الدروس
course cover
الدرس الثاني: بيان أنواع مسائل الإيمان بالقرآن
7 Sep 2015
7 Sep 2015

4867

0

0

course cover
الإيمان بالقرآن

القسم الأول

الدرس الثاني: بيان أنواع مسائل الإيمان بالقرآن
7 Sep 2015
7 Sep 2015

7 Sep 2015

4867

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثاني: أنواع مسائل الإيمان بالقرآن


مسائل الإيمان بالقرآن على نوعين كبيرين ينبغي أن يكون طالب العلم على معرفة حسنة بهما:
النوع الأول: مسائل اعتقادية
والنوع الثاني: مسائل سلوكيّة

فأمّا المسائل الاعتقادية فهي المسائل التي تُبحَث في كتب الاعتقاد، ويُعنى فيها العلماءُ بما يجب اعتقاده في القرآن، وأصلُ ذلك الإيمانُ بأنَّ القرآن كلامُ الله تعالى منزَّل غير مخلوق، أنزله على نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأنّه مهيمنٌ على ما قبله من الكتب وناسخٌ لها، وأنَّ القرآن بدأ من الله عزَّ وجلَّ وإليهِ يعودُ، وأنْ يؤمنَ بما أخبر الله به عن القرآن وما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يعتقد وجوبَ الإيمانِ بالقرآن، وأن يُحلَّ حلالَه ويحرِّمَ حرَامه ويعمَل بمُحْكَمِه ويردَّ متشابهه إلى محكمه، ويكلَ ما لا يعلمه إلى عالمه.
فهذه أشهر مسائل الاعتقاد في القرآن التي تبحث في كتب الاعتقاد وتحت هذه الجمل اليسيرة مسائل كثيرة ومباحث طويلة.
وقد أفاضَ علماء أهل السنة في كتبهم المؤلفة في الاعتقاد بحث تلك المسائل بما يشفي ويكفي، وما يذكرونه من المسائل في أبواب الإيمان بالقرآن في كتب الاعتقاد يمكن تقسيمه إلى أحكامٍ وآداب.
والمقصود بالأحكام هنا الأحكام العَقَدِيَّة، كبيان ما يجب اعتقاده، وما يحكم ببدعته، وبيان درجة البدعة، وهل هي مكفّرة أو مفسّقة، ونحو ذلك من الأحكام العقدية.
والمراد بالآدابِ أن يدرس تلك المسائل على منهج أهل السنة والجماعة في التلقّي والاستدلال، وفي بحث تلك المسائل، وأن يراعي آدابهم في البحث والسؤال، والدراسة والبيان، والتعليم والتأليف، والمناظرة والردّ على المخالفين، وأن يكون على حذر من طرق أهل البدع في بحث مسائل الاعتقاد، وأن يكفّ عن المراء في القرآن، وإثارة التنازُعِ فيه وضرب بعضه ببعض، وأن لا يتكلّف ما لا يحسن، وألا يقول ما ليس له به علم؛ إلى غير ذلك من الآداب الواجبة في بحث مسائل الاعتقاد في القرآن، وهذه الآداب قد اعتنى بها السلف الصالح عناية عظيمة؛ فيجب على طالب العلم أن يرعى تلك الآداب رعاية حسنة في دراسته، وأن لا يكون تعلّمه لمسائل الاعتقاد تعلّما نظريّاً عريّا من الآداب التي يجب أن تحتفّ به وتكتنفه.

وطلاب العلم عموماً، وطلاب علم التفسير على وجه الخصوص يحتاجون في مسائل الاعتقاد في القرآن إلى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: معرفة القول الحق في مسائل الاعتقاد في القرآن، بما دلَّت عليه نصوصُ الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة رحمهم الله، وذلك حتى يصحِّحَ عقيدتَه في القرآن، فيكون معتقدُه في القرآن معتقداً صحيحا مبنيا على الدليل الصحيح والحجة البيّنة.
والأمر الثاني: تقرير الاستدلال لهذه المسائل -وهذه مرتبة يمتاز بها طالب العلم عن العامّي- بأن يعرف أدلتها ومآخذ الاستدلال، ويعرف ما تحسن به معرفته من الأدلة والآثار؛ ويحسن تقرير تلك المسائل بأدلتها؛ حتى يمكنه أن يدعو إلى الحق في تلك المسائل متى احتيج إليه في ذلك؛ فلو كان في مجتمع فيه مخالفات في مسائل الإيمان بالقرآن واحتيج إلى طالب علمٍ يقرّر مسائل الاعتقادِ، ويدعو الناس إلى الحقّ فيها، ويبيّنه لهم بأدلّته؛ فإذا هو حَسَن العُدَّة في ذلك، عارفٌ بأدلة تلك المسائل وطرق تقريرها على منهج أهل السنة والجماعة.
وأما من كان ضعيف العُدَّة فإنه ربما ذهب ليبحث لهم تلك المسائل فاغترّ ببعض الشُّبَه، وأساء فهم أقوال بعض الأئمة، وتعجَّل في بحثه، وتكلّف ما لا يحسن؛ وقال ما ليس له به علم، واتبع الظنَّ، فانحرف في بعض ما يتكلم فيه عن الحقّ، ومال إلى أقوال بعض الأهواء.
ولذلك كان ضبط المهمّ من مسائل الاعتقاد في القرآن ومعرفة أدلتها والتمرّن على تقريرها من أهمّ ما يُوصَى طالبُ العلمِ بالعناية بهِ قبل التوسّع في دراسة مسائل التفسير، ولأجل ذلك قرر هذا الكتاب في المستوى الأول من برنامج إعداد المفسّر.
والأمر الثالث: معرفةُ أقوالِ المخالفينَ لأهل السنة في مسائل الاعتقاد في القرآن، ومعرفة مراتبهم ودرجات مخالفاتهم، ومعرفة أصول شبهاتهم، ونشأة أقوالهم، وحجج أهل السنة في الردّ عليهم، ومنهجهم في معاملتهم، فيكون على الطريقة الحسنة التي كان عليها السلف الصالح غيرَ غالٍ ولا مفرّط.
وأهل البدع والأهواء تتشابه قلوبهم ومقاصدهم وأقوالهم، وعامّة شبهاتهم مما يتوارثه بعضهم عن بعض؛ فمن أحسن معرفة أصول الشبهات، وحجج أهل السنة في الرد عليها، فإنَّه يتبيَّن له من أصول الرد على المخالفين في العصر الحديث ما هو نظير ردودِ أهل السنة المتقدّمين على المخالفين لهم في زمانهم.

والمقصود التعريف الموجز بالنوع الأول من أنواع مسائل الإيمان بالقرآن، وهي المسائل الاعتقادية.

وأما النوع الثاني فهو في المسائل السلوكية المتعلقة بالإيمان بالقرآن
وهي المسائل التي يُعنى فيها بالانتفاع ببصائر القرآن وهداياته ومواعظه، وكيف يستجيب لله تعالى ، ويهتدي بما بيّنه في كتابه، ويعقل أمثال القرآن، ويعرف مقاصدها ودلالاتها، ويعرف كيف يكون التبصُّر والتذكُّر، والتدبُّر والتفكُّر، ويعرف علامات الهداية والضلال في هذا الباب.

وهذه المسائل السلوكية العظيمة داخلة في اسم الإيمان بالقرآن؛ فإنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ واعتقاد، ومسائل السلوك منها مسائل اعتقادية، ومسائل قولية، ومسائل عملية، لكن غلب على العلماء في كتب الاعتقاد بحث المسائل العلمية لشدّة الحاجة إلى بيان ما يصحّ به الاعتقاد في القرآن إذ هو الأصل الذي تُبنى عليه مسائل السلوك والأحكام، وغلب عليهم تقرير مسائل الاعتقاد والرد على المخالفين في تلك الأنواع واتجه بحثهم إلى البحث العقدي وما يجب اعتقاده في القرآن والقول الصحيح في القرآن.
وأمّا علماءُ السلوك فاعتنوا بما يتعلّق بتحقيق الإيمان بالقرآن في الجوانب المعرفية والعملية؛ والمراد بالمعرفية ما يتعلّق بالمعارف والحقائق المفيدة لليقين، والمراد بالجوانب العملية ما يتعلق بالعمل القلبي وعمل الجوارح، ولذلك غلبت عليهم العناية بتدبّر القرآن والتفقّه في طرق الانتفاع بمواعظه وهداياته، وهذه مسائل سلوكية.

وعلم السلوك يُعنى بأصلين مهمين:
الأصل الأول: البصائر والبينات، وهي التي يسميها بعض من كتب في علم السلوك: المعارف والحقائق، واسمها في النصوص البصائر والبيّنات، وهو اسم أشمل وأعمّ مما يذكرونه في أبواب المعارف والحقائق.
قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}
وقال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)}
وقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ}
وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)}
والأصل الثاني: اتبَّاع الهدى، ويعنى بالجانب العملي وهو الطاعة والامتثال، فيأتي ما يؤمر به، ويجتنب ما ينهى عنه، ويفعل ما يوعظ به.
فالأصل الأول - وهو البصائر والبينات - قائمٌ على العلمِ، ومثمِرٌ لليقين.
والأصل الثاني - وهو اتباع الهدى - قائمٌ على الإرادة والعزيمة ومثمرٌ للاستقامة والتقوى.
وعامّة ما يذكره العلماء من مسائل السلوك راجع إلى هذين الأصلين، وحاجة الناس إلى التفقّه فيهما ماسّة، وقد جمعهما الله تعالى في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
فهذه الآية جمعت أصلي علم السلوك: البينات والهدى؛ فالناس بحاجة إلى البينات التي يعرفون بها الحقّ من الباطل، وبحاجة إلى معرفة الهدى ليتّبعوه.
والأصل الأول حجة على من خالف في الأصل الثاني؛ لأن من جاءته البيّنةُ ولم يتَّبعِ الهدى كان علمه بتلك البيّنة حجة عليه كما قال الله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
وقال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)}

فلا بد من الجمع بين الأمرين: أن يكون الإنسان على بيّنة وأن يتّبع الهدى، وكل ذلك من الإيمان بالقرآن، ومما جاءت به النصوص الصحيحة الصريحة في الكتاب والسنة.
وتحصيل الأصل الأول يكون بالتفقّه في بصائر القرآن وبيّناته، وتصديق أخباره، وعقل أمثاله، وفقه مقاصد الآيات والقصص والأخبار التي بيّنها الله تعالى في كتابه؛ فالتفكّر فيها بقلب منيب يثمر للعبد أنواعاً من البيّنات والبصائر التي يزداد بها إيمانه ويقينه.
وتحصيل الأصل الثاني يكون بإلزام النفس بكلمة التقوى، وصبرها على امتثال ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه، وفعل ما وعظ الله به، كما قال الله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)}
ومن صحَّحَ الأصلين في نفسه صحّ له سلوكه، وجمع بين العلم والعمل، ولذلك كان مردّ فلاح السالكين إلى صحّة العلم وصلاح العمل؛ فالبصائر والبيّنات قائمة على العلم الصحيح، وصلاح العمل يحتاج فيه السالك إلى عزيمة وإرادة جازمة غير مترددة، ولتقرير هذين الأصلين عقد ابنُ القيّم رحمه الله تعالى كتابه العظيم «مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة» لأن السالك يحتاج إلى علم يتبصر به، ويحتاج إلى إرادة جازمة يتّبع بها الهدى.

والسلوك بشقَّيهِ المعرفيّ والعمليّ يجب أن يكونَ قائماً على الاعتقادِ الصحيحِ؛ ولذلكَ فإنَّ مَن غلبت عليهم العناية بعلم السلوك وأغفلوا علم الاعتقاد وقعوا في بدعٍ كثيرة، وشطحات كبيرة، وسبيلُ السلامة إنما يكون بالجمع بين تصحيحِ الاعتقادِ، وتصحيحِ السلوكِ.
وسنتناول في هذا الباب أصولاً مهمّة في نوعي مسائل الإيمان بالقرآن: المسائل الاعتقادية، والمسائل السلوكية؛ لأنّهما داخلان في اسم الإيمان بالقرآن، ونسأل الله تعالى الهدى والسداد، والتوفيق للصواب.