14 Sep 2014
تفسير قوله تعالى: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}
تفسير قوله تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال ابن جريرٍ: حدّثني عمر بن إسماعيل بن مجالدٍ، حدّثنا عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن عطيّة، عن ابن عمر في قوله: {فلا اقتحم العقبة} قال: جبلٌ في جهنّم آزلٌ.
وقال كعب الأحبار: {فلا اقتحم العقبة} هو سبعون درجةً في جهنّم.
وقال الحسن البصريّ: {فلا اقتحم العقبة} قال: عقبةٌ في جهنّم.
وقال قتادة: إنها عقبةٌ قحمةٌ شديدةٌ، فاقتحموها بطاعة الله تعالى). [تفسير القرآن العظيم: 8/405]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي: لم يقتحمهَا ويعبر عليهَا، لأنَّهُ متبعٌ لشهواتهِ.
وهذهِ العقبةُ شديدةٌ عليهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 925]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (11-{فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}؛ أَيْ: فَهَلاَّ نَشِطَ وَاخْتَرَقَ المَوَانِعَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَاعَةِ اللَّهِ؛ مِنْ تَسْوِيلِ النَّفْسِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالشَّيْطَانِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّهَا عَقَبَةٌ قَحْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَاقْتَحِمُوهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى). [زبدة التفسير: 594]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) )
تفسير قوله تعالى: (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال قتادة: {وما أدراك ما العقبة} ثمّ أخبر عن اقتحامها فقال: {فكّ رقبةٍ أو إطعامٌ}.
وقال ابن زيدٍ: {فلا اقتحم العقبة} أي: أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير، ثمّ بيّنها فقال تعالى: {وما أدراك ما العقبة فكّ رقبةٍ أو إطعامٌ}.
قرئ: {فكّ رقبةٍ} بالإضافة، وقرئ على أنه فعلٌ، وفيه ضمير الفاعل، والرّقبة مفعوله، وكلتا القراءتين معناهما متقاربٌ.
قال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، حدّثنا عبد الله - يعني: ابن سعيد بن أبي هندٍ - عن إسماعيل بن أبي حكيمٍ مولى آل الزّبير، عن سعيد ابن مرجانة، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكلّ إربٍ منها إرباً من النّار، حتّى إنّه ليعتق باليد اليد، وبالرّجل الرّجل، وبالفرج الفرج)). فقال عليّ بن الحسين: أنت سمعت هذا من أبي هريرة؟ فقال سعيدٌ: نعم. فقال عليّ بن الحسين لغلامٍ له أفره غلمانه: ادع مطرّفاً. فلمّا قدم بين يديه قال: اذهب فأنت حرٌّ لوجه الله.
وقد رواه البخاريّ، ومسلمٌ، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من طرقٍ عن سعيد ابن مرجانة به، وعند مسلمٍ أن هذا الغلام الذي أعتقه عليّ بن الحسين زين العابدين كان قد أعطي فيه عشرة الآف درهمٍ.
وقال قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي نجيحٍ، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: ((أيّما مسلمٍ أعتق رجلاً مسلماً فإنّ الله جاعلٌ وقاء كلّ عظمٍ من عظامه عظماً من عظام محرّره من النّار، وأيّما امرأةٍ مسلمةٍ أعتقت امرأةً مسلمةً فإنّ الله جاعلٌ وقاء كلّ عظمٍ من عظامها عظماً من عظامها من النّار)).
رواه ابن جريرٍ هكذا. وأبو نجيحٍ هذا هو عمرو بن عبسة السّلميّ رضي الله عنه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا حيوة بن شريحٍ، حدّثنا بقيّة، حدّثني بحير بن سعدٍ، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرّة، عن عمرو بن عبسة، أنه حدّثهم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من بنى مسجداً ليذكر الله فيه، بنى الله له بيتاً في الجنّة، ومن أعتق نفساً مسلمةً كانت فديته من جهنّم، ومن شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة)).
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا الحكم بن نافعٍ، حدّثنا حريزٌ، عن سليم بن عامرٍ، أن شرحبيل بن السّمط، قال لعمرو بن عبسة: حدّثنا حديثاً ليس فيه تزيّدٌ ولا نسيانٌ. قال عمرٌو: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((من أعتق رقبةً مسلمةً كانت فكاكه من النّار عضواً بعضوٍ، ومن شاب شيبةً في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهمٍ فبلغ فأصاب أو أخطأ كان كمعتق رقبةٍ من بني إسماعيل)).
وروى أبو داود والنّسائيّ بعضه.
طريقٌ أخرى:
قال أحمد: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا الفرج، حدّثنا لقمان، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة السّلميّ: قلت له: حدّثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ليس فيه انتقاصٌ، ولا وهمٌ. قال: سمعته يقول: ((من ولد له ثلاثة أولادٍ في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله الجنّة بفضل رحمته إيّاهم، ومن شاب شيبةً في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهمٍ في سبيل الله فبلغ به العدوّ أصاب أو أخطأ، كان له عتق رقبةٍ، ومن أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكلّ عضوٍ منه عضواً منه من النّار، ومن أنفق زوجين في سبيل الله فإنّ للجنّة ثمانية أبوابٍ، يدخله الله من أيّ بابٍ شاء منها)).
وهذه أسانيد جيّدةٌ قويّةٌ ولله الحمد.
حديثٌ آخر: قال أبو داود: حدّثنا عيسى بن محمدٍ الرّمليّ، حدّثنا ضمرة، عن ابن أبي عبلة، عن الغريف بن الدّيلميّ، قال: أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له: حدّثنا حديثاً ليس فيه زيادةٌ ولا نقصانٌ. فغضب وقال: إنّ أحدكم ليقرأ، ومصحفه معلّقٌ في بيته فيزيد وينقص. قلنا: إنما أردنا حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: أتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في صاحبٍ لنا قد أوجب - يعني: النار - بالقتل، فقال: ((أعتقوا عنه يعتق الله بكلّ عضوٍ منه عضواً من النّار)).
وكذا رواه النّسائيّ من حديث إبراهيم بن أبي عبلة، عن الغريف بن عيّاشٍ الدّيلميّ، عن واثلة به.
حديثٌ آخر: قال أحمد: حدّثنا عبد الصمد، حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، عن قيسٍ الجذاميّ، عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من أعتق رقبةً مسلمةً فهو فداؤه من النّار)).
وحدّثنا عبد الوهّاب الخفاف، عن سعيدٍ، عن قتادة، قال: ذكر أنّ قيساً الجذاميّ حدّث عن عقبة بن عامرٍ، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من أعتق رقبةً مؤمنةً فهي فكاكه من النّار)).
تفرّد به أحمد من هذا الوجه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا: حدّثنا عيسى بن عبد الرحمن البجليّ من بني بجيلة، من بني سليمٍ، عن طلحة، قال أبو أحمد: حدّثنا طلحة بن مصرّفٍ، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازبٍ، قال: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، علّمني عملاً يدخلني الجنّة. فقال: ((لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النّسمة، وفكّ الرّقبة)) فقال: يا رسول الله، أو ليستا بواحدةٍ؟
قال: ((لا؛ إنّ عتق النّسمة أن تنفرد بعتقها، وفكّ الرّقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرّحم الظّالم، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع، واسق الظّمآن، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكفّ لسانك إلاّ من الخير)) ). [تفسير القرآن العظيم: 8/405-408]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (ثمَّ فسر العقبةَ بقولهِ: {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي: فكُّهَا منَ الرِّقِّ، بعتقهَا أو مساعدتها على أداءِ كتابتهَا، ومنْ بابِ أولى فكاكُ الأسيرِ المسلمِ عندَ الكفارِ). [تيسير الكريم الرحمن: 925]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (13- {فَكُّ رَقَبَةٍ}؛ أَيْ: هِيَ إعتاقُ رَقَبَةٍ وَتَخْلِيصُهَا منْ إِسَارِ الرِّقِّ). [زبدة التفسير: 594]
تفسير قوله تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ} قال ابن عبّاسٍ: ذي مجاعةٍ. وكذا قال عكرمة، ومجاهدٌ، والضحّاك، وقتادة، وغير واحدٍ. والسّغب: هو الجوع.
وقال إبراهيم النّخعيّ: في يومٍ، الطعام فيه عزيزٌ.
وقال قتادة: في يومٍ يشتهى فيه الطعام). [تفسير القرآن العظيم: 8/408]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}
أي: مجاعةٍ شديدةٍ، بأنْ يطعمَ وقتَ الحاجةِ أشدَّ الناسِ حاجةً). [تيسير الكريم الرحمن: 925]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (14- {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ}؛ أَيْ: يَوْمِ الْمَجَاعَةِ، عَزِيزٌ فِيهِ الطَّعَامُ). [زبدة التفسير: 594]
تفسير قوله تعالى: (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله: {يتيماً} أي: أطعم في مثل هذا اليوم يتيماً {ذا مقربةٍ} أي: ذا قرابةٍ منه. قاله ابن عبّاسٍ، وعكرمة، والحسن، والضّحّاك، والسّدّيّ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد.
حدّثنا يزيد، أخبرنا هشامٌ، عن حفصة بنت سيرين، عن سلمان بن عامرٍ، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((الصّدقة على المسكين صدقةٌ، وعلى ذي الرّحم اثنتان: صدقةٌ وصلةٌ)). وقد رواه التّرمذيّ والنّسائيّ، وهذا إسنادٌ صحيحٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/408]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ}
أي: جامعاً بينَ كونهِ يتيماً، فقيراً ذا قرابة). [تيسير الكريم الرحمن: 925]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (15- {يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ}؛ أَيْ: يُطْعِمُ الْيَتِيمَ، وَهُوَ الصَّغِيرُ الَّذِي لا أَبَ لَهُ وَلا أُمَّ، وَيَكُونُ اليَتِيمُ مِنْ أقارِبِ هَذَا المُقْتَحِمِ). [زبدة التفسير: 594]
تفسير قوله تعالى: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أو مسكيناً ذا متربةٍ} أي: فقيراً مدقعاً لاصقاً بالتراب، وهو الدّقعاء أيضاً.
قال ابن عبّاسٍ: {ذا متربةٍ} هو المطروح في الطريق، الذي لا بيت له، ولا شيء يقيه من التراب.
وفي روايةٍ: وهو الذي لصق بالدّقعاء؛ من الفقر والحاجة، ليس له شيءٌ.
وفي روايةٍ عنه: هو البعيد التّربة.
قال ابن أبي حاتمٍ: يعني: الغريب عن وطنه.
وقال عكرمة: هو الفقير المديون المحتاج.
وقال سعيد بن جبيرٍ: هو الذي لا أحد له.
وقال ابن عبّاسٍ، وسعيدٌ، وقتادة، ومقاتل بن حيّان: هو ذو العيال. وكلّ هذه قريبة المعنى). [تفسير القرآن العظيم: 8/408]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ}
أي: قدْ لزقَ بالترابِ منَ الحاجةِ والضرورةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 925]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (16-{أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ}؛ أَيْ: لا شَيْءَ لَهُ، كَأَنَّهُ لَصِقَ بالتُّرَابِ لِفَقْرِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي لا يَقِيهِ مِن التُّرَابِ لِبَاسٌ وَلا غَيْرُهُ، فَمَنْ أَطْعَمَ من هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ فِي أَيَّامِ المجاعاتِ الَّتِي تُذْهِلُ الإِنْسَانَ إِلاَّ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ منْ حِرْصِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَنَفْعِ عِبَادِهِ، فَهُوَ حَرِيٌّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ). [زبدة التفسير: 594]
تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ثمّ كان من الّذين آمنوا} أي: ثمّ هو مع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة مؤمنٌ بقلبه، محتسبٌ ثواب ذلك عند الله عزّ وجلّ، كما قال تعالى: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنٌ فأولئك كان سعيهم مشكوراً}.
وقال: {من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ} الآية.
وقوله: {وتواصوا بالصّبر وتواصوا بالمرحمة} أي: كان من المؤمنين العاملين صالحاً، المتواصين بالصبر على أذى الناس، وعلى الرحمة بهم، كما جاء في الحديث: ((الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء)). وفي الحديث الآخر: ((لا يرحم الله من لا يرحم النّاس)).
وقال أبو داود: حدّثنا ابن أبي شيبة، حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن ابن عامرٍ، عن عبد الله بن عمرٍو يرويه، قال: ((من لم يرحم صغيرنا ويعرف حقّ كبيرنا فليس منّا)) ). [تفسير القرآن العظيم: 8/408-409]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}
أي: آمنُوا بقلوبهمْ بما يجبُ الإيمانُ بهِ، وعملُوا الصالحاتِ بجوارحهمْ مِنْ كلِّ قولٍ وفعلٍ واجبٍ أو مستحبٍّ.
{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
على طاعةِ اللهِ وعنْ معصيتهِ، وعلى أقدارِ اللهِ المؤلمةِ بأنْ يحثَّ بعضهم بعضاً على الانقيادِ لذلكَ، والإتيانِ بهِ كاملاً منشرحاً بهِ الصدرُ، مطمئنةً بهِ النفسُ.
{وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}
للخلقِ، منْ إعطاءِ محتاجهمْ، وتعليمِ جاهلهمِ، والقيامِ بمَا يحتاجونَ إليهِ منْ جميعِ الوجوهِ، ومساعدتهمْ على المصالحِ الدينيةِ والدنيويةِ، وأنْ يحبَّ لهمْ ما يحبُّ لنفسهِ، ويكرهَ لهم ما يكرهُ لنفسهِ، أولئكَ الذين قاموا بهذهِ الأوصافِ، الذينَ وفقهمُ اللهُ لاقتحامِ هذه العقبةِ {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}). [تيسير الكريم الرحمن: 925]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (17-{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}؛ فَإِنَّ هَذِهِ القُرَبَ إِنَّمَا تَنْفَعُ مَعَ الإِيمَانِ إِذَا أَتَى بِهَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، والصَّبْرِ عَنْ مَعَاصِيهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ من البَلايَا وَالْمَصَائِبِ، {وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}؛ أَيْ: بالرَّحْمَةِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ رَحِمُوا اليتيمَ والمِسْكِينَ وَاسْتَكْثَرُوا مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ بالصدقةِ). [زبدة التفسير: 594]
تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أولئك أصحاب الميمنة} أي: المتّصفون بهذه الصفات من أصحاب اليمين). [تفسير القرآن العظيم: 8/409]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} لأنَّهمْ أدوا ما أمرَ اللهُ بهِ منْ حقوقهِ وحقوقِ عبادهِ، وتركوا مَا نهوا عنهُ، وهذا عنوانُ السعادةِ وعلامتُهَا). [تيسير الكريم الرحمن: 925]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (18-{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} وَهِيَ الْجَنَّةُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَصْحَابَ الْيَمِينِ وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ من النَّعِيمِ، وَفَصَّلَ ذَلِكَ عَلَى التمامِ وَالكمالِ فِي سُورَةِ الوَاقِعَةِ (الآيَات: 26 - 40) فَارْجِعْ إِلَى تَفْسِيرِهَا هُنَاكَ). [زبدة التفسير: 594]
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {والّذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة} أي: أصحاب الشّمال). [تفسير القرآن العظيم: 8/409]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا}
بأنْ نبذوا هذهِ الأمورَ وراءَ ظهورهمْ، فلمْ يصدقوا باللهِ، ، ولا عملوا صالحاً، ولا رحموا عبادَ اللهِ {هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ (19)} ). [تيسير الكريم الرحمن: 925]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (19-{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا}؛ أَيْ: بالآياتِ التَّنْزِيلِيَّةِ وَالآياتِ التَّكْوِينِيَّةِ، {هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ}؛ أَيْ: أَصْحَابُ الشِّمالِ، وَهِيَ النَّارُ المَشْؤُومَةُ. وَتَفْصِيلُ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لأَصْحَابِ الشِّمالِ مُبَيَّنٌ أَيْضاً فِي سُورَةِ الوَاقِعَةِ (الآيَات: 41 - 56) ). [زبدة التفسير: 594]
تفسير قوله تعالى: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({عليهم نارٌ مؤصدةٌ} أي: مطبقةٌ عليهم، فلا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها.
قال أبو هريرة، وابن عبّاسٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٌ، ومحمد بن كعبٍ القرظيّ، وعطيّة العوفيّ، والحسن، وقتادة، والسّدّيّ: {مؤصدةٌ} أي: مطبقةٌ.
قال ابن عبّاسٍ: مغلقة الأبواب.
وقال مجاهدٌ: أصد الباب بلغة قريشٍ، أي: أغلقه. وسيأتي في ذلك حديثٌ في سورة {ويلٌ لكلّ همزةٍ لمزةٍ}.
وقال الضّحّاك: {مؤصدةٌ} حيطٌ لا باب له.
وقال قتادة: {مؤصدةٌ} مطبقةٌ، لا ضوء فيها، ولا فرج، ولا خروج منها آخر الأبد.
وقال أبو عمران الجونيّ: إذا كان يوم القيامة أمر الله بكلّ جبّارٍ، وكلّ شيطانٍ، وكلّ من كان يخاف الناس في الدنيا شرّه، فأوثقوا بالحديد، ثمّ أمر بهم إلى جهنّم، ثمّ أوصدوها عليهم. أي: أطبقوها. قال: فلا والله لا تستقرّ أقدامهم على قرارٍ أبداً، ولا والله لا ينظرون فيها إلى أديم سماءٍ أبداً، ولا والله لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نومٍ أبداً، ولا والله لا يذوقون فيها بارد شرابٍ أبداً. رواه ابن أبي حاتمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/409]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} أي: مغلقةٌ، في عمدٍ ممدّدةٍ، قدْ مُدَّتْ منْ ورائهَا، لئلا تنفتحَ أبوابُهَا، حتى يكونوا في ضيقٍ وهمٍّ وشدَّةٍ ). [تيسير الكريم الرحمن: 925-926]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (20-{عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ}؛ أَيْ: مُطْبَقَةٌ مُغْلَقَةٌ). [زبدة التفسير: 594]
* للاستزادة ينظر: هنا