول: "بلى" والمعنى أنّها "بل" وصلت بها ألفٌ تكون دليلاً على كلام. يقول القائل: "أما خرج زيد?" فتقول: "بلى" فـ"بل" رجوع عن جحد، و"الألف" دلالة كلام، كأنّك قلت: "بل خرج زيد".

وكذلك قوله جلّ ثناؤه: {ألست بربّكم قالوا بلى} المعنى والله أعلم: "بل أنت ربّنا".


بل

"بل" إضرابٌ عن الأوّل وإثباتٌ للثاني.

واختلف فيه أهل العربيّة:

فقال قوم: جائز "مررت برجل بل حمار" وقد يكون فيه الرفع أي: "بل هو حمارٌ".

والكوفيون لا ينسقون بـ"بل" إلاّ بعد نفيٍ. قال هشام: محالٌ: "ضربت أخاك بل أباك" لأن الأوّل قد ثبّتّ له الضرب.

والبصريون يقولون: لمّا كان "بل" تقع للإضراب، وكنّا نضرب عن الإيجاب كما نضرب عن النفي وقعت بعد الإيجاب كوقوعها بعد النفي. و"لا بل" مثلها.

وقال قوم: يكون "بل" بمعنى "إنّ" في قوله جلّ ثناؤه: {ص والقرآن ذي الذّكر، بل الّذين كفروا} معناه: "إنّ الذين كفروا" {في عزّةٍ} قالوا: وذلك أنّ القسم لا بدّ له من جواب.

ويزعم ناسٌ أنها إذا جاءت في الإثبات كانت استدراكاً. تقول: "لقيت زيداً بل عمراً" وهذا عند الغلط.


بله

بله بمعنى دع. وقيل: بمعنى غير قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:

"يقول الله جلّ ثناؤه: أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، بله ما أطلعتهم عليه". قالوا: معناه "سوى" و"دع" كأنّه قال: "سوى ما أطلعتهم عليه" و"دع ما أطلعتهم" عليه قال أبو زبيد:

تمشي القطوف إذا غنّى الحداة لها ... مشي النّجيبة بله الجلّة النّجبا.


بيد

قالوا: "بيد" بمعنى "غير". قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم", أي "غير أنهم" قال الشاعر:

عمداً فعلت ذاك بيد أنّي ... إخال لو هلكت لم ترنّي.


بينا وبينما

هما لزمان غير محدود.

واشتقاقهما من قولنا: "بيني وبينه قيد كذا" فإذا قلنا: "بينا نحن عند زيدٍ أتانا فلان" فالمعنى "بين أن حصلنا عند زيد وبين زمان آخر أتانا فلان" قال الشاعر:

فبينا نحن نرقبه أتانا ... معلّق شكوةٍ وزناد راع.


بعد

يدلّ على أن يعقب شيءٌ شيئاً. تقول: "جاء زيدٌ بعد عمرو".

ويقولون: إنها تكون بمعنى "مع" يقال: "هو كريم وهو بعد هذا فقيه" أي: "مع هذا" ويتأولون قول الله جلّ ثناؤه: {والأرض بعد ذلك دحاها} على هذا، بمعنى "مع ذلك").  [الصاحبي في فقه اللغة: 207-213]

هيئة الإشراف

#5

12 Oct 2022

قال أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي (ت: 395هـ): (

ومما أوله تاء: تعال

يقال: إنها أمرٌ أي "تفاعل" من "علوت. تعالى. يتعالى" فإذا أمرت قلت: "تعال" كما تقول: "تقاض".

قالوا: وكثرت في الكلام حتّى صارت بمنزلة "هلّم" حتّى يقال لمن هو في علوّ: "تعال" وأنتّ تريد: "اهبط".

ولا يجوز أن تنهى بها.

وقد تصرّف فيقال: "تعاليت" و"إلى أيّ شيءٍ أتعالى؟"


ومما أوله ثاء: ثمّ

"ثمّ" يكون لتراخي الثاني عن الأول: "جاء زيد ثم عمرو".

وتكون "ثمّ" بمعنى "واو عطف" قال الله جلّ ذكره: {فإلينا مرجعهم ثمّ اللّه شهيدٌ على ما يفعلون} أي وهو شهيد.

وتكون بمعنى التعجّب كقوله جلّ ثناؤه: {ثمّ يطمع أن أزيد} و{ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون}.

وأنشد قطرب في أن "ثمّ" بمعنى "الواو":

سألت ربيعة من خيرها ... أباً ثمّ أمّاً فقالت لمه

ومنه قوله جلّ ثناؤه: {ثمّ إنّ علينا بيانه}.

فأمّا قوله جلّ وعزّ: {ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم} فقال قوم معناها: "وصوّرناكم".

وقال آخرون: المعنى "ابتدأنا خلقكم" لأنه جلّ ثناؤه ابتدأ خلق آدم عليه السلام من تراب، ثمّ صوّره. وابتدأ خلق الإنسان من نطفة ثمّ صوّره. قالوا: فـ"ثمّ" علي بابها. قال الله جلّ ثناؤه: {يولّوكم الأدبار ثمّ لا ينصرون}.

وزعم ناس أن "ثمّ" تكون زائدة. قال الله جلّ ثناؤه: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا حتّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} إلى قوله جلّ ثناؤه {ثمّ تاب عليهم} معناه: "حتّى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت تاب عليهم".

وقوله جل ثناؤه: {خلقكم من طينٍ ثمّ قضى أجلًا} وقد كان قضى الأجل، فمعناه: "أخبركم أني خلقته من طين، ثمّ أخبركم أنّي قضيت الأجل" كما تقول: "كلمتك اليوم ثمّ قد كلمتك أمس" أي إني أخبرك بذاك ثمّ أخبرك بهذا.

وهذا يكون في الجمل، فأما في عطف الاسم على الاسم، والفعل على الفعل فلا يكون إلاّ مرتّباً أحدهما بعد الآخر.


ثم

وثمّ بمعنى: "هنالك" قال الله جلّ ثناؤه: {وإذا رأيت ثمّ رأيت نعيمًا وملكا كبيرا}.

وقرئت: {فإلينا مرجعهم ثَمَّ اللّه شهيدٌ} أي: هنالك الله شهيد).  [الصاحبي في فقه اللغة: 214-217]