16 Nov 2008
العقد الخامس
وَعَزَّ إلَّا قَوْلَهُ وَاللهُ ........بِكُلِّ شَيْءٍ أَيْ عَلِيمٌ ذَا هُو النوع الثاني والثالث: العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص. وَأَوَّلٌ شَاعَ لِمَنْ أَقَاسَا.... وَالثَّانِ نَحْوُ يَحْسُدُونَ النَّاسَا النوع الرابع : ماخص منه بالسنة تَخْصِيْصُهُ بِسُنَّةٍ قَدْ وَقَعَا...... فَلَا تَمِلْ لِقَولِ مَنْ قَدْ مَنَعَا النوع الخامس : ما خص به من السنة وَعَزَّ لَمْ يُوجَدْ سِوَى أَرْبَعَةِ .....كَآيةَ الْأَصْوَافِ أَوْ كَالْجِزْيَةِ
وَقَوْلُهُ خَلْقُكُمُ مِنْ نَفْسِ ...... وَاحِدَةٍ فَخُذْهُ دُونَ لَبْسِ
وَأَوَّلٌ حَقِيقَةٌ وَالثَّانِي.....مَجَازٌ الْفَرْقُ لِمَنْ يُعَانِي
قَرِينَةُ الثَّانِي تُرَى عَقْلِيَّهْ....... وَأَوَّلٌ قَطْعًا تُرَى لَفْظِيَّهْ
وَالثَّانِي جَازَ أَنْ يُرَادَ الْوَاحِدُ...... فِيهِ وَأَوَّلٌ لِهَذَا فَاقِدُ
آحَادُهَا وغَيْرُها سَوَاءُ....... فَبِالْعَرَايَا خُصَّتِ الرِّبَـاءُ
وَالصَّلَوَاتِ حَافِظُوا عَلَيْهَا ...... وَالْعَامِلِينَ ضُمَّهَا إلَيْهَا
حَدِيثُ مَا أُبِينَ فِي أُولَاهَا ......... خَصَّ وَأَيْضًا خَصَّ مَا تَلَاهَا
لِقَوْلِهِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَا ....... مَنْ لَمْ يَكُنْ لِمَا أَرَدْتُ قَابِلَا
وَخَصَّتِ الْبَاقِيَةُ النَّهْيَ عَنِ ...... حِلَِّ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِلْغَنِ
إتمام الدراية لقراء النقاية لجلال الدين السيوطي
ومِنْهَا ما يَرْجِعُ إلى المعانِي المُتَعَلِّقَةِ بالأحكامِ وهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: العَامُّ الباقِي على عُمُومِهِ، ومثالُهُ عَزِيزٌ ولم يُوجَدْ لِذَلِكَ إلا {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، الثاني والثالثُ: العامُّ المَخْصُوصُ، والعامُّ الذي أُرِيدَ به الخُصُوصُ، الأوَّلُ: كَثِيرٌ، والثاني: كقَوْلِهِ تعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ}، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} والفَرْقُ بَيْنَهُما: أنَّ الأوَّلَ حقَيِقَةٌ والثَّانِيَ مَجَازٌ، وأَنَّ قَرِينَةَ الثَّانِي عَقْلِيَّةٌ، ويَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ وَاحِدٌ بخِلافِ الأوَّلِ، الرَّابِعُ: ما خُصَّ بالسُّنَّةِ هو جَائِزٌ ووَاقِعٌ كَثِيرٌ وسَواءٌ مُتَوَاتِرَتُهَا وآحَادُها. الخامسُ: ما خُصَّ منه السُّنَّةُ هو عَزِيزٌ ولم يُوجَدْ إلا قَوْلُهُ تعَالى: {حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ}، و{مِنْ أَصْوافِها}، {العَامِلِينَ عَلَيْهَا}، {حَافِظُوا على الصَّلَواتِ}، خَصَّتْ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ ومَا أُبِينَ مِنْ حَيِّ مَيِّتٌ، ولَا يَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، والنَّهْيَ عَنِ الصَّلاةِ فِي الأوقاتِ المَكْرُوهَةِ.
مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام
ومنها ما يرجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام وهو أربعة عشرة
الأول: العام الباقي على عمومه
ومثاله
عزيز إذ ما من عام إلا وخص فقوله سبحانه وحرم الربا خص منه العرايا حرمت
عليكم الميتة خص من المضطر وميتة السمك والجراد ولم يوجد لذلك
مثال مما لا يتخيل فيه تخصيص إلا قوله تعالى {والله بكل شيء عليم} فإنه تعالى عالم بكل شيء الكليات والجزئيات وقوله تعالى {خلقكم من نفس واحدة}
أي آدم فإن المخاطبين بذلك وهم البشر كلهم من ذريته قلت والظاهر أي من ذلك
حرمت عليكم أمهاتكم الآية فإن من صيغ العموم الجمع المضاف ولا تخصيص فيها
الثاني والثالث: العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص
الأول كثير
كتخصيص قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء يعني الحامل
والآيسة والصغيرة بقوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وقوله
تعالى واللائي يئسن الآية والثاني كقوله تعالى{ أم يحسدون الناس}
أي رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمعه ما في الناس من الخصال الحميدة
الذين قال لهم الناس أي نعيم بن مسعود الأشجعي لقيامه مقام كثير في تثبيط
المؤمنين عن الخروج بما قاله
والفرق بينهما أن الأول حقيقة لأنه استعمل فيما وضع له ثم خص منه البعض بمخصص والثاني مجاز لأنه استعمل من أول وهلة في بعض ما وضع له وإن قرينة الثاني عقلية وقرينة الأول لفظية من شرط واستثناء أو نحو ذلك ويجوز أن يراد به واحد كما تبين في الإثنين بخلاف الأول فلا بد أن يبقى أقل الجمع
الرابع ما
خص من الكتاب بالسنة هو جائز خلافا لمن منعه قال تعالى وأنزلنا إليك الذكر
لتبين للناس ما نزل إليهم وواقع كثيرا وسواء متواترها وآحادها مثال ذلك
تخصيص وحرم الربا بالعرايا الثابت بحديث الصحيحين حرمت عليكم الميتة والدم
بحديث أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال رواه الحاكم
وابن ماجة من حديث ابن عمر مرفوعا والبيهقي عنه موقوفا وقال هو في معنى
المسند وإسناده صحيح وتخصيص آيات المواريث بغير القاتل والمخالف في الدين
المأخوذ من الأحاديث الصحيحة
الخامس
ما خص منه أي من الكتاب السنة هو عزيز لقلته ولم يوجد الا قوله تعالى حتى
يعطوا الجزية وقوله تعالى ومن أصوافها وأوبارها الآية وقوله تعالى
والعاملين عليها وقوله تعالى حافظوا على الصلوات خصت هذه الآيات أربعة أحاديث فالأولى خصت حديث الصحيحين أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإنه عام فيمن أدى الجزية والثانية خصت حديث ما أبين من حي فهو ميت رواه الحاكم من حديث أبي سعيد وقال صحيح على شرط الشيخين
وأبوا
داود والترمذي وحسنه من حديث أبي واقد بلفظ ما قطع من البهيمة وهي حية فهو
ميت أي كالميت في النجاسة مع أن الصوف ونحوه طاهر إذا جز في الحياة
لامتنان الله تعالى به في الآية
والثالثة خصت حديث النسائي وغيرهلا تحل الصدقة لغني فإن العامل يأخذ مع الغني فإنها أجرة والرابعة خصت النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة المخرج في الصحيحين وغيرهما فإنه عام في صلاة الوقت أيضا.
شرح الشيخ عبدالكريم الخضير
العقد الخامس :ما يرجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام وهي أربعة عشر نوعاً تَخْصِيْصُهُ بِسُنَّةٍ قَدْ وَقَعَا ......................... كآَيَةِ الأَصْوَافِ أَوْ كَالجِزْيَةِ حَدِيثُ مَا أُبِيْنَ في أُولاهَا ....................... .... وأَيْضاً خَصَّ ما تَـلاهَا لِقَولِهِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِـلا مَنْ لَمْ يَكُنْ لِمَا أَرَدْتُ قَابِلا ........................ ..................كَالجِزْيَةِ والصَّلَواتِ حَافِظُوا عَلَيْهَا ....................... والصَّلَواتِ حَافِظُوا عَلَيْهَا وعَزَّ لَمْ يُوْجَدْ سِوَى أَرْبَعَةِ كآَيَةِ الأَصْوَافِ أَوْ كَالجِزْيَةِ
النوع الأول : العام الباقي على عمومه
وعز إلا قوله والله بكل شيء أي عليم ذا هو
وقوله خلقكم من نفس واحدة فخذه دون لَبْس
العقد الخامس فيما
يرجع إلى مباحث المعاني ومعرفته من أهم المهمات ،نعم الألفاظ معرفتها مهمة
وهي ظروف المعاني فالمعاني لا تقوم إلا بألفاظ فمعرفة الألفاظ مهمة .
لكن معرفة المعاني أمر لا بد منه كيف يفهم الإنسان القرآن كيف يعمل بالقرآن أو السنة ؟ إلا إذا عرف المعاني .
العقد الخامس :ما يرجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام عن المعاني التي لها أثر كبير في الأحكام وهي أربعة عشر نوعاً
1- العام الباقي على عمومه
العام خاص ومطلق ومقيد وعندنا ناسخ ومنسوخ وعندنا أشياء كثيرة تتعلق بها ،من أهم ما يبحث في علوم القرآن .
فالعام:ما يشمل شيئين فصاعداً من غير حصر ،وضده الخاص :هو ما لا يتناول شيئين فصاعداً .
النوع الأول : العام الباقي على عمومه
أي عندنا عام باقي على عمومه ،وعام مخصوص،وعام يراد به الخصوص .
العام الباقي على عمومه
:ذهول محفوظ الذي لم يدخل فيه تخصيص باقي على عمومه ، والعام الذي أريد به
الخصوص من الأصل لا يتناول أفراد المتكلم حينما تكلم بهذا اللفظ العام لا
يريد منه جنس أفراد هذا اللفظ إنما يريد منه بعض الأفراد فهو عام يراد به
الخصوص من قبل المتكلم ولكن لو كان المتكلم حينما تكلم بهذا اللفظ العام
يريد جميع الفراد ثم بعد ذلك أورد ما يخرج بعض هذه الأفراد صار من العام
المخصوص .
النوع الأول: العام الباقي على عمومه وعز : يعني قل وندر أن يوجد عام محفوظ باقي على عمومه ،وعز إلا قوله تعالى {والله بكل شيء عليم }هذا
محفوظ عام محفوظ هل يمكن أن يخرج فرد من أفراد ما يعلم عن هذه الآية ؟ لا
يمكن والله جل وعلا عالم بكل شيء وعليم بكل شيء عليم بالكليات عليم
بالجزئيات خلافاً لمن ينفي صفة العلم من طوائف المبتدعة أو يفرق بين
الكليات والجزئيات ،فكل يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات كالفلاسفة الله جل
وعلا لا تخفى عليه خافية فهذا العموم محفزظ .
وعز إلا قوله والله بكل شيء أي عليم ذاه :فهذا باقي على عمومه .
وقوله:يعني بالنصب على قوله مستثنى المنصوب على استثناء ،وقوله خلقكم من نفس واحدة :يعني هل يخرج من الإنس أحد ؟خلقكم من نفس واحدة هل يخرج من البشر فرد من الأفراد ما ترجع إلى هذه النفس الواحدة ؟
لا فهو محفوظ وباقي على عمومه .
فخذه دون لبس :هذا جاء عام لجميع البشر فكلهم من ذرية آدم ((كلكم لآدم)) ،وكأن المؤلف ويتبع في هذا السيوطي في النقاية :"إنه لا يوجد عام محفوظ إلا هاتين الآيتين وما عدا ذلك كل عموم مخصوص لا يوجد عموم محفوظ في القرأن إلا هاتين الآيتين "، وهذا الكلام ليس بصحيح هذا الكلام غير صحيح {إن الله لا يظلم الناس شيئاً }فهل هذا مخصوص أم على عمومه ؟
على عمومه ،{ولا يظلم ربك أحد}على عمومه .
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يرد على من يقول بهذا القول :"إستعرض العمومات في الفاتحة وفي الورقة الأولى
من البقرة فأوجد من ذلك عدد كبير جداً من العمومات المحفوظة في ورقة فكيف
في القرآن كله ؟هذا موجود في الفتاوى لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى .
يقول الناظم رحمه الله تعالى النوع الثاني والثالث من العقد الخامس التي ترجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام
النوع الثاني والثالث : لما ذكر العام الباقي على عمومه يقابله العام المخصوص - والعام الذي يراد به الخصوص ، وعرفنا الفرق بينهما .
العام المخصوص : في
المتكلم حينما تكلم باللفظ العام يريد جميع الأفراد ثم بعد ذلك تكلم بكلام
يخرج بعض هذه الأفراد ،والعام الذي أريد به الخصوص من الأصل تكلم باللفظ
العام وهو لا يريد جميع الأفراد إنما يريد بعضهم .
وأول :العام
المخصوص ، شاع: أي كثر ،لمن أقاس: أي تتبع والألف للإطلاق العام المخصوص
كثير جداً يأتي نص يتناول أفراد ثم يخرج بعض هذه الأفراد بمخصص هذا كثير
وشائع في النصوص .
والثاني : العام الذي أريد به الخصوص إذا كان الأول شائع فالثاني أقل منه .
والثاني :
والمراد به العموم العام الذي أريد منه الخصوص ،نحو يحسدون الناس :والناس
المراد بهم: النبي صلى الله عليه وسلم فهو من العام الذي أريد به الخصوص .
{الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم }هل
معنى هذا أن جميع الناس جاءوا وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن جميع
الناس بما فيهم هذا القائل وبما فيهم المقول له قد جمعوا لكم ؟
يعني إن الناس : يشمل الذي
جاء ويشمل الذين جمعوا ويشمل الذين جمع لهم لأن اللفظ عام لكن هل هذا مراد
؟ هذا غير مراد فهو من العام الذي يراد به الخصوص ،فالذي جاء شخص واحد
نعيم ابن مسعود ،{ إن الناس قد جمعوا لكم } أبو سفيان ومن معه فهذا من العام الذي أريد به الخصوص .
وأول حقيقة: الأول حقيقة العام المخصوص حقيقة استعمال في ما وضع له ،الإنسان جنس الإنسان {إن الإنسان لفي خسر} هذا حقيقة استعمل في كل الناس إلا من استثني فهو استعمال حقيقي لكن الذين قال لهم الناس هل هذا استعمال فيما وضع له ؟
لو سرنا على ما يريد وعلى
تقرير مذهبه في جواز المجاز يقول الناس ليس بحقيقة لأنه استعمل اللفظ في
غير ما وضع له ،الأصل أن الناس أمر عام يشمل الجميع فاستعمل بإزاء شخص واحد
فهو استعمال للفظ في غير ما وضع له فهو مجاز .
وأول حقيقة والثاني مجاز لمن يعاني : عرفنا المثال للعام الذي يراد به الخصوص ، العام المخصوص {المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}مثلاً أخرج منهم الحامل والصغيرة والئيسة وقبل الدخول مثلاً ليس عليها تربص أصلاً الأمة قرآن وليست ثلاثة المهم أنه دخلت مخصصات فإطلاق العام في العام المخصوص حقيقي ،وإطلاق العام في العام الذي يراد به الخصوص على كلامه مجاز .
والفرق لمن يعاني : الفرق ظاهر لمن تأمله .
وقرينة الثاني ترى عقلية : الفروق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص :
الفرق الأول:أن العام المخصوص حقيقة والعام الذي أريد به الخصوص مجاز عنده.
والفرق الثاني: أن الثاني
الذي يراد به الخصوص قرينته عقلية يعني العقل يدرك أن الناس كلهم جميع ما
على وجه الأرض من الناس جاءوا للنبي عليه الصلاة والسلام بما فيهم النبي
عليه الصلاة والسلام وبما فيهم من جاء وبما فيهم من يُعد له العدة قرينة
على العقل يأبى هذا .
فالثاني قرينته عقلية يعني العام الذي أريد به الخصوص قرينته عقلية عن إرادة المعنى العام .
وأول قطعاً:العام المخصوص تُرى لفظية : كالإستثناء مثلاً، والشرط، والصفة وغير ذلك من المخصصات ،مخصصات لفظية .
قرينة الثاني تُرى عقلية وأول قطعاً ترى لفظية
والثاني يعني فرق الثالث بين العام المخصوص، والعام الذي اريد به الخصوص، والثاني جاز أن يُراد الواحدُ فيه وأوّلٌ لهذا فاقدُ.
العام الذي أريد به الخصوص يجوز أن يُراد به واحد، والمثال ظاهر في هذا {الذين قال لهم النّاس} شخص واحد، العام الذي يُراد به الخصوص يجوز أن يُراد به واحد؛ لكن العام المخصوص يجوز أن يُراد به به واحد ؟
{إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا}،
هل يجوز أن يكون المـُستثنى أكثر من المـُستثنى منه، يجوز أن يكون أكثر من
المـُستثنى منه، خلاف لكن هل يجوز أن يُستثنى جميع الأفراد ما يبقى إلا واحد؟
قالوا: لا بد أن يبقى من العام أقل الجمع؛ ولذا يقول:
(والثاني جاز أن يُراد الواحدُ): يُراد المفرد بلا خلاف، والآية دليلٌ على ذلك فيه مُتعلق يُراد.
(وأوّلٌ): العام المخصوص (لهذا فاقد): لجواز المذكور (فاقد): أي فلا يُستثنى أكثر من النصف عند بعض أهل العلم.
لو قال عندي لك عشرة دراهم إلا سبعة، قالوا: الاستثناء باطل؛ لأنه أستثناء أكثر من النصف.
لو لم يبقى إلا واحد أإيضًا باطل، عندي لك عشرة إلا تسعة، يبحثوه في باب الإقرار لكن يُستثنى أقل من النصف جائز، وأكثر جائز إذا بقي أقل الجمع عند بعضهم
( ما خص منه): أي من الكتاب بالسنة ،مسألة تخصيص الكتاب بالسنة، التخصيص رفع جزئي للحكم:
_ فجمهور أهل العلم يرون
عدم نسخ الكتاب بالسنة لأنه رفع كلي وأما التخصيص الذي هو رفع جزئي لا يرون
به بأساً، وأن السنة تخُصص الكتاب، بخلاف النسخ فالجمهور على أن السنة لا
تنسخ الكتاب.
_ وإن قال بعض أهل التحقيق بجواز ذلك لأن الكل وحي،الكل وحي.
فيقول الناظم رحمه الله تعالى:
( تخصيصه) :يعني الكتاب بسنة صحيحة أو حسنة ( قد وقعا): وقعا، فالألف هذه للإطلاق، ووقوع هذا النوع كثير:
*ففي قوله _جل وعلا_: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}[1]، "الميتة" من ألفاظ العموم لأن (أل) جنسية خُص منه بالسنة السمك والجراد ، ميتتان ودمان، السمك والجراد ميتة لكنها مخصوصة بالسنة من عموم قوله _جل وعلا_:{حرمت عليكم الميتة} فهذا مثال.
يقول:
فلا تَمِلْ لِقَولِ مَنْ قَدْ مَنَعَا
(المنع):يُذكر
عن أبي حنيفة _رحمه الله_ وأن في التخصيص وإن كان رفعاً جزئياً إلا أنه
إلغاء لبعض الأفراد التي يتناولها العامة فهي مُشبهه للنصف من وجه وإن لم
يكن رفع كلي إلا أنه رفع جزئي؛ فلا يكون ذلك إلا بما يقاوم المرفوع في
القوة والسنة لا تقوم الكتاب في قوته، فالنسخ والتخصيص عنده هو من باب واحد.
(آحادها): يعني آحاد السنة هو ما لم يبلغ حد التواتر
(وغيرها ):أي غير الآحاد من المتواتر سواء يعني يخصص الكتاب بما ثبت في السنة سواء بلغ حد التوتر أو لم يبلغ .
(فبالعرايا): جمع عرية كعطية وضحية وعطايا وضحايا.
(خُصت الرباء):استثنية
العرايا، والعرايا من المزابنة التي جاء تحريمها والمزابنة مُفظية إلى
الربا؛ لأنه لا يتحقق فيها المماثلة ،بيع التمر رطباً على رؤوس النخل بتمرٍ
جاف بكيله من الجاف أو بما يؤول إليه من الجاف هذه مزابنة ولعدم تحقق
المماثلة أوجد الربا في هذه الصورة استثني من هذه الصورة العرايا في خمسة
أوسق أو مادون خمسة أوسق ، العرايا نوع من المزابنة ينطبق عليها تعريفها
إلا أنها خُصت بقوله_عليه الصلاة والسلام_ ((إلا العرايا))،
والعرايا كما هو معلوم أن يحتاج إلى تمر رطب يأكله مع أولاده وأسرته مع
الناس ولا يكون عنده مايشتري به إلا التمر الباقي من تمر العام الماضي
الجاف، فلو باعه ما حصلت له القيمة التي يريد ويشتري بها ما يكفيه ويكفي
أولاده، فيقال له: رفقاً به "لك أن تشتري به رطباَ،" وهذا مخصوص من المزابنة .
الربا ثبت تحريمه بالكتاب {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[2]
حرم بالكتاب وبالنصوص القطعية في أكثر من آية محرمة خُص بالعرايا، وإن كان
فيها ربا إلا أنها مخصصة والحاجة التي يحتاجها من يريد التمر الرطب لولا
النص ما أبيح الربا القطعي لمجرد الحاجة لكن النص أجاز العرايا، ولذا لا
يقال:" أن كل حاجة تبيح المحرم" وقد تكون بعض
الحاجات أشد من حاجة مُريد العرية؛ لكن لا يجوز له أن يتجاوز ما حرم الله
عليه إلا بنص، أو ضرورة إذا كان التحريم بنص من الكتاب ومن السنة فلا يبيحه
إلا الضرورة على ما ذكرناه مراراً أما ما مُنع باعتباره فرد من أفراد
قاعدة عامة مثلا ،أو قاعدة أغلبية ، أو حرم بعمومات لم يُنص عليه بذاته،
فمثل هذا من أهل العلم من يرى أن الحاجة تُبيحه ، المزابنة ربا والعرايا
ربا ،ربا لعدم التماثل فاستثنائها تخصيص لتحريم الربا، لا هي ربا إذا لم
تتحقق المماثلة عدم العلم بالتساوي كالعلم بالتفاضل ، ولم تتحقق في
المزابنة ولا في العرايا ،المزابنة باقية على النهي والعرايا مستثناة ، فهي
مُخرجة من تحريم الربا.. نعم.
[1]سورة (المائدة:3)
[2]سورة (البقرة:275)
النوع الخامس ما خُص به من السنة عكس النوع السابق، النوع السابق الكتاب يأتي عام والسنة مخصصة، النوع الخامس السنة عامة والكتاب مُخصص يقول:
(عزَّ): يعني قَلَّ؛ فلم يُوجد تخصيص السنة في الكتاب.
(سوى أربعة): مواضع فقط، والحصر هذا يحتاج إلى استقراء تام .
وهذه المواضع الأربعة التي زعم الناظم تبعًا لصاحب "النقاية" أنه لايوجد غيرها:
(كآية الأصواف): {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً}[1]
تدل: على طهارة هذه الأصواف، وطهارة هذه الأوبار، والأشعار؛ إذ لو لم تكن
طاهرة لما أمتن الله_جلّ وعلا_ بها وهذه الآية مُخصصة لعموم حديث ((ما أُبِينَ من حي فهو كميتتهِ))،
ما أُبِينَ من حي فهو كميتتهِ، والحديث عند الترمذي وأحمد والحاكم، من طرق
كلها ضعيفة حَسَنَهُ بعضهم كالترمذي بمجموع طُرُقِهِ، وله طرق متباينة تدل
على أن له أصل ليس بضعيف ضعفا شديد:
_فمنهم من حسنه.
_ومنهم من قال الصواب إرساله كالدارا القرطبي.
المقصود أن هذا الحديث عام مُخصص بالآية {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا}،
ومعلوم أن الأصواف تُجزّ والبهيمة حية، وكذلك الأوبار، والأشعار غالبًا
كما أنها إذا ذبحت يُجز شعرها أو يبقى على الجلد، المقصود: أنه طاهر بالآية
سواء أُخذ منها في حال الحياة، أو بعد مفارقتها للحياة بذبح أو موت، وهذا
على أن الصوف حكمه حكم المتصل.
أما إذا قلنا: أن الصوف
والظفر أحكامها أحكام المنفصل فلا إشكال، ولا نحتاج إلى مثل هذا؛ لإنها ما
أبينت هي في الأصل حكمها حكم المبان المنفصل.
وهذه المسألة مسألة خلافية بين أهل العلم، و من أراد القاعدة والتمثيل عليها فعليه بقواعد ابن رجب، ذكر هذه القاعد هل الصوف والظفر(الشعر والظفر في حكم المتصل أو في حكم المنفصل) وما يتفرع على ذلك من أحكام ؟ هذا موجود في القواعد لابن رجب.
كأنهم يميلون إلى أنها في حكم المنفصل، وأنها لا يتأثر الحيوان بجزّها ولا يشعر بذلك فهي في حكم المنفصل.
أما ما يدخل في الأيمان
والنذور من ذلك: فلو حلف ألا يضع يده على بهيمة ووضع يده على شعرها؟ يكون
حينئذٍ قد وضع يده على البهيمة.أو حلف لا يمس بهيمة فمس شعرها؟
وقلنا إن الشعر في حكم
المنفصل، نقول: ما مس البهيمة؛ لكن مثل هذا المثال يَخرج بكون الأيمان
والنذور مَرَدُها إلى الأعراف؛ والعرف: لا شك أنه جارٍ على أن من وضع يده
على بهيمة فقد مسها وضع يده عليها، والإمام مالك يرجعه إلى نيته.
قال فيما بعد:
....................
(ماأبين ):خص في أولى هذه الآيات التي هي آية الأصواف.
(أو كالجزية) :
في الحديث عام :((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله))، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله))، خُص من ذلك أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية فالحديث عام والآية خاصة{حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }[2]
؛فإذا أعطوا الجزية خرجوا من عموم الحديث، هذا الخلاف بين أهل العلم في
كون الجزية خاصة باليهود والنصارى أو هي لهم ولمن لهُ شبهة كتاب كالمجوس
أولجميع طوائف الكفر من المشركين وغيرهم على كل حال هذا جارٍ على أن الجزية
خاصة بأهل الكتاب .
في آية البقرة {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}[3] ، {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}، مع ما جاء في النهي عن الصلاة في الأوقات المعروفة الخمسة، فالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى، يُرادُ بالصلوات هنا: الفرائض {صلوات} في الآية: الفرائض ، وأحاديث النهي عامة شاملة للفرائض وغيرها؛ فتخص أحاديث النهي بالفرائض.
(والصلوات حافظوا عليها)، يقول:
(وخصت الباقية): من الآيتين
(النهي عن حلّ الصلاة): فالنهي عن حل الصلاة في أوقات النهي الخمسة مخصوص بالفرائض لقوله _جلّ وعلا_{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ }؛ فتُؤدى في أوقاتها، وإذا نام عن صلاة، أو نسيها فليصليها إذا ذكرها، وهذا من المحافظة عليها ولو كان في وقت نهي.
هذا بالنسبة للفرائض ظاهر (الفرائض ظاهر )، ولم يقل بأن النّهي يتناول الفرائض إلا أبو حنيفة في "إذا انتبه لصلاة الصبح مع بزوغ الشمس" يَقُول: "يُؤخرها حتى ترتفع الشمس، وينتهي وقت النهي"
هذا مذهبه؛ لأن النبيّ_عليه الصلاة والسلام_ لما ناموا عن صلاة الصبح
أمرهم بالانتقال من المكان _الوادي_ الذي ناموا فيه، يقول الحنفية: من أجل
أن يرتفع وقت النهي ترتفع الشمس، ويزول وقت النّهي. والصواب: أن الشمس قد
ارتفعت قبل أن يستيقظوا، وزال وقت النّهي قبل استيقاظهم؛ لأنه لم يوقظهم
إلا حرّ الشمس، والشمس لا يصير لها حرّ إلا إذا ارتفعت كما هو معلوم.
المقصود: أن الفرائض
مستثناة من النهي عن الصلاة في الأوقات، أما ما عدا الفرائض فالنهي يتناوله
على خلاف بين أهل العلم في ذوات الأسباب: هل تُفعل في أوقات النّهي أو لا
تفعل؟
الذي يهمنا من الأمثلة: تخصيص أحاديث النّهي بقوله _جلّ وعلا{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}؛ لأن هذا من مباحث الكتاب.
من باب الاستطراد أن نعرض غير هذه الآية فجاء في الباب أحاديث النّهي:
_ النّهي عن الصلاة بعد الصبح حتى طلوع الشمس.
_ والنهي عن الصلاة بعد العصر بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
_ وحديث عقبة بن عامر:" ثلاث ساعات كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ينهانا أن نصلي فيهنّ، وأن نقبر فيهنّ موتانا".
_ مع ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)).
_ ومع الصلاة بعد الوضوء في حديث بلال .
_ وأدلةٌ أخرى كلها ((يابني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلّى بهذا البيت في أية ساعة شاء من ليلٍ أو نهار)).
والمقصود: أن هناك صلوات لها أسباب تَتَعارض أحاديثها مع أحاديث النهي فالجمهور: "الحنفية، والمالكية، والحنابلة":
على أن أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النّهي خاصة بهذه الأوقات، والخاص مُقدم على العام ""فلا يُفعل في الأوقات الخمسة شيء من النوافل ولو كان له سبب""؛ لأن الخاص مقدم على العام.
الشافعية: يعكسون، يعكسون
فيقولون: أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة
بهذه الصلوات التي جاء ذكرها، والخاص مُقدم على العام.
وليس قول أحدى الطائفتين
بأوّلى بالقبول من قول الطائفة الأخرى؛ فهما مستويان، وبين هذه النصوص
العموم والخصوص الوجهي، وليس العموم والخصوص المطلق كما يدّعيه كل فريق، كل
فريق يرى أن أحادِيثه خاصة، وأحاديث خصمه عامة، والخاص مقدم على العام؛
لكن من خلال النظر في نصوص الفريقين كَلامُهم كله صحيح فأحاديث النّهي عامة
في جميع الصلوات خاصة في هذه الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع
الأوقات خاصة بهذه الصلوات، فالعموم والخصوص وجهين ونحتاج إلى مُرجح خارجي،
والمسألة يطول شرحها؛ لكن المرجح عندي:
_ أن الوقتين الموسعين لا
مانع من الصلاة فيهما لذوات الأسباب؛ لأن النّهي عن الصلاة في هذين الوقتين
من باب نهي الوسائل لإن لا يَستمر يصلي حتى يأتي الوقت المضيق.
_ أما الوقت المضيق فالنهي
فيها أشد ولا يقتصر النهي على الصلاة، بل يتناول ذلك إلى دفن الأموات لأن
لا يُحتاج إلى الصلاة فالمسألة فيها أشد، وسبب النهي: تَعلق الكفار بطلوع
الشمس وغروبها، ولا يمكن أن يُتَعلق بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر لإن
الطلوع والغروب بقي عليه وقت طويل، ويبقى أنه نهي نهي وسيلة لأن لا يستمر
الإنسان يصلي إلى أن يضيق الوقت كما قال "ابن عبد البر، وابن رجب وغيرهما".
والمسألة طويلة الذيول وبُحثت مناسبات كثيرة .
والعَامِـلِيْنَ ضُمَّهَا إِلَيْـهَا
لأن في [ قوله تعالى ] :((إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها))، مع حديث:((لاتحل الصدقة لغني ))، ((لاتحل الصدقة لغني ))، غني: نكرة في سياق النفي؛ فتشمل كلّ غني ، والعامل عليها يستحق الزكاة يستحق شيئا من الزكاة بالنص بالآية { وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ }[4]، فهو مخصوص من عموم الحديث، هذا ما يُرِيُده المؤلف من هذه الأمثلة يقول:
آية الأصواف: خصةَ حديث ((ما أبين من حي فهو كميتته)).
أو كالجزيةِ:{حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } خصت حديث: ((أمرت أن أقتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)).
والصلوات حافظوا عليها: خصت أحاديث النّهي عن الصلوات في الأوقات الخمسة.
_والصلوات حافظوا عليها_ والعاملين ضمها إليها: خصت حديث:(( لا تحلوا الصدقة لغني)).
حديث (ما أبين في أوّلاها) :يعني آية الأصواف خُص، وأيضاً خَص ما تلاها لقوله "أمرت أن أقاتل "للإطلاق" من لم يكن لما أردت من النطق بالشهادتين قابلا، وخصت الباقية من الآيتين النهي عنِ (حل الصلاة والزكاة للغني ) الأمثلة ظاهرة إن شاء الله تعالى.
[1]سورة (النحل:80)
[2]سورة(التوبة:29)
[3]سورة (البقرة:238)
[4]سورة (النساء:6)
تم التهذيب بواسطة زمزم
نهج التيسير للشيخ: محسن علي المساوي
العقد الخامس
النوع الأول: العام الباقي على عمومه النوع الرابع: ما خص منه، أي من الكتاب، بالسنة النوع الخامس: ما خص به من السنة
ما يرجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام، وهو أربعة عشر نوعاً
العام: هو ما عم شيئين فصاعداً، من غير حصر، وضده الخاص، وهو: ما لا يتناول شيئين فصاعدا من غير حصر (وعز) أي: العام الباقي على عمومه، إذ ما من عام إلا وخص (إلا قوله) تعالى (والله بكل شيء أي عليم)، فإنه باق على عمومه، إذ الشيء عام غير مخصوص: فالله سبحانه وتعالى عليم بكل شيء: من الكليات والجزئيات (ذا هو) أي هذا هو العام الباقي على عمومه، (وقوله) بالنصب، عطفاً على قوله المتقدم (خلقكم من نفس واحدة، فخذه دون لبس)
أي فإن الخطاب بقوله خلقكم لجميع البشر، وكلهم من ذرية آدم بلا تخصيص، ثم
ظاهر كلام الناظم حصر العام الباقي على عمومه في هذين فقط تبعاً للنقاية إذ
قال فيها: ولم يوجد لذلك مثال، مما لا يتخيل فيه تخصيص، إلا قوله تعالى،
وذكر الآيتين، وليس كذلك، فإن الأصوليين ذكروا أمثلة لهذا العام غير ما
ذكر، بل السيوطي نفسه نقل في الإتقان عن الزركشي آيات، عمومها لم يخص، منها
قوله تعالى: {إن الله لا يظلم الناس شيئا}. ومنها قوله تعالى: {ولا يظلم ربك أحداً}. ومنها قوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الأرض قراراً}.
فإن
قيل: إن هذه الآيات في غير الأحكام الفرعية، ومراد الناظم بالحصر المذكور،
آيات الأحكام الفرعية، قلنا: ما ذكره في النظم أيضاً ليس منها، وأما هي كما
استخرجها في الإتقان، فقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم ...} الآية، فإنه لا تخصيص فيها، والله أعلم.
النوع الثاني والثالث: العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص (وأول) أي العام المخصوص (شاع) أي: كثر (لمن أقاسا) بألف الإطلاق أي: تتبع، وذلك كتخصيص قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} أي: الحامل، والآيسة، والصغيرة، بقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ...} الآية، وبقوله تعالى: {واللائي يئسن ...} الآية. (والثان) أي: العام الذي أريد به الخصوص (نحو) قوله تعالى: (يحسدون الناس) أي النبي صلى الله عليه وسلم، لجمعه ما في الناس من الخصال الحميدة، ونحو قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ...}
الآية، والمراد بالناس الأول نعيم بن مسعود الأشجعي، لقيامه مقام كثير في
تثبيط المؤمنين عن الخروج بما قاله، وبالناس الثاني: أبو سفيان، لقيامه
مقام كثير أيضاً في تحريض الكفار على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم
أراد الناظم أن يفرق بين العامين المذكورين، بثلاثة أمور، أشار لأولها بقوله (وأول) أي: العام المخصوص (حقيقة) لأنه إنما استعمل فيما وضع له، ثم خص منه البعض بمخصص.
(والثاني) أي العام الذي أريد به الخصوص: (مجاز) لأنه استعمل ابتداء في بعض ما وضع له، وهذا البعض غير الموضوع له، (الفرق) المذكور ظاهر (لمن يعاني) أي يعتني به، وأشار إلى ثانيهما بقوله (قرينة الثاني) أي: العام الذي أريد به الخصوص.
(ترى عقليه) إذ هي حالية مثلاً (وأول) أي: العام المخصوص، أي قرينته (قطعا) أي جزماً (ترى لفظيه)
وذلك كالاستثناء والشرط، والصفة، وغيرها من المخصصات المتصلة والمنفصلة،
وأشار إلى ثالثها بقوله (والثان) بحذف الياء للوزن، وهو العام المراد به
الخصوص (جاز) بلا خلاف (أن يراد) به الفرد (الواحد) فقوله (فيه) أي: به، متعلق بيراد، (وأول) وهو العام المخصوص (لهذا) الجواز المذكور (فاقد)
أي: فلا يجوز فيه قصر العام على فرد واحد من أفراده، جوازاً متفقاً عليه،
بل على خلاف، والأصح، كما في اللب وغيره: جوازه، إلى أن يبقى أقل الجمع إن
كان جمعاً، والى واحد إن كان مفرداً – والله أعلم.
(تخصيصه) أي الكتاب (بسنة) صحيحة أو ما هو بمنزلتها (قد وقعا) بألف الإطلاق، أي وقع وقوعاً كثيراً، وذلك كتخصيص قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم} بحديث ((أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال))
رواه الحاكم وابن ماجه، من حديث ابن عمر مرفوعاً، وكتخصيص آيات المواريث
بغير القاتل، والمخالف في الدين، المأخوذ من الأحاديث الصحيحة، إذا عرفت
ذلك (فلا تمل) بفتح التاء، وكسر الميم، من الميل
(لقول من قد منعا) بألف الإطلاق، كأبي حنيفة وغيره، مستدلين بأن الكتاب
قطعي، والسنة ظنية، والقطعي لا يخصص بالظني، كما أنه لا ينسخ به، إذ
التخصيص نسخ الحكم عن بعض الأفراد، ويجاب بأن النسخ أشد من التخصيص، إذ هو
رفع الحكم عن المحكوم به، رأساً، بخلاف التخصيص، فإنه قصر الحكم على البعض،
وبأن محل التخصيص إنما هو دلالته لا متنه وثبوته، ودلالة العام على كل فرد
بخصوصه ظنية، بخلاف ثبوت ذلك العام ومتنه في القرآن، فإنه قطعي، وليس
الكلام فيه.
ثم قال: (آحادها) أي السنة (وغيرها) أي الآحاد (سواء) أي: مستوفى جواز تخصيص الكتاب بها؛ فإذا علمت ذلك (فبـ) حديث (العرايا)، وهو ما رواه الشيخان، أنه صلى الله عليه وسلم رخص بيع العرايا، والعرايا: هو بيع تمر برطب، فيما دون خمسة أوسق، قد (خصت الرباء) أي: آية الربا، وهي قوله تعالى: {وحرم الربا ...} الآية، فإنها شاملة للعرايا ولغيرها، فأخرج العرايا من التحريم، بالحديث المذكور، وهو آحاد. والله أعلم.
(وعز) أي قل (لم يوجد) تخصيص السنة بالكتاب (سوى أربعة) من الآيات، قد خص بها أربعة أحاديث، وذلك (كآية الأصواف) في سورة النحل، عند قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين ...} الآية.
(أو) هي بمعنى الواو (كـ) آية (الجزية) في سورة التوبة، عند قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون ...} إلى قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عند يد وهم صاغرون}.
(و) آية (الصلوات حافظوا عليها) في سورة البقرة، عند قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} (و) آية (العاملين) في سورة التوبة، عند قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء ...} إلى قوله: {والعاملين عليها}، وقوله (ضمها) أي آية العاملين (إليها) أي: إلى الثلاث المتقدمة، تكملة، ثم بين الأحاديث المخصصة بتلك الآيات فقال: (حديث ما أبين) من حي فهو ميت. رواه الحاكم، عن أبي سعيد، وصححه على شرط الشيخين (في أولاها) أي: أولى الآيات، وهي آية الأصواف (خص)
أي: عموم ذلك الحديث، فإنه دال على أن ما انفصل من حي، فحكمه حكم الميت،
سواء كان صوفاً أو وبراً أو غيرهما، بآية الأصواف الدالة على طهارة الصوف
والوبر، وإن انفصلا من حي (وأيضاً) أي: وكما خص ذلك (خص) بالبناء للفاعل (ما تلاها) أي: تلا الآية الأولى، وهي آية الجزية (لقوله) صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتلا) بألف الإطلاق (من لم يكن لما أردت) من النطق بالشهادتين (قابلا) وناطقاً بهما، وذلك ما رواه الشيخان، من قوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله))، فإنه عام شامل لمن أعطى الجزية ومن لم يعطها، فخص بالآية المتقدمة، الدالة على عدم جواز مقاتلة من أعطى الجزية (وخصت الباقية) من الآيتين، وهما آية حافظوا على الصلوات، وآية العاملين (النهي) بالنصب مفعول به (عن حل الصلاة): راجع لآية حافظوا، (والزكاة للغني) راجع لآية العاملين، والمعنى: أن قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات}
مخصصة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الأوقات المكروهة،
المروي في الصحيحين وغيرهما، فإنه عام للصلوات المكتوبة وغيرها، فخصته
الآية في غيرها، وأما هي فمأمور بمحافظتها مطلقاً، وأن قوله تعالى: {والعاملين عليها} مخصصة لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إعطاء الزكاة للغنى، وهو كما رواه النسائي وغيره بلفظ: ((لا تحل الصدقة للغني)) فإنه عام شامل للعاملين وغيرهم. فخصته الآية بغيرهم فقط، أما هؤلاء فيحل لهم أخذها، لأنها أجرة لهم. والله أعلم.