30 Nov -0001
من الآداب وهو الثاني عشر: احترام المصحف، وتقدير المصحف.
فهذا من الآداب المستحبّة، والمصحف: هو هذه الصحف التي تحوي القرآن الكريم، فينبغي للمسلم أن يجلّها ويحترمها، ولا يمسّ المصحف إلّا على طهارة، فينبغي صونه عن الأذى، عن الكتابة فيه والطمس، بل الإصبع بالريق نهى بعض أهل العلم المسلم أن يبلّ إصبعه بريقه عند تقليبه الصفحات؛ لأن هذا ليس من الذوق السليم.
كذلك لا يضع المصحف على الأرض، ولا يمدّ إليه رجله ويجعله خلف ظهره، بل إنّ من تعمد الإساءة إلى المصحف وإهانته فقد كفر كما قال جمع من أهل العلم، وهذا لا يصدر من مسلم، ولكن الذي يصدر من بعض المسلمين التهاون في ذلك، بحيث يضعه في الأرض، أو يمد رجله إليه، أو أحيانًا يراجع الإنسان وهو نائم ومنسدح، وربما أخذه النعاس فاستند على المصحف، ووضع عليه يده ورجله ورأسه وكل هذا ينافي تعظيم المصحف الشريف الذي يحوي كلام الله عزوجل، فينبغي أن يُصان، ولا يجوز أن يُدخل المصحف إلى أماكن قضاء الحاجة، بل إذا أراد أن يدخل الحمام فإنه يرفع المصحف في مكان طاهر ولا يدخل معه في الحمام، كل هذا من باب تعظيم المصحف.
المصاحف الالكترونية إن كانت ظاهرة على الشاشة فهذا لها حكم المصحف على الراجح، وإن كان الجهاز مغلقًا فليس له حكم المصحف.
أخيرًا –أيها الأخوة والأخوات- الأدب الثالث عشر: الدعاء عند ختم القرآن الكريم.
هذا مستحبّ خارج الصلاة، وقد ورد أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده ودعا لهم، وهذا كما قال ابن القيّم يعني؛ من آكد مواطن الدعاء، وقد ورد عن جملة من السلف، فينبغي للمسلم إذا ختم ختمة كاملة من أول القرآن إلى آخره أن يدعو الله عزوجل بالأدعية المأثورة، وبخيريّ الدنيا والآخرة، وأن يركّز في الدعاء بالأدعية المتعلقة بالقرآن الكريم؛ كأن يقول: اللهم اجعل القرآن شفيعًا لي، أو يدعو بالدعاء المأثور المعروف: اللهم إنّي عبدك وابن عبدك، حتى ينتفع بهذا القرآن، وهذا هو الحكمة؛ يعني لأن يكون الإنسان ينتفع من القرآن الكريم، فهذا من مواطن الإجابة بإذن الله عزوجل.
والإنسان بحاجة إلى أن ينتفع بالقرآن؛ لأنه إذا تقبّل الله من العبد فكلّ حرف قرأه له به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، فإذا تقبّل الله عزوجل هذه القراءة، فالإنسان يكون على أكمل الحالات، ولذلك ينبغي استغلال الوقت للدعاء، ولاسيّما بالانتفاع بالقرآن، وبنيل بركة القرآن في الدنيا والآخرة.
وأمّا الوقت فليس هناك وقت محدد للختم على الراجح، ولكن لو الإنسان دعا أهله أو أصحابه أو زملاءه في الحلقة أو كذا، وقال -يعني-: أنا أبغي أختم، وسندعو سويّا، فهذا طيب ما لم يقع في قلبه رياء، فينبغي للإنسان أن يدعو الله عزوجل عندها، وهذه سنة، يعني لو أن الوقت ضاق ونحو ذلك، ولم يدعو فالأمر في ذلك واسع.
وأما قول (صدق الله العظيم) فلم ترد عن الصحابة والتابعين، ولذلك لا ينبغي قراءة هذه الكلمة، ولا سيّما إذا قرأ الإنسان مرتّلة، وهذا باختصار أيها الأخوة والأخوات حول أبرز الآداب المستحبة والواجبة عند تلاوة القرآن الكريم، ومعظمها مستحب كما مرّ.
وكونها مستحب لا يعني أن الإنسان يفرط فيها، بعض الناس من حين ما يعرف أن هذا الشيء سنة وغير واجب، فإنه يتساهل في ذلك، وهذا لا ينبغي، بل كان السلف رحمهم الله يحرصون على السنن وعلى المستحبات لما فيها من الأجر العظيم والاقتداء بالنبي الكريم –صلى الله عليه وسلم-، ومتى ما أتى الإنسان بهذه الآداب وحرص عليها فسيكون انتفاعه بالقرآن أعظم، وهذا شيء مجرّب، إذا الإنسان تطهّر واستقبل القبلة، وتسوّك، ودعا، وسجد، ورتّل، وجوّد، وتخشّع، ورتّل فإن أثر القراءة سيكون أعظم بإذن الله عزوجل، وبالعكس كذلك إذا كان الإنسان يقرأ القرآن إمّا تأدية واجب وإمّا عادة من العوائد، وهو غافل لاهٍ لم يستكمل أسباب التدبّر والخشوع، فربما لا يتأثّر بالقرآن الكريم.
نحن لم نتحدث عن التدبّر كأدب من آداب تلاوة القرآن بشكل مستقل؛ لأنه قد تأخذون فيه ربما درسًا آخر، ولكن الحقيقة كل هذه الآداب التي ذكرناها من المعينات على التدبّر والتأمّل والانتفاع كما أشرنا في بداية الحديث وعند كلّ أدب منها.
أسأل الله عزوجل أن يجعلنا جميعا من أهل القرآن المنتفعين به، العاملين بما فيه، وأن يجعله شفيعًا لنا يوم القيامة، وأن ينفعنا بالقرآن الكريم في الدنيا والآخرة.
وأشكركم جميعًا على حسن الاستماع، وأشكر فضيلة الشيخ عبد العزيز، والأخوة والأخوات المشرفين والمشرفات، والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الأسئلة]
سؤال: بخصوص الدعاء في صلاة التراويح في رمضان.
جواب: الأظهر –والله أعلم- أن الختمة في الصلاة غير مشروعة لعدم ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، ولكن لو الإنسان صلّى مع الإمام يختم، أو كان إمامًا ورغب المأمومون في ذلك، ورأى أنهم سيغضبون لو أنه ترك الختمة، وقرأ دعاء الختم في موضع الوتر؛ يعني في آخر ركعة من صلوات التراويح مكان القنوت، فالأمر في ذلك واسع لثبوت دعاء القنوت في صلاة الوتر.
سؤال: ما المقصود بالماهر بالقرآن.
جواب: المتقن للقرآن، المتقن لتلاوة القرآن الكريم، يعني من حيث صحة القراءة وجودة ... .
سؤال: بخصوص رفع الأيدي عند السؤال، عند آيات الرحمة والاستعاذة، وعند آيات العذاب.
جواب: الظاهر أنه لا ترفع الأيدي لا في الصلاة، ولا في خارج الصلاة، لا ترفع الأيدي، خصوصًا في الصلاة، أما في خارج الصلاة فأيضا لا ترفع، فمن رفعها فلا بأس.
[تكرر السؤال: فالجواب أنه لا يشرع رفع الأيدي، وهو في الصلاة غير مشروع]
سؤال: هل سجود التلاوة هو للقارئ فقط، أم يشمل القارئ والمستمع؟
جواب: السجود مشروع للقارئ والمستمع كما دلّت على ذلك السنة، يعني من انتصب للاستماع، أما إنسان مرّ مرورًا سريعًا، ولم يقصد الاستماع، فهذا غير مشروع، أما من قصد الاستماع سواء في الصلاة أو في خارج الصلاة فهو مشروع، يسجد القارئ ومن يستمع إليه من الحاضرين.
سؤال: بخصوص قول القارئ: بلى، في سورة التين.
جواب: نعم مرّت في سورة التين؛ يعني قول القارئ بلى، هذا وارد، والحديث فيه كلام –والله أعلم-.
والحديث في سنن أبي داود، والحديث صححه بعض أهل العلم، ولكن بلا رفع صوت.
سؤال: إذا كان القارئ سيبدأ بقراءة آية فيها لفظ الجلالة فهل يأتي بالاستعاذة والبسملة؟
جواب: البسملة مشروعة عند أول السورة، أما في وسط السورة، أو أثناء السورة فلا تشرع، مثلًا عند قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، أو {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة} يعني بعضهم قال غير مشروع أو حينما تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أن لفظ الجلالة صفة، وهذا معنى قبيح، في الواقع نقول: لا، مادام أنه يفصل، مادام أنه هناك سكوت، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تسكت، ثم تقول: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} يعني انتفى هذا المحذور، معنى ذلك: لا وجه لمن قال أن الاستعاذة غير مشروعة عند الآيات التي تبدأ باسم الله عزوجل.
سؤال: حكم الدخول بالجوال الخلاء.
جواب: إذا كان الجوال يحمل مصحفًا إلكترونيًا، وكان على وضع الإغلاق يجوز الدخول فيه إلى مكان الخلاء أو دورات المياه، يجوز ذلك؛ لأنه في حالة عدم التشغيل، لا وجود للمصحف حقيقة، وقد قاسه بعضهم على صدر الإنسان وقلب الإنسان الذي يحمل القرآن الكريم، أما إذا كان على وضع التشغيل إمًا صوتًا أو قراءة يعني تكون الشاشة فيها صفحة المصحف فهذا لا يجوز على الراجح.
أشكركم جميعا، وأشكر الشيخ عبد العزيز، وأشكر المشرفين، وأسأل الله عزوجل أن يجعلنا جميعًا من أهل القرآن الكريم، وأن يشفعه فينا يوم القيامة، ونلقاكم إن شاء الله في لقاءات قادمة.
والحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.