8 Aug 2016
بيان معاني أسماء سورة الفاتحة
سورة الفاتحة أكثر سور القرآن الكريم أسماءً وألقاباً، وذلك من دلائل
فَضْلِها، وعَظَمَةِ شأْنها، وكَثرةِ ذِكْرِها، وقد تضمَّنت تلك الأسماء
والألقاب أنواعاً من المعاني الجليلة التي من تأمّلها وتفكّر في دلائلها
تبيّنت له عظمة هذه السورة الجليلة، وازداد يقيناً بفضلها، وحرصاً على
الانتفاع بها.
والفرق بين اسم السورة ولقبها:
- أن اسم السورة ما وضع لتعيينها والدلالة عليها.
- ولقب السورة: ما اشتهرت به من وصف مدح بعدَ تقرُّرِ أسمائها.
ولذلك إذا اجتمع الاسم واللقب كان الأفصح تقديم الاسم لتقدّمه في الوضع
ولدفع الالتباس إلا أن يكون اللقب أشهر من الاسم وأكثر تداولاً أو لإرادة
التشويق بذكر الوصف ثم التعريف بذكر الاسم.
ويصحّ أن يُعدّ اللَّقبُ اسماً كما في الصحيحين من حديث محمد بن جبير بن
مطعم، عن أبيه رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر،
وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد».
وهذه ألقابٌ وأوصاف مَدح له صلى الله عليه وسلم، وهي أسماؤه باعتبار دلالتها على المسمَّى.
تعداد أسماء سورة الفاتحة:
من أسمائها الثابتة: فاتحة الكتاب، وفاتحة القرآن، والفاتحة، وأم الكتاب، وأم القرآن، و{الحمد لله رب العالمين}، و{الحمد لله}، والحمد، والسبع المثاني، والقرآن العظيم.
وقد ذكر عدد من المفسّرين أسماءً أخرى للفاتحة حتى أوصلوها إلى نحو ثلاثين
اسماً عامّتها ألقاب وأوصاف أُخذت من بعض الأحاديث والآثار، وفي بعضها
تكرار، وفي بعضها نظر من جهة عدم ظهور دلالة النصّ على إرادة التسمية.
ومما ذكر من تلك الأسماء: الشافية، والكافية، والوافية، والرقية، والصلاة، والدعاء، والسؤال، والشكر، والكنز، والأساس.
شرح معاني أسماء سورة الفاتحة:
1. فاتحة الكتاب
وهو أكثر الأسماء وروداً في الأحاديث والآثار الصحيحة، ففي الصحيحين من
حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال: (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
وفي هذا الاسم أحاديث أخرى في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي قتادة وعائشة رضي الله عنهم.
وسمّيت فاتحة الكتاب لأنّها أوّل ما يُستفتح منه، أي يُبدأ به.
قال ابن جرير الطبري: (وسمّيت فاتحة الكتاب، لأنّه يفتتح بكتابتها المصاحف، وبقراءتها الصّلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة).
وفي سبب هذه التسمية قول آخر ضعيف، وهو أنها سميت بذلك لأنها أوّل سورة
نزلت من السماء، وهذا القول ذكره العيني في شرحه على صحيح البخاري، وهو قول
ضعيف مخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من أنّ أوّل ما نزل من القرآن صدر
سورة "اقرأ".
2. ومن أسمائها "فاتحة القرآن"، وهذا الاسم روي
عن بعض الصحابة والتابعين: منهم عبادة بن الصامت وأبو هريرة وابن عباس
ومحمد بن كعب القرظي، وورد في أحاديث مرفوعة في إسنادها مقال.
وسميت "فاتحة القرآن" باعتبار أنها أوّل ما يقرأ منه لمن أراد قراءة القرآن من أوّله، أو أوّل ما يقرأ من القرآن في الصلاة.
3. ومن أسمائها "الفاتحة" ، هو اسم مختصر من الاسم المشتهر لهذه السورة في الأحاديث والآثار وهو "فاتحة الكتاب".
والتعريف فيه للعهد الذهني، وهو أكثر أسمائها شهرة واستعمالاً عند المسلمين، لاختصاره وظهور دلالته على المراد.
4. ومن أسمائها: "أم القرآن"؛ ودليل هذا الاسم ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم )).
وفي موطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وغيرها من حديث أبي
السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج هي خداج غير تمام).
قال أبو السائب: فقلت: يا أبا هريرة إني أحياناً أكون وراء الإمام.
قال: فغمز ذراعي ثم قال: (اقرأ بها في نفسك يا فارسي).
الخداج هي الناقصة، يقال: طفل خديج إذا ولد غير تام الخلقة أو قبل أوان ولادته.
قال الأصمعي: (الخداج النقصان، مثل خداج الناقة إذا ولدت ولدا ناقص الخَلْقِ أو لغير تمام).
والعرب تسمي ما يولَد قبل تمامِ حملِه خديجاً وخديجة.
والمقصود بأم القرآن هنا سورة الفاتحة، وفي معنى تسميتها بأم القرآن أقوال لأهل العلم يمكن إرجاعها إلى قولين:
القول الأول: سميت بذلك لتضمنها أصول معاني
القرآن؛ فهي أم القرآن باعتبار أن ما تضمنته من المعاني جامع لما تضمنته
سائر سورِهِ؛ ففيها حمد الله تعالى والثناء عليه وتمجيده وإفراده بالعبادة
والاستعانة وسؤاله الهداية التي من وفّق لها فهو من الذين أنعم الله عليهم
من عباد الله الصالحين السائرين على الصراط المستقيم قد نجّاه الله من سلوك
سبل الأشقياء من المغضوب عليهم والضالين.
وسائر سور القرآن الكريم تفصيل وبيان لهذه المعاني، واحتجاج لها بأنواع
الحجج، وضرب الأمثال والقصص والعبر التي تبين هذه المعاني وتجليها.
وهذا القول ذكره بمعناه جماعة من المفسرين.
القول الثاني: سمِّيت بذلك لتقدمها على سائر سور
القرآن الكريم في القراءة في الصلاة وفي كتابة المصاحف، والعرب تسمِّي
المقدم أمًّا لأنَّ ما ماخلفه يؤمُّه، فهي أمّ القرآن لأنها مقدّمة في
التلاوة في الصلاة وفي الكتاب في المصحف؛ فيبدأ بها كما يبدأ بالأصل.
وهذا القول ذكره بمعناه أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والبخاري في صحيحه، ثم ذكره جماعة من المفسّرين بعد ذلك.
قال ابن الجوزي في زاد المسير: (ومن أسمائها: أم القرآن وأم الكتاب لأنها أمَّت الكتاب بالتقدم).
وقد جمع ابن جرير بين القولين فقال: (وإنما
قيل لها أمَّ القرآن لتسميةِ العربِ كلَّ جامعٍ أمرًا أو مقدَّمٍ لأمرٍ إذا
كانت له توابعُ تتبعه هو لها إمام جامع: "أُمًّا").
ثمّ ذكر شواهد لغوية صحيحة على هذا القول لا نطيل بذكرها.
5. ومن أسماء الفاتحة: أم الكتاب.
وقد ورد في هذا الاسم أحاديث وآثار صحيحة:
- فمن الأحاديث ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب
وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب.
- ومن الآثار ما رواه مسلم من حديث حبيب المعلم، عن عطاء قال: قال أبو هريرة:
«في كل صلاة قراءة فما أسمعنا النبي صلى الله عليه وسلم، أسمعناكم، وما
أخفى منا، أخفيناه منكم، ومن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأت عنه، ومن زاد فهو
أفضل».
قال البخاري في صحيحه: (وسميت أم الكتاب أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة).
وهو مختصر من كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن.
والكلام في معنى هذا الاسم نظير ما تقدّم من القولين في اسم "أمّ القرآن" ،
والصواب الجمع بين المعنيين لصحّتهما، وصحّة الدلالة عليهما، وعدم
تعارضهما.
وقد روي عن بعض السلف كراهة تسمية الفاتحة بأمّ الكتاب؛ لأنه اسم من أسماء اللوح المحفوظ كما في قول الله تعالى: {وإنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم}، وقوله: {وعنده أمّ الكتاب}.
روى ابن الضريس عن وهيب بن خالد عن أيوب السختياني أن محمد بن سيرين كان يكره أن يقول: "أم الكتاب"، قال: ويقرأ: {وعنده أم الكتاب} ولكن يقول: "فاتحة الكتاب".
وذكر ابن كثير وابن حجر كراهة هذه التسمية عن أنس والحسن البصري ولم أقف على إسناد الروايتين عنهما.
وذكر السهيلي هذا القول عن بقيّ بن مخلد في تفسيره وهو مفقود.
والصواب صحّة التسمية بهذا الاسم لثبوت النص به، ولأنّ تسمية اللوح المحفوظ بأمّ الكتاب لا تمنع اشتراك الاسم، وقد قال الله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب} أي
مُعظمه وأصله الذي تُرجع إليه معانيه وما تشابه منه؛ فتسمية الآيات
المحكمات بأمّ الكتاب لا يعارض تسمية اللوح المحفوظ بهذا الاسم؛ فكذلك لا
يمتنع أن تسمّى الفاتحة بهذا الاسم.
قال ابن حجر: (ولا فرق بين تسميتها بأمّ القرآن وأمّ الكتاب، ولعلّ الّذي كره ذلك وقف عند لفظ الأمّ، وإذا ثبتَ النصُّ طاحَ ما دونَه).
6. سورة {الحمد لله رب العالمين}
وهذا من باب تسمية السورة بأول آية فيها، ولهذا نظائر كثيرة في أسماء السور؛ كسورة {عمّ يتساؤلون}، وسورة {قد أفلح المؤمنون}.
ومن أدلّة هذا الاسم: حديث حفص بن عاصم عن أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله
عنه قال: مرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي فدعاني؛ فلم آته حتى
صليت ثم أتيت.
فقال: (( ما منعك أن تأتي؟ )).
فقلت: كنت أصلي.
فقال: (( ألم يقل الله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} )) .
ثم قال: (( ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟! )).
فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليخرج من المسجد فذكَّرتُه فقال ( { الحمد لله رب العالمين } هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته )). رواه البخاري والدارمي والنسائي وغيرهم.
فسمّى السورة بأوّل آية فيها.
وقد أنكر بعض فقهاء الشافعية هذا الاسم، والصواب ثبوته، وفيه أحاديث أخرى عن أنس وغيره، وآثار عن السلف الصالح.
7. سورة {الحمد لله}
وهذا الاسم اختصار لما قبله، ومن أدلة هذا الاسم حديث ابن أبي ذئب عن سعيد
المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ({الحمد لله} أمّ القرآن وأمّ الكتاب والسبع المثاني).رواه أحمد والدارمي والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
8. سورة الحمد
وهو اختصار لما قبله، وقيل لأجل ذكر الحمد فيها، وهو من الأسماء المشتهرة لهذه السورة العظيمة.
وقد ورد هذا الاسم في بعض روايات حديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى
الله عليه وسلم كما في مسند البزّار وفيه: (ثم افتتح القراءة، فجهر بالحمد،
ثم فرغ من سورة الحمد، ثم قال: «آمين» حتى سمَّع من خلفه، ثم قرأ سورة
أخرى).
وهو اسم متداول من قديم، ونقل الحافظ العراقي عن بعض فقهاء الشافعية قولهم
إنّ تسمية السورة بهذا الاسم عرف متأخر، ثمّ تعقّبهم بحديث أبي سعيد بن
المعلّى.
وقد روي هذا الاسم عن يحيى بن يعمر العدواني وهو من كبار قرّاء التابعين من أقران أبي عبد الرحمن السلمي.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: (كان إسرائيل يحفظ حديث أبي إسحاق كما يحفظ سورة الحَمْدِ). رواه الدارقطني.
وممن اختار تسمية الفاتحة بهذا الاسم في كتابه: أبو عبيدة في "مجاز
القرآن"، وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن"، والزجاج في "معاني القرآن
وإعرابه"، والنحاس في "معاني القرآن"، وأبو عمرو الداني في "البيان".
9. السبع المثاني
وقد استُدّل لهذا الاسم بقوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}
وبتفسير النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة رضي الله عنهم للمراد بالسبع المثاني في هذه الآية أنه سورة الفاتحة.
كما تقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم )). رواه البخاري.
وصحّ نحوه من حديث أبي سعيد بن المعلّى وحديث أبيّ بن كعب.
وهذا القول مروي عن عمر وعلي وأبي هريرة وهو رواية عن ابن عباس رضي الله
عنهم أجمعين، وقال به من التابعين: الحسن البصري وأبو العالية الرياحي
وقتادة، وهو رواية عن مجاهد وسعيد بن جبير.
وهذا الاسم (السبع المثاني) مشترك مع السبع الطوال، وقد اختلف في تعيينها
على أقوال ليس هذا محلّ بسطها، وقد فسّرت هذه الآية بها، وهو قول ابن مسعود
ورواية عن ابن عباس، والمشهور عن مجاهد وسعيد ابن جبير.
واشتراك الأسماء يقع كثيراً كما كان اسم "أمّ الكتاب" مشترك بين ثلاثة أشياء على ما تقدّم بيانه.
قال ابن جرير رحمه الله: (وأولى الأقوال في ذلك
بالصواب، قول من قال: عني بالسبع المثاني: السبع اللواتي هنّ آيات أم
الكتاب، لصحة الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وهذا الترجيح للمراد بالسبع المثاني في آية الحِجْر لا يقتضي نفي تسمية السبع الطوال بالسبع المثاني.
معنى تسمية الفاتحة بالسبع المثاني
المراد بالسبع آياتها، ولذلك خالفت المعدود بالتذكير في اللفظ، وفي معنى تسميتها بالمثاني أقوال لأهل العلم:
القول الأول: لأنّها تُثنى أي تعادُ في كلِّ
ركعة، بل هي أكثر ما يُعاد ويكرر في القرآن، وهذا القول مرويّ عن عمر بن
الخطاب والحسن البصري وقتادة، وهو رواية عن ابن عباس.
قال قتادة: (فاتحة الكتاب تثنى في كلّ ركعة مكتوبة وتطوّع). رواه عبد الرزاق وابن جرير.
وقال به من المصنّفين: الفراء، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وابن قتيبة، وابن
جرير، وابن الأنباري، وأبو منصور الأزهري، ومكي بن أبي طالب، والبغوي،
وغيرهم.
قال ابن جرير رحمه الله: (وأما وصف النبي صلى الله عليه وسلم آياتها السبعَ
بأنهنَّ مَثانٍ، فلأنها تُثْنَى قراءتها في كل صلاة وتطوُّع ومكتوبة.
وكذلك كان الحسن البصري يتأوّل ذلك).
والقول الثاني: لأنّ الله تعالى استثناها لرسوله
صلى الله عليه وسلَّم فلم يؤتها أحداً قبله، وهذا القول رواه ابن جرير عن
ابن عباس، وحكاه جماعة من المفسّرين.
قال ابن جريج: (أخبرني أبي، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه أخبره أنّه، سأل ابن
عبّاسٍ عن السّبع المثاني، فقال: " أمّ القرآن "، قال سعيدٌ: ثمّ قرأها،
وقرأ منها: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، قال أبي: قرأها سعيدٌ كما قرأها ابن عبّاسٍ، وقرأ فيها {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}،
قال سعيدٌ: قلت لابن عبّاسٍ: فما المثاني؟ قال: " هي أمّ القرآن، استثناها
اللّه لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فرفعها في أمّ الكتاب، فذخرها لهم
حتّى أخرجها لهم، ولم يعطها لأحدٍ قبله). رواه أبو عبيد في «فضائل القرآن»، وابن جرير في تفسيره، وفيه عبد العزيز ابن جريج والد عبد الملك، ضعيف الحديث.
والقول الثالث: قول أبي عبيدة معمر بن المثنى إذ
قال: (وإنما سميت آيات القرآن مثاني لأنها تتلو بعضها بعضاً فثنيت الأخيرة
على الأولى، ولها مقاطع تفصل الآية بعد الآية حتى تنقضى السورة وهي كذا
وكذا آية، وفي آية أخرى من الزمر تصديق ذلك: {الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم..})
والقول الرابع: لأنها مما يُثنى به على الله تعالى، وهذا القول ذكره الزجاج احتمالاً؛ قال: (ويجوز واللّه أعلم أن يكون من المثاني أي مما أثني به على اللّه، لأن فيها حمد اللّه، وتوحيده وذكر ملكه يوم الدّين).
والقول الخامس: المثاني ما دل على اثنين اثنين كأنه جمع مَثْنى أو مشتقّ من المُثنّى الدالّ على اثنين، واختلف في تفسير ذلك على أقوال:
- أحدها: لأن
حروفها وكلماتها مُثنّاة مثل: الرحمن الرحيم، إياك وإياك، الصراط الصراط،
عليهم عليهم، غير غير في قراءة عمر، وهذا القول ذكره الثعلبي والواحدي في
البسيط وابن الجوزي غير منسوب لأحد معروف.
- والثاني: لأنها منقسمة إلى قسمين: نصفها ثناء ونصفها دعاء، ونصفها حق الربوبية ونصفها حقّ العبودية ، وهذا القول ذكره الثعلبي.
- والثالث: ما ذكره ابن جرير في تفسيره قال: (وكان بعض أهل العربية ، يزعم أنها سميت مَثَانِيَ لأن فيها الرحمن الرحيم مرّتين).
- والرابع: سمّيت مثاني لأنها مقسومة بين الله وبين العبد قسمين اثنين، ذكره الثعلبي وابن الجوزي.
- والخامس: لأنها نزلت مرتين، ذكره الثعلبي والواحدي وابن الجوزي عن الحسين بن الفضل.
- والسادس: لما فيها من ذكر المعاني المتقابلة كحق الله وحق العبد، والثواب
والعقاب، والهدى والضلال، ونحو ذلك مما يطول شرحه، وهذا القول مأخوذ من
معنى وصف القرآن كلّه بأنّه مثاني في قوله تعالى: {كتاباً متشابهاً مثاني}
على أحد الأقوال.
قال أبو المظفر السمعاني: ( وإنما سمى القرآن مثاني ؛ لاشتماله على علوم مثناة من الوعد والوعيد ، والأمر والنهى ، ونحوها).
والأقوال الأربعة الأولى مستندة على أصول لغوية صحيحة، وهي في نفسها معان
صحيحة، لكن حمل معنى الآية على القول الأول أرجح وأولى، وهو قول جمهور
العلماء.
معاني المثاني في لغة العرب
ويطلق لفظ "المثاني" في اللغة على معانٍ سوى ما تقدّم: منها ما كان بعد
المبادئ، وأثناء الشيء، وما انعطف وانحنى وإن لم يردّ آخره على أوَّله ومنه
مثاني الوادي أي ما انعطف وانحنى منه، وأكثر ما يطلق هذا اللفظ في كلام
العرب وأشعارهم على الحبال لأنّها تُثْنَى بعضها على بعض عند فَتْلِها،
ولهذه المعاني شواهدها المبثوثة في كتب اللغة، وترجع إلى أصول متقاربة،
وليس هذا محلّ بسطها، وإنما المراد التنبيه إلى الأصول اللغوية لأقوال أهل
العلم.
المراد بالمثاني في النصوص وفي كلام أهل العلم
ولفظ "المثاني" يرد في النصوص وفي استعمال أهل العلم على ستة معانٍ؛ فهو
اسم مشترك لمعانٍ متعدّدة لا تعارض بينها، وأكثرها صحيح لا خلاف فيه، وفي
بعضها ما استخرج فهماً لا نصاً، والسياق يحدد المعنى المراد:
المعنى الأول: القرآن كله مثانٍ، واستُدِلَّ له بقول الله تعالى: {الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابها مثاني تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}.
وقال حسان بن ثابت:
فمن للقوافي بعد حسان وابنه ... ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت
ونُسب هذا البيت لابنه عبد الرحمن.
والمعنى الثاني: آيات سورة الفاتحة، وبه فُسِّرَ قوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} على أحد الأقوال كما تقدّم.
والمعنى الثالث: السور السبع الطوال، وبه فسرت الآية السابقة على أحد الأقوال، واختلف في تعيين أسماء السور السبع على نحو أربعة أقوال.
والمعنى الرابع: أنها سور الربع الثالث من
القرآن وهي ما بين المئين والمفصل على أحد الأقوال في معنى حديث واثلة بن
الأسقع رضي الله عنه مرفوعاً: (أعطيت السبع الطول مكان التوراة، وأعطيت
المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل) رواه أبو
عبيد وأبو داوود الطيالسي وأحمد وابن جرير وغيرهم من طريق قتادة عن أبي
المليح عن واثلة، وهو حديث حسن إن شاء الله.
قال إبراهيم النخعي: (قدم علقمة مكة فطاف بالبيت أسبوعا ثم صلى عند المقام ركعتين قرأ فيهما بالسبع الطول.
ثم طاف أسبوعا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما بالمئين.
ثم طاف أسبوعا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما بالمثاني.
ثم طاف أسبوعا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما بالمفصل). رواه أبو عبيد في غريب الحديث عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي، وهذا إسناد صحيح رجاله أئمّة ثقات.
وعلقمة هو ابن قيس النخعي من كبار فقهاء التابعين وقرائهم، صلّى خلف عمر
سنتين، ولزم عبد الله بن مسعود وتفقّه به، وكان يًشبَّه به في هديه ودلّه
وسمته، وهو خال إبراهيم النخعي.
و(طاف أسبوعاً) أي سبعة أشواط.
قال ابن جرير: (وأما "المثاني": فإنَّها ما ثَنَّى المئيَن فتلاها، وكان المئون لها أوائل، وكان المثاني لها ثواني)
وهذا المعنى راجع إلى تسمية ما بعد المبادئ بالمثاني.
والمعنى الخامس: أنها ما كانت آياتها دون المائة وليست من المفصل، وهذا القول ذكره البيهقي في شعب الإيمان، واستدلّ له بقول ابن عباس:
(قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى
براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر "بسم الله
الرحمن الرحيم" فوضعتموها في السبع الطول) رواه
أحمد وأبو داوود والترمذي والنسائي في الكبرى من طريق عوف الأعرابي عن يزيد
الفارسي عن ابن عباس، ويزيد الفارسي ذكره البخاري في الضعفاء، وقال أبو زرعة: لا بأس به، ولعل الراجح أنه ممن لا يقبل تفرّده بمثل هذا الخبر.
والمعنى السادس: أنها أنواع معاني القرآن؛ فهو أمر ونهي، وبشارة ونذارة، وضرب أمثال، وتذكير بالنعم، وأنباء.
وهذا القول روى معناه ابن جرير عن زياد بن أبي مريم في تفسير قول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} قال: (أعطيتك سبعةَ أجزاءٍ: مُرْ، وانْهَ، وبشِّرْ، وأنذِرْ، واضربِ الأمثال، واعدُدِ النّعم، وآتيتك نبأَ القرآن).
وتفسير الآية بهذا المعنى لا دليل عليه، وهو مخالف لما صحّ عن النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه، ولا أعلم مستنداً لحصر معاني القرآن في هذه
الأنواع من أثر ولا نظر، وبعض ما ذكر داخل في بعض.
10. القرآن العظيم
ودليل هذا الاسم ما تقدّم من أحاديث أبي هريرة وأبيّ بن كعب وأبي سعيد بن المعلّى: (( { الحمد لله رب العالمين } هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته )).
وبه فسّر قول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}.
وهذا راجع إلى أنّ العظيم في هذا الموضع صفة مقيدة لا كاشفة، والفرق بينهما أن
الصفة الكاشفة لا تخصص الموصوف وإنما تبيّن حاله وصفته كما في قوله تعالى: {تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى} فالعُلى صفة كاشفة للسموات؛ لأن السموات السبع كلها عالية.
والصفة المقيّدة تخصص الموصوف وتخرج ما ليس على هذه الصفة، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} فلا تجزئ في كفارة القتل رقبة غير مؤمنة.
وبناء على هذا فقد اختلف المفسّرون في وصف العظيم في قوله تعالى: {والقرآن العظيم} على قولين:
القول الأول: صفة مقيّدة، والمراد به سورة
الفاتحة، وإطلاق لفظ القرآن على بعض آياته من باب إطلاق الكل على الجزء،
كما لو سمعت رجلاً يقرأ سورةً ثمّ قلت: هو يقرأ القرآن، كان خبرُكَ عنه
صادقاً؛ وإن لم يكن يقرأ القرآن كلّه.
وهذا القول هو قول جمهور المفسّرين، لما تقدّم من الأحاديث، ويكون عطف
"القرآن العظيم" على "السبع المثاني" لأجل تغاير الصفات مع كون الموصوف
واحداً، كما في قول الله تعالى: {تلك آيات الكتاب وقرآن مبين} ، وقوله تعالى: {غافر الذنب وقابل التوب}.
والقول الثاني: صفة كاشفة، والمراد القرآن كلّه، وهذا قول مجاهد بن جبر والضحاك بن مزاحم، وقال به من علماء اللغة أبو عبيدة وأبو علي القالي.
وهذا القول وإن كان حقاً في نفسه من حيث أن القرآن كلّه عظيم إلا أنّ
المراد بهذا القرآن مخصوص بما دلّت عليه الأحاديث الصحيحة؛ ووصف العظم
يتفاضل، فالقرآن بعضه أعظم من بعض، والفاتحة أعظم سورة في القرآن، وهي أولى
بوصف القرآن العظيم.
فهذه عشرة أسماء ثابتة بأدلتها لهذه السورة، ومنها ما هو أقرب إلى اللقب من الاسم.
11. الشافية، الشفاء.
أمّا اسم الشافية فذكره: الزمخشري والبيضاوي وابن جزيء الكلبي وأبو حيان الأندلسي، وابن كثير وابن حجر والعيني وغيرهم.
وأمّا اسم الشفاء فذكره: الثعلبي والرازي والقرطبي وأبو حيان وغيرهم.
وهو من ألقاب سورة الفاتحة، ولا ريب أنّ القرآن كلّه شفاء، وأنّ سورة الفاتحة التي هي أعظم سوره أولى بهذا الوصف وأكثر نصيباً منه.
وقد ذكر بعض المفسّرين أن هذا الاسمَ مأخوذٌ من الأحاديث المروية في وصف الفاتحة بأنها شفاء؛ كمرسل عبد الملك بن عمير: «في فاتحة الكتاب شفاء من كل داء» رواه الدارمي والبيهقي، ونحوه من الأحاديث التي تقدّم ذكرها، وبيان ضعفها من جهة الإسناد.
وقد صحّ في الأحاديث الصحيحة أنها رقية نافعة، وقد شفى الله بها من شاء من خلقه.
لكن إذا أريد قصر شفاء الفاتحة على الرقية بها أمراض الأبدان؛ فهو صرف
للمعنى عن المقصود الأعظم به، وهو شفاء القلب من أمراضه، والنفس من عللها
وأدوائها، لما تضمّنته من الهدايات الجليلة العامّة التي شملت كلّ ما
يُحتاج إليه بأحسن تنبيه، وأيسر طريق.
وبيان ذلك: أن شقاء النفس لا يكون إلا بسبب
زيغها عن هدى الله تعالى، وتفريطها في اتّباع سبيل من أنعم الله عليهم؛
وعملها ببعض أعمال المغضوب عليهم والضالين، وكلّ شقاء مردّه إلى نوع من
أنواع الضلالة عظمت أو دقّت.
وما يعمله العبد من الضلالات الدقيقة والجليلة له آثاره على قلبه ونفسه وجوارحه؛ وعلى ما يُبتلى به كما قال الله تعالى: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءً يجزَ به}
والصواب أنّ هذه الآية ليست منسوخة، وقد فسّرها النبي صلى الله عليه وسلّم
بما يدفع احتمال النسخ، ولا تعارض بينها وبين آيات العفو والمغفرة.
والمقصود أن كل ما يُخرج العبد من الشقاء أو يعصمه منه فهو شفاء، ولا ريب
أنّ دلالة هذه السورة على ما يُهدى به العبد لذلك أعظم الدلالات وأعمّها
وأيسرها؛ فنصيبها من وصف الشفاء أعظم وأتمّ.
12. الكافية.
وهذا الاسم أوّل من علمته ذكره من المفسّرين "الثعلبي" في تفسيره إذ روى
بإسناده عن عفيف بن سالم الموصلي أنه قال: سألت عبد الله بن يحيى بن أبي
كثير عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال: عن الكافية تسأل؟!
قلت: وما الكافية؟
قال: أما علمت أنها تكفي عن سواها، ولا يكفي سواها عنها، إياك أن تصلي إلّا بها).
وهذا الأثر فيه نكارة.
وقد استدلّ له الثعلبي بحديث: «أمّ القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها منها عوضا» وقد تقدّم بيان ضعفه.
وممن ذكر هذا الاسم: الثعلبي والرازي والقرطبي والبيضاوي وأبو حيان وابن كثير وابن حجر والعيني والشوكاني وغيرهم.
13. الوافية
قال عبد الجبار بن العلاء: (كان سفيان بن عيينة يسمّي فاتحة الكتاب: "الوافية"). رواه الثعلبي.
وفي معنى تسميتها بالوافية قولان:
القول الأول: لأنها لا تقرأ إلا وافية في كلّ ركعة، وهذا قول الثعلبي.
قال الثعلبي: (وتفسيرها لأنها لا تُنَصَّفُ، ولا
تحتَمِلُ الاجتزاء؛ ألا ترى أنَّ كلّ سورة من سور القرآن لو قرئ نصفها في
ركعة والنصف الآخر في ركعة كان جائزاً، ولو نُصِّفَت الفاتحة وقرئت في
ركعتين كان غير جائز).
والقول الثاني: لأنّها وافية بما في القرآن من المعاني، وهذا قول الزمخشري.
وهذا الاسم ذكره: الثعلبي والزمخشري والرازي والقرطبي والبيضاوي وابن كثير وابن حجر العسقلاني والعيني والسيوطي والشوكاني وغيرهم.
وتصحَّف هذا الاسم في تفسير ابن جزيء وتفسير أبي حيان وبعض طبعات تفسير ابن كثير إلى "الواقية".
14. سورة الرقية.
وهذا الاسم ذكره القرطبي وابن كثير والسيوطي في حاشيته على تفسير البيضاوي.
قال القرطبي: (ثبت ذلك من حديث أبي سعيد الخدري وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل، الذي رقى سيد الحي: (ما أدراك أنها رقية) ).
وقال ابن كثير: (ويقال لها: الرقية؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وما يدريك أنها رقية؟).
وهذا إذا أريد به اشتقاق وصف مدح للسورة من هذا الحديث فبابه واسع على
الراجح من قولي العلماء، وإن أريد أن الحديث دالُّ على أن من أسماء سورة
الفاتحة "الرقية"؛ ففيه نظر كبير.
15. سورة الصلاة.
وهذا الاسم ذكره: الزمخشري والقرطبي والبيضاوي وأبو حيان وابن كثير وابن حجر والعيني والشوكاني وغيرهم.
واختلف في سبب هذه التسمية على قولين:
القول الأول: لأنّ الصلاة لا تجزئ إلا بها، وهذا القول قال به الثعلبي والزمخشري والبيضاوي.
والقول الثاني: للحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين}، قال الله تعالى: حمدني عبدي...) الحديث، رواه مسلم، وقال بهذا القول النووي والقرطبي وابن كثير.
قال النووي: (قوله سبحانه وتعالى (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) الحديث
قال العلماء: المراد بالصلاة هنا الفاتحة، سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها كقوله صلى الله عليه وسلم الحج عرفة)ا.هـ.
ولتسمية الفاتحة بالصلاة وجه آخر قويّ، وهو أنّ الفاتحة صلة بين العبد وربّه، ويتحقق بها معنيا الصلاة:
- فهي صلاة من العبد لربّه باعتبار دعائه وثنائه على الله وتوجّهه إليه.
-وصلاة من الله على عبده باعتبار إجابة الله لعبده وذكره له ورحمته إياه وإعطائه سؤله.
16. سورة الدعاء.
قال مكحول الدمشقي: (مكحول، قال: أم القرآن قراءة ومسألة ودعاء). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق أبي اليمان عن أبي بكر بن مريم عن مكحول، وهو من علماء التابعين ومفسّريهم.
وهذا الأثر لا يقتضي أن من أسماء الفاتحة الدعاء، لكن من المفسّرين من اشتقّ للسورة هذا الاسم لاشتمالها على الدعاء.
وقد ذكره البيضاوي وأبو حيان وابن حجر والعيني والفيروزآبادي والسيوطي في الإتقان، وغيرهم.
17. سورة السؤال.
وهذا الاسم ذكره الرازي وأبو حيان والعيني والفيروزآبادي والسيوطي في الإتقان والخطيب الشربيني، والسؤال هنا بمعنى الدعاء.
وذكر الثعلبي والبيضاوي من أسمائها: سورة تعليم المسألة، وهو اسم غريب، وهو من دلائل توسّع بعضهم في باب أسماء السور.
18. الشكر.
وهذا الاسم ذكره البيضاوي وأبو حيان وابن حجر والعيني والسيوطي.
قال العيني: (لأنها ثناء على الله تعالى).
19. الكنز.
وهذا الاسم ذكره الزمخشري والبيضاوي وأبو حيان وابن كثير وابن حجر والعيني والفيروزآبادي والشوكاني.
واستُدلَّ له بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: « إن الله عز وجل أعطاني فيما منَّ به علي؛ إني أعطيتك فاتحة الكتاب، وهي من كنوز عرشي، ثم قسمتها بيني وبينك نصفين».
وقد سبق بيان ضعفه.
20. الأساس، أساس القرآن
روى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن وكيع أنه قال:
إن رجلا أتى الشعبي فشكا إليه وجع الخاصرة،
فقال: عليك بأساس القرآن.
قال: وما أساس القرآن؟
قال: فاتحة الكتاب.
قال الشعبي: سمعت عبد الله بن عباس غير مرّة يقول: إن لكل شيء أساسا ... إلى أن قال: (وأساس الكتب القرآن، وأساس القرآن الفاتحة، وأساس الفاتحة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
وهو خبر مكذوب.
وهذا الاسم ذكره: الثعلبي، والرازي، والقرطبي، البيضاوي، وأبو حيان، وابن
كثير، وابن حجر، والعيني، والفيروزآبادي، والسيوطي، والشوكاني.
قال العيني: لأنها أوَّل سورة في القرآن فهي كالأساس.
وقد ذكر أبو حيان ومن بعده السيوطي لهذه السورة أسماء أخرى منها: النور، والمناجاة، والتفويض، ولا أعلم لهذه الأسماء ذكراً في التفاسير المتقدّمة.
وذكر الفيروزآبادي من أسمائها (سورة الثناء) ولا أعلم له ذكراً في كتب التفسير.
هذا خلاصة ما ذكره العلماء في شأن أسماء سورة الفاتحة، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم.