الدروس
course cover
تفسير قول الله تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن...} لشيخ الإسلام ابن تيمية
2 Apr 2015
2 Apr 2015

7234

0

0

course cover
الرسائل التفسيرية للمتقدمين

القسم الأول

تفسير قول الله تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن...} لشيخ الإسلام ابن تيمية
2 Apr 2015
2 Apr 2015

2 Apr 2015

7234

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا..}
لشيخ الإسلام ابن تيمية


قَال شيخ الإسلام أحمدُ بنُ عبدِ الحليمِ بنِ عبدِ السلامِ ابنُ تيميَّةَ الحرَّانيُّ (ت: 728هـ): (فصلٌ:

قال اللّه تعالى: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا واتّخذ اللّه إبراهيم خليلًا} فنفى أن يكون دينٌ أحسن من هذا الدّين، وأنكر على من أثبت دينا أحسن منه؛ لأنّ هذا استفهام إنكارٍ وهو إنكار نهيٍ وذمٍّ لمن جعل دينًا أحسن من هذا.

قال قتادة والضّحّاك وغيرهما: إنّ المسلمين وأهل الكتاب افتخروا؛ فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبل نبيّكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى باللّه منكم. وقال المسلمون: نحن أولى باللّه تعالى منكم ونبيّنا خاتم النّبيّين وكتابنا يقضي على الكتب الّتي كانت قبله فأنزل اللّه تعالى: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} الآية.

وروى سفيان عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروقٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواءٌ حتّى نزلت: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ} الآية.

ونزلت فيهم أيضًا: {ومن أحسن دينًا} الآية.

وقد روي عن مجاهدٌ قال قالت قريشٌ: لا نبعث أو لا نحاسب وقال أهل الكتاب: {لن تمسّنا النّار إلّا أيّامًا معدودةً}، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب} وهذا يقتضي أنّها خطابٌ للكفّار من الأمّيّين وأهل الكتاب؛ لاعتقادهم أنّهم لا يعذّبون العذاب الدّائم.

والأوّل أشهر في النّقل وأظهر في الدّليل:

- لأنّ السّورة مدنيّةٌ بالاتّفاق فالخطاب فيها مع المؤمنين كسائر السّور المدنيّة.

- وأيضًا: فإنّه قد استفاض من وجوهٍ متعدّدةٍ أنّه لمّا نزل قوله تعالى: {من يعمل سوءًا يجز به} شقّ ذلك على أصحاب النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- حتّى بيّن لهم النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: أنّ مصائب الدّنيا من الجزاء وبها يجزى المؤمن؛ فعلم أنّهم مخاطبون بهذه الآية لا مجرّد الكفّار.

- وأيضًا قوله بعد هذا: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ} الآية. وقوله: {ومن أحسن دينًا} يدلّ على أنّ هناك تنازعًا في تفضيل الأديان لا مجرّد إنكار عقوبةٍ بعد الموت.

- وأيضًا: فما قبلها وما بعدها خطابٌ مع المؤمنين وجوابٌ لهم فكان المخاطب في هذه الآية هو المخاطب في بقيّة الآيات.


فإن قيل: الآية نصٌّ في نفي دينٍ أحسن من دين هذا المسلم لكن من أين أنّه ليس دينٌ مثله؟ فإنّ الأقسام ثلاثةٌ: إمّا أن يكون ثمّ دينٌ أحسن منه. أو دونه أو مثله وقد ثبت أنّه لا أحسن منه فمن أين في الآية أنّه لا دين مثله؟ ونظيرها قوله: {ومن أحسن قولًا ممّن دعا إلى اللّه وعمل صالحًا وقال إنّني من المسلمين}.
قيل: لو قلنا في هذا المقام: إنّ الآية لم تدلّ إلّا على نفي الأحسن لم يضرّ هذا؛ فإنّ الخطاب له مقاماتٌ قد يكون الخطاب تارةً بإثبات صلاح الدّين إذا كان المخاطب يدّعي أو يظنّ فساده ثمّ في مقامٍ بأن يقع النّزاع في التّفاضل فيبيّن أنّ غيره ليس أفضل منه. ثمّ في مقامٍ ثالثٍ يبيّن أنّه أفضل من غيره. وهكذا إذا تكلّمنا في أمر الرّسول ففي مقامٍ نبيّن صدقه وصحّة رسالته. وفي مقامٍ بأن نبيّن أنّ غيره ليس أفضل منه وفي مقامٍ ثالثٍ نبيّن أنّه سيّد ولد
آدم؛ وذلك أنّ الكلام يتنوّع بحسب حال المخاطب.
ثمّ نقول: يدلّ على أنّ هذا الدّين أحسن وجوهٍ:
- أحدها: أنّ هذه الصّيغة وإن كانت في أصل اللّغة لنفي الأفضل لدخول النّفي على أفعل فإنّه كثيرًا ما يضمر بعرف الخطاب يفضّل - المذكور المجرور بمن مفضّلًا عليه في الإثبات فإنّك إذا قلت: هذا الدّين أحسن من هذا كان المجرور بمن مفضّلًا عليه والأوّل مفضّلًا فإذا قلت لا أحسن من هذا أو من أحسن من هذا؟ أو ليس فيهم أفضل من هذا أو ما عندي أعلم من زيدٍ أو ما في القوم أصدق من عمرٍو أو ما فيهم خيرٌ منه فإنّ هذا التّأليف يدلّ على أنّه أفضلهم وأعلمهم وخيرهم؛ بل قد صارت حقيقةً عرفيّةً في نفي فضل الدّاخل في أفعل وتفضيل المجرور على الباقين وأنّها تقتضي نفي فضلهم وإثبات فضله عليهم وضمّنت معنى الاستثناء كأنّك قلت: ما فيهم أفضل إلّا هذا أو ما فيهم المفضّل إلّا هذا كما أنّ (إن) إذا كفّت بما النّافية صارت متضمّنةً للنّفي والإثبات. وكذلك الاستثناء. وإن كان في الأصل للإخراج من الحكم فإنّه صار حقيقةً عرفيّةً في مناقضة المستثنى منه فالاستثناء من النّفي إثباتٌ، ومن الإثبات نفيٌ واللّفظ يصير بالاستعمال له معنًى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع. وكذلك يكون في الأسماء المفردة تارةً ويكون في تركيب الكلام أخرى ويكون في الجمل المنقولة كالأمثال السّائرة جملةً فيتغيّر الاسم المفرد بعرف الاستعمال عمّا كان عليه في الأصل إمّا بالتّعميم وإمّا بالتّخصيص وإمّا بالتّحويل؛ كلفظ الدّابّة والغائط والرّأس. ويتغيّر التّركيب بالاستعمال عمّا كان يقتضيه نظائره كما في زيادة حرف النّفي في الجمل السّلبيّة وزيادة النّفي في كاد وبنقل الجملة عن معناها الأصليّ إلى غيره كالجمل المتمثّل بها كما في قولهم: " يداك أوكتا وفوك نفخ " و " عسى الغوير أبؤسا ".
- الوجه الثّاني: أنّه إذا كان لا دين أحسن من هذا فالغير إمّا أن يكون مثله أو دونه ولا يجوز أن يكون مثله؛ لأنّ الدّين إذا ماثل الدّين وساواه في جميع الوجوه كان هو إيّاه وإن تعدّد الغير لكنّ النّوع واحدٌ فلا يجوز أن يقع التّماثل والتّساوي بين الدّينين المختلفين فإنّ اختلافهما يمنع تماثلهما؛ إذ الاختلاف ضدّ التّماثل فكيف يكونان مختلفين متماثلين؟ واختلافهما اختلاف تضادٍّ لا تنوّع؛ فإنّ أحد الدّينين يعتقد فيه أمورٌ على أنّها حقٌّ واجبٌ والآخر يقول إنّها باطلٌ محرّمٌ. فمن المحال استواء هذين الاعتقادين.
وكذلك الاقتصادان فإنّ هذا يقصد المعبود بأنواع من المقاصد والأعمال والآخر يقصده بما يضادّ ذلك وينافيه وليس كذلك تنوّع طرق المسلمين ومذاهبهم؛ فإنّ دينهم واحدٌ كلٌّ منهم يعتقد ما يعتقده الآخر ويعبده بالدّين الّذي يعبده ويسوّغ أحدهما للآخر أن يعمل بما تنازع فيه من الفروع فلم يختلفا؛ بل نقول أبلغ من هذا أنّ القدر الّذي يتنازع فيه المسلمون من الفروع لا بدّ أن يكون أحدهما أحسن عند اللّه فإنّ هذا مذهب جمهور الفقهاء الموافقين لسلف الأمّة على أنّ المصيب عند اللّه واحدٌ في جميع المسائل فذاك الصّواب هو أحسن عند اللّه وإن كان أحدهما يقرّ الآخر. فالإقرار عليه لا يمنع أن يكون مفضولًا مرجوحًا وإنّما يمنع أن يكون محرّمًا. وإذا كان هذا في دقّ الفروع فما الظّنّ بما تنازعوا فيه من الأصول؟ فإنّه لا خلاف بين المسلمين ولا بين العقلاء أنّ المصيب في نفس الأمر واحدٌ وإنّما تنازعوا في المخطئ هل يغفر له أو لا يغفر وهل يكون مصيبًا بمعنى أداء الواجب؟ وسقوط اللّوم لا بمعنى صحّة الاعتقاد؟ فإنّ هذا لا يقوله عاقلٌ: أنّ الاعتقادين المتناقضين من كلّ وجهٍ يكون كلٌّ منهما صوابًا. فتلخيص الأمر أنّ هذا المقام إنّما فيه تفضيل قولٍ وعملٍ على قولٍ وعملٍ فالأقوال والأعمال المختلفة لا بدّ فيها من تفضيل بعضها على بعضٍ عند جمهور الأمّة؛ بل ومن قال بأنّ كلّ مجتهدٍ مصيبٌ قد لا ينازع أنّ أحدهما أحسن وأصوب ولا يدّعي تماثلهما. وإن ادّعاه فلم يدّعه إلّا في دقّ الفروع مع أنّ قوله ضعيفٌ مخالفٌ للكتاب والسّنّة وإجماع السّلف. وأمّا الحلّ فلم يدّع مدّعٍ تساوي الأقسام فيه وهذا بخلاف التّنوّع المحض مثل قراءة سورةٍ وقراءة سورةٍ أخرى وصدقةٍ بنوع وصدقةٍ بنوع آخر. فإنّ هذا قد يتماثل؛ لأنّ الدّين واحدٌ في ذلك من كلّ وجهٍ وإنّما كلامنا في الأديان المختلفة وليس هنا خلافٌ بحال. وإذا ثبت أنّ الدّينين المختلفين لا يمكن تماثلهما لم يحتج إلى نفيٍ هذا في اللّفظ لانتفائه بالعقل. وكذلك لمّا سمعوا قوله: {ولا تكن كصاحب الحوت}، كان في هذا ما يخاف انتقاصهم إيّاه. هذا مع أنّ نصوص الكتاب والسّنّة وإجماع الأمّة شاهدةٌ بتفضيل بعض النّبيّين على بعضٍ وبعض الرّسل على بعضٍ قاضيةٌ لأولي العزم بالرّجحان شاهدةٌ بأنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم سيّد ولد آدم وأكرم الخلق على ربّه؛ لكنّ تفضيل الدّين الحقّ أمرٌ لا بدّ من اعتقاده؛ ولهذا ذكره اللّه في الآية.
وأمّا تفضيل الأشخاص فقد لا يحتاج إليه في كلّ وقتٍ فالدّين الواجب لا بدّ من تفضيله؛ إذ الفضل يدخل في الوجوب وإذا وجب الدّين به دون خلافه فلأن يجب اعتقاد فضله أولى. وأمّا الدّين المستحبّ فقد لا يشرع اعتقاد فعله إلّا في حقّ من شرع له فعل ذلك المستحبّ وإلّا فمن النّاس من يضرّه إذا سلك سبيلًا من سبل السّلام الإسلاميّة أن يرى غيره أفضل منها؛ لأنّه يتشوّف إلى الأفضل فلا يقدر عليه والمفضول يعرض عنه. وكما أنّه ليس من مصلحته أن يعرف أفضل من طريقته إذا كان يترك طريقته ولا يسلك تلك فليس أيضًا من الحقّ أن يعتقد أنّ طريقته أفضل من غيرها؛ بل مصلحته أن يسلك تلك الطّريقة المفضية به إلى رحمة اللّه تعالى فإنّ بعض المتفقّهة يدعون الرّجل إلى ما هو أفضل من طريقته عندهم وقد يكونون مخطئين فلا سلك الأوّل ولا الثّاني وبعض المتصوّفة المريد يعتقد أنّ شيخه أكمل شيخٍ على وجه الأرض وطريقته أفضل الطّرق. وكلاهما انحرافٌ؛ بل يؤمر كلّ رجلٍ أن يأتي من طاعة اللّه ورسوله بما استطاعه ولا ينقل من طاعة اللّه ورسوله بطريقته وإن كان فيها نوع نقصٍ أو خطأٍ ولا يبيّن له نقصها إلّا إذا نقل إلى ما هو أفضل منها وإلّا فقد ينفر قلبه عن الأولى بالكلّيّة حتّى يترك الحقّ الّذي لا يجوز تركه ولا يتمسّك بشيء آخر.
وهذا بابٌ واسعٌ ليس الغرض هنا استقصاؤه وهو مبنيٌّ على أربعة أصولٍ:
أحدها:
معرفة مراتب الحقّ والباطل والحسنات والسّيّئات والخير والشّرّ؛ ليعرف خير الخيرين وشرّ الشّرّين.
الثّاني:
معرفة ما يجب من ذلك وما لا يجب وما يستحبّ من ذلك وما لا يستحبّ.
الثّالث:
معرفة شروط الوجوب والاستحباب من الإمكان والعجز وأنّ الوجوب والاستحباب قد يكون مشروطًا بإمكان العلم والقدرة.
الرّابع: معرفة أصناف المخاطبين وأعيانهم؛ ليؤمر كلّ شخصٍ بما يصلحه أو بما هو الأصلح له من طاعة اللّه ورسوله وينهى عمّا ينفع نهيه عنه ولا يؤمر بخير يوقعه فيما هو شرٌّ من المنهيّ عنه مع الاستغناء عنه. وهذا القدر الّذي دلّت عليه هذه الآية - من أنّ دين من أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم هو أحسن الأديان أمرٌ متّفقٌ عليه بين المسلمين - معلومٌ بالاضطرار من دين الإسلام؛ بل من يتّبع غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين. ولكنّ كتاب اللّه هو حاكمٌ بين أهل الأرض فيما اختلفوا فيه ومبيّنٌ وجه الحكم؛ فإنّه بيّن بهذه الآية وجه التّفضيل بقوله: {أسلم وجهه للّه}، وبقوله: {وهو محسنٌ} فإنّ الأوّل بيان نيّته وقصده ومعبوده وإلهه وقوله: {وهو محسنٌ} فانتفى بالنّصّ نفي ما هو أحسن منه وبالعقل ما هو مثله فثبت أنّه أحسن الأديان.

- الوجه الثّالث: أنّ النّزاع كان بين الأمّتين أيّ الدّينين أفضل؟ فلم يقل لهما: إنّ الدّينين سواءٌ ولا نهوا عن تفضيل أحدهما؛ لكن حسمت مادّة الفخر والخيلاء والغرور الّذي يحصل من تفضيل أحد الدّينين؛ فإنّ الإنسان إذا استشعر فضل نفسه أو فضل دينه يدعوه ذلك إلى الكبر والخيلاء والفخر؛ فقيل للجميع: {من يعمل سوءًا يجز به} سواءٌ كان دينه فاضلًا أو مفضولًا؛ فإنّ النّهي عن السّيّئات والجزاء عليها واقعٌ لا محالة، قال تعالى: {والذّاريات ذروًا}، إلى قوله: {لواقعٌ} .
فلمّا استشعر المؤمنون أنّهم مجزيّون على السّيّئات ولا يغني عنهم فضل دينهم وفسّر لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ الجزاء قد يكون في الدّنيا بالمصائب بيّن بعد ذلك فساد دين الكفّار من المشركين وأهل الكتاب بقوله: {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثى} الآية.
فبيّن أنّ العمل الصّالح إنّما يقع الجزاء عليه في الآخرة مع الإيمان وإن كان قد يجزى به صاحبه في الدّنيا بلا إيمانٍ فوقع الرّدّ على الكفّار من جهة جزائهم بالسّيّئات ومن جهة أنّ حسناتهم لا يدخلون بها الجنّة إلّا مع الإيمان ثمّ بيّنّ بعد هذا فضل الدّين الإسلاميّ الحنفيّ بقوله: {ومن أحسن دينًا} فجاء الكلام في غاية الإحكام.

وممّا يشبه هذا من بعض الوجوه نهي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يفضّل بين الأنبياء التّفضيل الّذي فيه انتقاص المفضول والغضّ منه كما قال صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا تفضّلوا بين الأنبياء)، وقال: (لا تفضّلوني على موسى) بيانٌ لفضله وبهذين يتمّ الدّين.

فإذا كان اللّه هو المعبود وصاحبه قد أخلص له وانقاد وعمله فعل الحسنات فالعقل يعلم أنّه لا يمكن أن يكون دينٌ أحسن من هذا؛ بخلاف دينٍ من عند غير اللّه وأسلم وجهه له أو زعم أنّه يعبد اللّه لا بإسلام وجهه؛ بل يتكبّر كاليهود ويشرك كالنّصارى أو لم يكن محسنًا بل فاعلًا للسّيّئات دون الحسنات.
وهذا الحكم عدلٌ محضٌ وقياسٌ وقسطٌ دلّ القرآن العقلاء على وجه البرهان فيه.

وهكذا غالب ما بيّنه القرآن فإنّه يبيّن الحقّ والصّدق ويذكر أدلّته وبراهينه؛ ليس يبيّنه بمجرّد الإخبار عن الأمر كما قد يتوهّمه كثيرٌ من المتكلّمة والمتفلسفة أنّ دلالته سمعيّةٌ خبريّةٌ، وأنّها واجبةٌ لصدق المخبر؛ بل دلالته أيضًا عقليّةٌ برهانيّةٌ وهو مشتملٌ من الأدلّة والبراهين على أحسنها وأتمّها بأحسن بيانٍ لمن كان له فهمٌ وعقلٌ؛ بحيث إذا أخذ ما في القرآن من ذلك وبيّن لمن لم يعلم أنّه كلام اللّه أو لم يعلم صدق الرّسول أو يظنّ فيه ظنًّا مجرّدًا عن ما يجب من قبول قول المخبر كان فيه ما يبيّن صدقه وحقّه ويبرهن عن صحّته). [مجموع الفتاوى: 14/ 426-437]