الدروس
course cover
تفسير سورة الليل [ من الآية (1) إلى الآية (11) ]
14 Sep 2014
14 Sep 2014

5168

0

1

course cover
تفسير جزء عمّ

القسم السادس

تفسير سورة الليل [ من الآية (1) إلى الآية (11) ]
14 Sep 2014
14 Sep 2014

14 Sep 2014

5168

0

1


0

0

0

0

1

مقدمات تفسير سورة الليل
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر



أسماء السورة
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة اللّيل). [تفسير القرآن العظيم: 8/416]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (آخر تفسير سورة اللّيل، ولله الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/422]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (تفسيرُ سورةِ والليلِ). [تيسير الكريم الرحمن: 926]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (سُورَةُ اللَّيْلِ). [زبدة التفسير: 595]


نزول السورة

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهي مكّيّةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/416]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وهي مكية). [تيسير الكريم الرحمن: 926]


فضائل السورة

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تقدّم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذٍ: ((فهلاّ صلّيت بـ {سبّح اسم ربّك الأعلى} و {الشّمس وضحاها} و {اللّيل إذا يغشى}). [تفسير القرآن العظيم: 8/416]



* للاستزادة ينظر: هنا

هيئة الإشراف

#2

14 Sep 2014

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) }


تفسير قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فأقسم تعالى بالليل إذا يغشى، أي: إذا غشي الخليقة بظلامه {والنّهار إذا تجلّى} أي: بضيائه وإشراقه، {وما خلق الذّكر والأنثى} كقوله: {وخلقناكم أزواجاً} وكقوله: {ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين}). [تفسير القرآن العظيم: 8/417] (م)

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (هذا قسمٌ منَ اللهِ بالزمانِ الذي تقعُ فيهِ أفعالُ العبادِ على تفاوتِ أحوالهمْ، فقالَ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} الخلقَ بظلامهِ، فيسكنُ كلٌّ إلى مأواهُ ومسكنهِ، ويستريحُ العبادُ منَ الكدِّ والتعبِ). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (1- {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}:يُقْسِمُ اللَّهُ تَعَالَى بِاللَّيْلِ عِنْدَمَا يُغَطِّي بِظُلْمَتِهِ مَا كَانَ مُضِيئاً). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فأقسم تعالى بالليل إذا يغشى، أي: إذا غشي الخليقة بظلامه {والنّهار إذا تجلّى} أي: بضيائه وإشراقه، {وما خلق الذّكر والأنثى} كقوله: {وخلقناكم أزواجاً} وكقوله: {ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين}). [تفسير القرآن العظيم: 8/417] (م)

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} للخلقِ، فاستضاؤوا بنورهِ، وانتشروا في مصالحهم). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2-{وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} وَهَذَا مِنْهُ تَعَالَى قَسَمٌ بالنهارِ مَتَى ظَهَرَ وَانْكَشَفَ وَوَضَحَ؛لِزَوَالِ الظُّلْمَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي اللَّيْلِ). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، أنه قدم الشام، فدخل مسجد دمشق فصلّى فيه ركعتين، وقال: اللّهمّ ارزقني جليساً صالحاً. قال: فجلس إلى أبي الدّرداء، فقال له أبو الدرداء: ممّن أنت؟ قال: من أهل الكوفة. قال: كيف سمعت ابن أمّ عبدٍ يقرأ: {واللّيل إذا يغشى * والنّهار إذا تجلّى}؟

قال علقمة: (والذّكر والأنثى). فقال أبو الدّرداء: لقد سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما زال هؤلاء حتّى شكّكوني. ثمّ قال: ألم يكن فيكم صاحب الوساد، وصاحب السّرّ الذي لا يعلمه أحدٌ غيره، والذي أجير من الشيطان على لسان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟.

وقد رواه البخاريّ ههنا، ومسلمٌ من طريق الأعمش، عن إبراهيم، قال: قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء، فطلبهم فوجدهم، فقال: أيّكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قالوا: كلّنا. قال: أيّكم أحفظ؟ فأشاروا إلى علقمة، فقال: كيف سمعته يقرأ: {واللّيل إذا يغشى}؟

قال: (والذّكر والأنثى). قال: أشهد أني سمعت رسول الله يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدون أن أقرأ: {وما خلق الذّكر والأنثى}. والله لا أتابعهم.

هذا لفظ البخاريّ. هكذا قرأ ذلك ابن مسعودٍ، وأبو الدرداء، ورفعه أبو الدرداء، وأمّا الجمهور فقرؤوا ذلك كما هو المثبت في المصحف الإمام العثمانيّ في سائر الآفاق: {وما خلق الذّكر والأنثى} فأقسم تعالى بالليل إذا يغشى، أي: إذا غشي الخليقة بظلامه {والنّهار إذا تجلّى} أي: بضيائه وإشراقه، {وما خلق الذّكر والأنثى} كقوله: {وخلقناكم أزواجاً} وكقوله: {ومن كلّ شيءٍ خلقنا زوجين}). [تفسير القرآن العظيم: 8/416-417]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} إن كانتْ {مَا} موصولةً، كانَ إقساماً بنفسهِ الكريمةِ الموصوفةِ بأنَّهُ خالقُ الذكورِ والإناثِ.

-وإنْ كانتْ مصدريةً، كانَ قسماً بخلقِهِ للذكرِ والأنثى، وكمالِ حكمتهِ في ذلكَ أن خلقَ منْ كلِّ صنفٍ منَ الحيواناتِ التي يريدُ بقاءَهَا ذكراً وأنثى، ليبقى النوعُ ولا يضمحلَّ، وقادَ كلاًّ منهما إلى الآخرِ بسلسلةِ الشهوةِ، وجعلَ كلاًّ منهمَا مناسباً للآخرِ، فتباركَ اللهُ أحسنَ الخالقينَ). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3-{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} وَهَذَا مِنْهُ تَعَالَى إِقْسَامٌ بِخَلْقِهِ لِجِنْسَيِ الذَّكَرِ والأُنْثَى مِن بَنِي آدَمَ وَغَيْرِهِمْ). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولمّا كان القسم بهذه الأشياء المتضادّة كان المقسم عليه أيضاً متضادًّا، ولهذا قال: {إنّ سعيكم لشتّى} أي: أعمال العباد التي اكتسبوها متضادّةٌ أيضاً، ومتخالفةٌ؛ فمن فاعلٍ خيراً، ومن فاعلٍ شرًّا). [تفسير القرآن العظيم: 8/417]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وقولهُ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} هذا المقسمُ عليهِ أي: إنَّ سعيَكمْ أيُّهَا المكلفونَ لمُتفاوِتٌ تفاوتاً كثيراً، وذلكَ بحسبِ تفاوتِ نفسِ الأعمالِ ومقدارهَا والنشاطِ فيهَا، وبحسبِ الغايةِ المقصودةِ بتلكَ الأعمالِ، هلْ هوَ وجهُ اللهِ الأعلى الباقي؟ فيبقى السعيُ لهُ ببقائهِ، وينتفعُ بهِ صاحبهُ، أمْ هيَ غايةٌ مضمحلةٌ فانيةٌ، فيبطلُ السعيُ ببطلانِهَا، ويضمحلُّ باضمحلالِهَا؟

وهكذا كلُّ عملٍ يقصدُ بهِ غيرُ وجهِ اللهِ تعالَى، بهذا الوصفِ، ولهذا فصَّلَ اللهُ تعالَى العاملينَ، ووصفَ أعمالَهمْ، فقالَ: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى}). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (4-{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}؛ أَيْ: إِنَّ عَمَلَكُمْ لَمُخْتَلِفٌ: فَمِنْهُ عَمَلٌ لِلْجَنَّةِ، وَمِنْهُ عَمَلٌ لِلنَّارِ، فَسَاعٍ فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ، وَسَاعٍ فِي عَطَبِهَا). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال الله تعالى: {فأمّا من أعطى واتّقى} أي: أعطى ما أمر بإخراجه، واتّقى الله في أموره). [تفسير القرآن العظيم: 8/417]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَأَمَّا مَن أَعْطَى} ما أُمرَ بهِ مِنَ العباداتِ الماليةِ،كالزكواتِ، والكفاراتِ، والنفقاتِ، والصدقاتِ، والإنفاقِ في وجوهِ الخيرِ، والعباداتِ البدنيةِ كالصلاةِ، والصومِ وغيرهمَا، والمركّبةِ منهمَا، كالحجِّ والعمرةِ، {وَاتَّقَى}ما نهيَ عنهُ، مِنَ المحرماتِ والمعاصي، على اختلافِ أجناسِهَا). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (5-{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}؛ أَيْ: بَذَلَ مَالَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ، وَاتَّقَى مَحَارِمَ اللَّهِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وصدّق بالحسنى} أي: بالمجازاة على ذلك. قاله قتادة.

وقال خصيفٌ: بالثّواب. وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وأبو صالحٍ، وزيد بن أسلم: {وصدّق بالحسنى} أي: بالخلف.

وقال أبو عبد الرحمن السّلميّ والضّحّاك: {وصدّق بالحسنى} أي: بلا إله إلاّ الله.

وفي روايةٍ عن عكرمة: {وصدّق بالحسنى} أي: بما أنعم الله عليه.

وفي روايةٍ عن زيد بن أسلم: {وصدّق بالحسنى} قال: الصلاة والزكاة والصوم. وقال مرّةً: وصدقة الفطر.

وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا صفوان بن صالحٍ الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا زهير بن محمّدٍ، حدّثني من سمع أبا العالية الرّياحيّ يحدّث عن أبيّ بن كعبٍ، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الحسنى، قال: ((الحسنى الجنّة)) ). [تفسير القرآن العظيم: 8/417]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} أي: صدّقَ بـ(لا إلهَ إلا اللهُ) وما دلّتْ عليهِ، مِنْ جميعِ العقائدِ الدينيةِ، ومَا ترتبَ عليهَا منَ الجزاءِ الأخرويِّ). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (6-{وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى}؛ أَيْ: بالخَلَفِ من اللَّهِ؛أَيْ: صَدَّقَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَهُ أَنْ يُثِيبَهُ عِوَضاً عَمَّا أَنْفَقَ). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فسنيسّره لليسرى} قال ابن عبّاسٍ: يعني: للخير. وقال زيد بن أسلم: يعني: للجنّة. وقال بعض السّلف: من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن جزاء السيّئة السيّئة بعدها.

ولهذا قال تعالى: {وأمّا من بخل} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/417]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فسنيسّره للعسرى} أي: لطريق الشرّ، كما قال تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون}.

والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ دالّةٌ على أنّ الله عزّ وجلّ يجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشرّ بالخذلان، وكلّ ذلك بقدرٍ مقدّرٍ.

والأحاديث الدالّة على هذا المعنى كثيرةٌ:

رواية أبي بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه:

قال الإمام أحمد:

حدّثنا عليّ بن عيّاشٍ، حدّثني العطّاف بن خالدٍ، حدّثني رجلٌ من أهل البصرة، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصدّيق، عن أبيه، قال: سمعت أبي يذكر أنّ أباه سمع أبا بكرٍ، وهو يقول: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، أنعمل على ما فرغ منه، أو على أمرٍ مؤتنفٍ؟ قال: ((بل على أمرٍ قد فرغ منه)).

قال: ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: ((كلٌّ ميسّرٌ لما خلق له)).

رواية عليٍّ رضي الله عنه:

قال البخاريّ:

حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بقيع الغرقد في جنازةٍ، فقال: ((ما منكم من أحدٍ إلاّ وقد كتب مقعده من الجنّة ومقعده من النّار)). فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتّكل؟ فقال: ((اعملوا، فكلٌّ ميسّرٌ لما خلق له)). ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى} إلى قوله: {للعسرى}.

وكذا رواه من طريق شعبة ووكيعٍ، عن الأعمش بنحوه، ثمّ رواه عن عثمان بن أبي شيبة، عن جريرٍ، عن منصورٍ، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: كنّا في جنازةٍ في بقيع الغرقد، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرةٌ، فنكس فجعل ينكت بمخصرةٍ، ثمّ قال: ((ما منكم من أحدٍ - أو: ما من نفسٍ منفوسةٍ - إلاّ كتب مكانها من الجنّة والنّار، وإلاّ قد كتبت شقيّةً أو سعيدةً)).

فقال رجلٌ: يا رسول الله، أفلا نتّكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منّا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منّا من أهل الشّقاء فسيصير إلى أهل الشقاء؟ فقال: ((أمّا أهل السّعادة فسييسّرون لعمل أهل السّعادة، وأمّا أهل الشّقاء فسييسّرون لعمل أهل الشّقاء)). ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى} الآية. وقد أخرجه بقيّة الجماعة من طرقٍ، عن سعيد بن عبيدة به.

رواية عبد الله بن عمر:

قال الإمام أحمد:

حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدّث عن ابن عمر، قال: قال عمر: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه، أفي أمرٍ قد فرغ أو مبتدأٍ أو مبتدعٍ؟ قال: ((فيما قد فرغ منه، فاعمل يا بن الخطّاب؛ فإنّ كلاًّ ميسّرٌ لما خلق له، أمّا من كان من أهل السّعادة فإنّه يعمل للسّعادة، وأمّا من كان من أهل الشّقاء فإنّه يعمل للشّقاء)).

ورواه التّرمذيّ في القدر، عن بندارٍ، عن ابن مهديٍّ به، وقال: حسنٌ صحيحٌ.

حديثٌ آخر من رواية جابرٍ:

قال ابن جريرٍ:

حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد الله، أنه قال: يا رسول الله، أنعمل لأمرٍ قد فرغ منه، أو لأمرٍ نستأنفه؟ فقال: ((لأمرٍ قد فرغ منه)). فقال سراقة: ففيم العمل إذاً؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((كلّ عاملٍ ميسّرٌ لعمله)).

ورواه مسلمٌ، عن أبي الطّاهر، عن ابن وهبٍ به.

حديثٌ آخر:

قال ابن جريرٍ:

حدّثني يونس، حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن طلق بن حبيبٍ، عن بشير بن كعبٍ العدويّ، قال: سأل غلامان شابّان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالا: يا رسول الله، أنعمل فيما جفّت به الأقلام، وجرت به المقادير، أو في شيءٍ يستأنف؟ فقال: ((بل فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير)) قالا: ففيم العمل إذاً؟ قال: ((اعملوا فكلّ عاملٍ ميسّرٌ لعمله الّذي خلق له)) قالا: فالآن نجدّ ونعمل.

رواية أبي الدّرداء:

قال الإمام أحمد: حدّثنا هيثم بن خارجة، حدّثنا أبو الرّبيع سليمان بن عتبة السّلميّ، عن يونس بن ميسرة بن حلبسٍ، عن أبي إدريس، عن أبي الدّرداء، قال: قالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل، أمرٌ قد فرغ منه، أم شيءٌ نستأنفه؟ قال: ((بل أمرٌ قد فرغ منه)). فقالوا: فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: ((كلّ امرئٍ مهيّأٌ لما خلق له)).

تفرّد به أحمد من هذا الوجه.

حديثٌ آخر:

قال ابن جريرٍ:

حدّثني الحسن بن سلمة، عن أبي كبشة، حدّثنا عبد الملك بن عمرٍو، حدّثنا عبّاد بن راشدٍ، عن قتادة، حدّثني خليدٌ العصريّ، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من يومٍ غربت فيه شمسه إلاّ وبجنبتيها ملكان يناديان، يسمعه خلق الله كلّهم إلاّ الثّقلين: اللّهمّ أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً. وأنزل الله في ذلك قرآناً: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى، وأمّا من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى}.

ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن أبي كبشة بإسناده مثله.

حديثٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثني أبو عبد الله الطّهرانيّ، حدّثنا حفص بن عمر العدنيّ، حدّثنا الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أن رجلاً كان له نخلٌ، ومنها نخلةٌ فرعها في دار رجلٍ صالحٍ فقيرٍ ذي عيالٍ. فإذا جاء الرجل فدخل داره فيأخذ الثمرة من نخلته فتسقط الثّمرة، فيأخذها صبيان الرجل الفقير، فينزل من نخلته فينزع الثمرة من أيديهم، وإن أدخل أحدهم التّمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام، ونزع التّمرة من حلقه.

فشكا ذلك الرجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة، فقال له النبيّ: ((اذهب)). ولقي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صاحب النخلة فقال له: ((أعطني نخلتك الّتي فرعها في دار فلانٍ، ولك بها نخلةٌ في الجنّة)). فقال له: لقد أعطيت، ولكن يعجبني ثمرها، وإنّ لي لنخلاً كثيراً، ما فيها نخلةٌ أعجب إليّ ثمرةً من ثمرها.

فذهب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فتبعه رجلٌ كان يسمع الكلام من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن صاحب النخلة، فقال الرجل: يا رسول الله، إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتكها، أتعطيني بها ما أعطيته بها؛ نخلةً في الجنّة؟ قال: ((نعم)).

ثمّ إنّ الرجل لقي صاحب النخلة، ولكلاهما نخلٌ، فقال له: أخبرك أن محمداً أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلانٍ نخلةً في الجنة، فقلت له: قد أعطيت، ولكنّي يعجبني ثمرها. فسكت عنه الرجل فقال: أتراك إذا بعتها؟ قال: لا، إلاّ أن أعطى بها شيئاً، ولا أظنّني أعطاه. قال: وما مناك بها؟ قال: أربعون نخلةً. فقال الرجل: لقد جئت بأمرٍ عظيمٍ، نخلتك تطلب بها أربعين نخلةً؟!

ثمّ سكتا وأنشأ في كلامٍ آخر، ثمّ قال: فأنا أعطيك أربعين نخلةً. فقال: أشهد لي إن كنت صادقاً. فأمر بأناسٍ فدعاهم، فقال: اشهدوا أنّي قد أعطيته من نخلي أربعين نخلةً بنخلته التي فرعها في دار فلان بن فلانٍ.

ثمّ قال: ما تقول؟ فقال صاحب النخلة: قد رضيت.

ثمّ قال بعد: ليس بيني وبينك بيعٌ؛ لم نفترق.

فقال له: قد أقالك الله ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلةً بنخلتك المائلة.

فقال صاحب النخلة: قد رضيت على أن تعطيني الأربعين على ما أريد. قال: تعطينيها على ساقٍ. ثمّ مكث ساعةً، ثمّ قال: هي لك على ساقٍ.

وأوقف له شهوداً، وعدّ له أربعين نخلةً على ساقٍ، فتفرّقا.

فذهب الرجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ النخلة المائلة في دار فلانٍ قد صارت لي، فهي لك.

فذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الرجل صاحب الدار فقال له: ((النّخلة لك ولعيالك)).

قال عكرمة: قال ابن عبّاسٍ: فأنزل الله عزّ وجلّ: {واللّيل إذا يغشى} إلى قوله: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى وأمّا من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى} إلى آخر السورة.

وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، وهو حديثٌ غريبٌ جدًّا.

قال ابن جريرٍ: وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه:

حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ، حدّثنا عبد الرحمن بن محمدٍ المحاربيّ، حدّثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصدّيق، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: كان أبو بكرٍ رضي الله عنه يعتق على الإسلام بمكّة، فكان يعتق عجائز ونساءً إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بنيّ، أراك تعتق أناساً ضعفاء، فلو أنّك تعتق رجالاً جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك. فقال: أي أبت، إنما أريد - أظنّه قال - ما عند الله.

قال: فحدّثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى}). [تفسير القرآن العظيم: 8/417-421] (م)

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي: نسهلُ عليهِ أمرَهُ، ونجعلُهُ ميسراً لهُ كلُّ خيرٍ، ميسراً لهُ تركُ كلِّ شرٍّ، لأنَّهُ أتى بأسبابِ التيسيرِ، فيسرَ اللهُ لهُ ذلكَ). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (7-{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}: فَسَنُيَسِّرُ لَهُ الإنفاقَ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ، والعملَ بالطاعةِ لِلَّهِ. نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ؛ اشْتَرَى سِتَّةَ نَفَرٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا فِي أَيْدِي أَهْلِ مَكَّةَ، يُعَذِّبُونَهُمْ فِي اللَّهِ، فَأَعْتَقَهُمْ). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأمّا من بخل} أي: بما عنده {واستغنى} قال عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أي: بخل بماله، واستغنى عن ربّه عزّ وجلّ. رواه ابن أبي حاتمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/417]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَأَمَّا مَن بَخِلَ} بمَا أُمرَ بهِ، فتركَ الإنفاقَ الواجبَ والمستحبَّ، ولمْ تسمحْ نفسهُ بأداءِ مَا وجبَ للهِ، {وَاسْتَغْنَى}عَنْ اللهِ، فتركَ عبوديتهُ جانباً، ولم يَرَ نفسهُ مفتقرةً غايةَ الافتقارِ إلى ربِّهَا الذي لا نجاةَ لهَا ولا فوزَ ولا فلاحَ إلاَّ بأنْ يكونَ هوَ محبوبُهَا ومعبودهَا، الذي تقصدهُ وتتوجهُ إليهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (8- {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ}؛ أَيْ: بَخِلَ بِمَالِهِ، فَلَمْ يَبْذُلْهُ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ، {وَاسْتَغْنَى}؛ أَيْ: زَهِدَ فِي الأَجْرِ والثَّوَابِ، وَاسْتَغْنَى بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عَنْ نَعِيمِ الآخِرَةِ). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكذّب بالحسنى} أي: بالجزاء في الدار الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 8/417]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}أي: بمَا أوجبَ اللهُ على العبادِ التصديقَ بهِ مِنَ العقائدِ الحسنةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (9-{وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى}؛ أَيْ: بالخَلَفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فسنيسّره للعسرى} أي: لطريق الشرّ، كما قال تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون}.

والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ دالّةٌ على أنّ الله عزّ وجلّ يجازي من قصد الخير بالتوفيق له، ومن قصد الشرّ بالخذلان، وكلّ ذلك بقدرٍ مقدّرٍ.

والأحاديث الدالّة على هذا المعنى كثيرةٌ:

رواية أبي بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه:

قال الإمام أحمد:

حدّثنا عليّ بن عيّاشٍ، حدّثني العطّاف بن خالدٍ، حدّثني رجلٌ من أهل البصرة، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصدّيق، عن أبيه، قال: سمعت أبي يذكر أنّ أباه سمع أبا بكرٍ، وهو يقول: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، أنعمل على ما فرغ منه، أو على أمرٍ مؤتنفٍ؟ قال: ((بل على أمرٍ قد فرغ منه)).

قال: ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: ((كلٌّ ميسّرٌ لما خلق له)).

رواية عليٍّ رضي الله عنه:

قال البخاريّ:

حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بقيع الغرقد في جنازةٍ، فقال: ((ما منكم من أحدٍ إلاّ وقد كتب مقعده من الجنّة ومقعده من النّار)). فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتّكل؟ فقال: ((اعملوا، فكلٌّ ميسّرٌ لما خلق له)). ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى} إلى قوله: {للعسرى}.

وكذا رواه من طريق شعبة ووكيعٍ، عن الأعمش بنحوه، ثمّ رواه عن عثمان بن أبي شيبة، عن جريرٍ، عن منصورٍ، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: كنّا في جنازةٍ في بقيع الغرقد، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرةٌ، فنكس فجعل ينكت بمخصرةٍ، ثمّ قال: ((ما منكم من أحدٍ - أو: ما من نفسٍ منفوسةٍ - إلاّ كتب مكانها من الجنّة والنّار، وإلاّ قد كتبت شقيّةً أو سعيدةً)).

فقال رجلٌ: يا رسول الله، أفلا نتّكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منّا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة، ومن كان منّا من أهل الشّقاء فسيصير إلى أهل الشقاء؟ فقال: ((أمّا أهل السّعادة فسييسّرون لعمل أهل السّعادة، وأمّا أهل الشّقاء فسييسّرون لعمل أهل الشّقاء)). ثمّ قرأ: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى} الآية. وقد أخرجه بقيّة الجماعة من طرقٍ، عن سعيد بن عبيدة به.

رواية عبد الله بن عمر:

قال الإمام أحمد:

حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا شعبة، عن عاصم بن عبيد الله، قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدّث عن ابن عمر، قال: قال عمر: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل فيه، أفي أمرٍ قد فرغ أو مبتدأٍ أو مبتدعٍ؟ قال: ((فيما قد فرغ منه، فاعمل يا بن الخطّاب؛ فإنّ كلاًّ ميسّرٌ لما خلق له، أمّا من كان من أهل السّعادة فإنّه يعمل للسّعادة، وأمّا من كان من أهل الشّقاء فإنّه يعمل للشّقاء)).

ورواه التّرمذيّ في القدر، عن بندارٍ، عن ابن مهديٍّ به، وقال: حسنٌ صحيحٌ.

حديثٌ آخر من رواية جابرٍ:

قال ابن جريرٍ:

حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد الله، أنه قال: يا رسول الله، أنعمل لأمرٍ قد فرغ منه، أو لأمرٍ نستأنفه؟ فقال: ((لأمرٍ قد فرغ منه)). فقال سراقة: ففيم العمل إذاً؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((كلّ عاملٍ ميسّرٌ لعمله)).

ورواه مسلمٌ، عن أبي الطّاهر، عن ابن وهبٍ به.

حديثٌ آخر:

قال ابن جريرٍ:

حدّثني يونس، حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن طلق بن حبيبٍ، عن بشير بن كعبٍ العدويّ، قال: سأل غلامان شابّان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالا: يا رسول الله، أنعمل فيما جفّت به الأقلام، وجرت به المقادير، أو في شيءٍ يستأنف؟ فقال: ((بل فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير)) قالا: ففيم العمل إذاً؟ قال: ((اعملوا فكلّ عاملٍ ميسّرٌ لعمله الّذي خلق له)) قالا: فالآن نجدّ ونعمل.

رواية أبي الدّرداء:

قال الإمام أحمد: حدّثنا هيثم بن خارجة، حدّثنا أبو الرّبيع سليمان بن عتبة السّلميّ، عن يونس بن ميسرة بن حلبسٍ، عن أبي إدريس، عن أبي الدّرداء، قال: قالوا: يا رسول الله، أرأيت ما نعمل، أمرٌ قد فرغ منه، أم شيءٌ نستأنفه؟ قال: ((بل أمرٌ قد فرغ منه)). فقالوا: فكيف بالعمل يا رسول الله؟ قال: ((كلّ امرئٍ مهيّأٌ لما خلق له)).

تفرّد به أحمد من هذا الوجه.

حديثٌ آخر:

قال ابن جريرٍ:

حدّثني الحسن بن سلمة، عن أبي كبشة، حدّثنا عبد الملك بن عمرٍو، حدّثنا عبّاد بن راشدٍ، عن قتادة، حدّثني خليدٌ العصريّ، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من يومٍ غربت فيه شمسه إلاّ وبجنبتيها ملكان يناديان، يسمعه خلق الله كلّهم إلاّ الثّقلين: اللّهمّ أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً. وأنزل الله في ذلك قرآناً: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى، وأمّا من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى}.

ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن أبي كبشة بإسناده مثله.

حديثٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثني أبو عبد الله الطّهرانيّ، حدّثنا حفص بن عمر العدنيّ، حدّثنا الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أن رجلاً كان له نخلٌ، ومنها نخلةٌ فرعها في دار رجلٍ صالحٍ فقيرٍ ذي عيالٍ. فإذا جاء الرجل فدخل داره فيأخذ الثمرة من نخلته فتسقط الثّمرة، فيأخذها صبيان الرجل الفقير، فينزل من نخلته فينزع الثمرة من أيديهم، وإن أدخل أحدهم التّمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام، ونزع التّمرة من حلقه.

فشكا ذلك الرجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة، فقال له النبيّ: ((اذهب)). ولقي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صاحب النخلة فقال له: ((أعطني نخلتك الّتي فرعها في دار فلانٍ، ولك بها نخلةٌ في الجنّة)). فقال له: لقد أعطيت، ولكن يعجبني ثمرها، وإنّ لي لنخلاً كثيراً، ما فيها نخلةٌ أعجب إليّ ثمرةً من ثمرها.

فذهب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فتبعه رجلٌ كان يسمع الكلام من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن صاحب النخلة، فقال الرجل: يا رسول الله، إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتكها، أتعطيني بها ما أعطيته بها؛ نخلةً في الجنّة؟ قال: ((نعم)).

ثمّ إنّ الرجل لقي صاحب النخلة، ولكلاهما نخلٌ، فقال له: أخبرك أن محمداً أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلانٍ نخلةً في الجنة، فقلت له: قد أعطيت، ولكنّي يعجبني ثمرها. فسكت عنه الرجل فقال: أتراك إذا بعتها؟ قال: لا، إلاّ أن أعطى بها شيئاً، ولا أظنّني أعطاه. قال: وما مناك بها؟ قال: أربعون نخلةً. فقال الرجل: لقد جئت بأمرٍ عظيمٍ، نخلتك تطلب بها أربعين نخلةً؟!

ثمّ سكتا وأنشأ في كلامٍ آخر، ثمّ قال: فأنا أعطيك أربعين نخلةً. فقال: أشهد لي إن كنت صادقاً. فأمر بأناسٍ فدعاهم، فقال: اشهدوا أنّي قد أعطيته من نخلي أربعين نخلةً بنخلته التي فرعها في دار فلان بن فلانٍ.

ثمّ قال: ما تقول؟ فقال صاحب النخلة: قد رضيت.

ثمّ قال بعد: ليس بيني وبينك بيعٌ؛ لم نفترق.

فقال له: قد أقالك الله ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلةً بنخلتك المائلة.

فقال صاحب النخلة: قد رضيت على أن تعطيني الأربعين على ما أريد. قال: تعطينيها على ساقٍ. ثمّ مكث ساعةً، ثمّ قال: هي لك على ساقٍ.

وأوقف له شهوداً، وعدّ له أربعين نخلةً على ساقٍ، فتفرّقا.

فذهب الرجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ النخلة المائلة في دار فلانٍ قد صارت لي، فهي لك.

فذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الرجل صاحب الدار فقال له: ((النّخلة لك ولعيالك)).

قال عكرمة: قال ابن عبّاسٍ: فأنزل الله عزّ وجلّ: {واللّيل إذا يغشى} إلى قوله: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى وأمّا من بخل واستغنى وكذّب بالحسنى فسنيسّره للعسرى} إلى آخر السورة.

وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، وهو حديثٌ غريبٌ جدًّا.

قال ابن جريرٍ: وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكرٍ الصدّيق رضي الله عنه:

حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ، حدّثنا عبد الرحمن بن محمدٍ المحاربيّ، حدّثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصدّيق، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: كان أبو بكرٍ رضي الله عنه يعتق على الإسلام بمكّة، فكان يعتق عجائز ونساءً إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بنيّ، أراك تعتق أناساً ضعفاء، فلو أنّك تعتق رجالاً جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك. فقال: أي أبت، إنما أريد - أظنّه قال - ما عند الله.

قال: فحدّثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه: {فأمّا من أعطى واتّقى وصدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى}). [تفسير القرآن العظيم: 8/417-421]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أي: للحالةِ العسرةِ، والخصالِ الذميمةِ، بأنْ يكونَ ميسراً للشر أينمَا كانَ، ومقيضاً لهُ أفعالُ المعاصي، نسألُ اللهَ العافيةَ). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (10-{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}؛ أَيْ: فَسَنُهَيِّئُهُ للخَصْلَةِ العُسْرَى، وَنُسَهِّلُهَا لَهُ، حَتَّى تَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ الْخَيْرِ والصلاحِ، وَيَضْعُفَ عَنْ فِعْلِهَا فَيُؤَدِّيهِ ذَلِكَ إِلَى النَّارِ.

أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَقَالَ: ((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ)). فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: ((اعْمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ)).ثُمَّ قَرَأَ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} إِلَى قَوْلِهِ: {لِلْعُسْرَى}). [زبدة التفسير: 595]


تفسير قوله تعالى: (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما يغني عنه ماله إذا تردّى} قال مجاهدٌ: أي: إذا مات. وقال أبو صالحٍ ومالكٌ، عن زيد بن أسلم: إذا تردّى في النار). [تفسير القرآن العظيم: 8/421]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ} الذي أطغاهُ واستغنى بهِ، وبخلَ بهِ إذا هلكَ وماتَ، فإنَّهُ لا يصحبهُ إلاَّ عملُهُ الصالحُ.

وأمَّا مالهُ فإنَّهُ يكونُ وبالاً عليهِ، إذْ لم يقدِّمْ منهُ لآخرتهِ شيئاً). [تيسير الكريم الرحمن: 927]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (11- {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ}؛ أَيْ: لا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئاً مَالُهُ الَّذِي بَخِلَ بِهِ، {إِذَا تَرَدَّى}؛ أَيْ: هَلَكَ وَسَقَطَ فِي جَهَنَّمَ؛ فَإِنَّ الْمَالَ الَّذِي يَتْرُكُهُ خَلْفَهُ لا أَجْرَ لَهُ فِيهِ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ لِذُرِّيَّةٍ يَحْتَاجُونَهُ، أَمَّا مَا قَدَّمَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ الَّذِي يَنْفَعُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). [زبدة التفسير: 595]



* للاستزادة ينظر: هنا