17 Aug 2014
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40) )
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقول تعالى مخبراً عن السّعداء وما أعدّ لهم تعالى من الكرامة والنّعيم المقيم؛ فقال: {إنّ للمتّقين مفازاً}. قال ابن عبّاسٍ والضّحّاك: متنزّهاً. وقال مجاهدٌ وقتادة: فازوا فنجوا من النّار.
والأظهر ههنا قول ابن عبّاسٍ؛ لأنّه قال بعده: {حدائق}). [تفسير القرآن العظيم: 8/308]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (31-36) {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً (33) وَكَأْساً دِهَاقاً (34) لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزَاء مِن رَبِّكَ عَطَاء حِسَاباً (36)}
لما ذكرَ حالَ المجرمينَ، ذكرَ مآلَ المتقينَ، فقالَ: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} أي: الذينَ اتقوا سخطَ ربهمْ، بالتمسكِ بطاعتهِ، والانكفافِ عمَّا يكرهه فلهمْ مفازٌ ومنجى، وبُعدٌ عن النارِ، وفي ذلكَ المفازِ لهمْ). [تيسير الكريم الرحمن: 907]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (31-{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} الْمَفَازُ: الفَوْزُ والظَّفَرُ بالمطلوبِ والنجاةُ من النَّارِ). [زبدة التفسير: 582]
تفسير قوله تعالى: (حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({حدائق}. وهي البساتين من النّخيل وغيرها، {وأعناباً} ). [تفسير القرآن العظيم: 8/308]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) :({حَدَائِقَ} وهيَ البساتينُ الجامعةُ لأصنافِ الأشجارِ الزاهيةِ، في الثمارِ التي تتفجرُ بينَ خلالها الأنهار، وخصَّ الأعنابَ لشرفهِ وكثرتهِ في تلكَ الحدائق). [تيسير الكريم الرحمن: 907]
تفسير قوله تعالى: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكواعب أتراباً}. أي: وحوراً كواعب، قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وغير واحدٍ.
{كواعب}. أي:نواهد، يعنون أن ثديّهنّ نواهد لم يتدلّين؛ لأنّهنّ أبكارٌ عربٌ أترابٌ، أي: في سنٍّ واحدٍ، كما تقدّم بيانه في سورة (الواقعة).
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، حدّثني أبي، عن أبي سفيان عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن تيمٍ، حدّثنا عطيّة بن سليمان أبو الغيث، عن أبي عبد الرّحمن القاسم بن أبي القاسم الدّمشقيّ، عن أبي أمامة أنّه سمعه يحدّث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: (إنّ قمص أهل الجنّة لتبدو من رضوان اللّه، وإنّ السّحابة لتمرّ بهم فتناديهم: يا أهل الجنّة ماذا تريدون؟ أن أمطركم؟ حتّى إنّها لتمطرهم الكواعب الأتراب) ). [تفسير القرآن العظيم: 8/308]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) :(ولهمْ فيهَا زوجاتٌ على مطالبِ النفوسِ {كَوَاعِبَ} وهيَ النواهدُ اللاتي لم تتكسَّرْ ثُدِيُّهُنَّ مِنْ شبابهنَّ، وقوتهنَّ، ونضارتهنَّ.
(والأترابُ): اللاتي علَى سنٍّ واحدٍ متقاربٍ، ومنْ عادةِ الأترابِ أنْ يكنَّ متآلفاتٍ متعاشراتٍ، وذلك السنُّ الذي هنَّ فيهِ ثلاثٌ وثلاثونَ سنةً، في أعدلِ سنِّ الشباب). [تيسير الكريم الرحمن: 907]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(33-{وَكَوَاعِبَ}؛ أَيْ: لَهُمْ نِسَاءٌ كَوَاعِبُ؛ أَيْ: أَثْدَاؤُهُنَّ قَائِمَةٌ عَلَى صُدُورِهِنَّ لَمْ تَتَكَسَّرْ، فَهُنَّ عَذَارَى نَوَاهِدُ، {أَتْرَاباً}؛ أَيْ: مُتَسَاوِيَاتٍ فِي السِّنِّ). [زبدة التفسير: 582]
تفسير قوله تعالى: (وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وكأساً دهاقاً}. قال ابن عبّاسٍ: مملوءةً متتابعةً، وقال عكرمة: صافيةً.
وقال مجاهدٌ والحسن وقتادة وابن زيدٍ: {دهاقاً}: الملأى المترعة. وقال مجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ: هي المتتابعة). [تفسير القرآن العظيم: 8/308]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) :({وَكَأْساً دِهَاقاً} أي: مملوءةً منْ رحيقٍ، لذةٍ للشاربينَ). [تيسير الكريم الرحمن: 907]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(33-{وَكَوَاعِبَ}؛ أَيْ: لَهُمْ نِسَاءٌ كَوَاعِبُ؛ أَيْ: أَثْدَاؤُهُنَّ قَائِمَةٌ عَلَى صُدُورِهِنَّ لَمْ تَتَكَسَّرْ، فَهُنَّ عَذَارَى نَوَاهِدُ، {أَتْرَاباً}؛ أَيْ: مُتَسَاوِيَاتٍ فِي السِّنِّ). [زبدة التفسير: 582]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(34- {وَكَأْساً دِهَاقاً}؛ أَيْ: مُتْرَعَةً مَمْلُوءَةً بالخَمْرِ). [زبدة التفسير: 582]
تفسير قوله تعالى: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لا يسمعون فيها لغواً ولا كذّاباً}، كقوله: {لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ}. أي: ليس فيها كلامٌ لاغٍ عارٍ عن الفائدة، ولا إثمٌ كذبٌ، بل هي دار السّلام، وكلّ كلامٍ فيها سالمٌ من النّقص). [تفسير القرآن العظيم: 8/308]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) :({لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً} أي: كلاماً لا فائدةَ فيه {وَلا كِذَّاباً} أي: إثماً.
كما قَالَ تعالَى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً}). [تيسير الكريم الرحمن: 907]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (35-{لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً}؛ أَيْ: لا يَسْمَعُونَ فِي الْجَنَّةِ لَغْواً، وَهُوَ البَاطِلُ من الْكَلامِ، وَلا يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً). [زبدة التفسير: 582]
تفسير قوله تعالى: (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {جزاءً من ربّك عطاءً حساباً}. أي: هذا الذي ذكرناه جازاهم اللّه به وأعطاهموه بفضله ومنّه وإحسانه ورحمته، {عطاءً حساباً}. أي: كافياً وافراً شاملاً كثيراً، تقول العرب: أعطاني فأحسبني أي: كفاني، ومنه: حسبي اللّه. أي: اللّه كافيّ). [تفسير القرآن العظيم: 8/309]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) :(وإنَّما أعطاهُمُ اللهُ هذا الثوابَ الجزيلَ [منْ فضلِهِ وإحسانهِ] {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ} لهم {عَطَاءً حِسَاباً} أي: بسببِ أعمالهمُ التي وفقهمُ اللهُ لهَا، وجعلهَا ثمناً لجنتهِ ونعيمهَا). [تيسير الكريم الرحمن: 907]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(36-{جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ}؛ أَيْ: جَازَاهُم بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، عَلَى إِيمَانِهِمْ وَصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ.
{عَطَاءً}؛ أَيْ: أَعْطَاهُمْ عَطَاءً.
{حِسَاباً}؛ أَيْ: بِقَدْرِ مَا وَجَبَ لَهُمْ فِي وَعْدِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ؛ فَإِنَّهُ وَعَدَ للحَسَنَةِ عَشْراً، وَوَعَدَ لقومٍ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ، وَقَدْ وَعَدَ لقومٍ جَزَاءً لا نِهَايَةَ لَهُ وَلا مِقْدَارَ). [زبدة التفسير: 582]
تفسير قوله تعالى: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن} يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وأنّه ربّ السّماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وأنّه الرّحمن الّذي شملت رحمته كلّ شيءٍ.
وقوله: {لا يملكون منه خطاباً}. أي: لا يقدر أحدٌ على ابتداء مخاطبته إلاّ بإذنه؛ كقوله: {من ذا الّذي يشفع عنده إلاّ بإذنه}. وكقوله: {يوم يأت لا تكلّم نفسٌ إلاّ بإذنه}). [تفسير القرآن العظيم: 8/309]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) :( (37-40) {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40)} أي: الذي أعطاهمْ هذهِ العَطايا هو ربُّهمْ {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الذي خلقهَا ودبَّرهَا {الرَّحْمَنِ} الَّذي رحمتهُ وسعتْ كلَّ شيءٍ، فربَّاهمْ ورحمهمْ، ولطفَ بهم، حتَّى أدركوا ما أدركوا). [تيسير الكريم الرحمن: 908]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(37-{لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً}؛ أَيْ: لا يَقْدِرُونَ أَنْ يَسْأَلُوا إِلاَّ فِيمَا أُذِنَ لَهُمْ فِيهِ، وَلا يَمْلِكُونَ الشفاعةَ إِلاَّ بِإِذْنِهِ). [زبدة التفسير: 582]
تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يوم يقوم الرّوح والملائكة صفًّا لا يتكلّمون}. اختلف المفسّرون في المراد بالرّوح ههنا ما هو؟ على أقوالٍ:
أحدها: ما رواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: أنّهم أرواح بني آدم.
الثّاني: هم بنو آدم، قاله الحسن وقتادة، وقال قتادة: هذا ممّا كان ابن عبّاسٍ يكتمه.
الثّالث:أنّهم خلقٌ من خلق اللّه على صور بني آدم، وليسوا بملائكةٍ ولابشرٍ، وهم يأكلون ويشربون، قاله ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وأبو صالحٍ والأعمش.
الرّابع:هو جبريل، قاله الشّعبيّ وسعيد بن جبيرٍ والضّحّاك، ويستشهد لهذا القول بقوله: {نزل به الرّوح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين}. وقال مقاتل بن حيّان: الرّوح هو أشرف الملائكة وأقرب إلى الرّبّ عزّ وجلّ، وصاحب الوحي.
والخامس:أنّه القرآن، قاله ابن زيدٍ، كقوله: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا..} الآية.
والسّادس: أنّه ملكٌ من الملائكة بقدر جميع المخلوقات، قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {يوم يقوم الرّوح}. قال: هو ملكٌ عظيمٌ من أعظم الملائكة خلقاً.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ، حدّثنا روّاد بن الجرّاح، عن أبي حمزة، عن الشّعبيّ، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ قال: الرّوح في السّماء الرّابعة، هو أعظم من السّماوات ومن الجبال ومن الملائكة، يسبّح كلّ يومٍ اثني عشر ألف تسبيحةٍ، يخلق اللّه من كلّ تسبيحةٍ ملكاً من الملائكة، يجيء يوم القيامة صفًّا وحده. وهذا قولٌ غريبٌ جدًّا.
وقد قال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عرسٍ المصريّ، حدّثنا وهب اللّه بن رزقٍ أبو هبيرة، حدّثنا بشر بن بكرٍ، حدّثنا الأوزاعيّ، حدّثني عطاءٌ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: (إنّ للّه ملكاً لو قيل له: التقم السّماوات السّبع والأرضين بلقمةٍ واحدةٍ لفعل، تسبيحه سبحانك حيث كنت).
وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا، وفي رفعه نظرٌ، وقد يكون موقوفاً على ابن عبّاسٍ، ويكون ممّا تلقّاه من الإسرائيليّات، واللّه أعلم.
وتوقّف ابن جريرٍ فلم يقطع بواحدٍ من هذه الأقوال كلّها، والأشبه واللّه أعلم أنّهم بنو آدم.
وقوله: {إلاّ من أذن له الرّحمن}، كقوله: {لا تكلّم نفسٌ إلاّ بإذنه}. وكما ثبت في الصّحيح: (ولا يتكلّم يومئذٍ إلاّ الرّسل).
وقوله: {وقال صواباً}. أي: حقًّا، ومن الحقّ: لا إله إلاّ اللّه، كما قاله أبو صالحٍ وعكرمة). [تفسير القرآن العظيم: 8/309-310]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) :(ثم ذكرَ عظمتهُ وملكهُ العظيم يومَ القيامةِ، وأنَّ جميعَ الخلقِ كلهُمْ ذَلكَ اليوم ساكتون لا يتكلمونَ، و{لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} إلاَّ منْ أذنَ له الرحمنُ وقالَ صواباً، فلا يتكلَّمُ أحدٌ إلا بهذينِ الشرطينِ: أن يأذنَ اللهُ لهُ في الكلامِ؛ لأنَّ {ذَلِكَ الْيَوْمُ} هوَ {الْحَقُّ} الذي لا يروجُ فيهِ الباطلُ، ولا ينفعُ فيهِ الكذبُ). [تيسير الكريم الرحمن: 908]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) :(وفي ذلكَ اليومِ {يَقُومُ الرُّوحُ} وهوَ جبريلُ عليهِ السلامُ، الذي هوَ أشرفُ الملائكةِ {وَالْمَلائِكَةُ} أيضاً يقوم الجميعُ {صَفًّا} خاضعين للهِ {لا يَتَكَلَّمُونَ} إلا بما أذنَ لهم اللهُ بهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 908]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(38-{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا}؛ أَيْ: مُصْطَفِّينَ، والرُّوحُ هُنَا مَلَكٌ من الْمَلائِكَةِ، وَقِيلَ: هُوَ جِبْرِيلُ. وَقِيلَ: الرُّوحُ جُنْدٌ منْ جُنُودِ اللَّهِ لَيْسُوا مَلائِكَةً.وَقِيلَ: هُمْ أراوحُ بَنِي آدَمَ تَقُومُ صَفًّا، وتقومُ الْمَلائِكَةُ صَفًّا، وَذَلِكَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُرَدَّ إِلَى الأَجْسَامِ.
{إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ}: إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ بِالشَّفَاعَةِ، أَوْ لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ فِي حَقِّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ، {وَ} كَانَ ذَلِكَ الشخصُ مِمَّنْ {قَالَ} فِي الدُّنْيَا {صَوَاباً}؛ أَيْ: شَهِدَ بالتَّوْحِيدِ). [زبدة التفسير: 582]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ذلك اليوم الحقّ}. أي: الكائن لا محالة، {فمن شاء اتّخذ إلى ربّه مآباً}. أي: مرجعاً وطريقاً يهتدي إليه، ومنهجاً يمرّ به عليه). [تفسير القرآن العظيم: 8/310]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({ذَلِكَ الْيَوْمُ} هوَ {الْحَقُّ} الذي لا يروجُ فيهِ الباطلُ، ولا ينفعُ فيهِ الكذبُ). [تيسير الكريم الرحمن: 908]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (فلما رغَّبَ ورهَّبَ، وبشَّرَ وأنذرَ، قالَ:{فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً}
أي: عملاً، وقدَمَ صِدْقٍ يرجعُ إليه يومَ القيامةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 908]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(39-{ذَلِكَ} يَوْمُ قِيَامِهِمْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ هُوَ {الْيَوْمُ الْحَقُّ}؛ أَي: الكَائِنُ الوَاقِعُ المُتَحَقِّقُ.
{فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً}؛ أَيْ: مَرْجِعاً يَرْجِعُ إِلَيْهِ بالعملِ الصالحِ). [زبدة التفسير: 582-583]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّا أنذرناكم عذاباً قريباً}. يعني: يوم القيامة لتأكّد وقوعه صار قريباً؛ لأنّ كلّ ما هو آتٍ آتٍ
{يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه}. أي: يعرض عليه جميع أعماله خيرها وشرّها، قديمها وحديثها؛ كقوله: {ووجدوا ما عملوا حاضراً}. وكقوله: {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر}.
{ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً}. أي: يودّ الكافر يومئذٍ أنّه كان في الدّار الدّنيا تراباً، ولم يكن خلق ولا خرج إلى الوجود، وذلك حين عاين عذاب اللّه ونظر إلى أعماله الفاسدة قد سطرت عليه بأيدي الملائكة السّفرة الكرام البررة، وقيل: إنّما يودّ ذلك حين يحكم اللّه بين الحيوانات الّتي كانت في الدّنيا، فيفصل بينها بحكمه العدل الّذي لا يجور، حتّى إنّه ليقتصّ للشّاة الجمّاء من القرناء، فإذا فرغ من الحكم بينها قال لها: كوني تراباً. فتصير تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: {يا ليتني كنت تراباً}. أي: كنت حيواناً فأرجع إلى التّراب.
وقد ورد معنى هذا في حديث الصّور المشهور، وورد فيه آثارٌ عن أبي هريرة وعبد اللّه بن عمرٍو وغيرهما). [تفسير القرآن العظيم: 8/310-311]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) :({إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً}
لأنَّهُ قدْ أزفَ مقبلاً، وكل ما هوَ آتٍ فهوَ قريبٌ.
{يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}
أي: هذا الذي يهمُّهُ ويفزعُ إليهِ، فلينظرْ في هذِه الدنيَا إليهِ، وكما قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الآياتِ.
فإنْ وجدَ خيراً فليحمدِ اللهَ، وإنْ وجدَ غيرَ ذلكَ فلا يلومنَّ إلا نفسهُ، ولهذَا كانَ الكفارُ يتمنونَ الموتَ منْ شدةِ الحسرةِ والندمِ.
نسألُ اللهَ أنْ يعافينا مِنَ الكفرِ والشرِّ كلِّهِ، إنَّهُ جوادٌ كريمٌ). [تيسير الكريم الرحمن: 908]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :(40-{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}: يُشَاهِدُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.
{وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً}: يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ تُرَاباً؛ لِمَا يُشَاهِدُهُ مِمَّا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ أنواعِ الْعَذَابِ). [زبدة التفسير: 583]
* للاستزادة ينظر: هنا