24 Aug 2015
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) }
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (18- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ} أي: اتَّقُوا عِقابَه بفِعْلِ ما أمَرَكم به وتَرْكِ ما نَهاكُم عنه.
{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أيْ:لِتَنْظُرْ أَيَّ شَيْءٍ قَدَّمَتْ مِن الأعمالِ ليومِ القِيامةِ). [زبدة التفسير: 548] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (19- {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ} أيْ: تَرَكُوا أمْرَه ولم يُبَالُوا بطَاعتِه.
{فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}
أيْ: جَعَلَهم نَاسِينَ لها بسببِ نِسيانِهم لَه، فلم يَشْتَغِلُوا
بالأعمالِ التي تُنْجِيهِم مِن العذابِ، وقيلَ: نَسُوا اللهَ في الرخاءِ
فأَنْسَاهُم أنْفُسَهم في الشدائدِ.
{أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أي: الخارجونَ عن طاعةِ اللهِ). [زبدة التفسير: 548] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (20- {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} أي: الظافِرونَ بكُلِّ مطلوبٍ, الناجونَ مِن كُلِّ مَكروهٍ). [زبدة التفسير: 548] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (21- {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}
أيْ: بَلَغَ مِن شأنِه وعَظمتِه وبَلاغتِه واشتِمالِه على الْمَواعِظِ
التي تَلِينُ لها القُلوبُ، أنه لو أُنْزِلَ على جَبَلٍ مِن الجبالِ
لرَأيتَه، مع كَوْنِه في غايةِ القَسوةِ وشِدَّةِ الصَّلابةِ وضَخامةِ
الجِرْمِ، مُتَشَقِّقاً مِن خَشيةِ اللهِ؛ حَذَراً مِن عِقابِه؛ وخَوْفاً
مِن أنْ لا يُؤَدِّيَ ما يَجِبُ عليه مِن تعظيمِ كلامِ اللهِ.
{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فيما يَجِبُ عليهم التفَكُّرُ فيه ليَتَّعِظُوا بالْمَواعِظِ، ويَنْزَجِروا بالزواجِرِ). [زبدة التفسير: 548]
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا
أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ واتّقوا اللّه
إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون (18) ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم
أنفسهم أولئك هم الفاسقون (19) لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب
الجنّة هم الفائزون (20) }
قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عون بن أبي
جحيفة، عن المنذر ابن جريرٍ، عن أبيه قال: كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم في صدر النّهار، قال: فجاءه قومٌ حفاة عراة مجتابي النّمار -أو:
العباء-متقلّدي السّيوف عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتغيّر وجه رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثمّ خرج،
فأمر بلالًا فأذّن وأقام الصّلاة، فصلّى ثمّ خطب، فقال: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى آخر الآية: {إنّ اللّه كان عليكم رقيبًا} [النّساء: 1]. وقرأ الآية الّتي في الحشر: {ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ}
تصدّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره -حتّى
قال-: ولو بشقّ تمرةٍ". قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة كادت كفّه تعجز
عنها، بل قد عجزت، ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ، حتّى
رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتهلّل وجهه كأنّه مذهبة، فقال
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من سنّ في الإسلام سنّةً حسنةً، فله
أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سنّ في
الإسلام سنّةً سيّئةً، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص من
أوزارهم شيءٌ".
انفرد بإخراجه مسلمٌ من حديث شعبة، بإسنادٍ مثله.
فقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه} أمرٌ بتقواه، وهي تشمل فعل ما به أمر، وترك ما عنه زجر.
وقوله: {ولتنظر نفسٌ ما قدّمت لغدٍ} أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادّخرتم لأنفسكم من الأعمال الصّالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربّكم، {واتّقوا اللّه} تأكيدٌ ثانٍ، {إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} أي: اعلموا أنّه عالمٌ بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافيةٌ، ولا يغيب عنه من أموركم جليلٌ ولا حقيرٌ).[تفسير القرآن العظيم: 8/76-77]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ
أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ
النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ *
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً
مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ *}.
(18) يَأْمُرُ تعالَى
عِبادَه المُؤمنِينَ بما يُوجِبُه الإيمانُ ويَقتَضِيهِ مِن لُزومِ
تَقواهُ، سِرًّا وعَلانيةً، في جميعِ الأَحوالِ، وأنْ يُرَاعُوا ما أمَرَهم
اللَّهُ به مِن أَوامِرِه وشَرائعِه وحُدودِه، ويَنظُروا ما لهَم وما
عليهم، وماذا حَصَلُوا عليهِ مِن الأعمالِ التي تَنْفَعُهم أو تَضُرُّهم في
يومِ القيامةِ؛ فإِنَّهم إذا جَعَلُوا الآخِرةَ نُصْبَ أعْيُنِهم
وقِبْلَةَ قُلوبِهم، واهْتَمُّوا للمُقامِ بها؛ اجْتَهَدوا في كثرةِ
الأعمالِ الْمُوصِلَةِ إليها وتَصفيتِها مِن القواطِعِ والعوائقِ، التي
تُوقِفُهم عن السَّيْرِ أو تَعُوقُهم أو تَصْرِفُهم.
وإذا عَلِمُوا أيضاً أنَّ {اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا} يَعْمَلونَ، لا تَخفَى عليهِ أعمالُهم، ولا تَضيعُ لَدَيْهِ، ولا يُهْمِلُها؛ أَوْجَبَ لهم الْجِدَّ والاجتهادَ.
وهذهِ الآيةُ الكريمةُ أصْلٌ فِي مُحاسبَةِ
العبْدِ نفْسَه، وأنَّه يَنبغِي له أنْ يَتَفَقَّدَها؛ فإنْ رَأَى زَللاً
تَدارَكَه بالإقلاعِ عنه والتوبةِ النصوحِ والإعراضِ عن الأسبابِ
الْمُوِصِلَةِ إليه.
وإنْ رَأَى نفْسَه مُقَصِّراً في أمْرٍ مِن
أوامِرِ اللَّهِ؛ بَذَلَ جَهْدَه واستعانَ برَبِّه في تَتْمِيمِه وتَكميلِه
وإتقانِه، ويُقايِسُ بينَ مِنَنِ اللَّهِ عليهِ وإحسانِه, وبينَ تَقصيرِه؛
فإنَّ ذلك يُوجِبُ له الحَيَاءَ لا مَحَالَةَ). [تيسير الكريم الرحمن: 853]
تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال: {ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم} أي: لا تنسوا ذكر اللّه فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم الّتي تنفعكم في معادكم، فإنّ الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: {أولئك هم الفاسقون} أي: الخارجون عن طاعة اللّه، الهالكون يوم القيامة، الخاسرون يوم معادهم، كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون: 9].
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن عبد الوهّاب بن نجدة
الحوطيّ، حدّثنا [أبو] المغيرة، حدّثنا حريز بن عثمان، عن نعيم بن نمحة
قال: كان في خطبة أبي بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه: أما تعلمون أنّكم
تغدون وتروحون لأجلٍ معلومٍ؟ فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل اللّه،
عزّ وجلّ، فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلّا باللّه، عزّ وجلّ. إنّ قومًا جعلوا
آجالهم لغيرهم، فنهاكم اللّه تكونوا أمثالهم: {ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم}
أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيّام سلفهم، وخلوا
بالشّقوة والسّعادة، أين الجبّارون الأوّلون الّذين بنوا المدائن وحصّنوها
بالحوائط؟ قد صاروا تحت الصّخر والآبار، هذا كتاب اللّه لا تفنى عجائبه
فاستضيئوا منه ليوم ظلمةٍ، [وائتضحوا بسنائه وبيانه] إنّ اللّه أثنى على
زكريّا وأهل بيته فقال: {إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين}
[الأنبياء: 90]، لا خير في قولٍ لا يراد به وجه اللّه، ولا خير في مالٍ لا
ينفق في سبيل اللّه، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في
اللّه لومة لائمٍ.
هذا إسنادٌ جيّدٌ، ورجاله كلّهم ثقاتٌ، وشيخ حريز بن عثمان، وهو نعيم بن
نمحة، لا أعرفه بنفيٍ ولا إثباتٍ، غير أنّ أبا داود السّجستانيّ قد حكم
بأنّ شيوخ حريز كلّهم ثقاتٌ. وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوهٍ أخر،
واللّه أعلم).[تفسير القرآن العظيم: 8/77-78]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(19) والْحِرمانُ كلُّ الْحِرْمانِ أنْ يَغْفُلَ العبدُ عن هذا الأمْرِ،
ويُشابِهَ قوماً نَسُوا اللَّهَ، وغَفَلُوا عن ذِكْرِه والقيامِ بحَقِّه،
وأَقْبَلُوا على حُظوظِ أنفُسِهم وشَهَوَاتِها، فلَمْ يَنجَحُوا ولم
يَحْصُلوا على طائلٍ، بل أَنساهُم اللَّهُ مَصالِحَ أنْفُسِهم، وأَغْفَلَهم
عن مَنافِعِها وفَوائدِها، فصارَ أمْرُهم فُرُطاً.
فرَجَعوا بخَسارةِ الدارَيْنِ، وغُبِنُوا غَبْناً لا يُمْكِنُ تَدارُكُه ولا يُجْبَرُ كَسْرُه؛ لأنَّهم {هُمُ الْفَاسِقُونَ} الذينَ خَرَجوا عن طاعةِ رَبِّهم، وأَوْضَعُوا في مَعاصِيهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 853]
تفسير قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لا يستوي أصحاب النّار وأصحاب الجنّة أصحاب الجنّة} أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم اللّه يوم القيامة، كما قال: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [الجاثية: 21]، وقال {وما يستوي الأعمى والبصير والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ولا المسيء} الآية [غافرٍ: 58]. قال: {أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار} [ص: 28]؟ في آياتٍ أخر دالّاتٍ على أنّ اللّه، سبحانه، يكرم الأبرار، ويهين الفجّار؛ ولهذا قال هاهنا: {أصحاب الجنّة هم الفائزون} أي: النّاجون المسلّمون من عذاب اللّه، عزّ وجلّ).[تفسير القرآن العظيم: 8/78]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(20) فهل يَسْتوِي مَن حافَظَ على تَقْوَى اللَّهِ، ونَظَرَ لِمَا قَدَّمَ
لِغَدِه فاستحَقَّ جَنَّاتِ النعيمِ والعيشَ السليمَ معَ الذينَ أنْعَمَ
اللَّهُ عليهم مِن النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشهداءِ والصالحِينَ،
ومَن غَفَلَ عن ذِكْرِه ونَسِيَ حُقوقَه، فشَقِيَ في الدُّنيا، واسْتَحَقَّ
العذابَ في الآخِرةِ، فالأَوَّلُونَ هم الفائِزِونَ، والآخِرونَ هم
الخاسِرونَ). [تيسير الكريم الرحمن: 853]
تفسير
قوله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ
لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ
الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {لو
أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعًا متصدّعًا من خشية اللّه وتلك
الأمثال نضربها للنّاس لعلّهم يتفكّرون (21) هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو
عالم الغيب والشّهادة هو الرّحمن الرّحيم (22) هو اللّه الّذي لا إله إلّا
هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان
اللّه عمّا يشركون (23) هو اللّه الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى
يسبّح له ما في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (24) }
يقول تعالى معظّمًا لأمر القرآن، ومبينا علو قدره، وأنه ينبغي وأن تخشع له
القلوب، وتتصدّع عند سماعه لما فيه من الوعد والوعيد الأكيد: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعًا متصدّعًا من خشية اللّه}
أي: فإن كان الجبل في غلظته وقساوته، لو فهم هذا القرآن فتدبّر ما فيه،
لخشع وتصدّع من خوف اللّه، عزّ وجلّ، فكيف يليق بكم أيّها البشر ألّا تلين
قلوبكم وتخشع، وتتصدّع من خشية اللّه، وقد فهمتم عن اللّه أمره وتدبّرتم
كتابه؟ ولهذا قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للنّاس لعلّهم يتفكّرون}.
قال العوفيّ: عن ابن عبّاسٍ في قوله: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ [لرأيته خاشعًا]}
إلى آخرها، يقول: لو أنّي أنزلت هذا القرآن على جبلٍ حمّلته إيّاه، لتصدّع
وخشع من ثقله، ومن خشية اللّه. فأمر اللّه النّاس إذا نزّل عليهم القرآن
أن يأخذوه بالخشية الشّديدة والتخشع. ثم قال: كذلك يضرب اللّه الأمثال
للنّاس لعلّهم يتفكّرون. وكذا قال قتادة، وابن جريرٍ.
وقد ثبت في الحديث المتواتر: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا
عمل له المنبر، وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذعٍ من جذوع المسجد،
فلمّا وضع المنبر أوّل ما وضع، وجاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليخطب
فجاوز الجذع إلى نحو المنبر، فعند ذلك حنّ الجذع وجعل يئنّ كما يئنّ
الصّبيّ الّذي يسكّن، لما كان يسمع من الذّكر والوحي عنده. ففي بعض روايات
هذا الحديث قال الحسن البصريّ بعد إيراده: "فأنتم أحقّ أن تشتاقوا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الجذع". وهكذا هذه الآية الكريمة، إذا كانت
الجبال الصّمّ لو سمعت كلام اللّه وفهمته، لخشعت وتصدّعت من خشيته فكيف بكم
وقد سمعتم وفهمتم؟ وقد قال تعالى: {ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال أو قطّعت به الأرض أو كلّم به الموتى} الآية [الرّعد: 31]. وقد تقدّم أنّ معنى ذلك: أي لكان هذا القرآن. وقال تعالى: {وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية اللّه} [البقرة: 74] ).[تفسير القرآن العظيم: 8/78-79]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (
(21) ولَمَّا بَيَّنَ تعالى لعِبادِه ما بَيَّنَ، وأمَرَ عِبادَه ونَهاهُم
في كتابِه العزيزِ، كانَ هذا مُوجِباً لأنْ يُبادِرُوا إلى ما دَعاهُم
إليهِ وحَثَّهُم عليه، ولو كانوا في القَسْوةِ وصَلابةِ القُلوبِ
كالْجِبالِ الرَّوَاسِي؛ فإنَّ هذا القرآنَ لو أَنْزَلَه {عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}؛ أيْ: لكَمالِ تَأثيرِه في القُلوبِ.
فإنَّ مَواعِظَ القُرآنِ أعْظَمُ المواعِظِ على
الإطلاقِ، وأوامِرَه ونَواهيَهِ مُحتَوِيَةٌ على الحِكَمِ والمصالِحِ
المَقْرونةِ بها.
وهي مِن أسْهَلِ شيءٍ على النُّفوسِ
وأَيْسَرِها على الأبْدانِ، خاليةٌ مِن التكَلُّفِ، لا تَناقُضَ فيها ولا
اختلافَ، ولا صُعوبةَ فيها ولا اعتسافَ، تَصْلُحُ لكلِّ زمانٍ ومَكانٍ،
وتَلِيقُ لكلِّ أحَدٍ.
ثم أخْبَرَ تعالى أنَّه يَضْرِبُ للناسِ
الأمثالَ، ويُوَضِّحُ لعِبادِه في كتابِه الحلالَ والحَرَامَ؛ لأجْلِ أنْ
يَتفَكَّرُوا في آياتِه ويَتَدَبَّرُوها؛ فإنَّ التفكُّرَ فيها يَفْتَحُ
للعبدِ خَزائِنَ العِلْمِ، ويُبَيِّنُ له طُرُقَ الخيرِ والشرِّ، ويَحُثُّه
على مَكارِمِ الأخلاقِ ومَحاسِنِ الشِّيَمِ، ويَزْجُرُه عن مَساوِئِ
الأخلاقِ، فلا أَنْفَعَ للعبْدِ مِن التفَكُّرِ في القرآنِ والتدَبُّرِ
لِمَعانيهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 853-854]
* للاستزادة ينظر: هنا