الدروس
course cover
الدرس الخامس: تدوين التفسير
18 Mar 2024
18 Mar 2024

208

2

4

course cover
معالم التفسير

القسم الأول

الدرس الخامس: تدوين التفسير
18 Mar 2024
18 Mar 2024

18 Mar 2024

208

2

4


1

0

0

0

3

الدرس الخامس: تدوين التفسير 

 

عناصر الدرس: 

- تمهيد 

- النهي عن كتابة غير القرآن في أوّل الإسلام ثم ورود الإذن بالكتابة 

- مذاهب الصحابة والتابعين في كتابة العلم 

- التنبيه على أنّ الخلاف محصور في ما قُصد به تدوين الحديث ومسائل العلم  

- همّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكتابة السنن.

- مقاصد الناهين من السلف عن كتابة غير القرآن 

- التنبيه على فقه الأئمة لمقاصد النهي عن الكتابة واعتبارها 

- استقرار القول بجواز كتابة مسائل العلم 

- نشأة التدوين  

- اشتهار التدوين 

- أنواع التدوين 

- بدء التصنيف 

- ذكر أوائل المصنفين 

- نشأة تدوين التفسير 

- تدوين التفسير في زمان التابعين رحمهم الله 

- تدوين التفسير في زمن تابعي التابعين رحمهم الله 

- تدوين التفسير في القرن الثالث الهجري 

- تدوين التفسير في القرن الرابع الهجري 

 

تمهيد 

   معرفة نشأة تدوين التفسير من المعارف المهمّة التي تفيد طالب علم التفسير فوائد جليلة؛ فيعرف كيف نشأت كتابة التفسير في القرون الأولى، وكيف تعددت وانتشرت حتى كثرت صحف التفسير جداً، وظهرت الحاجة إلى جمعها وتصنيفها، واختلفت مناهج العلماء في الجمع والتصنيف، وتفاوتوا في الضبط والتحرير. 

فظهرت أنواع من الاحتياج العلمي للتأليف في التفسير رواية ودراية، وكان الغالب على علماء كل قرن أنهم يقصدون إلى تأليف وتعليم ما يفي بحاجة طلاب العلم والعامّة في زمانهم؛ فتنامت أغراض التأليف بتنامِي أوجه الحاجة إلى الجمع والتصنيف، والشرح والتحرير، والتقريب والتيسير. 

 

   وتدوين العلوم إنما كان غرضه في الأصل ضبطها وحفظها من الضياع، لكن نشأت أغراض أخر بسبب الكتابة الأولية؛ لاختلاف مناهج الكتابة، وتفاوت الضبط؛ وكثرة تناقل الصحف والكتب بأيدي الرواة، فعرضت حاجات علمية مثل ضبط الرواية، وتصحيح المرويّ، وإيضاح بعض الجمل والمفردات، وشرح الغريب، والتعقيب على خطأ متحقق أو متوهّم، وإضافة فائدة، وبيان علّة، وجمع لصحف وكتب متفرقة، وغير ذلك من أوجه الاحتياج العلمي التي تستدعيها حاجة طلاب العلم في كلّ زمان.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#2

29 Sep 2024

النهي عن كتابة غير القرآن في أوّل الإسلام ثم ورود الإذن بالكتابة 

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن كتابة غير القرآن في حياته، كما في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وغيرهما من طريق همّام بن يحيى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمْحُه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ». 

 

والذي يتلخّص من كلام أهل العلم أنّ الحكمة من النهي عن كتابة غير القرآن في أوّل الإسلام ألا يختلط القرآن بغيره قبل أن تستقرّ معرفة القرآن في النفوس ويشتهر حفظه وتتميّز تلاوته، وألا يُشتغل بالكتابة عن الحفظ وملاحظة هدي النبي صلى الله عليه وسلم واتّباعه في جميع الأمور.  

فالكاتب قد يتّكل على الكتابة ويستكثر منها حتى يغفل عن التعاهد والحفظ وملاحظة الهدى واتّباعه. 

والعلم ليس مسائل مجرّدة يُطلب من المتعلّم حفظها وترديدها، بل لا يُعدّ العلم الذي يتعلّمه المرء نافعاً حتى يتبيّن به الحقّ من الباطل، ويعرف به الهدى ويتّبعه؛ فيكون للعلم حينئذ أثرٌ صالح على قلبه وجوارحه، ويكون العلمُ له نوراً يسير به على الصراط المستقيم. 

والدعوة الإسلامية في بزوغ فجرها كانت الحاجة فيها إلى تبليغ البينات والقيام بالهدى ماسة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثّ أصحابه على تلقّي العلم منه بفرعيه المعرفي والسلوكي وهما البيّنات والهدى، فكان يعلّمهم أحكام الدين ويُفقّههم فيه ويجيب على أسئلتهم، وكان يقول أيضاً: « صلوا كما رأيتموني أصلي »، و « خذوا عني مناسككم »،  و « اقرأوا كما عُلّمتم »، وكان يقول: « خير الهدي هدي محمد ». 

وهذا يقطع عن قلوب الصحابة التطلع إلى هَدْي خير من هذا الهدي الذي رأوا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وبلغهم عنه. 

فأخذ الصحابة منه العلم الذي يتبصّرون به في دينهم، ويميزون به الحقّ من الباطل فلا يلتبس عليهم، وأخذوا عنه الهدى الذي ترسّموه وامتثلوه وقاموا به، ومُنعوا من الكتابة ليكون إقبال قلوبهم على الأمرين: البينات والهدى، وبهما يكون القيام بالدين. 

ولا ريب أنّ إقبال العامة على الكتابة يشغلهم عن تمام القيام بالأمرين، وقد لا ينهض بهما مع الكتابة إلا قلّة ممن تمرّسوا على الاجتهاد في العلم والعمل، وجمعوا القرآن وأكثروا من تلاوته حتى أُمن في حقهم التباس غيره به في الزمن الذي كان ينزل فيه الوحي. 

 

إذْن النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنه بالكتابة: 

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في كتابة الحديث؛ وكان شابّا كثير العبادة جامعاً للقرآن يقرأه كلَّه في ليلة واحدة حتى نهاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يختمه في أقل من سبع. 

ومن كان كثير القراءة للقرآن فإنه يُؤمَن عليه أن يلتبس عليه القرآن بالحديث، وهذا يشبه أن يكون سبباً مؤثراً في إذن النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص خاصةً بكتابة الحديث، مع ورود الاستئذان منه في ذلك كما في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم من حديث محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قلت: يا رسول الله! أتأذن لي فأكتب ما أسمع منك؟ 

قال: «نعم» 

قلت: في الرضا والغضب؟ 

قال: « نعم، فإنه لا ينبغي أن أقول عند الرضا والغضب إلا حقاً ». 

فكان عبد الله بن عمرو بن العاص يكتب في صحيفة له سمّاها "الصادقة"؛ وكان يحفظها ويتعاهدها. 

 

تكرر الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم بالكتابة: 

ثمّ إنّ النبي صلى الله عليه وسلم تكرر منه الإذن بالكتابة في أحوال متعددة؛ فأذن يوم فتح مكة بأن يُكتب لأبي شاه الخطبة التي خطب بها، وكتبَ إلى أهل جرش ينهاهم عن خليط التمر والزبيب، وجرش بلد قريب من مكة، وكتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل ملكٍ من الملوك في زمانه يدعوهم إلى الله تعالى. 

ولما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: « ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ». إلى غير ذلك من الأحاديث التي تفيد تكرر الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة العلم.  

عبد العزيز بن داخل المطيري

#3

29 Sep 2024

مذاهب الصحابة والتابعين في كتابة العلم 

اختلف علماء السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم في كتابة غير القرآن من الحديث ومسائل العلم على أقوال: 

القول الأول: النهي عن كتابة غير القرآن خشية الافتتان به، والاختلاف فيه، والاشتغال به عن القرآن، وهو قول ابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وزيد بن ثابت، وأبي سعيد الخدري، وأبي إدريس الخولاني، وأبي العالية الرياحي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وغيرهم.  

    وقد كان هذا القول شائعاً في القرن الأول، وكان من أهل العلم من يشدد في شأن الكتابة، حتى روي أنَّ ابن مسعود كان يُتلف الكتب التي يبلغه أنها تُكتب، وكان معلّمَ أهل الكوفة في خلافة عمر وعثمان، وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يأمر بمحو ما يكتب غير القرآن، وكان أميرَ البصرة في خلافة عمر وصدر خلافة عثمان، وأمير الكوفة في أواخر خلافة عثمان. 

 

والقول الثاني: المنع لغير الخاصة ممن يُعرف عنهم التوثّق في كتابة العلم، ووضعه مواضعه، وهو ما تحرر من مذهب ابن عباس رضي الله عنهما؛ فقد كان هو صاحبَ كُتُب، ومات وكتبه حِمْل بعير، وروي أنه كان يكتب عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكاتب العلماء في الآفاق، حتى كان يكاتب بعض من كان يعرف عنه أنه يقرأ كتب أهل الكتاب يسألهم عن بعض ما يعرض له مما يحتاج إلى السؤال عنه. 

وقد دلّ مجموع الآثار المروية عنه على أنه لم يكن يأذن بكتابة العلم إلا إذناً خاصاً لمن يعرفه بحسن الأخذ وجودة الفهم، فكان يأذن لخاصة أصحابه بالكتابة، وربما أملى على بعضهم، لكنه كان لا يجيب العامّة بكتابة العلم، وإنما يقول للسائل أبلغهم عنا بكذا وكذا؛ فإنا لا نكتب العلم في الرسائل، وكان بعد ما كفّ بصره إذا بلغه أنّ في مجلسه من يكتب أمسك عن الحديث؛ وذلك - والله تعالى أعلم - لأنه خشي أن يكتب بعض الحاضرين ما لا يُحسن فهمه فيضعه في غير مواضعه أو يأخذه عنه من لم يحضر مجلسه فيسيء فهمه وينسبه إلى ابن عباس. 

وقد عُرض عليه كتاب كُتبتْ فيه أقضية لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فمحاه إلا قدر ذراع، وقال: « والله ما قضى بهذا عليّ إلا أن يكون ضلَّ ». 

ولعل هذا ونحوه مما أوقفه على غلط الكاتبين؛ فحمله على التوسط في شأن كتابة العلم؛ فكان لا يملي إلا على من يأمن عليه الغلط في الفهم، ووضع العلم في غير موضعه.  

- قال طَلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مُليكة قال: « رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه؛ فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله ». رواه ابن جرير. 

- وقال عثمان بن حكيم الأنصاري: سمعت سعيد بن جبير، يقول: «كنت أسير مع ابن عباس رضي الله عنه، في طريق مكة ليلاً، وكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل، حتى أصبح فأكتبه ». رواه الدارمي. 

- وقال مندل بن علي العنزي: حدثني جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: « كنت أجلس عند ابن عباسٍ فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ .. ». رواه الدارمي. 

- وقال حنظلة بن أبي سفيان: سمعت طاووساً يقول: « لما عَمِيَ ابنُ عباس جعل أناس من أهل العراق يسألونه ويكتبون». 

قال: « فجاء إنسان من أهله فالتقم أذنه؛ فلم يتكلم حتى قام ». رواه ابن سعد. 

و"التقم أذنه" أي سارّه بكلام فهم منه طاووس بقرينة الحال أنه يخبره بأنّهم يكتبون؛ فصمت ابن عباس؛ لئلا يكتبوا عنه وهو لا يعرف حالهم ولم يتوثّق من فهمهم وضبطهم. 

- وقال ابن جريج: أخبرني الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان ينهى عن كتاب العلم وأنه قال: « إنما أضلَّ من كان قبلكم الكتب ». رواه ابن سعد في الطبقات، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. 

- وقال سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس بن كيسان قال: إن كان الرجل يكتب إلى ابن عباس يسأله عن الأمر؛ فيقول للرجل الذي جاء بالكتاب: «أخبر صاحبك بأنَّ الأمر كذا وكذا؛ فإنا لا نكتب في الصحف إلا الرسائل والقرآن». رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والخطيب البغدادي في تقييد العلم. 

- وقال عبد الله بن إدريس الأودي عن هارون بن عنترة الشيباني، عن أبيه أنه قال: حدثني ابن عباس بحديثٍ فقلتُ: أكتبه عنك؟! 

قال: « فرخَّص لي ولم يَكَدْ ». رواه الدارمي وابن أبي شيبة. 

- وقال عمرو الناقد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاووس بن كيسان قال: « أُتي ابنُ عباس بكتابٍ فيه قضاء علي رضي الله عنه؛ فمحاه إلا قدر - وأشار سفيان بن عيينة بذراعه - ». رواه مسلم في مقدمة صحيحه. 

- وقال أحمد بن يونس: حدثنا زهير [يعني ابن معاوية]، قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: « وضع عندنا كُريب حمل بعير من كتب ابن عباس فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: "ابعث إلي بصحيفة كذا وكذا" فينسخها فيبعث إليه بإحداهما ». رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخه، وإسناده جيد. 

فهذه الآثار يدلّ مجموعها على مذهب ابن عباس في الإذن الخاصّ بالكتابة وهو مذهب قائم على تحقيق المصلحة الشرعية ودرء المفسدة. 

 

والقول الثالث: الترخيص المقيّد بالحاجة وعدم تخليد الكتاب، وهو قول مأثور عن عمر بن الخطاب، وذهب إليه عبيدة السلماني، وعلقمة بن قيس النخعي، وعاصم بن ضمرة السلولي وهو من أصحاب علي، وخالد الحذاء، وهشام بن حسان القردوسي، ورواية عن إبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وأيوب السختياني. 

وحكاه مالك بن أنس عن جماعة من التابعين من أهل المدينة. 

وقد رُوي عن بعض هؤلاء أنهم يكتبون الحديث لغرض حفظه فإذا حفظوه محوه.  

- قال جرير، عن مغيرة، قال: كان عمر يكتب إلى عماله: « لا تُخَلِّدُنَّ عليَّ كتاباً ». رواه ابن أبي شيبة. 

- وقال شعبة عن إسماعيل بن رجاء عن إبراهيم النخعي قال: سألت عَبيدةَ قطعةَ جلدٍ أكتب فيه؛ فقال: « يا إبراهيم! لا تخلدنّ عني كتاباً ». رواه الدارمي في سننه، والخطيب البغدادي في تقييد العلم. 

- وقال مالك بن أنس رحمه الله: (لم يكن القوم يكتبون، إنما كانوا يحفظون؛ فمن كتب منهم الشيء فإنما كان يكتبه ليحفظه؛ فإذا حفظه محاه). ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. 

وتخليد الكتاب: أن يبقى الكتاب مدة طويلة، ولذلك روي عن بعض هؤلاء أنهم أتلفوا كتبهم عند موتهم، أو أوصوا بها لمن يثقون بعلمه وفهمه. 

- قال سفيان الثوري عن النعمان بن قيس المرادي أن عَبيدة دعا بكتبه فمحاها عند الموت، وقال: « إني أخاف أن يليها قوم، فلا يضعونها مواضعها ». رواه الدارمي في سننه، وابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. 

- وقال حماد بن زيد: أوصى أبو قلابة قال: « ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حياً وإلا فأحرقوها ». رواه ابن سعد. 

- وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد قال: مات أبو قلابة بالشام فأوصى بكتبه لأيوب فأرسل أيوب فجئ به عدل راحلة. 

قال أيوب: فلما جاءني قلت لمحمد [بن سيرين]: جاءني كتب أبي قلابة؛ فأحدّث منها؟ 

قال: « نعم ». 

ثم قال: « لا آمرك ولا أنهاك ». رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة، والخطيب البغدادي في الكفاية، وابن عساكر في تاريخه. 

- وقال وكيع، عن الحكم بن عطية، عن ابن سيرين، قال: « إنما ضلّت بنو إسرائيل بكتب ورثوها عن آبائهم ». رواه ابن أبي شيبة، وأبو خيثمة في كتاب العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. 

 

وروي عن سعيد بن المسيب الترخيص في الكتابة لسيء الحفظ من غير اشتراط محوها. 

- قال عبد الرحمن بن حرملة: « كنت سيءَ الحفظ فرخّص لي سعيد بن المسيب في الكتاب ». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والخطيب البغدادي في تقييد العلم. 

 

والقول الرابع: الترخيص في كتابة العلم وتقييده والحث عليه لضبط العلم مكتوباً خوفاً من تطرّق النسيان والخطأ في الرواية. 

وهو قول علي بن أبي طالب، وابنه الحسن، والمغيرة بن شعبة، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأسيد بن ظهير الخزرجي، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، وواثلة بن الأسقع، وأبي أمامة الباهلي، وعبد الله بن أبي أوفى، وأنس بن مالك، ورافع بن خديج، وهو رواية عن أبي هريرة. 

- قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: « سألت الحسن بن علي عن قول عليّ في الخيار؛ فدعا برَبعةٍ؛ فأخرج منها صحيفةً صفراءَ مكتوب فيها قول علي في الخيار ». رواه ابن أبي حاتم في العلل. 

والرَّبْعة صندوق توضع فيه الصحف والكتب، وكانت الصحف في ذلك الوقت تطوى طوياً وقد يمتدّ طول بعضها إلى أذرع كثيرة. 

 

وهذا القول هو آخر ما ذهب إليه عروة بن الزبير، وهو قول جماعة من التابعين، ولا سيما بعض أوساطهم، وكثير من صغارهم، ومنهم: سعيد بن جبير، وبشير بن نهيك البصري وله صحيفة عن أبي هريرة، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد بن جبر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، والضحاك بن مزاحم الهلالي، والحسن البصري وكان يكتب ويملي وله كتب، ووهب بن منبه له كتاب "المبتدأ" ذكر فيه بدء الخلق وأخبار الأنبياء وكتب كتاباً آخر في القدر ثمّ ندم عليه، وعامر بن شراحيل الشعبي، ونافع مولى ابن عمر وكانت له حقيبة فيها كتب، وأبو بكر ابن حزم قاضي المدينة ثم أميرها في زمن عمر بن العزيز وهو أوّل من جمع السنة ودوّنها بالمدينة بأمر عمر بن عبد العزيز، وابن شهاب الزهري وكانت كتبه تحمل على الرواحل، ويحيى بن أبي كثير اليمامي، وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وله كتاب في الهمز، وشيبة بن نِصَاح وله كتاب في الوقوف، وهمام بن منبه وله صحيفة مشهورة عن أبي هريرة، وزيد بن أسلم العدوي وله كتاب في التفسير وكتاب في الناسخ والمنسوخ، وأبو رجاء الحداني وله كتاب في التفسير، وأبو حازم الأعرج وكان له كتب، ويحيى بن سعيد الأنصاري  ندم على أنه لم يكن يكتب في أوّل طلبه العلم، ولما وُلّي القضاء بالعراق طلب من تلميذه مالك بن أنس أن يكتب له مائة حديث من أحاديث الزهري في القضاء؛ فكتبها له، وسليمان بن طرخان التيمي وله كتب منها كتاب السير وكتاب الخلق، وهشام بن عروة بن الزبير وله صحيفة عن أبيه، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ومحمد بن إسحاق بن يسار وله كتاب المبتدأ والمبعث والمغازي وله صحف كثيرة. 

وسبب اشتهار هذا القول عن صغار التابعين أنهم ذهبوا إلى هذا القول بعد التدوين العامّ للسنة في خلافة عمر بن عبد العزيز، واشتهار أمر التدوين. 

 

التنبيه على أنّ الخلاف محصور في ما قُصد به تدوين الحديث ومسائل العلم  

    ومما ينبغي التنبيه عليه أنَّ الخلاف هنا محصور في الكتابة التي يُراد بها تدوين العلم وكتابة غير القرآن من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وآثار بعض الصحابة، والفتاوى والأقضية نحوها من مسائل العلم، وهذا يُخرج كتابة ما تقتضيه الحاجة والمصلحة في زمانهم من كتابة العقود، عقود الصلح، وعقود المبايعات، والتداين، وكذلك الاكتتاب في الجيوش، ونحو ذلك؛ فهذه كلها غير داخلة في الخلاف في تدوين مسائل العلم. 

وكذلك المكاتبات التي تكون بين الخلفاء وولاة الأمصار وقادة الجيوش وإن كان بعضها قد يتضمن بعض الأقضية والفتاوى وبعض الأحاديث التي أدرجت لغرض الاستدلال، ولم يكن غرضهم تقييد ما بلغهم من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب لأجل أن يُخلَّد في كتاب، وكذلك مكاتبات الأخبار والتبليغات والوصايا التي تكون بين الإخوان، فهذه أيضاً غير داخلة في الحديث عن هذه المسألة. 

ولذلك كان ممن اشتهر عنهم القول بمنع كتابة العلم مَن يجيب على الرسائل المكتوبة، ويكتبها، كما كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يكتب إلى عمر بن الخطاب وإلى عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وكان مع ذلك شديد النهي عن كتابة ما يرويه من الأحاديث وما يقوله من المواعظ والوصايا وما يفتي به. 

فلا يصحّ الاستدلال بما يُروى عن هؤلاء في تلك الكتابات على أنّهم كانوا يرخّصون في كتابة غير القرآن من مسائل العلم. 

 

همّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكتابة السنن 

    وقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه همّ بكتابة السنن، واستشار أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخار في ذلك شهراً، ثم عزم على ألا يكتبها، وأمر بإتلاف ما كُتب، وأمر عمّاله أن لا يخلّدوا عنه كتاباً من الكتب التي يبعث بها إليهم، وكان في كتبه علم كثير، وقد روي بعض ما في تلك الكتب، وتناقله الرواة. 

- قال معمر عن الزهري، عن عروة، أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق يستخير الله فيها شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: «إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً» رواه معمر بن راشد في جامعه، ومن طريقه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم. 

- وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرني شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن فاستشار فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه؛ فأشار عليه عامّتهم بذلك؛ فلبث عمرُ شهراً يستخير الله في ذلك، شاكّاً فيه، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له؛ فقال: « إني قد كنتُ ذكرتُ لكم من كتاب السنن ما قد علمتم، ثم تذكّرت فإذا أناسٌ من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً» فترك كتاب السنن». رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم، وروى نحوه من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب به. 

وعروة وإن لم يدرك السماع من عمر بن الخطاب إلا أن له عناية بالسير والأخبار وهو مقدّم فيها، مع قيام الاحتمال القوي بكونه سمع ذلك من بعض الذين استشارهم عمر أو شهدوا ذلك الأمر، ويشهد له مرسل يحيى بن جعدة. 

- قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له ألا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: « من كان عنده شيء من ذلك فليمْحُه ». رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. 

 

مقاصد الناهين من السلف عن كتابة غير القرآن: 

الناظر في الآثار المروية عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في النهي عن كتابة غير القرآن من الحديث والتفسير والفقه وغيره يجد أن منهم مَن يعلل النهي بعلل تتبيّن بها مقاصدهم من النهي، فحرصت على جمع تلك العلل للنظر فيها؛ فكانت نحو ثمان علل: 

1: الاعتماد على النهي الأول، وأن ما ورد من الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم كان خاصاً، وهذا ظاهر مذهب أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد تبيّن أنّ هذا النهي منسوخ، وقد كان النهي عن الكتابة في أوّل الإسلام نهياً عامّاً مخصوصاً. 

2: التحرز من التباس القرآن بغيره، واختلاف الأمة في كتابها كما اختلف أهل الكتاب في كتابهم، ولا سيما في أوّل الإسلام، وكثرة المقبلين على الدخول في الإسلام مع عدم معرفتهم بالقرآن. 

وهذا كان أكثر ما حمل عمر بن الخطاب على الكف عن تدوين السنة في زمانه، ونقله عروة بن الزبير عن جماعة من أهل العلم في زمانه.  

- قال ابن أبي الزناد: قال عروة بن الزبير: (كنا نقول لا يُتخذ كتابٌ مع كتاب الله؛ فمحوت كتبي؛ فوالله لوددتُ أنَّ كتبي عندي، إنَّ كتابَ الله قد استمرّت مريرته). رواه ابن عساكر. 

3: خشية الافتتان بالكتب، فيُقبل عليها ويُترك القرآن، وهذا التعليل مأثور عن ابن مسعود رضي الله عنه. 

- قال عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي، عن أبيه، قال: أَصبتُ أنا وعلقمة صحيفةً فانطلقنا بها إلى عبد الله [ بن مسعود ] ثم ذكر خبر إتلاف ابن مسعود للصحيفة، ثم قول عبد الله: « إنما هذه القلوب أوعية فأشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره » رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. 

4: الحذر من اتخاذ كتاب يُضاهَى به القرآن يكون كمثناة أهل الكتاب. 

والعلل الثلاث الأخيرة مأثورة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 

5: إمكان تطرّق الخطأ إلى الكتب، ثم قد يزداد الغلط وتكثر الأخطاء حتى تكون سبباً في الضلال. 

6: التحرّز من أن يقع الكتاب بيد من لا يحسن فهمه، ولا يضعه مواضعه؛ فيرويه على غير وجهه، وهذا ما حمل عبيدة السلماني رحمه الله على إتلاف كتبه لما حضرته الوفاة. 

7: خشية الاتكال على الكتب وتضييعَ الحفظِ وملاحظةِ الهَدْي. 

- قال الفضيل بن عمرو الفقيمي: قلت لإبراهيم [النخعي]: إني أجيئُك وقد جمعت مسائلَ فكأنما تخلَّسها الله مني، وأراك تكره الكتاب. 

قال: «إنه قلَّ ما كتب إنسانٌ كتاباً إلا اتّكل عليه، وقلَّ ما طلب إنسانٌ علماً إلا آتاه الله منه ما يكفيه» رواه ابن سعد في الطبقات، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. 

8: صيانة العلم من دخول غير أهله فيه. 

- قال الأوزاعيّ: (كان هذا العلم كريمًا يتلقّاه الرّجال بينهم، فلمّا دخل في الكتب دخل فيه غيرُ أهله). 

 

التنبيه على فقه الأئمة لمقاصد النهي عن الكتابة واعتبارها: 

مما لا تكاد تخطئه عين البصيرة أنَّ الذي حمل أكابرَ السلف على النهي عن الكتابة كانت مقاصد معتبرة لا ينبغي إغفالها حتى بعد اقتضاء المصلحة تدوين العلم لكثرة الأسانيد وتشعّب العلوم والمسائل فإنّ تعاظم الحاجة للتدوين لا يعود على تلك المقاصد الشريفة بالبطلان وعدم الاعتبار، بل ينبغي لمن يُعنى بالكتابة أن تكون تلك المقاصد منه على بال، وأن يحرص على عدم الإخلال بتحقيقها. 

وإنّ إقبال الطالب على الكتابة وجمع الكتب والاستكثار منها من غير مراعاة لتلك المقاصد قد يؤول به إلى الحرمان من بركات العلم وفضائله، ولا سيما إذا اشتغل بها عن واجبات وحقوق شرعية. 

ولا أرى أنه يُستثنى من اعتبار تلك المقاصد إلا قول من ذهب إلى أنّ النهي عن الكتابة محكم دائم غير منسوخ. 

ومن تأمّل سير السلف الصالح المعتنين بكتابة العلم وجد منهم العناية الظاهرة بتنظيم أوقاتهم، وتقديم الفرائض والواجبات، وأخذ نفوسهم بنصيبٍ وافرٍ من التعبّد بالتلاوة والتهجّد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعليم، والإفتاء، ونشر السنة، والتحذير من البدع والأهواء، والقيام بالقسط، وفعل الخيرات، وأخبارهم في ذلك كثيرة مشتهرة.  

 

استقرار القول بجواز كتابة مسائل العلم 

ثمّ استقرّ القول على جواز كتابة العلم، حتى رجع بعض من اشتهرت عنهم كراهية الكتابة إلى الإذن بها لما رأوا من الحاجة الشديدة إليها، وروي عن بعض من كان يترك الكتابة الندامة على تركها. 

ولم يعد يسع أهلَ العلم مع كثرة الأسانيد والمسائل، وتفاوت أحوال الرواة إلا ضبط العلم بالكتاب، ودراسة الأسانيد، وضبط الأقضية والفتاوى التي تحتاج الأمة إلى تدوينها حاجة ماسّة. 

- قال يحيى بن معين: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة أن أباه أحرق كتباً له فيها فقه، ثم قال: (لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي). رواه ابن عساكر. 

- وقال أبو نعيم ضرار بن صرد: حدثنا زيد بن حباب، عن أبي معشر، عن موسى بن عقبة، عن عروة بن الزبير، قال: (كتبتُ الحديثَ ثم محوتُه؛ فوددت أني فديتُه بمالي وولدي، وأني لم أمحه). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم. 

- وقال ابن شهاب الزهري: «كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء؛ فرأينا ألا نمنعه أحداً من المسلمين» رواه البيهقي في المدخل إلى السنن. 

- وقال مالك بن أنس: سمعت يحيى بن سعيد يقول: «لأَن أكون كتبتُ كلَّ ما أسمع أحب إليَّ من أن يكون لي مثل مالي» رواه البيهقي في المدخل إلى السنن. 

- وقال الخطيب البغدادي: (إنّما اتّسع الناس في كَتْبِ العلم، وعوَّلوا على تدوينه في الصحف بعد الكراهة لذلك؛ لأنَّ الروايات انتشرت، والأسانيد طالت، وأسماء الرجال وكناهم وأنسابهم كثرت، والعبارات بالألفاظ اختلفت؛ فعجزت القلوب عن حفظ ما ذكرنا، وصار علم الحديث في هذا الزمان أثبت من علم الحافظ، مع رخصة رسول الله صلى الله عليه لمن ضعف حفظه في الكتاب، وعمل السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين بذلك). 

- وقال أبو عمرو ابن الصلاح الشهرزوري (ت: 643 هـ): (ثمّ إنّه زال ذلك الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك [أي تدوين العلم] وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة، واللّه أعلم). 

- وقال الحافظ ابن حجر: (قال العلماء: كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا أن يُؤخذ عنهم حفظاً كما أخذوا حفظاً، لكن لما قصرت الهمم وخشي الأئمة ضياع العلم دوّنوه، وأوَّل من دون الحديثَ ابنُ شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير؛ فلله الحمد). 

عبد العزيز بن داخل المطيري

#4

29 Sep 2024

اشتهار التدوين: 

بدأ التدوين العام للسنة في خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله؛ فكتب إلى أبي بكر ابن حزم: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفتُ دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبلْ إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولْتُفشوا العلم، ولْتجلسوا حتى يُعَلَّم من لا يَعْلم، فإنَّ العلم لا يهلك حتى يكون سراً). رواه البخاري في صحيحه من طريق عبد العزيز بن مسلم القسملي عن عبد الله بن دينار به. 

- وقال ابن وهب: حدثني مالك أنَّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم وكان عمر قد أمّره على المدينة بعد أن كان قاضياً. 

قال مالك: وقد ولي أبو بكر ابنُ حزم المدينة مرتين أميراً، فكتب إليه عمر أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبد الرحمن والقاسم بن محمد. 

فقلت لمالك: السنن؟ 

قال: نعم. 

قال: فكتبها له. 

قال مالك: فسألت ابنَه عبدَ الله بن أبي بكر عن تلك الكتب؛ فقال: (ضاعت). رواه يعقوب بن سفيان. 

قلت: الظنّ أنه بعث بها إلى عمر بن عبد العزيز لصريح ما ورد من أمره إياه أن يكتب إليه، وذلك متضمّن لكتابتها وبعثها إليه. 

 

وأمرَ عمرُ بن عبد العزيز ابنَ شهاب الزهريّ أن يتولّى جمع السنن وكتابتها، ثم بَعَثَ بها إلى الأمصار. 

- قال معن بن عيسى القزاز: حدثنا سعيد بن زياد قال: سمعت ابن شهاب يحدّث سعدَ بنَ إبراهيم يقول: (أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفتراً دفتراً؛ فبعث إلى كل أرضٍ له عليها سلطان دفتراً). رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. 

- وقال صالح بن كيسان: (اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم، فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كلَّ شيء سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كتبنا أيضا ما جاء عن أصحابه فقلت: لا، ليس بسنة، وقال هو: بلى هو سنة؛ فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيعت). رواه معمر بن راشد، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وابن أبي خيثمة، وغيرهم. 

قوله: (ونحن نطلب العلم) ربما تبادر إلى الذهن أنّهم فعلوا ذلك في أوَّل طلبهم للعلم وهم صغار، وهذا خلاف ما كان عليه الأمر؛ فإنّ صالح بن كيسان لم يطلب العلم إلا على كِبَر، والزهريّ لم يكن يكتب في أوّل طلبه للعلم؛ فهذه العبارة إنما يصحّ حملها على طلبهم العلم عند الكتابة والتدوين؛ فإنّ ذلك يصدق عليه أنه طلبٌ للعلم. 

- قال أحمد بن صالح المصري: حدثنا يحيى بن محمد الجاري عن مالك بن أنس قال: جاء صالح بن كيسان وموسى بن عقبة إلى ابن شهاب يطلبان العلم؛ فقال لهما ابن شهاب: (جلستما حتى إذا صرتما كالشنان لا تمسكان الماء جئتما تطلبان العلم). رواه ابن عساكر. 

وكان صالح بن كيسان أسنّ من الزهري، ومات بعده بنحو ست عشرة سنة، وهو الذي علّم الزهريَّ في صغره وأقام أَوَد لسانه، ثمّ لمّا اكتهل طلب العلمَ عند الزهري فعلّمه السنن، وقد ذكر الذهبي أنّ صالح بن كيسان طلب الحديث وهو ابن سبعين سنة؛ فيكون ذلك قريباً من وقت جمع الزهري للسنن. 

 

وقد سَبقَ جمعَ عمر بن عبد العزيز جمعٌ آخر لم يشتهر خبره، وهو ما قام به أبوه عبد العزيز بن مروان بن الحكم في زمان ولايته على مصر إذ كتب إلى كثير بن مرة الحضرمي (ت: 80 هـ تقريباً)، وكان من كبار المحدّثين بالشام، من أهل حمص، وقد لقي جماعة من كبار علماء الصحابة رضي الله عنهم، منهم معاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وعبادة بن الصامت، وكثير من أهل بدر وغيرهم. 

- قال عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب أن عبد العزيز بن مروان كتب إلى كثير بن مرة الحضرمي، وكان قد أدرك بحمص سبعين بدرياً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

قال: (فكتب إليه أن يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديثهم إلا حديث أبي هريرة فإنه عندنا). رواه ابن سعد. 

وعبد العزيز بن مروان (ت:85 هـ) كان رجلاً صدوقاً، نشأ بالمدينة وسمع من أبي هريرة، وغيره، وخرج مع أبيه بعد وقعة الحرة إلى الشام، ثم لما تغلّب أبوه على الشام ومصر ولّاه على مصر فبقي والياً عليها نحواً من عشرين سنة حتى توفي. 

لكني لا أعلم لكثير بن مرة في دواوين السنة حديثاً كثيراً يدلّ على نهوضه بالجمع كما نهض به الزهريّ، وربما كتب شيئاً ولم يبلغنا، ولعلّه لم يتهيّأ له من الأعوان والكَتَبَة ما تهيّأ للزهري. 

وعلى كلّ حال فقد اشتهر ما نهض به عمر بن عبد العزيز من التدوين، وكثر بعده تدوين العلم، واشتهر جداً. 

 

    ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة قام بأمور جليلة القدر كان لها أثر كبير في إنجاح تدوين السنة، ونشر العلم، وانتشار الكتب، وإقبال الناس عليه، فردّ المظالم، وأبطل المكوس، وعزل الولاة الظلمة، وولّى العلماء المصلحين الذين يُشهد لهم بالصلاح والاستقامة وحسن الرأي والتدبير؛ فجعل منهم ولاة على الأمصار، وقضاة، ومحتسبين، وصرف الأموالَ في مصارفها الصحيحة، وكتب إلى العلماء يحثّهم على جمع الحديث وكتابته، ثم أسند إلى ابن شهاب الزهري الاضطلاع بالتدوين والضبط والإملاء، وبعث المعلّمين إلى الأمصار ليفقّهوا الناس في الدين، وينشروا العلم. 

فم يمكث إلا زمناً يسيراً حتى انتشر العلم، واستيسر الناس، وصلح حال الرعية، ودوّنت السنة، وحُفظ العلم في الكتب والصحف حفظاً مشتهراً ظاهراً بعد أن كان أكثره في صدور العلماء الحفاظ من التابعين، وفي صحف متفرقة بأيدي أصحابها. 

فشاع العلم في الأمصار، وكثرت المرويات والرحلات في طلب العلم وتحصيل النّسخ والمصنفات، وكثرت الأسئلة والأجوبة؛ فكثرت لأجل ذلك الكُتُب. 

 

ولذلك عدّ العلماء عُمر بن عبد العزيز المجدد الأوّل للدين في المائة الأولى. 

- قال عبد الله بن وهب: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» رواه أبو داوود في سننه، والحاكم في المستدرك، والطبراني في الأوسط، وغيرهم. 

- قال أبو سعيد الفريابي: قال أحمد بن حنبل: (إن الله تعالى يقيض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب؛ فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق. 

ورواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في المدخل إلى السنن من طرق أخرى عن أحمد. 

 

أنواع التدوين 

كان أكثر تدوين العلوم على ثلاثة أنواع: 

النوع الأول: نسخ وصحف مفردة، يكتبها الراوي عن شيخه، وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً يتعسر تقصّيها. 

النوع الثاني: أمالي ومجالس وفوائد يمليها الشيخ أو يحدّث بها عن جماعة من شيوخه، فتُكتب عنه، وقد يكون في بعضها شرح وتفسير، أو تنبيه وتعقيب. 

النوع الثالث: كتب مصنّفة، جمعوا فيها نُسخاً وصنّفوها، والتصنيف منه ما هو على المسانيد، ومنه ما هو على الأبواب، ومنه ما هو على الشيوخ، والأسماء. 

ومن المصنفات جوامع كبيرة، وكتب مفردة في بعض فروع العلم، ككتب المناسك، والزهد، والرقائق، وغيرها كثير. 

 

بدء التصنيف: 

بعد اشتهار التدوين كثرت الصحف والنسخ الحديثية والتفسيرية وغيرها في أواخر زمن التابعين وزمن تابعي التابعين حتى صار من غير المستنكر أن يكون لدى الواحد منهم صحف ونسخ كثيرة جداً لكثرة ما يحضر من مجالس العلماء وما يُملى فيها من الحديث ومسائل العلم. 

- قال خلف بن تميم: سمعت أبا الأحوص إن شاء الله ذكر عن أبي إسحاق، قال: (ما ترك لنا إسرائيل كُوَّة، ولا سِفطاً إلا دحسها كتباً). رواه الخطيب البغدادي. 

وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي من طبقة تابعي التابعين. 

- وقال أبو العيناء محمد بن القاسم: حدثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى قال: (كان أبو عمرو بن العلاء أعلم الناس بالقرآن والعربية والعرب وأيامها والشعر وأيام الناس، وكان ينزل خلف دار جعفر بن سليمان الهاشمي، وكانت دفاتره مِلءَ بيتٍ إلى السقف، ثم تنسَّك فأحرقها). رواه ابن عساكر. 

- وقال علي ابن المديني: (نظرتُ لروح بن عبادة في أكثر من مائة ألف حديث، كتبت منها عشرة آلاف). رواه الخطيب البغدادي. 

وهذا كان حال كثير من أهل العلم من تابعي التابعين في جميع فنون العلم، ولذلك لمّا جاء تبع الأتباع واجتهدوا في طلب العلم، وطوّفوا البلدان للسماع من الشيوخ وتحصيل النسخ والكتب وعرضها وتصحيحها اجتمع لهم شيء عظيم من الأحاديث والآثار، وكثير منها له طرق كثيرة وألفاظ متعددة. 

 

فظهرت الحاجة إلى التصنيف والترتيب، وهو أمر قد تفطّن له بعض التابعين؛ فكتب بعضهم كتباً في بعض فروع العلم، ثم اشتهر التصنيف في زمان تابعي التابعين.  

 

ذكر أوائل المصنّفين: 

اشتهر في عامة الأمصار مصنفون سبقوا إلى التصنيف: 

- ففي مكة المكرمة: عبد الملك ابن جريج(ت:151هـ)، وسفيان بن عيينة الهلالي(ت:198هـ)، ثم بعدهما أبو بكر الحميدي(ت:219هـ)، وأبو عبيد القاسم بن سلام(ت:224ه)، وسعيد بن منصور الخراساني(ت:227هـ)، وغيرهم. 

- وفي المدينة النبوية: محمد بن إسحاق (ت:151 هـ)، ثم انتقل إلى بغداد، ومحمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب (ت:159 هـ) وله موطَّأ، ومالك بن أنس، وغيرهم.  

- وفي البصرة: سعيد بن أبي عروبة (ت:156 هـ)، والربيع بن صبيح البصري (ت:160 هـ)، وحماد بن سلمة (ت:167 هـ)، وأبو داود الطيالسي (ت: 204 هـ)، وغيرهم.  

- وفي الكوفة: سفيان بن سعيد الثوري (ت:161 هـ)، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة (ت:183 هـ)، ومحمد بن فضيل بن غزوان (ت:195 هـ)، ووكيع بن الجراح الرؤاسي (ت:197 هـ)، ويحيى بن آدم الكوفي (ت: 203 هـ). 

- وفي واسط: هشيم بن بشير الواسطي (ت:183 هـ) 

- وفي بغداد: عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون (ت:164 هـ)، وكان بالمدينة ثم انتقل إلى بغداد، وأبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت: 182 هـ)، ومحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني (ت: 189 هـ)، وعلي بن حمزة الكسائي (ت:189 هـ)، ويحيى بن زياد الفراء (ت:207 هـ). 

- وفي الشام: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت:157 هـ)، وإسماعيل بن عياش الحمصي (ت:181 هـ)، وأبو إسحاق الفزاري (ت: 186 هـ)، والوليد بن مسلم الدمشقي (ت:194 هـ)، وآدم بن أبي إياس العسقلاني (ت:220 هـ). 

- وفي اليمن: معمر بن راشد الأزدي (ت:153 هـ)، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت: 211 هـ). 

- وفي مصر: عبد الله بن لهيعة الحضرمي (ت:175 هـ)، وعبد الله بن وهب المصري (ت:197 هـ)، ومحمد بن إدريس الشافعي (ت:204 هـ)، وأسد بن موسى الأموي (ت: 212 هـ)، وعبد الله بن عبد الحكم (ت: 214 هـ)، ونعيم بن حماد المروزي (ت: 228 هـ)، وغيرهم.  

- وفي فارس وخراسان: إبراهيم بن طهمان الخراساني (ت:168 هـ)، وعبد الله بن المبارك (ت:181 هـ)، وجرير بن عبد الحميد الضبي (ت:188 هـ)، والنضر بن شميل المازني (ت: 204 هـ)، وغيرهم.  

 
ثم كثرت التصانيف والمؤلفات، واحتيج إلى الجوامع والمسانيد الكبار، وهو ما نهض به أصحاب القرن الذي يليه من طبقة الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي وابن ماجه والنسائي. 

ثم توالى التأليف في كلّ قرن بما يحتاجه طلاب العلم فيه. 

عبد العزيز بن داخل المطيري

#5

29 Sep 2024

نشأة تدوين التفسير 

أوّل ما بلغنا من تدوين التفسير ما كتبه أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما، فقد صحّ أن مجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير كانا يسألانه عن التفسير ويكتبان، وكتب عنه أيضاً أربدة التميمي، وأبو مالك الغفاري، وأبو صالح مولى أمّ هانئ، وغيرهم. وروايات هؤلاء عن ابن عباس كثيرة جداً، وقد أخرج كثيراً منها أهلُ الحديث في دواوين السنة، وأهل التفسير في كتب التفسير المسندة، ورويت عنهم صحف في التفسير. 

وكانوا مع روايتهم التفسير عن ابن عباس وغيره معدودين من أهل التفسير الذين تُنقل أقوالهم وتدوَّن، وكان بعضهم من أهل مكة كمجاهد، وبعضهم من أهل العراق كسعيد بن جبير، وأربدة التميمي، وأبي مالك الغفاري. 

ومنهم من كان من أهل مكة ثم انتقل إلى العراق كأبي صالح. 

فأول ما عُرف تدوين التفسير في مكة، ثم في العراق، ثم في خراسان، ثم في المدينة والشام ومصر، ثم شاع في سائر الأمصار.  

 

تدوين التفسير في زمان التابعين  

وفي زمان التابعين كان ممن رويت عنهم صحف أو كتب في التفسير: 

1: أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي البصري (ت:82 هـ) من قراء التابعين بالبصرة وفقهائهم، جاور ابن عباس ثنتي عشرة سنة، وسأله عن كلّ آية في القرآن، روى عنه عمرو بن مالك النُّكري صحيفة في التفسير أكثرها عن ابن عباس، وفيها بعض أقوال أبي الجوزاء. 

2: أبو صالح باذام مولى أمّ هانئ بنت أبي طالب (ت: 92 هـ تقريباً) ويقال: باذان، وباذام أشهر، وكان معلّم كُتّاب بمكّة، ثم انتقل إلى الكوفة، له كتاب في التفسير.  

3: سعيد بن جبير بن هشام الأسدي (ت: 95 هـ)، كان من جهابذة العلماء وكبار العبّاد، كان يسائل ابن عباس، ويكتب في صحف له، وقد رُوي أنّ الخليفة عبد الملك بن مروان سأله أن يكتب له التفسير؛ فكتبه، وتفسيره هذا رواه عنه عطاء بن دينار (ت:126 هـ) وجادة. 

4: أبو مالك غزوان الغفاري (ت: 95 هـ تقريباً)، من ثقات التابعين أخذ التفسير عن ابن عباس، وعرف بأنّه صاحب التفسير، رويت عنه صحيفة في التفسير. 

5: أربدة التميمي (ت:102 هـ تقريباً)، تابعي من أهل الكوفة، وثّقه العجلي وابن حبان، ولم أرَ فيه جرحاً، وكان يجالس ابن عباس والبراء بن عازب رضي الله عنهم، له صحيفة في التفسير. 

6: مجاهد بن جبر المكي (ت:102 هـ)، مولى قيس بن السائب المخزومي، ولد في خلافة عمر، ولزم ابن عباس مدة طويلة، وعرض عليه القرآن ثلاث مرات، وكان يكتب التفسير لنفسه، ثم أملى بعدما تصدّر كتاباً في التفسير على تلميذه القاسم بن أبي بزة فيه مما أخذه عن ابن عباس وعن غيره. 

7: الضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي (ت: 105 هـ)، من بني هلال بن عامر بن صعصعة، كان معلّم كُتّاب فيه نحو ثلاثة آلاف صبي يعلّمهم حسبة من غير أجرة، وقد عُرف بالتفسير، ودُوّنت عنه نُسَخ، منها نسخة عبيد بن سليمان الباهلي، ونسخة جويبر بن سعيد الأزدي، ونسخة نصر بن مشارس الخراساني. 

8: عزرة بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي (ت: 105 هـ)، تابعي كوفي، له مرويات في كتب التفسير المسندة أكثرها عن سعيد بن جبير والحسن بن عبد الله العرني، وكان صاحب كتاب. 

9: الحسن بن أبي الحسن البصري (ت:110 هـ)، من سادات التابعين، له كلام جليل القدر في التفسير والإبانة عن معاني القرآن، وكان ممن يرى كتابة العلم، وروي عنه أنه أملى التفسير على أصحابه، وممن كتب عنه التفسير: أبو رجاء الحدّاني، والربيع بن أنس البكري، ومقاتل بن حيان، وعباد بن منصور الناجي. 

10: عطية بن سعد بن جنادة الجدلي العوفي (ت:111 هـ)، تابعي من بني عوف بن سعد، وهم من بكر بن وائل، مضعَّف في الحديث، وله مرويات وأقوال كثيرة في كتب التفسير، وأكثر ما يُروى عنه بالسلسلة المشهورة بالضعف في كتب التفسير، وهي التي يرويها عنه أبناؤه، وتفسير العوفي كتاب، لكن لم أقف على خبر ثبت بأنّ أوّل من دوّنه هو عطية العوفي. 

11: الحكم بن عتيبة الكندي (ت: 115 هـ)، تابعي كوفي، من كبار أصحاب إبراهيم النخعي، وهو أحد رواة تفسير مجاهد، وروى مسائل في التفسير عن سعيد بن جبير، وله أقوال في التفسير. 

12: محمد بن أبي محمّد الحِرَشي مولى زيد بن ثابت (ت: 120 هـ تقريباً)، مجهول الحال، وله صحيفة في التفسير جمعها من تفسير سعيد بن جبير وعكرمة ولم يميّز بينهما في أكثر المواضع، وهي نسخة كبيرة، رواها عنه ابن إسحاق، وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم نحو مائة وثلاثين رواية. 

13: القاسم بن أبي بزة نافع المكي (ت:124 هـ)،  

مولى عبد الله بن السائب بن صيفي المخزومي، وهو جدّ البزّي القارئ، أملى عليه مجاهد كتاباً في التفسير، فرواه عنه. 

14: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدّي (ت:127 هـ)، تابعي كوفيّ، كان يقصّ بسدّة باب الجامع في الكوفة فلقّب بالسدّي، وكانت أكثر عنايته بالتفسير، وله تفسير كبير جمعه من طرق أدخل بعضها في بعض، ثم ساقها مساقاً واحداً: 

- من طريق أبي مالك الغفاري عن ابن عباس، ومن طريق أبي صالح مولى أمّ هانئ عن ابن عباس، ومن طريق مرة بن شراحيل الهمداني عن ابن مسعود، ومما رواه هو عن ناس من الصحابة لم يسمّهم، ولا ندرى هل روايته عنهم متصلة أو مرسلة. 

وله كتاب آخر في التفسير يرويه عن أبي صالح مولى أمّ هانئ. 

وهو أوّل من علمته جمع النسخ التفسيرية في كتاب واحد.  

15: عمرو بن مالك النكري (ت:129 هـ)، بصريّ من بني نُكْرَة بنِ لُكَيز، وهم بطن من بني عبد القيس، له جزء صغير في التفسير يرويه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس. 

16: عبد الله بن أبي نجيح المكي (ت: 131 هـ)، مولى آل الأخنس بن شريق الثقفي، ومفتي أهل مكة في زمانه، أُخذ عليه القول بالقدر، وهو ثقة في الحديث، وله كتاب في التفسير يرويه عن مجاهد. 

وقد قيل: إن كتاب ابن أبي نجيح عن مجاهد في التفسير مأخوذ من كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد، وهذا لا مطعن فيه؛ فكلاهما عالم موثق من أصحاب مجاهد. 

17: أبو رجاء محمد بن سيف الحداني الأزدي (ت: 135 هـ)، أدرك أنس بن مالك، وروى عن الحسن البصري وعكرمة وابن سيرين وغيرهم، وله تفسير يرويه عنه ابن علية ويزيد بن زريع وأبو إسحاق الفزاري وغيرهم، وأكثره عن الحسن البصري، وفيه مسائل عن عكرمة، وفيه أقوال لأبي رجاء، وأحرف في القراءة. 

18: عطاء بن أبي مسلم الخراساني (ت: 135 هـ)، نشأ بخراسان، ثم قدم الحجاز، ورأى ابنَ عمر، ثم سكن الشام، وجاهد في الثغور، وكان رفيع القدر عند أهل الشام، يذكّر في الغزوات، وله مجالس في التفسير، ومواعظ حسنة، وتوفّي بأريحا سنة 135 هـ. 

لكن تُكلّم فيه من جهة سوء حفظه، وضعف ضبطه؛ فما يرويه عن غيره فضعيف لا يُحتجّ به، لكن يُعتبر من جهة المعنى، وأما أقواله في التفسير؛ فله أقوال حسنة تروى عنه، وقد كتب عنه يونس بن يزيد الأيلي جزءاً صغيراً في التفسير، وكتب عنه ابن جريج جزءاً في التفسير، وكذلك ابنه عثمان بن عطاء وهو ضعيف. 

19: زيد بن أسلم العدوي (ت:136 هـ)، الإمام الفقيه المفسر، كان معلّم كتّاب بالمدينة، وعني بالتفسير والفقه حتى تصدّر فيهما، وكان مهيباً محبوباً جليل القدر، وكان ممن يجتهد رأيه في التفسير، وهو ثقة ثبت مُجمع على توثيقه وإمامته، وقد تكلّم فيه بعض العلماء بسبب تفسيره بالرأي وتوسّعه في رواية الإسرائيليات.  

وذُكر له كتاب في التفسير، ولعله ما رواه عن ابنه عبد الرحمن بن زيد، وقد جمع فيه أقواله مع أقوال أبيه فلم يتمحّض الكتاب لأبيه. 

20: الربيع بن أنس بن زياد البكري (ت: 137 هـ)، تابعيٌّ من أهل البصرة، رأى أنس بن مالك ولقي عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، ولازم الحسن البصري عشر سنين، وأخذ التفسير عن أبي العالية الرياحي، وله عنه نسخة مشهورة في التفسير رواها عنه أبو جعفر الرازي. 

21: أبو القاسم جويبر بن سعيد الأزدي البلخي (ت: 145 هـ تقريباً)، اسمه جابر، وجويبر لقب، روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وأكثر روايته عن الضحاك بن مزاحم الهلالي، وله عنه نسخة في التفسير. 

22: أبو روق عطية بن الحارث الهمداني (ت: 145 هـ تقريباً)، تابعي كوفي ثقة، روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وله عن الضحاك نسخة كبيرة في التفسير رواها عنه بشر بن عمارة الخثعمي، وقد أخرج منها ابن جرير أكثر من مائة رواية، وأخرج منها ابن أبي حاتم فيما طبع من تفسيره أكثر من ثلاثمائة رواية. 

23: أبو حمزة ثابت بن أبي صفية الثمالي (ت:148 هـ)، روى عن أنس بن مالك، لكنه شيعيّ غالٍ، متروك الحديث لسوء مذهبه، وسوء ضبطه، وله مرويات في تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم، وهو من مصادر الثعلبي في تفسيره. 

24: محمد بن إسحاق بن يسار (ت:151 أو 152 هـ)، مولى آل مخرمة بن المطلب، ولد سنة ثمانين، ورأى أنس بن مالكٍ بالمدينة، وسعيد بن المسيب، وكان علامة نسابة أخبارياً واسع المعرفة بالسيرة والأخبار، وكان موصوفاً بقوة الحفظ. 

ولابن إسحاق كُتُب، أشهرها كتاب "المبتدأ والمبعث والمغازي"، وله مرويات كثيرة جداً في كتب التفسير المسندة.  

وكان قد اطّلع على صحف كثيرة في زمانه فكان يروي منها، ومنها ما لا يُعرف إلا عن طريقه، وكان يجمع تلك الصحف فيضعها في كتبه ويسندها إلى أصحابها غالباً، وقد ينقل منها من غير إسناد. 

- روى صحيفةً عن محمد بن أبي محمد الجرشي مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير وعكرمة في التفسير.  

- وروى صحيفة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده، وعامّتها في المغازي، وقد أخرج منها أصحاب التفاسير المسندة بعض ما يتصل بنزول الآيات. 

- وله صحيفة عن وهب بن منبّه يروي عنه بعض ما فيها بلا واسطة، وفي بعضها يقول: حدثني من لا أتهم عن وهب بن منبه، وهذه الصحيفة تضمنت إسرائيليات كثيرة عن وهب بن منبّه. 

وكان ابن إسحاق ممن أشاع الإسرائيليات، والأشعار المنحولة، بسبب عدم تثبّته في الرواية، وحمله عن الضعفاء والمجاهيل. 

وهو صدوق في نفسه، إلا أنّه أخذ عليه شيء من التدليس، والرواية عن كلّ أحد من غير تمييز، وأما إذا ما صرّح بالتحديث عن ثقة فالراجح أن حديثه لا يقلّ عن رتبة الحسن إن شاء الله، ما لم تكن له علة أخرى، وأما ما رواه معنعنا فلا يُحتجّ به. 

25: شبل بن عباد المكي (ت: 160 هـ تقريباً)،  ولد سنة 70 هـ، وحدّث عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني رضي الله عنه، وقرأ على ابن كثير المكي، وعرض على ابن محيصن، وتصدّر للإقراء بمكة بعده، وله تفسير يرويه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، ويرويه عن شبل: أبو حذيفة النهدي، وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي الحافظ، ونصر بن علي الجهضمي، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم شيئاً يسيراً من مرويات هذا التفسير. 

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

29 Sep 2024

تدوين التفسير في زمن تابعي التابعين رحمهم الله 

ما دوّنه التابعون من كتب وصحف في التفسير كان بمثابة الركيزة الأولى لتدوين التفسير، ثم ازداد تدوين التفسير في زمان تابعي التابعين كثرة وتنوّعاً. 

- فكثر رواةُ النسخ التفسيرية عن بعض مفسّري التابعين، حتى تعسّر تقصّي رواياتهم، واشتهر بعضها فعُني به أهل العلم. 

- وكثرت الصحف التي فيها تعليقات مسائل عن أكثر من مفسّر. 

- واشتهر التصنيف في التفسير بالجمع بين مصادر متعددة كما فعل مقاتل بن حيان، ومقاتل بن سليمان، وابن جريج، وسفيان الثوري، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن وهب، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سلام، وعبد الرزاق، وغيرهم. 

وهذا النوع وإن كانت له بدايات في زمن صغار التابعين كما فعل السدّي وابن إسحاق، إلا أنّه في زمن تابعي التابعين أكثر وأظهر. 

وهذا التدوين والتصنيف كان ممهّداً لنوع من الجمع والتصنيف والموازنة بين الأقوال نهض به جماعة من المفسرين في القرن الثالث والرابع. 

ومن المعلوم البيّن أنّ عدد تابعي التابعين كان أضعاف عدد التابعين؛ كما أنّ عدد التابعين كان أضعاف عدد الصحابة رضي الله عنهم، فإذا علمتَ أن الصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإيمان، وأنّ التابعيَّ هو من رأى صحابياً ومات على الإسلام، وأنّ تابعَ التابعي هو من رأى تابعياً ومات على الإسلام تبيّن لك بذلك تضاعف أعداد تابعي التابعين أضعافاً كثيرة على عدد التابعين. 

 

وهم وإن كان اشتغال كثير منهم بالغزو والجهاد والعبادة وغير ذلك إلا أن هذه النسبة كان لها أثر كبير في ازدياد المقبلين على طلب العلم وتحصيله وتدوينه وروايته. 

وكان بعض الخلفاء والولاة والوزارء يستوفدون العلماء من أمصار شتى للتعليم والإفتاء والقضاء، وكانت لهم حظوة ظاهرة، ومكانة سامية في دول الإسلام في ذلك القرن، حتى كان لكثير من الأئمة مستملون ومبلّغون، وكانت مجالس الإملاء لبعض تابعي التابعين يحضرها نحو عشرة آلاف أو أكثر؛ فلو قيل على سبيل التنزّل: إن الذين كانوا يكتبون عُشرَ هذا العدد، ثمّ قيل بمثل هذه النسبة على عدد من الأمصار؛ لتبيّن للناظر أنّ الذي وصل إلينا بالرواية قليل النسبة جداً إلى ما كُتب في حقيقة الأمر. 

ومع ذلك فقد بقي بحمد الله من العلم في أبواب الدين كافّة ما فيه كفاية لمن وفقه الله وأعانه. 

والمقصود التنبيه إلى أنّ ما تداوله العلماء بالرواية واعتنوا به من كتب التفسير ليس هو كلّ ما كتب في التفسير من النسخ والصحف التفسيرية، وإنما توخّيت في هذا الباب ذكر أشهر النسخ، وخاصة ما كان من مصادر أصحاب التفاسير المسندة. 

ومما ينبغي أن يُعلم أنّ جماعة من تابعي التابعين بقوا إلى أوائل القرن الثالث، بل منهم من بقي إلى قريب من منتصف القرن الثالث كحال هشام بن عمار الدمشقي (ت:245 هـ) راوي قراءة عبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي (ت:245 هـ) قاضي الأردن وفلسطين وصاحب الكتب المؤلفة في التاريخ وغيره، فإنهما رويا عن معروف بن عبد الله الخيّاط، وكان من آخر التابعين موتاً بالشام. 

على أنّ بعض من مات في أوائل القرن الثالث لا تُعرف لهم رؤية عن أحد التابعين. 

 
وممن ذكر لهم كتب في التفسير: 

1: أبان بن تغلب الرَّبَعي (ت:141 هـ)، ذكر ابن النديم أنّ له كتاباً في معاني القرآن؛ فإن كان يريد كتاب التفسير الذي نحلته إياه الشيعة ووضعوا عليه فيه روايات معلومة البطلان على طريقة الرافضة الإمامية؛ فهو كتاب موضوع عليه.  

2: علي بن أبي طلحة الوالبي الهاشمي (ت: 143 هـ) مولى بني هاشم، وله صحيفة مشهورة كتب فيها ما بلغه من تفسير ابن عباس، وهو لم يلقه باتفاق، ولم ينصّ على الواسطة بينه وبين ابن عباس، وبعض ما في صحيفته مما يُجزم أنه ليس لابن عباس، وهي نسخة جيدة في مجملها، إلا أن في بعضها ما يستنكر؛ فلذلك لا يُحكم بصحة مروياتها بإطلاق، ولا تردّ بإطلاق، بل تعتبر في التفسير. 

3: أبو مصلح نصر بن مشارس الخراساني (ت: 145 هـ تقريبا)، صاحب الضحاك، له عنه كتاب في التفسير، يرويه عنه عمر بن هارون، وأبو معاذ خالد بن سليمان الحداني. 

4: عبيد بن سليمان الباهلي، له كتاب مشهور في التفسير يرويه عن الضحاك. 

5: محمد بن السائب بن بشر الكلبي (ت:146 هـ)، أخباري نسّابة، كان من القصاص المشهورين في الكوفة، وكان متروك الحديث متّهماً بالكذب، وله كتب في التفسير هجر أكثرَها أهلُ العلم، وحذروا منها، وله مع ذلك أقوال حسنة في التفسير. 

6: مقاتل بن حيان النبطي البلخي (ت: قبل 150 هـ)، إمام فقيه مفسّر، وله تفسير قيّم جمعه مما تحصّل له من تفسير مجاهد والحسن والضحاك وغيرهم. 

7: مقاتل بن سليمان البلخي (ت: 150 هـ)، كان صاحب كتب وله اطلاع واسع على التفسير في زمانه، وله عناية بعلوم القرآن، وكتب فيها كتباً، وله تفسير مطبوع من رواية الهذيل بن حبيب الدنداني، ذكر في مقدمته أنّه استخلصه من تفاسير ثلاثين رجلاً منهم اثنا عشر رجلاً من التابعين، ولم يسمّهم. 

ومقاتل متروك الحديث، واتّهمه بعض المحدّثين بالكذب، وأعرض عنه كبار أصحاب التفاسير المسندة كعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم فلم ينقلوا عنه. 

وإنما اشتهرت بعض أقواله في التفاسير المتأخرة بسبب نقل بعض متأخري المفسرين عنه كالثعلبي والماوردي والواحدي؛ فكثر إيراد أقواله في التفاسير من غير إسناد. 

ومقاتل لا يُحتجّ به في المرويات، ولكن له أقوال حسنة في التفسير يستفيد منها بعض أهل العلم ممّن يميّز الصواب من الخطأ. 

وله كتب أخر منها: كتاب تفسير الخمسمائة آية من القرآن، وكتاب "الوجوه والنظائر".  

8: أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني (ت: بعد 150 هـ)، له أتباع يسمّون الجارودية نسبة إليه، وهم مِن فِرَق الزيدية، وهو متروك الحديث متّهم بالكذب، وله كتاب في التفسير، نقل منه ابن جرير وابن أبي حاتم شيئاً يسيراً، وذكر الدارقطني أنّ ابن شاهين فرق تفسير أبي الجارود في تفسيره.  

9: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت: 151 هـ)، مفتي أهل مكة في زمانه، وهو أوّل من صنّف التصانيف بمكة، وكانت كتبه محلّ عناية أهل الحديث وثقتهم، ومروياته في كتب التفسير المسندة كثيرة جداً، له في تفسير ابن جرير وحده نحو ألفين وخمسمائة رواية، وقد طبع تفسيره حديثاً برواية الحسن بن الصباح الزعفراني عن حجاج بن محمد المصيصي عنه. 

10: عبّاد بن منصور الناجي (ت: 152 هـ)، قاضي البصرة في زمانه، وكان من أصحاب الحسن البصري، وله نسخة في التفسير يرويها عنه، ورواها عن عباد أبو بكر الحنفي، وسرور بن المغيرة الواسطي. 

11: أبو عروة معمر بن راشد الأزدي (ت: 153 هـ)، له تفسير كبير يرويه عن قتادة والحسن ومجاهد وزيد بن أسلم والزهري والكلبي وغيرهم. 

12: عيسى بن ميمون المكي (ت: 155 هـ تقريبا)، قارئ مفسّر، من أهل مكة، يُعرف بابن داية، ويقال له: الجرشي نسبة إلى بني جرش لأنه جاورهم، وهو أحد رواة التفسير عن ابن أبي نجيح عن مجاهد. 

13: سعيد بن أبي عروبة البصري (156 هـ)، أحد الحفاظ الكبار، وأوّل من صنّف الكتب بالبصرة، وهو أشهر رواة تفسير قتادة، سأله أبو معشر زياد بن كليب التميمي أن يكتب له تفسير قتادة فكتبه؛ فاشتهر عنه. 

14: يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي (ت:159 هـ)، من خاصة أصحاب الزهري، وله جزء في التفسير عن عطاء الخراساني، وهو مطبوع. 

15: الحسين بن واقد المروزي (ت: 159 هـ)، قاضي مرو ومفتي أهلها في زمانه، له نسخة في التفسير يرويها عن يزيد النحوي عن عكرمة، أخرج منها أصحاب التفاسير المسندة مرويات كثيرة. 

16: أبو جعفر عيسى بن ماهان الرازي التميمي (ت: نحو 160 هـ)، له نسخة مشهورة في التفسير يرويها عن الربيع بن أنس البكري وأكثرها من تفسير أبي العالية الرياحي. 

17: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (ت: 161 هـ)، الإمام الحافظ، له كتب كثيرة، ومنها كتاب في التفسير مشهور، رواه عنه ابن امرأته أبو حذيفة النهدي، وقد طبع بعضه. 

18: أبو معاذ بكير بن معروف الدامغاني (ت: 163 هـ)، أصله من خراسان وكان قاضي نيسابور، ثم سكن دمشق، وحدّث بها، وروى تفسير مقاتل بن حيان؛ فاشتهر عنه. 

19: شيبان بن عبد الرحمن النحوي (ت: 164 هـ)، أبو معاوية، مولى تميم، محدّث قارئ ثقة، نشأ بالبصرة، ثم نزل الكوفة، له كتاب تفسير مشهور يرويه عن قتادة. 

20: نافع بن عبد الرحمن أبي نعيم المدني (ت: 169 هـ)، قارئ أهل المدينة، له جزء صغير في التفسير رواه عنه ابن وهب. 

21: سعيد بن بشير الأزدي (ت:169 هـ)، مولى بني نصر بن معاوية من الأزد، كان رجلاً صالحاً صدوقاً، وكتب كتاباً في التفسير أكثره عن قتادة، واشتهر كتابه في الشام. 

22: أبو بشر ورقاء بن عمر بن كليب اليشكري (ت: 170 هـ تقريباً)، الإمام الثبت، أصله من خوارزم، ثم سكن المدائن، له كتاب مشهور في التفسير يرويه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، ولم يسمعه كلّه من ابن أبي نجيح، بعضه قراءة وبعضه عرض، أخرج البخاري في صحيحه منه مسائل. 

23: أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني (170 هـ)، راوي التفسير عن محمد بن كعب القرظي، وله كتاب في المغازي، وهو مضعّف في الحديث، لكنه حاله في التفسير أحسن. 

24: أسباط بن نصر الهمداني الكوفي (ت: 170 هـ تقريباً)، صاحب السدّي وراويته، وثقه يحيى بن معين، وضعّفه الإمام أحمد، وأخرج له مسلم في المتابعات، وتفسيره عن السدي مشهور، أخرج منه أصحاب التفاسير المسندة مرويات كثيرة جداً. 

25: أبو الحسن يعقوب بن عبد الله بن سعد الأشعري القمّي (ت:172 هـ)، محدِّث مفسّر، له كتاب فيه روايات في التفسير عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، وعن حفص بن حميد عن عكرمة وعن شمر بن عطية، ويروي أيضاً عن زيد بن أسلم. 

أخرج له ابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم. 

26: عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي (ت:174 هـ)، محدّث مصر وعالمها وقاضيها، كان طَلابة للعلم، كثير الشيوخ، كتب حديثاً كثيراً جداً عجز عن ضبطه؛ فلذلك ضُعّف في حديث، وهو رجل صدوق في نفسه، يُعتبر حديثه، ولا يُحتجّ بما ينفرد به، له روايات كثيرة جداً في كتب التفسير المسندة، وهو من أشهر رواة تفسير عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير. 

27: مسلم بن خالد الزنجي (ت: 179 هـ)، فقيه أهل مكة وقارئهم، ولم يكن زنجيّا بل كان أبيض أشقر وإنما لقبته بذلك جاريته لحبّه التمر؛ فلصق به اللقب، وله تفسير مطبوع من رواية أبي جعفر الرملي عن أحمد بن محمد القواس عنه، وفيه نحو مائة وستين أثراً، غير مرتب على السور. 

28: مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي (ت: 179 هـ)، الإمام المعروف، له الموطأ، ورسائل أخر قصيرة، وله جزء في التفسير، وله أقوال في التفسير رواها عنه ابن وهب في تفسيره، وأخرج له ابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما. 

29: عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت:181 هـ)، الإمام الحافظ المعروف، له كتب كثيرة، طبع منها: المسند، والزهد، والرقائق، والبر والصلة، والجهاد، وقد ذكر في مؤلفاته: كتاب في التفسير، ولم يطبع، وله مرويات كثيرة في كتب التفسير المسندة. 

30: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي (ت: 182 هـ)، مفسّر معروف من كبار مفسري تابعي التابعين، كان عالماً بالتفسير والمغازي والأخبار، لكنه كان ضعيف الحديث لسوء حفظه، وكثرة خطئه في الرواية، وله أقوال حسنة في التفسير تدلّ على سعة علمه بمعاني القرآن، وأكثر ما يُروى عنه في كتب التفسير المسندة من أقواله وأقوال أبيه، لا من مروياته الأخرى. 

31: يزيد بن زريع بن يزيد العَيشي (ت: 182 هـ)، أبو معاوية البصري، من أعلام الحفاظ بالبصرة وثقاتهم، كان غاية في التثبت والإتقان، زاهداً ورعاً، يروي تفسير قتادة من طريق سعيد بن أبي عروبة، وقد أكثر ابن جرير من الرواية من طريقه جداً. 

32: أبو معاوية هشيم بن بشير بن القاسم الواسطي (ت: 183 هـ)، من الأئمة الحفاظ، له كتب مصنفة، منها كتاب في التفسير رواه عنه أبو هاشم زياد بن أيوب، ويروي تفسير سعيد بن جبير من طريق أبي بشر جعفر ابن أبي وحشية اليشكري، وداوود بن الحصين، وعطاء بن السائب، وإسماعيل بن مسلم وغيرهم، وله مرويات كثيرة في كتب التفسير المسندة. 

33: يونس بن حبيب الضبي (ت:183 هـ)، مولى بني ضبّة، قارئ لغوي، صاحب سنة، برع في العربية ورأس بها في البصرة حتى جلس في موضع الخليل بعد موته، ذكر له ياقوت الحموي كتابين ف معاني القرآن أحدهما كبير، والآخر صغير.  

34: سرور بن المغيرة بن زاذان الواسطي، ابن أخي منصور بن زاذان، أصله من البصرة، ثم سكن واسط، وله تفسير يرويه عن عباد بن منصور عن الحسن البصري، وقد أخرج منه ابن أبي حاتم جملة من المرويات. 

35: بشر بن عمارة الخثعمي (ت:185 هـ)، له نسخة كبيرة في التفسير رواها عن أبي روق عطية بن الحارث الهمداني، عن الضحاك بن مزاحم، وروى عن الأحوص بن حكيم، وإدريس بن سنان اليماني، ولم يكن قوياً في الحديث، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من نسخته روايات كثيرة جداً. 

36: محمد بن مروان بن عبد الله المعروف بالسدّي الصغير (ت: 185 هـ تقريبا)، راوي تفسير الكلبي، وهو متّهم بالكذب، وقد تجنّب الأئمة الرواية عنه، وإنما يروي عنه بعض المتأخرين كالثعلبي والواحدي. 

37: أبو سعيد المسيّب بن شريك التميمي (ت:186 هـ)، من طبقة أصحاب الأعمش، لكنه كان متروك الحديث لسوء حفظه وكثرة غلطه، وتحديثه بأحاديث منكرة عن الأعمش وغيره، ولم يكن ممن يتعمّد الكذب. 

له مرويات في تفسير ابن جرير وابن ابي حاتم، وذكر الثعلبي في مقدّمة تفسيره أنّ له كتاباً في التفسير رواه عنه بإسناده، وجعله من مصادره في التفسير. 

38: يحيى بن اليمان العجلي (ت: 188 هـ)، من العلماء القراء العبّاد، له مرويات كثيرة في كتب التفسير المسندة، وله جزء صغير مطبوع في التفسير رواه عنه يزيد بن موهب، وفيه نحو ثلاثين أثراً كلها من تفسير سعيد بن جبير رواها من طرق عنه. 

39: رشدين بن سعد بن مفلح المصري (ت:188 هـ)، رجل صالح في ديانته، مضعّف في روايته لضعف ضبطه، وله نسخة في التفسير يرويها يونس بن يزيد الأيلي عن عطاء الخراساني، وقد أخرج منها أصحاب التفاسير المسندة، ورووا عنه مسائل أخرى رواها عن عمرو بن الحارث وغيره. 

40: علي بن حمزة الكسائي (ت: 189 هـ)، أحد القراء السبعة، قرأ على حمزة ثمّ اختار لنفسه قراءة اشتهرت عنه، وله كتب طُبع منها: كتاب "متشابه القرآن"، وكتاب "ما تلحن فيه العامة". 

ومما لم يطبع من كتبه: "معاني القرآن"، و"الآثار في القراءات"، و"النوادر"، ورويت عنه مسائل في القراءة والعربية في كتب التفسير المسندة. 

وقد جمع الدكتور عيسى شحاتة أقوال الكسائي في التفسير من مصادر متعددة وأخرجها في كتاب باسم "معاني القرآن لعلي بن حمزة الكسائي"، وهو غير كتابه المفقود. 

41: موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني (ت: نحو 190 هـ)، قال ابن عدي: (يعرف بأبي محمد المفسّر، منكر الحديث). 

- وقال ابن حبان: (شيخ دجال يضع الحديث روى عنه عبد الغني بن سعيد الثقفي، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتاباً في التفسير جمعه من كلام الكلبي ومقاتل بن سليمان وألزقه بابن جريج عن عطاء عن ابن عباس). 

وقد تجنّب الأئمة الرواية عنه في كتب التفسير المسندة، وإنما روى عنه بعض المتأخرين كالثعلبي والواحدي. 

42: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المعروف بابن عُليَّة (ت: 193 هـ)، الإمام الحافظ المحدث الفقيه، أحد أوعية العلم، نسب إلى أمّه وكانت امرأة نبيلة عاقلة معروفة لدى أهل العلم ووجوه أهل البصرة، نُسب إليه كتاب في التفسير، وله مرويات كثيرة جدا في كتب التفسير المسندة، وله نسخة مشهورة رواها عن أبي رجاء محمد بن سيف الحدّاني، عن الحسن البصري. 

43: أبو العباس الوليد بن مسلم الدمشقي (ت:195 هـ)، مولى بني أمية، وأحد أوعية العلماء الكبار بالشام، صنّف نحو سبعين كتاباً، وكان موصوفاً بالصدق والحفظ، والفضل والعقل، لكنه كان يدلّس تدليس التسوية، وهو شرّ أنواع التدليس. 

له روايات كثيرة في كتب التفسير المسندة، وكان قد حصّل نسخاً كثيرة في التفسير: 
- فأخذ عن سعيد بن بشير الأزدي تفسير قتادة. 

- وعن بكير بن معروف تفسير مقاتل بن حيان. 

- وأخذ تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من طرق عدة. 

- وأخذ مسائل في التفسير من طرق عن عطاء الخراساني، ومكحول الدمشقي، وتبيع الحميري، وغيرهم، مع ما سمعه من الأوزاعي، وابن جريج، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر من مسائل كثيرة في التفسير. 

44: أبو فيد مؤرج بن عمرو بن الحارث السدوسي (ت: 195 هـ)، من بني سدوس بن شيبان بن ذهل، من بكر بن وائل، أخذ العربية عن أبي عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، وأبي زيد الأنصاري، وغيرهم. 

له كتب طبع منها: كتاب الأمثال، وشعر الشنفرى، وحذف من نسب قريش. 

ومن كتبه التي لم تطبع: غريب القرآن، والمعاني، والأنواء، وجماهير القبائل. 

45: وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي (ت: 197 هـ)، نسبة إلى رؤاس بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، من هوازن، إمام فقيه حافظ، يُضرب بحفظه المثل، وهو الذي خلف سفيان الثوري في مكانه، وكان يفتي بقول أبي حنيفة. 

له مصنفات، طبع منها كتابه في الزهد، ونسخة حديثه عن الأعمش، وله كتاب في التفسير مفقود، رواه عنه محمد بن إسماعيل الحساني، ذكره أبو القاسم ابن منده في المستخرج والمستطرف، وله مرويات كثيرة في كتب التفسير المسندة. 

46: عبد الله بن وهب بن مسلم المصري (ت: 197 هـ)، الإمام الحافظ، مولى قريش، ولد سنة 125 هـ، ورأى عبيد الله بن عمر العمري، وهشام بن عروة، وهما من صغار التابعين، وتفقه بمالك والليث، وبرع في الفقه والفتيا، حتى عدّه الإمام مالك مفتي مصر. 

له كتب كثيرة، طبع منها: الجامع في الحديث، والمسند، والموطأ الصغير، والقدر، وله كتاب في التفسير طبع ضمن كتابه الجامع.  

47: سفيان بن عيينة الهلالي المكي (ت: 198 هـ)، الإمام المعروف، له كتاب في التفسير رواه أبو عبيد الله المخزومي، وكان معروفاً متداولاً لدى أهل العلم، ومنهم من يروي بعض ما فيه بالإسناد كأبي القاسم الأصبهاني وغيره، ويعزو إليه ابن حجر والسيوطي وغيرهما، لكنه لم يطبع فيما أعلم. 

48: شبيب بن عبد الملك البصري (ت: قبل 200 هـ)، روى كتاب التفسير عن مقاتل بن حيان. 

49: يحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت:200 هـ)، مولى بني تميم، من قراء البصرة ومفسّريهم، ونشأ بالبصرة، ثم انتقل إلى أفريقية. 

له كتاب في التفسير طبع بعضه، وقد جمع فيه بين التفسير اللغوي والتفسير بالآثار مما بلغه من تفاسير الصحابة والتابعين، وقد اختصره هود بن محكّم الهواري، وابن أبي زمنين؛ فما اتفقا عليه فالظن أنه هو عبارة يحيى بن سلام. 

وله كتاب "التصاريف مما شتبهت أسماؤه وتصرفت معانيه". 

50: محمد بن إدريس الشافعي (ت:204 هـ)، الإمام الجليل، له مؤلفات نافعة كان لها أثر مبارك في التفقه في الكتاب والسنة، ومن أجلّها كتاب "الرسالة".  

وقد جمع له أبو بكر البيهقي كتاباً في "أحكام القرآن"، جمع فيه ما رواه عن الشافعي من مسائل متصلة بأحكام القرآن 

51: أبو بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي (ت:204 هـ)، بصريّ، من شيوخ الإمام أحمد وإسحاق ابن راهويه، وقد وثقه الإمام أحمد، له نسخة في التفسير يرويها عن عباد بن منصور عن الحسن البصري، وقد أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم. 

52: النضر بن شميل بن خرشة المازني التميمي (ت: 204 هـ)، الإمام اللغوي المحدث، كان صاحب حديث وسنة، أظهر السنة بمرو وجميع خراسان، وذكر أبو عبد الله الحاكم أنه أوّل من صنّف الغريب في الإسلام.  

طبع من كتبه رسالة في الحروف العربية، وله كتب لم تطبع، ذكر ابن النديم أن له كتاباً في معاني القرآن.  

53: روح بن عبادة بن العلاء القيسي (ت:205 هـ)، من بني قيس بن ثعلبة، بطن من بكر بن وائل، وكان من أعيان أهل البصرة ووجهائها، ممن يتحمّل الحمالات ويقوم في المهمات، وكان من أوعية العلم الكبار، اجتمع له من الشيوخ ما لا نعرف أنه اجتمع لغيره من أقرانه، وكتب حديثاً كثيراً جداً، حتى أنكر عليه بعض أقرانه وشيوخه كثرة حديثه؛ فلما امتُحنَ وحُقّق في الأمر تبيّن صدقُه. 

- قال الخطيب البغدادي: (كان من أهل البصرة فقدم بغداد، وحدث بها مدة طويلة، ثم انصرف إلى البصرة فمات بها، وكان كثير الحديث، وصنف الكتب في السنن والأحكام، وجمع التفسير). 

- وقال أبو الحسن الدارقطني الحافظ: «أوَّل من صنَّف من البصريين سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة، وصنّف ابن جريج ومالك بن أنس، وكان ابن أبي ذئب صنّف موطأً فلم يخرج، والأوزاعي والثوري وابن عيينة، ولم يرو عن جميعهم إلا روح بن عبادة». 

54: شبابة بن سوار الفزاري المدائني (ت: 205 هـ)، مولى بني فزارة، وكان أصله من خراسان، ثم نزل المدائن، ومروياته في التفسير كثيرة جداً، وأكثرها مما رواه من تفسير ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وقد روى عنه تفسير ورقاء: الحسن بن محمد الزعفراني، ومحمد بن رافع النيسابوري، وحجاج بن حمزة الخشابي، ومحمد بن عبد الله المخرمي، وغيرهم. 

55: حجاج بن محمد المصّيصي الأعور (ت:206 هـ)، من أوعية العلم الكبار، أصله من ترمذ، وسكن بغداد، ثم انتقل إلى المصّيصة ونُسب إليها، وهي بلدة قرب أضنة حالياً، كانت تعدّ من الثغور ورابط بها جماعة من الصالحين، ثم اندثرت. 

وهو أثبت الرواة في ابن جريج، كتب عنه التفسير وغيره، وله روايات كثيرة جداً في كتب التفسير المسندة، وروى عن شعبة وحمزة الزيات وأبي جعفر الرازي. 

56: يزيد بن هارون بن زاذي السلمي (ت:206 هـ)، مولى بني سليم، وشيخ الإسلام في زمانه، له روايات كثيرة في كتب التفسير المسندة، وكان قد حصّل نسخاً في التفسير منها: 

- نسخة أصبغ بن زيد الجهني، عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير. 

- ونسخة سفيان بن حسين الواسطي، عن أبي بشر اليشكري عن سعيد بن جبير. 

- وتفسير ورقاء عن ابن أبي نجيح. 

- ونسخة جويبر عن الضحاك. 

57: أبو عبيدة معمر بن المثنىّ التيمي البصري (ت:209 هـ تقريباً)، مولى بني تيم بن مرة، وكان عالماً بالعربية وأخبار العرب، له كتب كثيرة، طبع منها: مجاز القرآن في معاني القرآن، وتسمية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأولاده، والديباج، وأيام العرب، والخيل، وشرح نقائض جرير والفرزدق. 

58: عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميريّ الصنعاني (ت: 211 هـ)، محدّث اليمن، الإمام المسند الكبير، له كتبٌ طبع منها: المصنف، والأمالي في آثار الصحابة، والتفسير، وهو من التفاسير المسندة القيّمة. 

59: محمد بن يوسف بن واقد الفِرْيابي (ت:212 هـ)، من طبقة صغار أصحاب سفيان الثوري، له كتاب في التفسير مفقود. 

60: أبو زيد سعيد بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:215 هـ)، وهو سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد ثابت بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري، وأبو زيد جدّ جدّه كان من الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سعيد قارئاً للقرآن، ثقة ثبتاً في الحديث، عالماً بالعربية، له كتب طبع منها: كتاب النوادر، والهمز، والمطر، والشجر والكلأ، واللبأ واللبن، وطبع المختار من كتاب الأمثال له، وذكر أبو منصور الأزهري أنّ له كتاباً في معاني القرآن.  

61: آدم بن أبي إياس العسقلاني (ت:220 هـ)، أصله من خراسان، ونشأ ببغداد، وطوّف في البلدان لطلب الحديث، ثم استوطن عسقلان، وإليها نُسب، له تفسير طُبع تفسيره باسم تفسير مجاهد بن جبر باعتبار أنّ أكثر مروياته عن مجاهد، وفيه مرويات عن غيره كالحسن البصري والزهري، وهو من رواية عبد الرحمن بن الحسن الهمذاني (ت:356 هـ) - وهو مضعَّف- عن الحافظ إبراهيم بن الحسين ابن ديزيل (ت: 281 هـ) وجادة. 

62: أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت: 220 هـ)، ابن امرأة سفيان الثوري، وهو رجل صدوق، معروف بملازمة سفيان الثوري، لكنّه لم يكن من حذّاق أهل الحديث، روى عن سفيان الثوري فأكثر وصحّف ووهم؛ فدخل في رواياته عنه خطأ كثير عن غير تعمّد. 

63: أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو الدمشقي (ت:245 هـ)، القاضي الفقيه، والحافظ المحدث، والمفسّر والمؤرّخ، المعروف بدُحيم، مولى آل عثمان بن عفان، ولد سنة 170 هـ، وسمع معروف بن عبد الله الخياط وهو من آخر التابعين موتاً بالشام، وتفقّه على أصحاب الأوزاعي، وولي القضاء بالأردن وفلسطين، له كتاب: طبقات الشاميين مفقود، وله كتاب في التفسير ذكره الكتاني في ذيل تاريخ مولد العلماء ووفياتهم، وعنه ابن عساكر في تاريخه. 

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

29 Sep 2024

 

تدوين التفسير في القرن الثالث الهجري 

كثر تدوين التفسير في القرن الثالث كثرة ظاهرة، وعني العلماء بتحصيل النسخ التفسيرية وروايتها، وكثرت الرحلات لأجل ذلك، حتى صار من المتعسّر إحصاؤها وتقصّيها، ذلك أنه قلّ أن يطلب العلمَ أحدٌ في ذلك الزمان ويعنى بضبطه بالكتابة إلا ويكون من أهمّ ما يكتبه نُسَخٌ في التفسير، لأنَّ من أولى ما تتظافر الهمم لضبطه وتحصيله ما تُعرف به معاني القرآن الكريم. 

وقد كان في القرن الثالث جماعة من الأئمة الذين عرفوا بكثرة التدوين، بل كان منهم من يدوّن ويحفظ، كما هو ظاهر في سير الأئمة الحفاظ وأخبارهم من أمثال: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأبي بكر ابن أبي شيبة، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبي زرعة الرازي، وإبراهيم الجوهري، وابن ديزيل، وغيرهم كثير ممن كتبوا فأكثروا، ولا ريب أنّ من أولى ما كانوا يحصّلون ويكتبون ما يتعلق بتفسير كتاب الله عزّ وجلّ من الآثار في التفسير، وما حصّلوه من النسخ التفسيرية. 

ويتعسّر حصر ما دوّن من التفسير في القرن الثالث؛ لكن من أشهر من عرف بتدوين التفسير: 

1: أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله الديلمي الفراء (ت:207 هـ)، له كتاب "معاني القرآن"، وهو مطبوع.  

2: محمد بن المستنير البصري المعروف بقطرب (ت: بعد 211 هـ)، وهو نحويّ معتزلي، له كتاب "معاني القرآن وتفسير مشكل إعرابه"، وقد طبع بعضه. 

3: حسين بن محمد بن بهرام المروزي (ت:213 هـ)، له نسخة في التفسير يرويها عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن قتادة، وقد أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهما.  

4: قبيصة بن عقبة السوائي (ت:215 هـ)، له كتاب في التفسير، وأكثره عن سفيان الثوري، وقد أخرج منه ابن جرير جملة من المرويات، وهو من مصادر الثعلبي في تفسيره. 

5: سعيد بن مسعدة المعروف بالأخفش الأوسط (ت: 215 هـ)، له كتاب "معاني القرآن"، مطبوع. 

6: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي (ت:219 هـ)، له كتاب في التفسير ذكره ابن أبي حاتم.  

7: الحافظ إبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء الرازي (ت: بعد 220 هـ) له نسخ كثيرة في التفسير حصّلها من تطوافه في البلدان، وكان محدّثاً ثقة مكثراً، ذكر أبو زرعة الرازي أنه كتب عنه مئة ألف حديث، وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريقه روايات تدلّ على تحصيله تفسير سعيد بن جبير من طرق عدة، وتفسير عكرمة من طريق يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة عن داوود بن أبي هند عن عكرمة، ومن طريق ابن أبي زائدة عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة، وتفسير ابن جريج من طرق عدة، منها طريق حجاج بن محمد المصيصي، وهشام بن يوسف الصنعاني عن ابن جريج، وتفسير الحسن البصري من طريق ابن أبي زائدة عن مبارك بن فضالة. 

8: عمرو بن حماد بن طلحة القناد الكوفي (ت: 222 هـ) له نسخة في التفسير عن أسباط بن نصر، عن السدي، وقد أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم روايات كثيرة جداً. 

9: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت:224 هـ)، له كتاب في معاني القرآن ذكر أبو منصور الأزهري أنه انتهى في تأليفه إلى سورة طه، ولم يتمّه، وهو مفقود، ذكر الخطيب البغدادي أنه جمع فيه ما كتبه أبو عبيدة معمر بن المثنى، وقطرب، والأخفش، والكسائي، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها، وتفاسير الصحابة، والتابعين، والفقهاء، وروى النصف منه ثم مات قبل أن يُسمع منه باقيه.  

10: أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن المبارك اليزيديّ(ت: 225 هـ)، وهو العلماء القراء، واللغويين الكبار، قرأ على أبي عمر بن العلاء، له كتب منها: "ما اتفق لفظه واختلف معناه" وهو مطبوع على نقص فيه، وله كتاب "مصادر القرآن" وصل فيه إلى سورة الحديد، مفقود.  

11: الحسين بن داوود المصيصي(ت:226 هـ) المعروف بسُنيد، وله كتاب مشهور قديماً في التفسير لكنه مفقود، أخرج منه ابن جرير مرويات كثيرة في التفسير.  

12: سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني (ت: 227 هـ)، وله كتاب في التفسير من كتابه الكبير في السنن، وقد طبع حديثاً. 

13: عبد الغني بن سعيد الثقفي (ت: 227 هـ)، له كتاب في التفسير يرويه، عن موسى بن عبد الرحمن الصنعاني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وموسى متّهم بالكذب، وقد ذكر ابن حبان أنّ تفسيره موضوع، وتفسير عبد الغني بن سعيد الثقفي من مصادر الثعلبي في تفسيره. 

14: يحيى بن عبد الله بن بكير المصري (ت: 231 هـ) له نسخة مشهورة في التفسير يرويها عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، وهو التفسير الذي رُوي أنّ سعيد بن جبير كتبه لعبد الملك بن مروان، وقد أكثر ابن أبي حاتم من الرواية من هذه النسخة.  

15: محمد بن أبي بكر بن عليّ بن عطاء المقدمي (ت:234 هـ) من شيوخ البخاري ومسلم، له كتاب في التفسير. 

16: محمد بن حاتم بن ميمون المروزي (ت:235 هـ)، روى عنه مسلم في صحيحه، وتكلّم فيه يحيى بن معين، له كتاب في التفسير ذكره ابن سعد وقال: (استخرج كتاباً في تفسير القرآن كتبه الناس ببغداد). 

17: أبو بكر عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة الكوفي (ت: 235 هـ)، صاحب المصنف، له كتاب في التفسير مفقود.  

18: أبو عبد الرحمن عبد الله بن يحيى بن المبارك اليزيدي (ت: 237 هـ)، النحويّ اللغويّ، له كتاب "غريب القرآن وتفسيره" مطبوع، وله كتاب في الوقف والابتداء لم يطبع.  

19: ابن راهويه إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي (ت:238 هـ) وله كتاب في التفسير ذكره ابن حجر في المعجم المفهرس، وهو مفقود، وكان ابن راهويه حافظاً واسع المعرفة، وقد حصّل نسخاً كثيرة في التفسير منها:  

- نسخة أبي قرة عن ابن جريج في التفسير، وقد أخرج منها ابن أبي حاتم مرويات كثيرة في تفسيره.  

- ونسخة محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر عن الضحاك. 

- ونسخة شبابة بن سوار، عن ورقاء، عن مجاهد. 

- ونسخة روح بن عبادة، عن شبل بن عباد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. 

- ونسخة جرير بن عبد الحميد عن أشعث بن سوار، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير. 

- ونسخة جرير بن عبد الحميد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير. 

20: صفوان بن صالح بن صفوان الثقفي الدمشقي (ت: 239 هـ تقريباً)، وهو صدوق حافظ واسع الرواية، حصَّل نسخاً كثيرة في التفسير، وروى تفاسير أكثرها عن شيخه الوليد بن مسلم، ومنها:  

- تفسير مقاتل بن حيان، وكان الوليد يرويه عن بكير بن معروف عن مقاتل. 

- وتفسير قتادة من طريق سعيد بن بشير، وخليد بن دعلج. 

- وتفسير زهير بن محمد التميمي (ت:162 هـ)، وكانت تُروى عنه مسائل في التفسير، وله روايات عن عطاء بن أبي رباح، وزيد بن أسلم، وعطاء بن يسار وغيرهم. 

- ومسائل في التفسير عن مكحول من طريق الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن مكحول.  

- وتفسير عطاء الخراساني من طريق شيخه شعيب بن رزيق عنه. 

وله روايات من غير هذه الطرق متفرقة في كتب التفسير المسندة. 

21: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت: 241 هـ)، إمام أهل السنة، ذكر أبو إسحاق الزجاج وابن القيم أنّ له كتاباً في التفسير، ونقل منه ابن القيم في بدائع الفوائد مسائل مختصرة، فإن كان تفسيره على مثل ما نقل ابن القيم رحمه الله فهو جزء صغير في التفسير. 

لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة التفسير: (وكذلك الإمام أحمد وغيره ممن صنف في التفسير يكرر الطرق عن مجاهد أكثر من غيره). 

وقد أنكر الذهبي أن يكون للإمام أحمد كتاب كبير في التفسير ولا يشتهر عنه، ولا يروى. 

ويحتمل أن يكون ابنه عبد الله قد روى بعض ما في أصول الإمام أحمد من التفسير، وهو  

22: أبو حفص عمرو بن علي بن بحر الصيرفي الفلاس (ت:249 هـ)،  له كتاب في التفسير رواه عنه علي بن إسماعيل الدقاق (ت:314هـ)، كما ذكر ذلك ابن حجر في المعجم المفهرس.  

وقد كان أبو حفص الصيرفي حافظاً متقناً، بصيراً بالعلل، واسع الرواية، كثير الشيوخ، كثير الكتب، وله روايات كثيرة جداً في كتب التفسير المسندة مما حصّله من نسخ التفسير. 

23: عبد بن حميد، وهو عبد الحميد بن حُميد بن نصر الكسّي (ت: 249 هـ)، له كتاب في التفسير طُبعت قطعة منه. 

24: عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي (ت:255 هـ)، له كتاب في التفسير مفقود، وله في سننه كتاب فضائل القرآن. 

25: أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني (ت:255 هـ)، وكان قارئاً لغوياً، حسن المعرفة، كثير التصانيف، له كتاب في "إعراب القرآن" مفقود، وكتاب في الوقف والابتداء اسمه "المقاطع والمبادئ"، وكتاب في القراءات، وكتاب "اختلاف المصاحف"، وكلها مفقودة، وقد طبع من كتبه: المذكر والمؤنث، والنخلة، والفَرْق، وفعلت وأفعلت، وتفسير غريب ما في كتاب سيبويه من الأبنية، وكتاب المعمرين والوصايا، وكتاب الكرم، والأضداد. 

26: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت: 256 هـ)، له كتاب التفسير من صحيحيه، وله معلقات كثيرة في التفسير صحيحه، ويُحتمل أن يكون له كتاب مفرد في التفسير. 

- قال محمد بن أبي حاتم الوراق: (رأيته استلقى على قفاه يوماً ونحن بفِرَبْر في تصنيف كتاب "التفسير "وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث). ثم ذكر الخبر. 

وهذا النصّ يدل على كثرة ما أخرج في التفسير، ومن المعلوم أنّ كتاب التفسير من صحيحه ليس كبيراً؛ فهذا النصّ له احتمالان: إما أن يكون له كتاب في التفسير مفقود، وإما أن يكون مراده ما في أصوله من التفسير؛ فقد كان للمحدثين أصول علمية خاصة.  

27: أبو سعيد عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي (ت: 257 هـ)، له كتاب في التفسير على طريقة المحدّثين أخرج منه ابن جرير وابن أبي حاتم روايات كثيرة في تفاسيرهما، ذكر أبو عبد الله الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه رأى تفسيره مجلد. 

28: أبو مسعود أحمد بن الفرات بن خالد الضّبي الرازي (ت:258 هـ)، له كتاب في التفسير، رواه عنه عبد الرحمن بن يحيى بن منده، ذكره ابن حجر في المعجم المفهرس. 

29: نُسخ الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني (ت:260 هـ) في التفسير، وله روايات كثيرة في كتب التفسير المسندة. 

30: مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت: 261 هـ)، الإمام صاحب الصحيح، له كتاب التفسير من صحيحه.  

31: أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت:268 هـ) ، الإمام الحافظ، له نسخ كثيرة في التفسير، أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره روايات كثيرة جداً، ومن تلك النسخ التي حصّلها:  

- تفسير سعيد بن جبير الذي كتبه لعبد الملك بن مروان، وقد رواه من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير قال: حدثنا ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير. 
وروى عن سعيد بن جبير من طرق أخرى متعددة. 

- وتفسير عكرمة مولى ابن عباس من طريق إبراهيم بن موسى الفراء، عن زكريا بن أبي زائدة عن داوود بن أبي هند عن عكرمة. 

- وتفسير الضحاك بن مزاحم، رواه من طريق منجاب بن الحارث التميمي، قال: حدثنا بشر بن عمارة الخثعمي، عن أبي روق الهمداني عن الضحاك. 

- وتفسير الحسن البصري من طرق عدة. 

- وتفسير سعيد بن أبي عروبة عن قتادة من طريق العباس بن الوليد البصري عن يزيد بن زريع عن سعيد. 

- وتفسير سعيد بن بشير الأزدي عن قتادة، من طريق صفوان بن صالح الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم الدمشقي، قال: حدثني سعيد بن بشير. 

- وتفسير مكحول الدمشقي، من طريق دحيم، عن أبي إسحاق الفزاري، عن صبيح مولى بني مروان عن مكحول. 

- وتفسير أسباط بن نصر عن السدي، رواه من طريق عمرو بن حماد القناد. 
- وتفسير أبي رجاء الحدّاني، من طريق محمد بن المنهال البصري، عن يزيد بن زريع، عن أبي رجاء. 

- وتفسير عطاء الخراساني من طريق صفوان بن صالح، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا شعيب بن رزيق عن عطاء الخراساني. 

- وتفسير مقاتل بن حيان من طريق صفوان بن صالح الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرني بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان. 

- وتفسير ابن جريج، من طريق إبراهيم بن موسى الفراء، عن زكريا ابن أبي زائدة عن ابن جريج. 

وغيرها كثير. 

وأبو زرعة الرازي وإن لم يصنّف كتاباً في التفسير إلا أنّ له عناية بتحصيل نسخ التفسير، وكان يحفظها عن ظهر قلب، حسن المعرفة بعلل متونها وأسانيدها، واختلاف الرواة فيها، وهذا كان حال كثير من أئمة أهل الحديث في طلبهم لعلم التفسير؛ فإنّ تحصيل معاني القرآن الكريم من أوّل ما كانوا يعنون به من أبواب العلم، ولا سيما تحصيل النسخ التفسيرية المشتهرة في زمانهم بالإسناد، وقراءتها على العلماء، وهذا مما يدلّ على أنّ تقصّي رواة النسخ التفسيرية أمر متعسّر جداً. 

32: محمد بن يزيد ابن ماجة القزويني (ت: 273 هـ)، له كتاب في التفسير، عزا إليه أبو الحجاج المزي كثيراً في تهذيب الكمال. 

33: عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري (ت:276 هـ)، له كتاب تأويل مشكل القرآن، وغريب القرآن، وغيرهما.  

34: بقيُّ بن مخلد بن يزيد الأندلسي القرطبي (ت: 276 هـ)، له كتاب كبير في التفسير لكنه مفقود، وله المسند الكبير الذي يعدّ أكبر مسند عرفه أهل العلم، لكنه مفقود أيضاً، وقد طبع منه المقدمة، وكتاب الحوض والكوثر. 

وقد بالغ ابن حزم في الثناء على كتابه في التفسير حتى فضّله على تفسير ابن جرير، ونقل منه السهيلي في الروض الأنف، وابن عبد البر في الاستذكار. 

- قال ابن عبد البر: (ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عز وجل فلما تجلى ربه للجبل فلينظر في تفسير بقي بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق) 

- وقال ابن حزم: (وفي تفسير القرآن كتاب أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد؛ فهو الكتاب الذي أقطع قطعاً لا أستثني فيه أنه لم يؤلف في الإسلام تفسيرٌ مثله، ولا تفسير محمد بن جرير الطبري ولا غيره). 

35: يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي (ت: 277 هـ)، الإمام الحافظ، صاحب كتاب المعرفة والتاريخ، له كتاب في التفسير مفقود.  

36: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت: 279 هـ)، الإمام الحافظ صاحب الجامع والعلل وغيرهما، له أبواب التفسير في جامعه، وقد ذُكر له كتاب مفرد في التفسير مفقود.  

- قال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان: (محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك الترمذي الحافظ أبو عيسى الضرير، صاحب الجامع والتفسير، أحد الأئمة الأعلام). 

37: أبو يحيى جعفر بن محمد بن الحسن الزعفراني (ت:279 هـ) ، المعروف بالتفسيري، له نسخ في التفسير كان يحفظها.  

- قال ابن أبي حاتم: (سألت أبا زرعة فقلت له: الفضل الصائغ أحفظ أو أبو يحيى الزعفراني؟ فقال: (الفضل أحفظ للمسند، وأبو يحيى أحفظ للتفسير). 

38: أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي (ت:282 هـ)، له كتاب "أحكام القرآن"، وهو مطبوع، وله كتاب في القراءات، وكتاب في معاني القرآن مفقودان، وكان المبرّد وأبو بكر ابن مجاهد يُثنيان على هذين الكتابين. 

39: الحسين بن الفضل بن عمير البجلي (ت:282 هـ)، الإمام الحافظ، له كتاب في التفسير مفقود، وكان من مصادر الثعلبي في تفسيره، وما نقله عنه الثعلبي يدلّ على أنّه لم يكن يقتصر على الرواية، بل كان مجتهداً في تحرير المعاني. 

- قال عنه أبو عبد الله الذهبي: (المفسر الأديب إمام عصره في معاني القرآن). 

40: سهل بن عبد الله التستري (ت: 283 هـ)، شيخ الصوفية في زمانه، كان على طريقة الصوفية الأوائل كالحارث المحاسبي، وذي النون المصري، وأضرابهما، على أغلاط ومخالفات للسنة لم يعرَ منها كثير من المتصوفة، وكان أكثر ما تُكتبت عنه أقواله، وقد عني بكتابتها وجمعها جماعة، وجمع أبو بكر محمد بن أحمد البلدي (ت:505 هـ) أقواله في التفسير، ورتّبها على السور والآيات، وزاد عليها ما رواه عن غيره من الأخبار وهو قليل، والله أعلم بصحة نسبة تلك الأقوال إلى سهل؛ فإنه كثيراً ما ينقلها عنه مرسلة من غير إسناد. 

وقد طبع هذا الكتاب الذي جمعه أبو بكر البلدي لسهل التستري في التفسير باسم "تفسير القرآن العظيم"، وهو تفسير على طريقة الصوفية. 

41: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي المروزي(ت:285 هـ)، له كتاب في التفسير مفقود، وقد قال أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب: سُئل إبراهيم الحربي عن مقاتل بن سليمان؛ فذكر كلامه فيه إلى أن قال إبراهيم: (وإنما جمع مقاتل بن سليمان تفسير الناس وفسر عليه من غير سماع، ولو أن رجلاً جمع تفسير معمر عن قتادة، وشيبان عن قتادة كان يحسن أن يفسر عليه). 

قال إبراهيم: (لم أدخل في تفسيري منه شيئاً). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد. 
وهذا يدل على أنّ له تفسيراً، وكان كثير الكتب، روي أنه مكث عشرين سنة كالمنقطع للكتابة. 

42: أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي (ت:285 هـ)، الإمام اللغوي، له كتاب "معاني القرآن"، وكتاب "إعراب القرآن"، وكتاب "احتجاج القراء"، وكلها مفقودة، وقد طبع له كتاب "ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد". 

43: أبو يحيى زكريا بن داود بن بكر الخفاف النيسابوري (ت:286 هـ)، له كتاب كبير في التفسير مفقود، قال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري: (هو أبو يحيى الخفاف، المقدم في عصره، صاحب التفسير الكبير). ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام. 

44: أبو يزيد يوسف بن يزيد بن كامل القراطيسي (ت:287 هـ)، له نسخة كبيرة مشهورة في التفسير يرويها عن أصبغ بن الفرج، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، أخرج منها ابن أبي حاتم في تفسيره روايات كثيرة جداً. 

45: هود بن محكم الهواري (ت: 290 هـ تقريباً)، وهو خارجي إباضي، عاش في القرن الثالث الهجري، له تفسيره مطبوع، اختصره من تفسير يحيى بن سلام البصري. 

46: عبد الرحمن بن محمد بن سلم الرازي (ت:291 هـ)، له كتاب في التفسير مفقود، قال أبو عبد الله الذهبي: (كان من أوعية العلم، صنف "المسند"، و"التفسير"، وغير ذلك). 

47: أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني (ت:291 هـ) المعروف بثعلب، له كتاب في "معاني القرآن" مفقود، وقد ذُكر من كتبه: كتاب في القراءات، وكتاب الوقف والابتداء، وغيرهما، وفي مجالسه المطبوعة كلام في مسائل تتعلق بمعاني القرآن، وقد جُمعت أقواله في التفسير وطبعت في كتاب. 

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

29 Sep 2024

 

تدوين التفسير في القرن الرابع الهجري 

في القرن الرابع وقبله في أواخر القرن الثالث كثر تدوين التفسير جداً، وازدادت كثير من التفاسير طولاً، سواء في ذلك تفاسير أهل الحديث الذين عنوا بالأحاديث والآثار، وتفاسير أهل اللغة الذين عنوا ببيان الغريب والإعراب، وظهر في هذا القرن التأليف في توجيه القراءات، وهو علم وثيق الصلة بالتفسير، بل فرع من فروعه. 

وكان من أسباب زيادة طول التفاسير في هذا القرن وقوف المفسرين على تفاسير كثيرة لمن سبقهم؛ فبنوا عليها تفاسيرهم، فكان منهم من يجمع وينتخب، ويصنف ويرتب، ومنهم يجمع إلى ذلك دراسة الأقوال والأدلة، والنقد والتحرير، ومنهم من يعنى بالاختصار والتلخيص، ومنهم من يُعنى بتوضيح المشكل، وتفسير الغريب، على تفاضل كبير بينهم في ذلك، وتنوّع في المناهج، وتعدّدٍ لأوجه العناية العلمية. 

وكثرت في هذا القرن تفاسير أهل الأهواء من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية والصوفية والشيعة وغيرهم، وقد أعرضت عن كثير منها، ولم أذكر إلا ما له شهرة عند أهل السنة، أو كثر النقل عنه، أو كان لذكره فائدة عارضة. 

ومن أشهر من ذكرت لهم تفاسير ممن توفوا في القرن الرابع الهجري، وإن كان تأليفهم لها قبل ذلك:  

1: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت: 303 هـ) الإمام الحافظ صاحب السنن، له كتاب في التفسير، في  كتابه "السنن الكبرى"، وقد طبع مفرداً، وألحقت به ملحقات مما رواه في التفسير في غيره، وقد ذكر شمس الدين أبو عبد الله الذهبي له كتاباً في التفسير، ولعله ما في ضمن سننه الكبرى. 

2: أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الأنماطي النيسابوري (ت:303 هـ)، له كتاب في التفسير. 

3: أبو جعفر أحمد بن فرح بن جبريل الضرير العسكري (ت:303 هـ)، له كتاب في التفسير.  

4: القاضي أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البُسْتيّ (ت:307 هـ) من شيوخ ابن حبّان، له كتاب في التفسير، حُقّق في رسائل علمية في الجامعة الإسلامية، وطبع حديثاً. 

5: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310 هـ)، الإمام الجليل، شيخ المفسرين، ولد سنة 224 هـ، ببلدة آمل من إقليم طبرستان، ونشأ نشأة صالحة، وطوّف البلدان في طلب العلم، وتحصيل النُّسَخ، وتدوين العلم، ولقي جماعة من الشيوخ المسندين، الذين جمعوا فأكثروا من الكتب والنسخ وحفظوا كثيراً من الأحاديث والآثار، كأبي زرعة الرازي، وأبي كريب محمد بن العلاء الكوفي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأبي سعيد الأشج، وأبي حفص الفلاس، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن حميد الرازي، وهنّاد بن السري، وأحمد بن عبدة الضبي، وأحمد بن منيع، ونصر بن عليّ الجهضمي، ويونس بن عبد الأعلى، والوليد بن شجاع، وغيرهم كثير. 

وقرأ القرآن على سليمان بن عبد الرحمن الطلحي صاحب خلاد، وعباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، ويونس بن عبد الأعلى، وغيرهم، وتبحّر في الحروف واختلافها، وقراءات قراء الأمصار، حتى صنّف فيها كتاباً، وكان قارئاً حسن القراءة. 

وقد جمع في تفسيره روايات كثيرة جداً انتخبها من كتب ونسخ تفسيرية كثيرة حصّلها، وصنَّف ما انتخبه على الآيات، ثم على الأقوال، وحرَّر ونقد، واحتجّ ورجّح، وأجاد وأفاد. 

- وقد روى الخطيب البغدادي وابن عساكر في تاريخيهما عن القاضي أبي عمرو السمسار وأبي القاسم الوراق أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ 

قالوا: كم يكون قدره؟ 

فقال: ثلاثون ألف ورقة. 

فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه 

فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة. 

وقد أملى تفسيره في سبع سنين من سنة 283 هـ إلى سنة 290 هـ. 

- وقال محمد بن عبد الله النيسابوري الحافظ: سمعت أبا بكر بن بالويه يقول: قال لي أبو بكر محمد بن إسحاق -يعني ابن خزيمة- بلغني أنك كتبت التفسير عن محمد بن جرير. 

قلت: بلى، كتبت التفسير عنه إملاء. 

قال: كله؟ 

قلت: نعم. 

قال: في أي سنة؟ 

قلت: من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين. 

قال: فاستعاره مني أبو بكر فرده بعد سنين، ثم قال: (قد نظرت فيه من أوله إلى آخره، وما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة). رواه الخطيب البغدادي. 

ومن نظر إلى الأصول التي جمع منها ابن جرير الطبري تفسيره وصنّفه وهذّبه علِم أنه كان محقّاً حين قدّره بثلاثين ألف ورقة لأنه قدّر النسخ التفسيرية التي يريد جمعها في كتابه لو طاوعوه لذلك، فاضطر إلى اختصاره في مقدار العشر، ولذلك لم يخرج من بعض النسخ التفسيرية المشتهرة في زمانه عن بعض الأئمة إلا قليلاً. 

6: محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري (ت:311 هـ) إمام الأئمة، صاحب الصحيح، وهو حافظ محدث فقيه، بارع في الاستنباط، ومعرفة العلل، وكان كثير الكتب، ذكر أبو عبد الله الحاكم أن مصنفاته تزيد على مائة وأربعين مصنفاً سوى المسائل، وله كتاب في التفسير مفقود ذكره في مواضع من صحيحه. 

7: أبو إسحاق إبراهيم بن السريّ الزجاج (ت:311 هـ)، له كتاب "معاني القرآن وإعرابه"، وهو أكبر كتب المتقدمين من أهل عصره في التفسير اللغوي وأجمعها، وفيه تحرير حسن. 

وقد طبع كتابه هذا، وتضمن تفسير سور القرآن من الفاتحة إلى سورة الفلق، وأتمّ المحقق تفسير سورة الناس على ما توخّى من منهجه، فلذلك لا يصحّ أن يُعزى تفسير المحقق لسورة الناس إلى أبي إسحاق الزجاج. 

8: أبو حفص عمر بن محمد بن بجير البُجيري الهمْداني السمرقندي (ت:311 هـ)، حافظ محدّث رحّال كثير الشيوخ، من تلاميذ عبد بن حميد، له كتاب في التفسير مفقود.  

9: أبو بكر عبد الله بن أبي داوود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت:316 هـ)، له كتاب في التفسير مفقود، وقد طبع له كتاب المصاحف وهو مشهور، وكان كثير الكتب، ذكر الخطيب البغدادي طائفة من كتبه المصنّفة، ومنها كتاب في التفسير.  

- وقال أبو عبد الله الذهبي في ميزان الاعتدال: (قال أبو بكر النقاش - والعهدة عليه -: سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول: إن تفسيره فيه مئة ألف وعشرون ألف حديث). 

قلت: لعله - إن صحّ- في أصله الذي جعله لنفسه في التفسير أو النسخ التفسيرية التي حصّلها، وكتبها؛ فإنّ أصول المحدثين فيها مرويات كثيرة جداً لكنّهم إذا أرادوا التأليف انتقوا منها. 

10: أبو حفص قتيبة بن أحمد بن سريج البخاري (ت:316 هـ)، له كتاب في التفسير  مفقود.  

11: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (ت: 318 هـ)، الإمام الجليل، صاحب المصنفات النافعة السائرة، طبع منها الإجماع، والإشراف على مذاهب العلماء، والأوسط، والإقناع، وله كتاب في التفسير طبعت منه قطعة يسيرة. 

- قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي: (اعتماد علماء الطوائف كلها في نقل المذاهب ومعرفتها على كتبه، وله من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه أحد، وهو في نهاية من التمكّن في معرفة صحيح الحديث وضعيفه). 

12: أبو الحسن محمد بن أحمد ابن كيسان البغدادي النحوي (ت:320 هـ)، وهو من علماء اللغة الكبار، له كتاب "معاني القرآن". 

- قال الخطيب البغدادي: (كان يحفظ مذهب البصريين والكوفيين معا في النحو، لأنه أخذ عن المبرد وثعلب، وكان أبو بكر بن مجاهد المقرئ يقول: أبو الحسن بن كيسان أنحى من الشيخين، يعني: ثعلبا والمبرد). 

13: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي (ت: 321 هـ)، الإمام المعروف، له كتاب أحكام القرآن، مطبوع.  

14: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت:321 هـ) صاحب جمهرة اللغة، له كتاب "غريب القرآن"، لم يتم، وله كلام في معاني القرآن في معجمه.  

15: إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي(ت: 323 هـ) المعروف بنفطويه، شيخ أبي منصور الأزهري، برع في علوم اللغة، وصنّف كتباً كثيرة طبع من ها: المقصور والممدود، ومسألة "سبحان"، له كتاب في "معاني القرآن" مفقود، وقد جُمعت أقواله في التفسير وطُبعت في كتاب. 

16: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي (ت: 327 هـ)، له كتب كثيرة مباركة طبع منها: الجرح والتعديل، والمراسيل، وعلل الحديث، وآداب الشافعي ومناقبه، وبيان خطأ البخاري في تاريخه، والزهد. 

وله كتاب "تفسير القرآن العظيم"، وهو تفسير مشهور جليل القدر، طبع بعضه، وقد أخرجه من نسخ تفسيرية كثيرة جداً، انتخب منها وصنّف. 

17: أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري (ت:328 هـ)، وهو من علماء اللغة الكبار، له كتاب " إيضاح الوقف والابتداء" مطبوع، وله كتب كثيرة كان يمليها من حفظه، وله كتاب كبير في بيان المشكل من معاني القرآن أملاه سنين كثيرة ووصل فيه إلى سورة طه، وهو مفقود.  

18: أبو بكر محمد بن عزير السجستاني (ت: 330 هـ تقريباً)، من تلاميذ أبي بكر ابن الأنباري، له كتاب "غريب القرآن"، اجتهد في تحريره اجتهاداً بالغاً حتى روي أنه مكث فيه نحواً من خمسة عشر عاماً، ورتبه على الحروف. 

19: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس (ت:338 هـ)، من كبار علماء اللغة بمصر، له كتاب "معاني القرآن" وصل فيه إلى سورة الفتح، وكتاب "إعراب القرآن"، و"القطع والائتناف"، وكلها مطبوعة.  

20: أبو الفضل بكر بن محمد بن العلاء القشيري (ت:344 هـ)، له كتاب " أحكام القرآن" اختصر فيه أحكام القرآن للقاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي (282 هـ). 

21: أبو عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد البغدادي (ت:345 هـ)، المعروف بغلام ثعلب، لطول صحبته إياه وكثرة ما أخذ عنه، وكان عالماً لغوياً صالحاً جليل القدر، له كتاب "ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن"، وهو مطبوع.  

22: أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي (ت:350 هـ) أحد تلاميذ ابن جرير الطبري، له كتب عدّة في علوم القرآن، كتاب في غريب القرآن، وكتاب القراءات، وموجز التأويل عن محكم التنزيل، وكتاب الوقوف، وغيرها، وأخذ عليه الاعتداد برأيه، والتساهل في رواية الحديث. 

- قال الدارقطني: (كان متساهلاً، ربما حدَّث من حفظه ما ليس عنده في كتابه،وأهلكهالعجب؛ فإنه كان يختار ولا يضع لأحدٍ من العلماء الأئمة أصلاً). 

23: أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد النقّاش (ت:351 هـ)، صاحب كتاب "شفاء الصدور" وهو كتاب كبير في التفسير طبع منه المقدمة، وتفسير سورة الفاتحة، وكان ضعيفاً في الحديث، بل اتّهم فيه، وكان واسع الرحلة كثير الشيوخ، جمع علماً كثيراً لكن لم يحسن ضبطه وأداءه، وهو في القراءات أقوى منه في الروايات.  

- قال أبو عبد الله الذهبي: (لو تثبت في النقل لصار شيخ الإسلام). 

24: أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت:360 هـ) الحافظ المحدث الكبير صاحب المعاجم، له تفسير مفقود.  

25: أبو أحمد محمد بن علي الكَرَجِي القصاب (ت: 360 هـ)، له كتاب "نكت القرآن الدالة على البيان"، وهو مطبوع.  

26: أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن أشته اللوذري الأصبهاني (ت:360 هـ)، وهو قارئ لغوي، أصله من أصبهان، وسكن مصر، له كتاب " رياضة الألسنة في إعراب القرآن ومعانيه". 

وله كتب نافعة منها: كتاب المصاحف، وهو من مصادر السيوطي في الدر المنثور وفي الإتقان، وكتاب "المفيد في الشاذ"، وكتاب "المحبّر في القراءات" قال عنه ابن الجزري: (وكتابه المحبر كتاب جليل يدل على عظم مقداره)،  

27: أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي القفال (ت:365 هـ) من علماء بلاد ما وراء النهر، روى عن ابن خزيمة، وابن جرير الطبري، وأبي القاسم البغوي، وغيرهم، وكان معتزلياً، ألّف في التفسير والفقه وأصول الفقه وغيرها كتباً كثيرة، وقد طبع كتابه "محاسن الشريعة"، وله تفسير مشهور مفقود، نقل منه أبو المظفر السمعاني، والرازي وغيرهما في مواضع، وقد جمعت أقواله في التفسير وطبعت في كتاب. 

28: أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني (ت: 369 هـ)، وهو من أعلام المحدثين، له مصنفات نافعة طبع بعضها، وكان كثير الصلاة والتعبد، وله تفسير مفقود، ذكره أبو القاسم ابن منده في المستخرج والمستطرف، وقد جُمعت أقواله في التفسير في رسائل علمية. 

29: أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص (ت: 370 هـ)، وكان شيخ الحنفية ببغداد،  له كتاب "أحكام القرآن"، مطبوع.  

30: أبو عبد الله الحسينُ بنُ أحمدَ ابنُ خالويه الهمَذاني (ت:370 هـ) له كتب عدّة في علوم القرآن، وقد طُبع منها: إعراب القراءات السبع وعللها، والبديع في القراءات الثمان، وإعراب ثلاثين سورة. 

ومما لم يُطبع: الإيضاح في القرآن، وما ينوّن وما لا ينوّن في القرآن، وتقفية ما اتفق لفظه واختلف معناه لليزيدي. 

31: أبو منصورٍ محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهَرِي (ت: 370 هـ)، القارئ الفقيه اللغوي، صاحب تهذيب اللغة، وهو أجلّ المعاجم اللغوية وأحسنها تحريراً، وفيه مباحث في تفسير بعض الآيات لا يكاد يوجد نظيرها في كثير من كتب التفسير، وله كتاب "معاني القراءات وعللها" عُني فيه بتوجيه القراءات، وكتاب "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي". 

وذُكر من كتبه المفقودة: تفسير الأسماء الحسنى، والتقريب في التفسير، وتفسير السبع الطوال، وغيرها. 

32: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي (ت: 375 هـ)، وهو فقيه حنفي، من أهل سمرقند، له كتاب " بحر العلوم" في التفسير، وهو من أهم مصادر القرطبي، وله كتاب مفرد في تفسير جزء عم يتساءلون لم يُطبع.  

33: أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377 هـ)، وكان من كبار علماء اللغة في زمانه، له كتاب "الحجة للقراء السبعة"، وهو في التوجيه اللغوي للقراءات، وهو علم متّصل بالتفسير وعلوم القرآن، وله كتاب "الإغفال" ذكر فيه ما أغفله أبو إسحاق الزجّاج في معاني القرآن، وردّ عليه ابن خالويه بكتاب "الهاذور"، وردّ هو على ابن خالويه بكتاب "نقض الهاذور"، وله كتاب التتبع لكلام أبي علي الجبائي في التفسير. 

34: أبو الحسن علي بن عيسى بن علي الرمَّاني (ت: 384 هـ)، وهو لغوي نحوي معتزلي شيعي، كثير التصنيف. 

طبع من كتبه: قطعة من تفسيره المسمى "الجامع لعلم القرآن"، والنكت في إعجاز القرآن، ومنازل الحروف، والحدود في النحو، والألفاظ المترادفة. 

35: أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان ابن شاهين البغدادي (ت: 385 هـ)، وهو محدّث واعظ مشهور من أهل بغداد، من أقران الدارقطني، كان كثير الكتب، صاحب تصانيف سائرة، لكنّه لم يكن يعارض كتبه بالأصول، فكثر فيها الخطأ والتصحيف، وله تفسير مفقود.  

36: أبو بكر محمد بن علي بن أحمد الأدفوي (ت: 388 هـ)، نسبة إلى "أدفو" مدينة جنوبي مصر قرب "أسوان"، ذكر ياقوت الحموي أنه صحب أبا جعفر النحاس المصري، وأخذ عنه وأكثر، وروى كلَّ تصانيفه، وأخذ عن غيره من أهل العلم والقرآن والحديث والعربية. 

وله تفسير كبير سمّاه "الاستغناء في علوم القرآن"، وهو تفسير كبير جداً ذكر تلميذه مكّي بن أبي طالب أنه في ثلاثمائة جزء، وقد حُقّق بعضه في رسائل جامعية. 

37: محمد بن علي بن إسحاق المالكي (ت:390 هـ) المعروف بابن خويز منداد، من فقهاء المالكية بالبصرة، له كتاب " أحكام القرآن" مفقود، وهو من مصادر القرطبي في تفسيره، وقد جُمعت أقواله في التفسير وطبعت. 

38: القاضي علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني (ت:392 هـ)، قاضي الريّ في أيام الصاحب بن عباد، له كتاب "تفسير القرآن المجيد" مفقود.  

39: أبو زكريا أحمد بن فارس بن زكريا الرازي (ت:395 هـ) صاحب معجم المقاييس، وهو مفسر محدّث فقيه لغوي مشهور، له حذق وإتقان، وجودة فهم، وحسن تأليف، وكان أكثر شهرته في علوم اللغة. 

له كتاب "جامع التأويل في تفسير القرآن" مفقود.  

وقد طبع من كتبه بضعة وعشرون كتاباً منها: أفراد كلمات القرآن العزيز، ومقالة "كلا" وما جاء منها في كتاب الله، وأسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعجم مقاييس اللغة، ومجمل اللغة، والصاحبي، والفرق، والمذكر والمؤنث، والإتباع والمزاوجة، وحلية الفقهاء، ومتخير الألفاظ، وغيرها. 

وقد جمعت أقواله في التفسير وطبعت في كتاب. 

40: أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس النيسابوري (ت:396 هـ) وهو مفسّر محدّث فقيه أديب من أهل نيسابور، له تفسير مبسوط لم يُكمله، وهو أحد مصادر الثعلبي في تفسيره. 

- قال أبو إسحاق الثعلبي: (أملاه علينا إلى رأس خمسين سورة البقرة في مئة وأربعين جزءاً، ثم اختُرم دونه، رحمه الله). 

41: محمد بن عبد الله بن عيسى ابن أبي زَمَنِين المرّي الأندلسي (ت: 399 هـ)، فقيه من فقهاء المالكية المعدودين، وإمام من أئمة أهل السنة في الأندلس، له كتاب "تفسير القرآن العزيز" مطبوع، وهو اختصار لتفسير يحيى بن سلام البصري. 

42: خلف بن أحمد بن محمد بن الليث السجستاني (ت:399 هـ)، أمير سجستان، كان محدثاً فاضلاً محباً للعلم، كثير الإنفاق على العلماء. 

- قال الذهبي: (جمع العلماء عَلَى تأليف تفسير كبير لم يغادر فِيهِ شيئًا من أقاويل القرّاء والمفسرين والنحاة، ووشّحه بما رواه عن الثقات). 

ونقل الذهبي عن أبي النصر العتبي صاحب كتاب "اليميني" أنه قال: (بلغني أَنَّهُ أنفق عليهم فِي جمعه عشرين ألف دينار، والنسخة منه بنيسابُور، وهي تستغرق عُمر الكاتب). 

 

خاتمة:  

وفي القرن الخامس وما بعده كثرت التفاسير جداً حتى تعذّر تقصّيها، وفي هذا القدر كفاية لمعرفة نشأة تدوين التفسير وأطوار كتابته وروايته، وما وراء ذلك يدرس في أسانيد التفسير وفي طبقات المفسرين.