10 Aug 2016
عدد آيات سورة الفاتحة
سورة الفاتحة سبع آيات بإجماع القرَّاء والمفسّرين، وقد دلَّ على ذلك النصّ كما دلَّ الإجماع:
- فأما دلالة النصّ فقول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم} مع ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من تفسيرها بسورة الفاتحة؛ فيكون العدد منصرفاً إلى آياتها.
قال أبو العالية الرياحي في قول اللّه تعالى: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} قال: (فاتحة الكتاب سبع آياتٍ). رواه ابن جرير.
- وأمَّا الإجماع فقد حكاه جماعة من أهل
العلم منهم: ابن جرير الطبري، وابن المنذر، وأبو جعفر النحاس، وأبو عمرو
الداني، والبغوي، وابن عطية، والشاطبي، وابن الجوزي، وعلم الدين السخاوي،
وابن تيمية، وابن كثير، وغيرهم كثير.
قال ابن جرير: (لا خلاف بين الجميع من القرَّاء والعلماء في ذلك).
وقد اتّفق علماءُ العدد على أنها سبع آيات.
قال أبو عمرو الداني: (اعلم أيدك الله بتوفيقه
أنَّ الأعداد التي يتداولها الناس بالنقل، ويعدُّون بها في الآفاق قديماً
وحديثاً ستة: عدد أهل المدينة الأوَّل، والأخير، وعدد أهل مكة، وعدد أهل
الكوفة، وعدد أهل البصرة، وعدد أهل الشام)ا.هـ.
والمقصود بالعدّ الشامي العدّ الدمشقي وهو المرويّ عن عبد الله بن عامر
اليحصبي(ت:118هـ) أحد القراء السبعة، وقد أخذ القراءةَ عن أبي الدرداء رضي
الله عنه، وعن المغيرة بن أبي شهاب المخزومي عن عثمان بن عفان رضي الله
عنه.
ومن أهل العلم من أضاف العدّ الحمصي وهو المروي عن شريح بن يزيد الحمصي (ت:203هـ) مقرئ أهل حمص.
وقد كان في كلّ مصرٍ من هذه الأمصار قُرَّاء من السلف تلقّوا القراءات
بالأسانيد المتَّصلة إلى قرَّاء الصحابة رضي الله عنهم، وكانت تؤخذ عنهم
أعداد الآيات كما تُؤخذ عنهم القراءات، وقد حُمل علمُهم في عدد الآيات
ودوّن في كتب أهل هذا الشأن وتناقله رواته، سوى ما ذُكر عن العدّ الحمصي
أنه اندثر قديماً ولم يجد من يتولاه ويأخذ به من المتصدّرين للإقراء.
والمقصود أنّ عدد آيات الفاتحة سبع آيات في العدّ المدني الأول، والعدّ
المدني الأخير، والعدّ المكّي، والعدّ الكوفي، والعدّ البصري، والعدّ
الشامي، كلّهم اتّفقوا على أنّ سورة الفاتحة سبع آيات.
ومع تقرّر الإجماع فقد حُكي في عدد آيات سورة الفاتحة أقوال أخرى:
منها: أنها ستّ آيات، فلا تعدّ البسملة آية
منها، وهذا القول نُسب إلى حسين بن علي الجعفي (ت:203هـ) وكان من القراء
الصالحين، قرأ على حمزة الزيات، وهو من شيوخ الإمام أحمد، وهذا القول
المنسوب إليه ذكره ابن عطية من غير إسناد، ثم توارد على ذكره جماعة من
المفسّرين بعده.
قال ابن عطية: (وهو شاذّ لا يُعوَّل عليه).
ومنها: أنها ثمان آيات؛ فتعدّ البسملة آية، و{إيّاك نعبد} آية، وهذا القول نُسب إلى الحسن البصري وعمرو بن عبيد المعتزلي.
قال الرازي: (رأيت في بعض الروايات الشاذة أن الحسن البصري كان يقول : هذه السورة ثمان آيات).
ولا يصحّ هذا القول عن الحسن البصري رحمه الله.
وكل هذه الأقوال الشاذة تُحكى في بعض كتب التفسير المتأخرة من غير
إسناد، ولا أعلم لها أصولاً في الكتب المسندة، فلا هي ثابتة عمَّن نُسبت
إليهم، ولا هي قائمة على حجة معتبرة.
والمقصود أنَّ سورة الفاتحة سبع آيات من غير خلاف بين أهل العلم، وما
ذكر من الأقوال الشاذة فغير صحيح من جهة الإسناد، وغير معتبر من جهة المتن.
الخلاف في عدّ البسملة آية من الفاتحة
ومع اتّفاق العلماء على أنّ آيات الفاتحة سبع إلا أنّهم اختلفوا في عدّ البسملة آية منها على قولين:
القول الأول: البسملة آية من الفاتحة، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد، وهي كذلك في العدّ المكي والعدّ الكوفي.
والعدّ المكّي هو المروي عن عبد الله بن كثير المكّي مقرئ أهل مكّة عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب رضي الله عنهم.
والعدّ الكوفي هو المروي عن أبي عبد الرحمن السُّلمي مقرئ أهل الكوفة عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقد روي هذا القول عن عليّ بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم.
- فروى أسباط بن نصر، عن السدي، عن عبد خير قال: سُئل علي رضي الله عنه، عن السبع المثاني، فقال: ( {الحمد لله} ).
فقيل له: إنما هي ست آيات.
فقال: ({بسم الله الرحمن الرحيم} آية). رواه الدارقطي والبيهقي، وهذا إسناد جيد.
- وقال ابن جريج: أخبرنا أبي، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه، قال في قول اللّه تعالى: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} قال: (هي فاتحة الكتاب)؛ فقرأها عليَّ ستًّا، ثمّ قال: ({بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}الآية السّابعة). رواه الشافعي وعبد الرزاق وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر، وفيه عبد العزيز ابن جريج والد عبد الملك، ضعيف الحديث.
واستُدلَّ لهذا القول بأحاديث منها:
1. حديث ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة، أنها سُئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فقالت: ( كان يقطع قراءته آية آية: {بسم الله الرحمن الرحيم} . {الحمد لله رب العالمين} . {الرحمن الرحيم} .{مالك يوم الدين}). أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي والدارقطني وغيرهم.
قال الدارقطني: (إسناده صحيح، وكلهم ثقات).
وقد أعلّه بعض أهل الحديث بعلّة الانقطاع؛ والراجح أنه موصول غير منقطع،
وإبهام السائل في هذه الرواية لا يضرّ؛ لأنّه قد سُمّي في رواية أخرى وهو
"يَعلى بن مملك"، ومن حذف ذكر السائل فقد اختصر الإسناد؛ فانتفت العلّة.
2. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً: (( إذا قرأتم {الحمد لله} فاقرءوا: {بسم الله الرحمن الرحيم}؛ إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، و{بسم الله الرحمن الرحيم} إحداها)).
رواه الدارقطني والبيهقي من طريق نوح بن أبي بلال، عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري , عن أبي هريرة، وهو إسناد صحيح، والموقوف أصح، وله حكم الرفع.
والقول الثاني: لا تعدّ البسملة من آيات سورة الفاتحة، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي ومالك، ورواية عن أحمد، وهو قول باقي أصحاب العدد.
وهؤلاء يعدّون {أنعمت عليهم} رأس آية.
واستُدلّ لهذا القول بأحاديث منها:
1. حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين}، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي - وقال مرة فوض إلي عبدي - فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين}
قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط
المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا
لعبدي ولعبدي ما سأل)). رواه مسلم في صحيحه وأحمد والبخاري في القراءة خلف الإمام وغيرهما.
2. وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ{الحمد لله رب العالمين} لا يذكرون {بسم الله الرحمن الرحيم} في أول قراءة ولا في آخرها). متفق عليه.
وعدم الجهر بالبسملة لا يقتضي عدم قراءتها، وهذه الرواية عن أنس تفسّرها الرواية الأخرى من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنسٍ، قال: «صلّيت خلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأبي بكرٍ، وعمر فلم يجهروا ببسم الله الرّحمن الرّحيم».
وقد
روي عن عبد الله بن المغفّل المزني نحوه، والآثار المروية في الجهر
بالبسملة وترك الجهر بها كثيرة جداً، وكثير منها ضعيف أو معلول، وهي مسألة
منفصلة عن مسألة عدّ البسملة آية من الفاتحة، وإنما ذكرت هذا الحديث
لاستدلال بعض أهل العلم به، وهو استدلال غير صحيح، وسيأتي لهذه المسألة مزيد تفصيل في درس البسملة إن شاء الله تعالى.
والصواب أنّ الخلاف في عدّ البسملة آية من الفاتحة كالاختلاف في
القراءات إذ كلا القولين متلقّيان عن القرّاء المعروفين بالأسانيد المشتهرة
إلى قرّاء الصحابة رضي الله عنهم، ومن اختار أحد القولين فهو كمن اختار
إحدى القراءتين.
قال الحافظ ابن الجزري رحمه الله في النشر: (والذي نعتقده أن كليهما صحيح، وأنَّ كل ذلك حق، فيكون الاختلاف فيهما كاختلاف القراءات)ا.هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والفاتحة سبع آيات بالاتفاق، وقد ثبت ذلك بقوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فاتحة الكتاب هي السبع المثاني) وقد كان كثير من السلف يقول البسملة آية منها ويقرأها، وكثير من السلف لا يجعلها منها ويجعل الآية السابعة {أنعمت عليهم}
كما دلَّ على ذلك حديث أبي هريرة الصحيح، وكلا القولين حق؛ فهي منها من
وجه، وليست منها من وجه، والفاتحة سبع آيات من وجه تكون البسملة منها فتكون
آية. ومن وجه لا تكون منها فالآية السابعة {أنعمت عليهم} لأن البسملة أنزلت تبعاً للسور)ا.هـ.
وغرضنا في هذا الدرس تلخيص كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى في مسألة
عدد آيات سورة الفاتحة، وما يتّصل بذلك من تفصيل أقوالهم وحججهم
وتقريراتهم، وأما ما يخصّ البسملة من مسائل وأحكام فسيفرد في درس مستقلّ بعون الله تعالى.
هذا والله تعالى أعلم وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.