الدروس
course cover
تفسير سورة التغابن [ من الآية (9) إلى الآية (13) ]
22 Jul 2022
22 Jul 2022

5717

0

0

course cover
تفسير جزء قد سمع

القسم الثالث

تفسير سورة التغابن [ من الآية (9) إلى الآية (13) ]
22 Jul 2022
22 Jul 2022

22 Jul 2022

5717

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) }


تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يوم يجمعكم ليوم الجمع} وهو يوم القيامة، سمّي بذلك لأنّه يجمع فيه الأوّلون والآخرون في صعيدٍ واحدٍ، يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر، كما قال تعالى: {ذلك يومٌ مجموعٌ له النّاس وذلك يومٌ مشهودٌ} [هودٍ: 103] وقال تعالى: {قل إنّ الأوّلين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلومٍ} [الواقعة: 49، 50]
وقوله: {ذلك يوم التّغابن} قال ابن عبّاسٍ: هو اسمٌ من أسماء يوم القيامة. وذلك أنّ أهل الجنّة يغبنون أهل النّار. وكذا قال قتادة ومجاهدٌ.
وقال مقاتل بن حيّان: لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء إلى الجنّة، ويذهب بأولئك إلى النّار.
قلت: وقد فسّر ذلك بقوله تعالى: {ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحًا يكفّر عنه سيّئاته ويدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم (9) والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار خالدين فيها وبئس المصير} وقد تقدّم تفسير مثل هذه غير مرّةٍ).[تفسير القرآن العظيم: 8/137]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *}.
(9) يَعنِي: اذْكُرُوا يومَ الْجَمْعِ الذي يَجمَعُ اللَّهُ به الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، ويَقِفُهم مَوْقِفاً هائلاً عَظيماً، ويُنَبِّئُهم بما عَمِلُوا، فحينَئذٍ يَظْهَرُ الفَرْقُ والتغابُنُ بينَ الخلائقِ، ويُرْفَعُ أقوامٌ إلى عِلِّيِّينَ في الغُرَفِ العَالياتِ والمنازِلِ المُرْتَفِعاتِ المشتَمِلَةِ على جميعِ اللَّذَّاتِ والشَّهَوَاتِ، ويُخْفَضُ أقوامٌ إلى أسفَلِ سافلِينَ مَحَلِّ الهمِّ والغَمِّ والحُزْنِ والعَذابِ الشديدِ.
وذلك نَتيجةُ ما قَدَّمُوهُ لأنفُسِهم وأَسْلَفُوه أيَّامَ حياتِهم.
ولهذا قالَ: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}؛ أيْ: يَظْهَرُ فيهِ التغابُنُ والتفاوُتُ بينَ الخلائقِ، ويَغْبِنُ المُؤمنونَ الفاسقِينَ، ويَعْرِفُ المُجْرِمونَ أنَّهم على غيرِ شيءٍ، وأنَّهم هم الخَاسِرونَ.
فكأنَّه قِيلَ: بأيِّ شيءٍ يَحْصُلُ الفلاحُ والشَّقَاءُ والنَّعِيمُ والعذابُ؟
فذكَرَ تعالى أسبابَ ذلك بقولِه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ} إِيماناً تامًّا شاملاً لجميعِ ما أمَرَ اللَّهُ بالإيمانِ به، {وَيَعْمَلْ صَالِحاً} مِن الفَرائضِ والنوافِلِ، مِن أداءِ حُقوقِ اللَّهِ وحُقوقِ عِبادِه؛ {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فيها ما تَشتَهِيهِ الأَنْفُسُ، وتَلَذُّ الأَعْيُنُ، وتَختارُه الأرواحُ، وتَحِنُّ إليهِ القُلوبُ، ويَكونُ نِهايةَ كلِّ مَرغوبٍ, {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ). [تيسير الكريم الرحمن: 867]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (9- {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} أيْ: ليومِ القِيامةِ، فإنه يُجمَعُ فيه أهلُ الْمَحشَرِ للجزاءِ، ويُجمَعُ فيه بَيْنَ كلِّ عامِلٍ وعَمَلِه، وبينَ كلِّ نَبِيٍّ وأُمَّتِه، وبينَ كلِّ مَظلومٍ وظالِمِه، وبينَ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ.
{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} يَغْبِنُ فيه أهلُ الْمَحشَرِ بعضُهم بعضاً، فيَغْبِنُ فيه أهلُ الحقِّ أهلَ الباطِلِ، ولا غَبْنَ أعظَمُ مِن غَبْنِ أهلِ الجنَّةِ أهلَ النارِ، فكأنَّ أهْلَ النارِ استَبْدَلُوا الخيرَ بالشرِّ، والجيِّدَ بالرديءِ والنعيمَ بالعذابِ، وأهْلَ الجنةِ على العكْسِ مِن ذلك، يُقالُ: غَبَنْتُ فُلاناً. إذا بايَعْتَه أو شارَيْتَه فكانَ النقْصُ عليه, فالْمَغبونُ مَن غُبِنَ أهلَه ومَنازِلَه في الجنَّةِ.
{وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} أيْ: مَن وَقَعَ منه التصديقُ مع العمَلِ الصالحِ استَحَقَّ تكفيرَ سَيِّئَاتِه). [زبدة التفسير: 556]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله تعالى: {ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحًا يكفّر عنه سيّئاته ويدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم (9) والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار خالدين فيها وبئس المصير} وقد تقدّم تفسير مثل هذه غير مرّةٍ).[تفسير القرآن العظيم: 8/137] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛ أيْ: كَفَرُوا بها مِن غيرِ مُستنَدٍ شَرْعِيٍّ ولا عَقْلِيٍّ، بلْ جاءَتْهم الأدِلَّةُ والبَيِّناتُ، فكَذَّبوا بها وعانَدُوا ما دَلَّتْ عليه {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}؛ لأنَّها جَمَعَتْ كلَّ بُؤْسٍ وشِدَّةٍ وشَقاءٍ وعذابٍ). [تيسير الكريم الرحمن: 867]

تفسير قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ما أصاب من مصيبةٍ إلّا بإذن اللّه ومن يؤمن باللّه يهد قلبه واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (11) وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول فإن تولّيتم فإنّما على رسولنا البلاغ المبين (12) اللّه لا إله إلّا هو وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (13) }
يقول تعالى مخبرًا بما أخبر به في سورة الحديد: {ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها} [الحديد: 22] وهكذا قال هاهنا: {ما أصاب من مصيبةٍ إلا بإذن اللّه} قال ابن عبّاسٍ: بأمر اللّه، يعني: عن قدره ومشيئته.
{ومن يؤمن باللّه يهد قلبه واللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ} أي: ومن أصابته مصيبةٌ فعلم أنّها بقضاء اللّه وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء اللّه، هدى اللّه قلبه، وعوّضه عمّا فاته من الدّنيا هدى في قلبه، ويقينًا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرًا منه.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ومن يؤمن باللّه يهد قلبه} يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وقال الأعمش، عن أبي ظبيان قال: كنّا عند علقمة فقرئ عنده هذه الآية: {ومن يؤمن باللّه يهد قلبه} فسئل عن ذلك فقال: هو الرّجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنّها من عند اللّه، فيرضى ويسلّم. رواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ
وقال سعيد بن جبيرٍ، ومقاتل بن حيّان: {ومن يؤمن باللّه يهد قلبه} يعني: يسترجع، يقول: {إنّا للّه وإنّا إليه راجعون} [البقرة: 156]
وفي الحديث المتّفق عليه: "عجبًا للمؤمن، لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا له، إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلّا للمؤمن"
وقال أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا الحارث بن يزيد، عن عليّ بن رباح؛ أنّه سمع جنادة بن أبي أميّة يقول: سمعت عبادة بن الصّامت يقول: أنّ رجلًا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أيّ العمل أفضل؟ قال: "إيمانٌ باللّه، وتصديقٌ به، وجهادٌ في سبيله". قال: أريد أهون من هذا يا رسول اللّه. قال: "لا تتّهم اللّه في شيءٍ، قضى لك به". لم يخرّجوه).[تفسير القرآن العظيم: 8/137-138]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ *}.
(11) يقولُ تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ}، وهذا عامٌّ لجميعِ الْمَصائِبِ في النَّفْسِ والمالِ والولَدِ والأحبابِ ونَحْوِهم.
فجميعُ ما أصابَ العِبادَ بقَضاءِ اللَّهِ وقَدَرِه قدْ سَبَقَ بذلك عِلْمُ اللَّهِ، وجَرَى بهِ قلَمُه، ونَفَذَتْ بهِ مَشيئتُه واقْتَضَتْهُ حِكمتُه، ولكنَّ الشأنَ كُلَّ الشَّأْنِ: هل يَقُومُ العبدُ بالوَظيفةِ التي عليهِ في هذا الْمَقامِ أمْ لا يَقومُ بها؟
فإنْ قامَ بها، فله الثوابُ الْجَزيلُ والأجْرُ الجميلُ في الدنيا والآخِرَةِ، فإذا آمَنَ أنَّها مِن عندِ اللَّهِ، فرَضِيَ بذلك وسَلَّمَ لأمْرِه؛ هَدَى اللَّهُ قَلبَه، فاطمَأَنَّ ولم يَنْزَعِجْ عندَ الْمَصائبِ، كما يَجرِي مِمَّن لم يَهْدِ اللَّهُ قَلبَه، بل يَرْزُقُه اللَّهُ الثباتَ عندَ وُرودِها والقيامَ بِمُوجِبِ الصَّبْرِ، فيَحْصُلُ له بذلك ثوابٌ عاجِلٌ معَ ما يَدَّخِرُ اللَّهُ له يومَ الْجَزاءِ مِن الأَجْرِ العظيمِ؛ كما قالَ تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
وعُلِمَ مِن ذلك أنَّ مَن لم يُؤْمِنْ باللَّهِ عندَ وُرودِ الْمَصائِبِ، بأنْ لم يَلْحَظْ قَضاءَ اللَّهِ وقَدَرَه، بل وقَفَ معَ مُجَرَّدِ الأسبابِ، أنَّه يُخْذَلُ ويَكِلُه اللَّهُ إلى نفْسِه، وإذا وُكِلَ العبدُ إلى نفْسِه، فالنفْسُ ليسَ عندَها إلاَّ الْهَلَعُ والجَزَعُ الذي هو عُقوبةٌ عاجلةٌ على العبْدِ قبلَ عُقوبةِ الآخِرةِ على ما فَرَّطَ في واجبِ الصبرِ.
هذا ما يَتَعَلَّقُ بقولِه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} في مَقامِ المصائِبِ الخاصِّ.
وأمَّا ما يَتَعَلَّقُ بها مِن حيثُ العُمومُ اللفْظِيُّ؛ فإنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أنَّ كلَّ مَن آمَنَ ـ أي: الإيمانَ المأمورَ به، وهو الإيمانُ باللَّهِ ومَلائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ، والقَدَرِ خَيْرِه وشَرِّه ـ وصَدَّقَ إيمانُهُ بما يَقتَضِيهِ الإيمانُ مِن لَوازِمِه ووَاجباتِه، أنَّ هذا السبَبَ الذي قامَ به العبدُ أكبرُ سببٍ لِهِدايةِ اللَّهِ له في أقوالِه وأفعالِه وجَميعِ أحوالِه، وفي عِلْمِه وعَمَلِه.
وهذا أفْضَلُ جزاءٍ يُعطِيهِ اللَّهُ لأهْلِ الإيمانِ، كما قالَ تعالى مُخْبِراً أنَّه يُثَبِّتُ المُؤمنِينَ في الحياةِ الدنيا وفي الآخِرَةِ.
وأَصْلُ الثباتِ ثَباتُ القلْبِ وصَبْرُه، ويَقينُه عندَ وُرُودِ كلِّ فِتْنةٍ، فقالَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}؛ فأهْلُ الإيمانِ أهْدَى الناسِ قُلُوباً وأَثْبَتُهم عندَ الْمُزْعِجاتِ والْمُقْلِقَاتِ؛ وذلكَ لِمَا معَهم مِن الإيمانِ). [تيسير الكريم الرحمن: 867]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (11- {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} أيْ: بقَضائِه وقَدَرِه. قيلَ: وسببُ نُزُولِها أنَّ الكُفَّارَ قالوا: لو كان ما عليه المسلمونَ حَقًّا لصَانَهم اللهُ عن الْمَصائِبِ في الدنيا {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} أيْ: مَن يُصَدِّقْ ويَعْلَمْ أنه لا يُصيبُه إلاَّ ما قَدَّرَه اللهُ عليه، يَهْدِ قلبَه عندَ الْمُصيبةِ، فيَعْلَمْ أنها مِن اللهِ، وأنَّ ما أصابَه لم يكنْ ليُخْطِئَه، وما أخْطَأَه لم يَكنْ ليُصيبَه، فيُسَلِّمْ لقضائِه، ويَسترجِعْ، وإذا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وإذا أَنْعَمَ عليه شكَرَ.
{وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أيْ: بليغُ العلْمِ لا تَخفَى عليه مِن ذلك خَافيةٌ). [زبدة التفسير: 555-557]

تفسير قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول} أمرٌ بطاعة اللّه ورسوله فيما شرع، وفعل ما به أمر وترك ما عنه نهى وزجر، ثمّ قال: {فإن تولّيتم فإنّما على رسولنا البلاغ المبين} أي: إن نكلتم عن العمل فإنّما عليه ما حمّل من البلاغ، وعليكم ما حمّلتم من السّمع والطّاعة.
قال الزّهريّ: من اللّه الرّسالة، وعلى الرّسول البلاغ وعلينا التّسليم).[تفسير القرآن العظيم: 8/138]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (12) وقولُه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}؛ أيْ: في امتثالِ أمْرِهما واجتنابِ نَهْيِهما؛ فإنَّ طاعةَ اللَّهِ وطاعةَ رَسولِه مَدارُ السعادةِ وعُنوانُ الفلاحِ.
{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ}؛ أيْ: عن طاعةِ اللَّهِ وطاعةِ رسولِه، {فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}؛ أيْ: يُبَلِّغُكم ما أُرْسِلَ به إليكم بَلاغاً بَيِّناً واضحاً، فتَقومُ عليكم به الْحُجَّةُ، وليسَ بيَدِه مِن هِدايتِكم ولا مِن حِسابِكم شيءٌ، وإِنَّما يُحَاسِبُكم على القِيامِ بطاعةِ اللَّهِ وطاعةِ رَسولِه أو عَدَمِ ذلك، عالِمُ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ). [تيسير الكريم الرحمن: 868]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (12- {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أيْ: اشتَغِلُوا بطاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولِه.
{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} أيْ: إنْ أَعْرَضْتُم عن الطاعةِ فإِثْمُكم على أنفُسِكُم، وليس على الرسولِ مِن بأسٍ.
{فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} ليس عليه غيرُ ذلك وقد فَعَلَ). [زبدة التفسير: 557]

تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى مخبرًا أنّه الأحد الصّمد، الّذي لا إله غيره، فقال: {اللّه لا إله إلا هو وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} فالأوّل خبرٌ عن التّوحيد، ومعناه معنى الطّلب، أي: وحّدوا الإلهيّة له، وأخلصوها لديه، وتوكّلوا عليه، كما قال تعالى: {ربّ المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتّخذه وكيلا} [المزمل: 9] ).[تفسير القرآن العظيم: 8/138]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (13) {اللَّهُ} الذي {لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}؛ أيْ: هو الْمُسْتَحِقُّ للعِبادةِ والأُلُوهِيَّةِ، فكُلُّ مَعبودٍ سِواهُ فباطِلٌ.
{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}؛ أيْ: فلْيَعْتَمِدُوا عليهِ في كُلِّ أمْرٍ نَابَهم وفيما يُرِيدُونَ القِيامَ به؛ فإِنَّه لا يَتَيَسَّرُ أمْرٌ مِن الأمورِ إلاَّ باللَّهِ، ولا سبيلَ إلى ذلكَ إلاَّ بالاعتمادِ على اللَّهِ، ولا يَتِمُّ الاعتمادُ على اللَّهِ حتى يُحْسِنَ العبْدُ ظَنَّهُ برَبِّه، ويَثِقَ به في كِفايتِه الأمْرَ الذي يَعتمِدُ عليه به، وبِحَسَبِ إيمانِ العبدِ يكونُ تَوَكُّلُه قوَّةً وضَعفاً). [تيسير الكريم الرحمن: 868]


* للاستزادة ينظر: هنا