الدروس
course cover
الدرس الرابع: تاريخ علم التفسير
18 Mar 2024
18 Mar 2024

229

3

1

course cover
معالم التفسير

القسم الأول

الدرس الرابع: تاريخ علم التفسير
18 Mar 2024
18 Mar 2024

18 Mar 2024

229

3

1


0

0

0

0

1

الدرس الرابع: تاريخ علم التفسير 

 

عناصر الدرس: 

- تمهيد 

- البيان الإلهي للقرآن 

- البيان النبوي للقرآن  

- التفسير في زمن الصحابة  

- التفسير في زمن التابعين   

- التفسير في زمن تابعي التابعين 

 

تمهيد 

معرفة تاريخ التفسير من المعارف المهمة لطالب علم التفسير، وهو علمٌ يُعنى فيه ببيان نشأة علم التفسير، وكيف كانت طريقة السلف الصالح في تعلّمه ورعايته وتعليمه، وكيف تداوله العلماء عبر القرون حتى وصل إلينا. 

ويشتمل علم تاريخ التفسير على فروع منها 

1:  نشأة علم التفسير 

2: نشأة تدوين التفسير. 

3: أسانيد التفسير. 

4: سير أعلام المفسرين. 

5: طبقات المفسرين. 

6: مناهج المفسرين بالمعنى العام، وهو ما يتناول وصف طرق المفسرين في دراسة مسائل التفسير، وأصول الاستدلال، وأساليب التفسير، وأوجه العناية العلمية 

فهذه الفروع المهمّة تكتمل بها المعرفة الحسنة بتاريخ علم التفسير. 

 

ولدراسة تاريخ التفسير فوائد جمة؛ فبه يدرك الدارس نشأة علم التفسير، وأطوار التأليف فيه، ويدرك أسباب شهرة التفاسير المشتهرة، ومصادر استمدادها، وأقوال النقاد فيها، وما امتازت به من جوانب الإجادة والإحسان، وما أخذ على بعضها من جوانب الضعف والتقصير. 

ويعرف المصادر الأصلية والبديلة لأقوال السلف في التفسير، وأقوال اللغويين، ومظانّ جمعها ونقدها وتحريرها. 

ويعرف بعض أسباب انتشار المرويات المعلولة والأقوال الضعيفة، وبدع التفاسير، وما بذله العلماء من أعمال جليلة في نقدها وردّها. 

وهذه المعارف الجليلة تفيد طالب علم التفسير فوائد كثيرة في إحسان تصوّره لمسائل أصول التفسير، وفي تنظيم طلبه لعلم التفسير، وتدرّج قراءاته فيه، وإحسان دراسة مسائله. 

عبد العزيز بن داخل المطيري

#2

29 Sep 2024

نشأة علم التفسير

البيان الإلهي للقرآن

أوّل بيان للقرآن هو بيان منزّله جلّ وعلا؛ كما قال الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه . ثم إن علينا بيانه}

- وقال تعالى: {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً} أي بياناً وتفصيلاً، ومن ذلك بيان الله لما أنزل في القرآن.

- وقال تعالى: {وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلًا} أي مبيناً.

ووصف الله كتابه بأنّه مبين، وأمر باتباع هداه، وبيّن أنّه يهدي للتي هي أقوم، وفي ذلك ما يدلّ دلالة بيّنة على أنّ فيه بياناً شافياً يدلّ على الحقّ ويُفهم به المراد، ويُمكن أن يُتّبع به الهدى.

 

والبيان الإلهي للقرآن على أنواع:

1. فمنه تفسير القرآن بالقرآن، فقد جعل الله كتابه الكريم يبيّن بعضه بعضاً، ويصدّق بعضه بعضاً؛ فلا تناقض فيه ولا اختلاف.

وما يذكره العلماء في تفسير القرآن بالقرآن على صنفين: نصّيٌّ واجتهاديّ:

أ: فالنصيّ هو ما دلّ صراحة على بيان مجمل كما قال تعالى: {والسماء والطارق . وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب}؛ فبيّن الله تعالى المراد بالطارق بياناً جليّاً.

ب: والاجتهادي هو ما يجتهد فيه المفسّر بذكر آيات تبيّن معاني آيات أخر، وهذا الاجتهاد قد يكون صواباً، وقد يدخله الخطأ لأسباب متعددة.

والذي يُعدّ من البيان الإلهي هو ما دلّ على المعنى صراحة من غير التباس، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِلَه من جهله.

2. ومنه تفسير القرآن بالحديث القدسي، وقد رويت أحاديث قدسية فيها بيان لبعض آيات القرآن الكريم.  

3. ومنه ما نزل من الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم لتفسير بعض ما في القرآن، ومن ذلك الإخبار ببعض المغيّبات التي تفسّر بعض ما في القرآن.

4. ومنه البيان القدري لبعض معاني القرآن، وهو أن يقع من قدر الله عزّ وجلّ ما يتبيّن به المراد، كما في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي الكبرى من حديث الحسن البصري عن الزبير بن العوام، قال: (لما نزلت هذه الآية {واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصةً} الآية، قال: ونحن يومئذٍ متوافرون، قال: فجعلت أتعجب من هذه الآية: أي فتنةٍ تصيبنا؟ ما هذه الفتنة؟ حتى رأيناها)

وقد وقع من ذلك شيء كثير ولا يزال يقع منه إلى يوم القيامة ما يدلّ على المعنى دلالة بيّنة. 

عبد العزيز بن داخل المطيري

#3

29 Sep 2024

البيان النبوي للقرآن 

النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الناس لساناً، وأطهرهم قلباً، وأزكاهم نفساً، وأحسنهم فهماً وبياناً، وأعظمهم نصحاً، وقد أنزل الله عليه القرآن وأمره أن يبلّغه البلاغ المبين، كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}، وقال تعالى: {وما على الرسول إلا البلاغ المبين}. 

والبلاغ المبين هو الذي يُفهم معناه، ويُعرف مراد صاحبه؛ فتقوم به الحجّة، ويهدي إلى الحقّ.  

ولا ريب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أدّى ما عليه من بيان القرآن. 

 

أنواع البيان النبوي للقرآن 

والبيان النبوي للقرآن على أنواع:  

1. فمنه تلاوة القرآن تلاوة بيّنة باللسان العربي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام، ويتلو عليهم القرآن؛ فيُعرف أثره فيمن تُلي عليهم؛ فمنهم من يُسلم لما ظهر له من الحقّ، ومنهم من يُعرض مكابرة واتّباعاً للهوى مع اعترافه بحسن بيانه. 

2. ومنه ما يكون بيانه بمعرفة دعوته صلى الله عليه وسلم، وهديه في جميع أمور الدين، وحكمه بما أنزل الله في كتابه الكريم؛ فالبيان العملي من أظهر صور البيان؛ كما فسّر النبي صلى الله عليه وسلم معنى إقامة الصلاة المأمور بها في القرآن بما أدّى من الصلوات، وقال لأصحابه: « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » وقال في الحجّ: « خذوا عنّي مناسككم »، وقال في قراءة القرآن: « اقرؤوا كما عُلّمتم ». 

3. ومنه ما يكون من ابتداء النبي صلى الله عليه وسلم بتفسير بعض الآيات، ولذلك أمثلة 

4. ومنه ما يكون في معرض تعليم أصحابه رضي الله عنهم لمعاني القرآن، وتنبيههم على ما أخطأوا في تأوّله، وتبيين ما أشكل عليهم 

5. ومنه ما يكون في جواب أسئلة من يسأله عن بعض معاني القرآن، وقد سأله بعض أصحابه رضي الله عنهم فأجابهم، وسأله بعض المشركين فأجابهم، وسأله بعض أهل الكتاب فأجابهم، ولكلّ هذه الأنواع من الأسئلة أمثلة مبثوثة في كتب الحديث.   

6. ومنه ما يكون في معرض الردّ على شبهات الكفّار والمنافقين، وما يوردونه من شبهات واعتراضات. 

 

وهذه الأنواع قد اكتمل بها البيان النبوي للقرآن، فلم تبق آية من القرآن يخفى ما يجب من بيانها على جميع الأمة، بل لا بد أن يوجد فيهم من يعلم ذلك.  

والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يتكلّم في القرآن بغير حقّ؛ فما صحّ عنه في تفسير القرآن وبيان معانيه فهو حقّ لا مرية فيه.  

 

تعليم القرآن في العهد النبوي 

وكان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم القرآنَ لأصحابه أحسنَ التعليم وأبينه، وأعظمه بركة، وأقومَه طريقةً، وأحسنَه أثراً في قلوبهم ونفوسهم؛ فكان يعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، كما قال الله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}. 

وكان تعليمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم القرآنَ لأصحابه شامل لتعليم حروفه ومعانيه وهداياته. 

- قال الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، قال: « كان الرجل منا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهنَّ حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن جرير الطبري في تفسيره. 

- وقال حماد بن نجيح، عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله البجلي قال: « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلَّمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً » رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن ماجه في سننه. 

- وقال زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، قال: سمعت ابن عمر، يقول: « لقد عشنا برهة من دهرنا وإنَّ أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلَّم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلَّمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالاً يُؤتَى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل». رواه الطحاوي والحاكم والبيهقي. 

- وقال عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: « حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات؛ فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل ». رواه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وابن سعد في الطبقات. 

وفي لفظ ابن جرير: « فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلّفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا». 

وزاد ابن سعد: « وإنه سيرث القرآن بعدنا قوم ليشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم، بل لا يجاوز هاهنا ووضع يده على الحلق». 

والذين أخذ عنهم أبو عبد الرحمن السلمي القراءة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت. 

 

بعوث النبي صلى الله عليه وسلم لتعليم القرآن 

كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث لتعليم القرآن، والتفقيه في الدين: 

- فبعث مصعب بن عمير العبدري القرشي إلى أهل المدينة بعد بيعة العقبة الأولى، يقرئهم القرآن ويعلّمهم شرائع الإسلام. 

وذكر ابن إسحاق أن مصعباً عاد إلى مكة في موسم الحج ومعه سبعون من الأنصار فبايعوا بيعة العقبة الثانية. 

- ثم بعث مصعب بن عمير وابن أمّ مكتوم بعد بيعة العقبة الثانية. 

- وبعث سبعين من قراء أصحابه إلى رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، وهم قبائل من العرب، بعثهم يُمِدّونهم على بعض المشركين ويقرئونهم القرآن ويعلّمونهم الدين لما ذكروا أن فيهم إسلاماً؛ فغدروا بهم وقتلوا أكثرهم يوم بئر معونة. 

وقد ذكر البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير أنَّ حادثتهم كانت بعد أحد. 

- وخلَّف النبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذَ بنَ جبل على أهل مكة بعد غزوة الفتح ليعلّمهم القرآن ويفقههم في الدين. 

- وبعث عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان النجاري الخزرجي الأنصاري إلى أهل نجران وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين ويعلمهم القرآن. 

- وبعث أبا موسى الأشعري إلى اليمن ثم أتبعه بمعاذ بن جبل يعلّمان الناس القرآن، ويفقهانهم في الدين، ويقضيان بينهم، وكان مبعثه بعد غزوة تبوك. 

- وبعث عثمان بن أبي العاص الثقفي إلى قومه بالطائف وأمّره عليهم وكان أكثرهم قرآناً. 

- وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين أميراً ومعلّماً، وبعث معه أبا هريرة.  

- وذكر ابن سعد في الطبقات أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عباد بن بشر الأشهلي إلى بني المصطلق يأخذ صدقات أموالهم ويعلمهم شرائع الإسلام ويقرئهم القرآن؛ فأقام عندهم عشراً ثم انصرف راضياً. 

وبعوث النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبائل والقرى والأمصار لتعليم القرآن أكثر من ذلك. 

 

أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه بتعلّم القرآن وتعليمه وبالتفقه في الدين 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بتعلّم القرآن، ويحثُّهم على تعاهده وتدبّره، والقيام به في الليل، وينهاهم عن كتابة شيء من العلم غير القرآن ليتفرّغوا له، فيأخذوه بقوّة وإقبال نفس وعناية حسنة. 

وكان يحذّرهم هجرَه والإعراض عن تلاوته وتعلّمه والعمل به، وكان يثني على المحسنين من أصحابه في أخذهم القرآن وقيامهم به ثناءً يحمل على تفضيلهم والاتّساء بهم ومنافستهم. 

وكان يَظهر منه صلى الله عليه وسلم من العناية بالقرآن وتعلّمه وتعليمه ما يحمل أصحابه على العناية بما اعتنى به صلى الله عليه وسلم، وكان يقدّم من أصحابه أقرأهم وأحسنهم أخذاً للقرآن، بل ربما أمّر بعضهم على بعض السرايا لما معه من القرآن، وكان إذا قُبر رجلان في قبر واحد قدّم أكثرهما قرآناً، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي يبيّن بها النبي صلى الله عليه وسلم فضل أهل القرآن؛ حتى كثر تدارس القرآن، وأصبح الصحابة يتنافسون في تعلّم القرآن والعمل به والقيام بآياته. 

- قال سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري، وأحمد، وأبو داوود، والترمذي. 

- وقال موسى بن علي بن رباح اللخمي: سمعت أبي يحدّث عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصُّفَّة، فقال: « أيّكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟! » 

فقلنا: يا رسول الله نحبّ ذلك. 

قال: « أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيَعْلَمُ أو يقرأُ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل ». رواه مسلم في صحيحه، وأحمد وأبو داوود، وفي روايتهما: «  فيتعلم آيتين من كتاب الله .. ». 

- وقال بكير بن معروف الدامغاني قاضي نيسابور، عن مقاتل بن حيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه خطب الناس قائماً؛ فحمد الله وأثنى عليه، وذكر طوائف من المسلمين فأثنى عليهم ثم قال: «ما بال أقوام لا يعلّمون جيرانهم، ولا يفقهونهم، ولا يفطّنونهم، ولا يأمرونهم، ولا ينهونهم، وما لأقوام لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يتفقهون، ولا يتفطنون، والذي نفسي بيده ليعلمن جيرانهم وليفقهنهم وليفطننهم وليأمرنهم ولينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم وليتفقهن وليتفطنن أو لأعاجلنهم بالعقوبة في دار الدنيا » 

ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيته...). الحديث رواه البخاري في الوحدان كما في جامع المسانيد والسنن لابن كثير، وإسحاق بن راهويه في مسنده، وابن منده. 

 

ولم يُقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جمع القرآنَ طائفةٌ من أصحابه، وحتى اكتملت كتابة آياته في صحف مكرّمة لدى أصحابه؛ فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات وقد حُفظ القرآن في الصدور وفي السطور، وعقل أصحابه معانيه، ودرسوا ما فيه. 

وكان للتعليم النبوي للقرآن أثر عظيم في نفوس الصحابة رضي الله عنهم وقلوبهم، فتعلّموا العلم والإيمان جميعاً، وحملوا القرآن أحسن الحمل، وعملوا به أحسن العمل، وأدوه أحسن الأداء. 

وأخذ كلّ واحد منهم بحظّه من هذا الإرث النبوي العظيم، وتفاضلوا فيه، وتنوّعت أوجه عناياتهم بما جعل الله بينهم من التفاضل في القُدُرات والمَلَكَات، وما فتح لهم من أبواب فضله ورحمته، وقد ظهر أثر هذا الإرث والتفاضل على من بعدهم. 

وحصل بمجموع ما تحصّل لهم من العلم وما بلّغوه منه ما تقوم به الحجة، وتحصل به الكفاية في تبليغ الدين، واتّصال كماله. 

عبد العزيز بن داخل المطيري

#4

29 Sep 2024

التفسير في زمن الصحابة رضي الله عنهم  

أوجه تقدّم الصحابة في علم التفسير  

الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمّة بالقرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهُمْ تلاميذه النجباء، وأصحابه الأوفياء، أدّبّهم النبي صلى الله عليه وسلم فأحسن تأديبهم، وعلّمهم فأحسن تعليمهم، وزكّاهم فأحسن تزكيتهم، وقد رضي الله عنهم وأرضاهم، ولذلك فإنّ للصحابة رضي الله عنهم خصيصة ليست لغيرهم، وهي أنّهم عدولٌ مقبولون، بل هم في أعلى درجات العدالة.  

وقد شهدوا وقائع التنزيل، وعلموا من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وجهاده وهديه في شؤون الدين كلها ما جعلهم أعلم الأمّة به صلى الله عليه وسلم وأقربهم لفهم ما أنزل الله عليه من الكتاب والحكمة.  

وقد سبقوا مَن بعدهم بعلوم لا يدركونهم فيها، منها: 

- معرفتهم بكثير مما نسخت تلاوته من القرآن، وفيه علم كثير مبارك. 

- ومعرفتهم بالأحرف التي تركت القراءة بها فيما بعد. 

- ومعرفتهم بكثير من وقائع التنزيل، بل كان من الصحابة من يعرف في كلّ آية من القرآن متى نزلت، وأين نزلت، وفيم نزلت، كما أُثر ذلك عن عليّ بن أبي طالب وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم.  

- ومن أوجه تقديمهم في علم التفسير نزول القرآن على لسانهم، وما يعهدون من فنون الخطاب، وسلامتهم من اللحن والعجمة والضعف الذي حدث بعدهم.  

- ومن أوجه تقديمهم أيضاً سلامتهم من الأهواء والفتن التي حدثت بعد زمانهم؛ فكان مشربهم صافياً، ومشرب من بعدهم فيه كدر.  

وهذه المعارف الجليلة والمنن الربانية عليهم مع حرصهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليهم، وشدة عنايتهم بتدارس القرآن، وتعاهده، والتفقه فيه، ومعرفة ما فيه من العلم والعمل تثمر لهم من العلم بالتفسير ما لا يلحقهم فيه لاحق.  

 

تدارس الصحابة للقرآن 

وقد كان تدارس التفسير في زمن الصحابة رضي الله عنهم على أوجه منها: 

1: أن يقرأ لهم أحدهم ثمّ يتدارسون معاني الآيات. 

2: أن يبتدئ به المفسّر في المجلس فيفسّر ما يتيسّر له فيحفظه من يحفظه وينساه من ينساه، كما ذكر عن ابن عباس أنّه فسّر سورة النور في خطبة الحج، وسورة البقرة لما عرّف بأهل البصر، وكما روي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ويفسّر. 

3: أن يُسأل المفسّر عن معنى آية وفيم نزلت وعن إشكال يعرض للسائل في معناها فيجيبه؛ فيحفظ الجواب من يحفظه؛ ولذلك أمثلة كثيرة حفظت في كتب السنة والكتب المصنفة في التفسير بالمأثور. 

4: أن يَسأل العالم أصحابه عن معنى آية ثمّ ينظر جوابهم فيصوّب المصيب ويبيّن للمخطئ خطأه، وقد رويت آثار في هذا النوع عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم. 

5: أن يقصد طالب علم التفسير أحد المفسّرين فيقرأ عليه القرآن ويسأله عن التفسير كما صحّ عن مجاهد بن جبر أنه قال: « قرأت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت ». 

 

أعلام المفسرين من الصحابة رضي الله عنهم 

الذين رويت عنهم روايات مسندة في التفسير من الصحابة رضي الله عنهم نحو مائة، وأشهرهم ذكراً في كتب التفسير اثنان وعشرون، وهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وزيد بن ثابت، وعائشة، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأبو أمامة الباهلي. 

وأكثر الذين رُوي عنهم التفسير من الصحابة ثلاثة: ابن عباس ثم ابن مسعود ثمّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.  

 

تعليم القرآن في عهد الخلفاء الراشدين 

الخلفاء الراشدون أفضل الصحابة رضي الله عنهم، وأعلمهم بالقرآن ومعانيه، وأعرفهم بهدي النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد اتبعوا هَدْيَه في بعث القراء إلى الأمصار لتعليمهم القرآن، وتأديبهم بآدابه، وتفقيههم في الدين، فما إن فرغوا من حروب الردّة واستوسق الأمر في جزيرة العرب كافة حتى بادروا إلى فتح بلاد فارس والروم ومصر؛ فكانوا كلما فتحوا بلادا جعلوا في أكابر مدنها من يقرئ القرآن ويعلّم شرائع الدين، ويقضي بين الناس، وقد كان القرّاء والمفسرون في الصدر الأول من أهل العلم بالأحكام والقضاء، فمنهم من تولى الإمارة، ومنهم من تولى القضاء مع عنايتهم بالإقراء والتفسير. 

وكان منهم من يكتب المصاحف ومنهم من يمليها، فظهرت أنواع من علوم القرآن بسبب العناية بتلاوته وتدارسه وروايته مسموعاً ومكتوباً، وبسبب إقبال الجمع الغفير من أهل العلم وطلابه على القرآن الكريم تعلّماً وتعليماً، وتدبّراً وتفقّها، وإفتاء فيما يُسألون عنه من مسائله. 

- فكان ممن بُعث إلى العراق: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، وقرظة بن كعب الخزرجي، ومجمّع بن جارية الأوسي، وعمران بن حصين الخزاعي، وعبد الله بن مغفّل المزني، وعثمان بن أبي العاص الثقفي. 

- وممن بُعث إلى الشام: أبو عبيدة عامر بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وفضالة بن عبيد الأوسي، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وشداد بن أوس بن ثابت الخزرجي، والنعمان بن بشير، والنواس بن سمعان الكلابي، والعرباض بن سارية، وأبو أمامة الباهلي، وواثلة بن الأسقع.  

- وممن بُعث إلى مصر: عمرو بن العاص، وابنه عبد الله، وعقبة بن عامر الجهني، ودحية الكلبي، والمستورد بن شداد الفهري، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وقيس بن سعد بن عبادة، ومسلمة بن مخلد الخزرجي.  

- وممن بُعث إلى اليمن: المهاجر بن أبي أمية المخزومي، وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، ويعلى بن أمية الحنظلي، ووائل بن حُجْر الكندي، وعمرو بن حزم الخزرجي، وسعيد بن سعد بن عبادة الخزرجي، والسائب بن خلاد الخزرجي، وعبيد الله بن عباس بن عبد المطلب.  

- وممن بُعث إلى بلاد فارس وخراسان: خالد بن غلاب النصري، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي، وأبو برزة الأسلمي، وبريدة بن الحصيب، والحكم بن عمرو الغفاري، ومعاوية بن حيدة القشيري، والسائب بن الأقرع الثقفي، وأبو رفاعة العدوي، وغيرهم كثير؛ فقد ذكر الحسن البصري أنه غزا غزوة في خراسان وفيها ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

 

وبَعث عمرُ عبدَ الله بن السائب المخزومي إلى مكة يقرئ الناس القرآن، ويفقّههم في الدين، ويصلّي بهم قيام رمضان في المسجد الحرام؛ فمكث فيهم إماماً ومعلّماً إلى أن توفي سنة 65هـ.  

وبقي في المدينة جماعة من علماء الصحابة يقرئون الناس القرآن ويفقههونهم في الدين ويفتون المستفتين، ومنهم: الخلفاء الأربعة، وأمّهات المؤمنين، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وسهل بن سعد، وأبو حليمة القارئ، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وسليمان بن أبي حثمة العدوي، وغيرهم كثير.   

وقد بعث الخلفاءُ الراشدون جماعةً من التابعين معلّمين وقضاة منهم: سلمان بن ربيعة الباهلي، وشريح بن الحارث القاضي، وأبو مريم الحنفي، وكعب بن سُور الأزدي، وأبو الأسود الدؤلي. 

وقد كثر المقبلون على تعلم القرآن والتفقّه في الدين حتى روي أنّ أبا موسى الأشعري بعث إلى قراء أهل البصرة مرّةً؛ فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن أي حفظوه عن ظهر قلب.  

وأحصى أبو الدرداء مرة عدد الذين في حلقاته فبلغوا أكثر من ألف وستمائة.  

وكان لدى ابن مسعود حلق كثيرة، ولما حدثت فتنة الخوارج في زمن عليّ رضي الله عنه أمر أن يؤذّن مؤذنٌ له ألا يدخلنَّ على أمير المؤمنين إلا رجلٌ قد حَمَلَ القرآن، فامتلأت الدار من قراء الناس. 

 

- قال الليث بن سعد في رسالته المشهورة إلى الإمام مالك: (وأما ما ذكرت من قول الله عز وجل: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} فإنَّ كثيرا من أولئك السابقين الأولين خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله؛ فجنَّدوا الأجنادَ، واجتمع إليهم الناس؛ فأظهروا بين ظهرانيهم كتابَ الله وسنة نبيهم، ولم يكتموهم شيئاً علموه، وكان في كلّ جند منهم طائفة يعلّمون لله كتابَ الله وسنة نبيه، ويجتهدون برأيهم فيما لم يفسره لهم القرآن والسنة، ويقوّمهم عليه أبو بكر وعمر وعثمان الذين اختارهم المسلمون لأنفسهم، ولم يكن أولئك الثلاثة مضيّعين لأجناد المسلمين ولا غافلين عنهم، بل كانوا يكتبون في الأمر اليسير لإقامة الدين والحذر من الاختلاف بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلم يتركوا أمرا فسَّره القرآن أو عمل به النبيّ صلى الله عليه وسلم أو ائتمروا فيه بعده إلا أعلموهموه). رواه يعقوب بن سفيان.  


عبد العزيز بن داخل المطيري

#5

29 Sep 2024

التفسير في زمن التابعين

تقدّم أنّ الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا في الأمصار فكان في كلّ مصرٍ منهم علماء يفقّهون الناس في الدين ويعلّمونهم القرآن والسنن، وبقي في المدينة منهم ثلّة مباركة أهل علم وفقه.

فكان لبعض أولئك الأئمة أصحاب من التابعين عنوا بالتفسير؛ فتعلموه وتفقهوا فيه

وكانوا على أصناف ثلاثة:

- فصنف أهل حفظ وفقه؛ تعلموا من التفسير ما تأهّلوا به للتعليم؛ فكانوا يعلّمون مما تعلّموا، ويروون مما حفظوا.

- وصنف غلب عليهم شأن الحفظ والرواية، فحفظوا عن الصحابة علماً كثيراً ورووه عنهم من حفظهم، ولا يكاد يروى عنهم أقوالٌ في التفسير من اجتهادهم.

- وصنف كانوا أصحاب كتب وصحف في التفسير.

 

تعلّم التفسير وتعليمه في زمن التابعين

وقد كان للتابعين طرق في تعلّم التفسير وتعليمه من أشهرها:

1: حضور مجالس التفسير وحلقه التي كان يقيمها بعض المفسرين من الصحابة رضي الله عنهم، كما روي عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما.

2: طريقة العرض والسؤال؛ فيقرأ التابعي القرآن على الصحابي ويسأله عن معاني الآيات التي يقرؤها.

3: طريقة الكتابة والتقييد؛ فكان من التابعين من يكتب ما يسمع من التفسير من بعض الصحابة رضي الله عنهم.

4: طريقة الملازمة؛ فكان منهم من يلزم أحد الصحابة مدّة حتى يأخذ عنه العلم والهدي والسمت، ثم ينتقل إلى غيره حتى يحصّل علماً كثيراً.

5: طريقة المراسلة والمكاتبة، بأن يكتب إلى الصحابي يسأله عن مسألة في التفسير أو علوم القرآن.

6: طريقة عرض التفسير، وهي أن يعرض التابعي ما يظهر له من التفسير على شيخه فإن كان صواباً أقرّه وإلا صوّبه.

7: التدارس والتذاكر؛ فكانوا يتدارسون التفسير فيما بينهم ويتذاكرونه، ويخبر بعضهم بعضاً بما عرف من التفسير، وما حفظ من الرواية فيه.

ولكلّ ما تقدّم أمثلة ذكرتها في كتاب تاريخ التفسير.

 

أعلام المفسرين من التابعين

أهل العلم بالتفسير من التابعين كثير:

ففي المدينة: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن كعب القرظي، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ونافع مولى ابن عمر، وزيد بن أسلم، وغيرهم.

وفي مكة: عبيد بن عمير الليثي، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وعبد الله ابن أبي مليكة التيمي، وغيرهم.

وفي الكوفة: الربيع بن خثيم الثوري، وعلقمة بن قيس النخعي، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وعبيدة بن عمرو السلماني، وأبو عبد الرحمن السلمي، والأسود بن يزيد النخعي، ومرة بن شراحيل الهمداني، وزرّ بن حبيش الأسدي، وأبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، وسعيد بن جبير الأسدي، وإبراهيم بن يزيد النخعي، وعامر بن شراحيل الشعبي، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة المعروف بالسدّي، وغيرهم كثير.

وفي البصرة: أبو رجاء العطاردي، وأبو الأسود الدؤلي، وأبو الجوزاء الربعي، ويحيى بن يعمر العدواني، ونصر بن عاصم الليثي، وأبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي، وأبو العالية الرياحي، ومسلم بن يسار البصري، وأبو قلابة الجرمي، وأبو مجلز لاحق بن حميد السدوسي، وبكر بن عبد الله المزني، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة بن دعامة السدوسي، وغيرهم كثير.

وفي الشام وأطرافها: كعب الأحبار انتقل إلى الشام في آخر حياته، ونوف بن فضالة البكالي، وأبو إدريس الخولاني، ويعلى بن شداد بن أوس الأنصاري، وأمّ الدرداء الصغرى جُهيمة بنت حُييّ الوصابية، وعمر بن عبد العزيز الأموي، ومكحول الشامي، وبلال بن سعد السكوني، وميمون بن مهران الجزري، وعبد الله بن عامر اليحصبي مقرئ أهل الشام، ومحمد ابن شهاب الزهري، وحسان بن عطية المحاربي، وعروة بن رويم اللخمي، ويحيى بن الحارث الذماري، وعطاء الخراساني انتقل إلى الشام وكان من أهل خراسان.

وفي اليمن: طاووس بن كيسان كان يتنقّل بين الجنَد ومكة، ووهب بن منبّه، وأخوه همام بن منبه، والمغيرة بن حكيم الأبناوي، وعثمان بن حاضر الحميري، وغيرهم.

وفي اليمامة: قيس بن طلق الحنفي، ويحيى بن أبي كثير اليمامي، وعكرمة بن عمار العجلي، وغيرهم.

وفي مصر: أبو عبد الرحمن الحبُلّي صاحب معاذ بن جبل، وثمامة بن شفي الأصبحي، وأبو قبيل المعافري، وعلي بن رباح اللخمي، وبكير بن عبد الله بن الأشجّ، ويزيد بن أبي حبيب الأزدي، وعطاء بن يسار المدني انتقل إلى الإسكندرية في آخر حياته ومات بها، ونافع مولى ابن عمر بعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر ليفقّه أهلها، وغيرهم.

وفي فارس وخراسان: الربيع بن زياد وهو ممن سمع أبيّ بن كعب، والربيع بن أنس البكري سمع أنس بن مالك وهو راوية أبي العالية الرياحي، ويحيى بن يعمر العدواني كان من أهل البصرة ثم انتقل إلى مرو وولي القضاء بها، والزبير بن عدي الهمداني قاضي الري، وغيرهم.

وكان في خراسان زمن التابعين الضحاك بن مزاحم الهلالي من أسنان الحسن البصري، إلا أنه لا تثبت له رواية مسموعة عن أحدٍ من الصحابة وهو شيخ الزبير بن عدي.

 

وكان عامّة هؤلاء العلماء ممن جمع العلم بالقراءة والتفسير والحديث والفقه والسلوك؛ فكانوا هم القراء والمفتون والمعلّمون وهم أئمة أهل السنة وكبار المحدّثين؛ إذ كان التفقه في الدين عندهم شاملاً لجميع أنواعه وأبوابه.


عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

29 Sep 2024

التفسير في زمن تابعي التابعين 


تعليم التفسير في زمن تابعي التابعين 

زمان تابعي التابعين هو ثالث القرون المفضلة، وقد ورد في فضلهم أحاديث عن النبي صلى الله عليهم وسلم من أشهرها حديث إبراهيم النخعي عن عَبيدةَ السلماني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه». رواه البخاري ومسلم. 

وقد كان فيهم العلماء الفقهاء، والعبّاد الزهّاد، والمجاهدون الأبطال، الذين حملوا راية الإسلام، وساروا على نهج أسلافهم؛ ففتحوا الفتوح، ونشروا العلم، وأقاموا الدين. 

 

وقد تعاصر كبار أتباع التابعين وصغار التابعين مدّة طويلة من الزمن، كما هو شأن كبار التابعين مع الصحابة رضي الله عنهم. 

وقد يكون بعض أتباع التابعين أسنّ من بعض التابعين؛ لأن المعوّل في التصنيف إلى تابعي وتابع تابعي هو على التمكن من رؤية صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الإيمان، فمن رأى أحداً من الصحابة وهو مؤمن فهو تابعي، وإن كان أصغر سناً ممن لم يتمكن من رؤية صحابيّ. 

والتفريق الدقيق بين صغار التابعين وأتباع التابعين أمر لا يوقف عليه على التحقيق، وإنما نعوّل على ما ثبت من الأخبار من رؤية صحيحة أو رواية متصلة. 

 

وفي زمن تابعي التابعين كثر طلاب العلم جداً، وكثر الاشتغال بتعلم التفسير ومعاني القرآن، وكثرت مجالس التفسير والقصص، واتسعت رواية مسائل التفسير، وتعاظم التفاوت في أحوال الرواة في الضبط والعدالة، وكثر تدوين التفسير جداً، حتى كتب بعض أهل الأهواء في التفسير. 

وظهر التأليف المفرد في بعض علوم القرآن كالتأليف في متشابه القرآن والوجوه والنظائر، والغريب، والإعراب، واتسع التأليف في علم القراءات. 

وظهر تأليف الكتب التي تجمع صحفاً عدّة في التفسير، وقد كان في أواخر عصر التابعين من صنع ذلك وهو السدّي في تفسيره الذي جمعه من صحيفة أبي صالح عن ابن عباس، وصحيفة أبي مالك الغفاري عن ابن عباس، وما كتبه عن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعمّن لقيهم من الصحابة؛ فجمع ذلك كلّه في كتاب واحدٍ لكنّه جعل الإسناد في أول الكتاب، وأغفل ذكر إسناد كلّ رواية؛ فلم يتميّز ما رواه من كلّ طريق من هذه الطرق، ولذلك كان شعبة بن الحجاج ينسب ما يرويه عن السدّي إليه ولا يجاوزه. 

وفي عصر تابعي التابعين ظهر التوسّع في هذا اللون من التأليف بالجمع والانتخاب من صحف متعددة؛ كما صنع مقاتل بن حيان، ومقاتل بن سليمان، وابن جريج، وسفيان الثوري، وغيرهم. 

ومنهم من اشتهر برواية بعض تفاسير التابعين، وكبار أتباع التابعين، وهذا كثير فيهم. 

 

أعلام المفسرين من تابعي التابعين 

كان من تابعي التابعين في كلّ مصر من الأمصار أئمة مبرّزون في علم التفسير دراية ورواية: 

ففي المدينة: جعفر الصادق(ت:148هـ)، ونافع بن أبي نُعيم(ت:169هـ)، وأبو معشر المدني(ت:170هـ)، ومالك بن أنس الأصبحي(ت:179هـ)، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم(ت:182هـ)، وغيرهم. 

وفي مكة: عبد الملك ابن جريج(ت:151هـ)، وعيسى بن ميمون الجرشي المعروف بابن داية(ت:155هـ تقريباً)، ومسلم بن خالد الزنجي(ت:179هـ)، وسفيان بن عيينة الهلالي(ت:198هـ)، وغيرهم. 

وفي الكوفة: سفيان بن سعيد الثوري(ت:161هـ)، وأسباط بن نصر الهمداني(ت:170هـ)، ويحيى بن اليمان العجلي(ت:188هـ)، ووكيع بن الجراح الرؤاسي(ت:197هـ)، وغيرهم. 

وفي البصرة: عيسى بن عمر الثقفي(ت:149هـ)، وأبو عمرو بن العلاء المازني(ت:157هـ)، وهارون بن موسى النحوي(ت:170هـ )، ويحيى بن سلام البصري(ت:200هـ) ثم انتقل إلى أفريقية، وأبو عبيدة معمر بن المثنىّ (ت:209هـ تقريباً) وغيرهم. 

وفي المدائن: وقاء بن إياس الوالبي(ت: 145هـ تقريباً)، وورقاء بن عمر اليشكري(ت:170هـ تقريباً)، وشبابة بن سوار الفزاري(ت:206هـ)، وغيرهم. 

وفي واسط: العوام بن حوشب الربعي(ت:148هـ)، وسفيان بن حسين الواسطي(ت:155ه تقريباً)، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري(ت:176هـ)، وهشيم بن بشير(ت:183هـ)، ويزيد بن هارون الواسطي(ت:206هـ)، وغيرهم. 

وفي بغداد: عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون(ت: 164هـ ) كان من أهل المدينة ثم انتقل إلى بغداد، وأبو معشر المدني (ت:170هـ) انتقل إليها أيضاً، وعلي بن حمزة الكسائي(ت:189هـ)، وحجاج بن محمد المصيصي(ت:206هـ)، وغيرهم. 

وفي الشام وأطرافها: عليّ بن أبي طلحة الوالبي(ت:143هـ)، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي(ت:157هـ)، وأبو معاذ بكير بن معروف الدامغاني(ت:163هـ) انتقل إلى الشام وكان من أهل نيسابور، وسعيد بن عبد العزيز التنوخي(ت:167هـ)، وسعيد بن بشير الأزدي(ت:169هـ)، وآدم بن أبي إياس العسقلاني(ت:221هـ)، وهشام بن عمار الدمشقي(ت:245هـ) وغيرهم. 

وفي اليمن: عبد الله بن طاووس بن كيسان(ت:132هـ)، وعقيل بن معقل بن منبّه ابن أخي وهب بن منبه ومن الرواة عنه، ومعمر بن راشد الأزدي(ت:153هـ)، والحكم بن أبان العدني(ت:154هـ)، ومحمد بن ثور الصنعاني(ت:190هـ)، وهشام بن يوسف الصنعاني(ت:197هـ) قاضي صنعاء، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني(ت:213هـ) وغيرهم. 

وفي اليمامة: أيّوب بن عتبة اليمامي(ت:160هـ) قاضي اليمامة، ويونس بن القاسم الحنفي(ت:175هـ)، وعبد الله بن يحيى بن أبي كثير اليمامي(ت:175هـ تقريباً)، وملازم بن عمرو الحنفي(ت:185هـ)، وغيرهم. 

وفي مصر: موسى بن عُلي بن رباح اللخمي(ت:163هـ) أمير مصر وعالمها، وعمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري(ت:148هـ)، وعبد الله بن لهيعة الحضرمي(ت174هـ)، والليث بن سعد الفهمي(ت:175هـ)، ورشدين بن سعد المصري(ت:188هـ)، وعبد الله بن وهب المصري(ت:197هـ)، وغيرهم. 

وقريب من طبقتهم: محمد بن إدريس الشافعي(ت:204هـ) لكن لا أعلم له رواية عن أحد من التابعين. 

وفي أفريقية والمغرب والأندلس: خالد بن أبي عمران التجيبي(ت:125هـ) قاضي أفريقية، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي(ت:156هـ) قاضي أفريقية، ومعاوية بن صالح الحضرمي(ت:158هـ) قاضي الأندلس زمن عبد الرحمن الداخل وكان في حمص قبل ذلك، ويحيى بن سلام البصري(ت:200) انتقل إليها في آخر حياته، وأسد بن الفرات القيرواني(ت:213هـ)، وموسى بن معاوية الصمادحي(ت:225هـ)، وغيرهم. 

وفي فارس وخراسان: أبو إسحاق المروزي وهو إبراهيم بن ميمون الصائغ(ت:131هـ) قتله أبو مسلم الخراساني بعد أن قام إليه ووعظه، ويزيد بن أبي سعيد النحوي(ت:132هـ) راوي تفسير عكرمة، قتله أبو مسلم أيضاً، ومقاتل بن حيان النبطي(ت: قبل 150هـ)، ومقاتل بن سليمان البلخي(ت:150هـ) وفيه كلام معروف، والحسين بن واقد المروزي(ت:159هـ)، وأبو جعفر عيسى بن ماهان الرازي(ت:160هـ)، وبكير بن معروف الدامغاني(ت:163هـ) قاضي نيسابور ثم إنه انتقل إلى الشام، وعنبسة بن سعيد الرازي(ت:165هـ تقريباً) قاضي الري، وعبد الله بن المبارك المروزي(ت:181هـ)، وغيرهم. 

 

فهؤلاء من مشاهير حملة علم التفسير من تابعي التابعين، فمنهم العلماء المفسّرون، ومنهم الرواة الحفاظـ لمسائل التفسير، ومنهم أصحاب كتب في التفسير، ورواة نسخ تفسيرية.  

ومن تأمّل سيرهم وأخبارهم رأى عجباً من صبرهم على شدائد التحصيل، وتبيّن له طرفٌ مما تحمّلوا وبذلوا في تحصيل العلم ونشره، والرحلة إليه على تباعد البلدان، وبُعْدِ المشقّة، وكثرة الأخطار، وتقلّب الأحوال السياسية، بين الدولتين الأموية والعباسية، حتى إن منهم من قُتل، ومنهم من حُبس، ومنهم من أوذي بأنواع من الأذى، فقاموا بحمل العلم على ما أصابهم خيرَ قيام، واجتهدوا في ضبطه وتدوينه ورعايته، وتحمّلوا ما تحمّلوا لنشره وروايته. 

 

أصناف المشتغلين بعلم التفسير في زمن تابعي التابعين: 

المشتغلون بعلم التفسير في زمن تابعي التابعين على أصناف:  

الصنف الأول: العلماء المفسّرون الذين تنقل أقوالهم في التفسير، ومنهم: جعفر الصادق، ومقاتل بن حيان، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم.  


الصنف الثاني: علماء اللغة الذين تنقل أقوالهم في معاني القرآن وإعرابه، ومنهم: أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب الضبي، وعلي بن حمزة الكسائي، ويحيى بن زياد الفراء، وغيرهم.  


الصنف الثالث: أصحاب كتب في التفسير، ومنهم: مقاتل بن حيان، وابن جريج، ومعمر بن راشد، وسفيان الثوري، وعبد الله بن وهب، ووكيع بن الجراح، وسفيان بن عيينة، وعبد الرزاق، وغيرهم.  


الصنف الرابع: رواة اشتهروا برواية كتب وصحف تفسيرية، وعددهم كثير جداً، ومن أشهرهم:  

-  يزيد بن أبي سعيد النحوي(ت:132هـ) راوي تفسير عكرمة. 

- ويونس بن يزيد الأيلي(ت:152هـ)، راوي تفسير عطاء الخراساني. 

- وسعيد بن أبي عروبة البصري(ت:156هـ) أشهر رواة تفسير قتادة. 

- ومعاوية بن صالح الحضرمي(ت:158هـ) راوي تفسير علي بن أبي طلحة. 

- وأبو جعفر عيسى بن ماهان الرازي(ت:160هـ) راوي نسخة الربيع بن أنس البكري عن أبي العالية الرياحي. 

- وبكير بن معروف الدامغاني(ت:163هـ) راوي تفسير مقاتل بن حيان. 

- وأبو معشر المدني (ت:170هـ) راوي تفسير محمد بن كعب القرظي. 

- وأسباط بن نصر الهمْداني(ت:170هـ) راوي تفسير السدي. 

وغير هؤلاء كثير، وهم على صنفين: صنف لا يُعرف عنه إلا رواية النسخة التي اشتهر بها، وصنف يرويها ويروي غيرها. 


الصنف الخامس: كبار رواة التفسير، ومنهم: 

- عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج(ت:151هـ) 

- ومعمر بن راشد الأزدي(ت:153هـ) 

- وهشام بن سَنبر الدستوائي(ت:153هـ) 

- ومسعر بن كدام بن ظهير الهلالي الكوفي(ت:155هـ) 

- وشعبة بن الحجاج الواسطي(ت:160هـ) 

- وعنبسة بن سعيد بن الضريس الأسدي الرازي(ت:165هـ تقريباً ) 

- وجرير بن حازم الأزدي(ت:170هـ) 

- وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري(ت:176هـ) 

- وهشيم بن بشير الواسطي(ت:183هـ) 

- وجرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي(ت:188هـ) 

- وعبد الله بن إدريس الأودي(ت:192هـ) 

- أبو معاوية محمد بن خازم الضرير(ت:195هـ) 

- وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي(ت:201هـ) 

- ويحيى بن آدم الكوفي(ت:203هـ). 

- وروح بن عبادة القيسي(ت:205هـ). 

  وهؤلاء مع من قبلهم قد حفظ الله بهم أكثر ما بأيدينا من علم التفسير، ومنهم فقهاء وقضاة ومفتون، لكن أكثر ما أثر عنهم في التفسير مقتصر على الرواية. 

 

الصنف السادس: ضعفاء الرواة المتكلَّم فيهم بما لا يقتضي تركهم مطلقاً، ومنهم: ليث بن أبي سليم، وأبو سعد روح بن جناح المدني، وحجاج بن أرطأة النخعي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، وموسى بن عبيدة الربذي، وعثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح،  وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، وسعيد بن بشير الأزدي، وشريك بن عبد الله النخعي، ورشدين بن سعد المصري، وسلمة بن الفضل الأبرش، وإبراهيم بن الحكم بن أبان العدني، وحفص بن عمر بن ميمون العدني، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي 

وهم على درجات في الضعف، فمنهم من يُثنى عليه في دينه لكن تكلم فيه بسبب سوء حفظه وكثرة خطئه في الرواية، ومنهم من دخل عليه الضعف في مروياته لتوسّعه في الرواية أو اختلاطه أو كثرة روايته عن المتروكين مع ضعف ضبطه.  

 

الصنف السابع: المتروكون من الكذابين والمتّهمين بالكذب وأصحاب البدع المغلظة والغلط الفاحش، ومن هؤلاء: 

1: عمرو بن عبيد بن باب البصري(ت:144ه)، رأس المعتزلة، له تفسير يرويه عن الحسن البصري، وهو غير ثقة فيما يرويه عنه.  

2: محمد بن السائب الكلبي (ت:146 هـ)، وهو متهم بالكذب متروك الحديث، وله أقوال في التفسير انتقى منها بعض الأئمة كسفيان الثوري وشعبة ومعمر، وأما مروياته في التفسير فأعرض عنها أكثر العلماء حتى هُجرت رواية تفسيره، فليس له في تفاسير عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم إلا روايات قليلة جداً أكثرها من أقواله في التفسير، وإنما كثرت الرواية عنه عند المتأخرين كالثعلبي والواحدي والماوردي ومن نقل عنهم.  

3: مقاتل بن سليمان البلخي(ت:150هـ)، وهو مثل الكلبي.  

4: أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني (ت: بعد 150 هـ)، وهو رافضي متّهم بوضع الحديث، وكان له تفسير كبير في زمانه، هجره أكثر أهل العلم.  

5: محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي(ت:155هـ)، موصوف بالصلاح والصدق في دينه، وسمع حديثاً كثيراً لكنه دفن كتبه، وصار يحدث من حفظه فكثر منه الخطأ جداً حتى تركه أكثر أهل الحديث لسوء ضبطه.  

6: أبو بكر سُلمى بن عبد الله الهذلي(ت:167هـ)، متّفق على ضعفه، واتهمه محمد بن جعفر صاحب شعبة بالكذب.  

7: أبو الحجاج خارجة بن مصعب الضبعي الخراساني(ت:168هـ)، تركه أكثر أهل الحديث لاضطراب حديثه وسوء ضبطه، وهو غير متّهم بالكذب.  

8: محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي(ت: 185هـ تقريبا)، متروك الحديث، متّهم بالكذب. 

9: المسيّب بن شريك التميمي(ت:186هـ)، وهو من أصحاب الأعمش، لكنه كان متروك الحديث لسوء حفظه وكثرة غلطه. 

10: موسى بن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني (ت: نحو 190 هـ)، وضع تفسيراً أسنده عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح، فكان بعض الناس يسمّيه تفسير عطاء بن أبي رباح، وهو موضوع عليه.  

11: أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصمّ(201هـ)، من رؤوس المعتزلة في زمانه.  

12: أبو خالد عبد العزيز بن أبان القرشي الكوفي(ت:207هـ)، متهم بالكذب، ووضع الأحاديث، وله نسخة في التفسير يرويها عن أبي سعد المدني عن مجاهد. 

 

خاتمة:  

فهذا تلخيص ما يتعلق بتاريخ التفسير في القرون الفاضلة، وقد اشتمل على التعريف بطائفة من أعلام المفسرين ومشاهير نقلته، ويتصل بعلم تاريخ التفسير مبحثان آخران:  

أحدهما: تاريخ التفسير اللغوي.  

والآخر: طبقات المفسرين والتعريف بمناهجهم. 

وسيأتي ذكرهما في موضعهما بإذن الله تعالى.