22 Sep 2016
الأسلوب الاستنتاجي
1. الفوائد المستفادة من قول الله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} لابن القيّم رحمه الله
الأسلوب
الاستنتاجي هو أسلوب قائم على استنباط الفوائد واستخراج المسائل والأحكام
من الآيات القرآنية، سواء أكانت تلك الفوائد فقهية أم عقدية أم سلوكية أم
لغوية.
فالجامع الذي يجمعها هو أسلوب الاستنتاج
والاستخراج والاستنباط، ومن أهل العلم من تكون له براعة في الاستنباط في
هذه الأنواع كلها، ومنهم من تغلب عليه العناية بنوع منها.
وغرض هذا الأسلوب الأصلي هو إفادة المتلقي
بتلك الأحكام والفوائد، وبيان دلالة الآية عليها، والتنبيه على سعة معاني
ألفاظ القرآن وتنوّع دلالاتها.
فوائد الأسلوب الاستنتاجي
هذا الأسلوب فيه تمرين ذهني حسن، وإعمالٌ
للأدوات العلمية التي تُستخرج بها المسائل والفوائد والأحكام، ويعين على
تنمية ملكة الاستنباط وتقويمها، ويقوّي نظر المفسّر، ويزيد من تفطّنه لمآخذ
الأقوال وعللها، وتقرير الاستدلال لها ونقدها.
وإذا أحسن الطالب التدرب على هذا الأسلوب حتى يتمهّر فيه فقد أوتي حظاً عظيماً من علم التفسير.
طرق تحسين الأسلوب الاستنتاجي:
ينبغي لطالب العلم أن يجتهد في تحسين أسلوبه الاستنتاجي من ثلاثة جوانب:
الجانب الأول:
تنمية الإلمام بأصول التفسير وقواعده وضوابطه، حتى يكون كلامه في التفسير
منضبطاً بالأصول العلمية، عالماً بتحرير مسائل التفسير، وطرق التعامل مع
أقوال المفسرين واستدلالاتهم، لئلا يقع في كلامه مخالفة للمنهج العلمي
الصحيح في التفسير.
والجانب الثاني:
التأهّل في العلوم التي تتطلبها البراعة في الاستنتاج؛ فيدرس مختصرات في
أصول الفقه والنحو والصرف والبلاغة ومعاني الحروف وفقه اللغة والاشتقاق،
وهذه العلوم غنيّة بالأدوات العلمية التي تُستخرج بها المسائل والفوائد،
والتمكن من هذه العلوم من أعظم أسباب التفاوت بين المفسّرين في الاستنباط.
وليحرص طالب العلم عند دراسته لتلك العلوم أن ينتفع بما يدرسه منها في التفسير.
والجانب الثالث: التمرّن
على محاكاة أساليب العلماء في الاستنباط، واستعمال الأدوات التي
يستعملونها، والتعرّف على طرق استخراجهم للمسائل والفوائد وتطبيق ما تعلّمه
على ما يدرسه من الآيات.
ومِن أحسن ما يعينه على تحسين أسلوبه الاستنتاجي قراءة الرسائل التفسيرية التي تظهر فيها العناية بهذا الأسلوب، والتمعّن فيها.
المخاطَبون بالأسلوب الاستنتاجي:
عامّة المخاطبين بهذا الأسلوب هم من أهل العلم
وطلابه، ولذلك ينبغي أن تكون لغة الخطاب في هذا الأسلوب لغة علمية رصينة،
وأن يكون لما يذكره المفسّر من المسائل والفوائد وجهاً صحيحاً في الاستدلال
والاستخراج، وأن يتجنب التكلّف والتمحّل، والتسرّع بإطلاق الأحكام
والدعاوى من غير نظرٍ في موافقتها للنصوص ومقاصد الشريعة، ولذلك ينبغي أن يعرض المفسّرُ ما استخرجه من المسائل والفوائد على النصوص فما خالفها فهو مردود.
عناية العلماء بالأسلوب الاستنتاجي:
عناية العلماء بالأسلوب الاستنتاجي ظاهرة جلية في كتب التفسير، والرسائل التفسيرية، وقد وبرع في الاستنباط والاستخراج جماعة من العلماء منهم الشافعي وأبو عبيد القاسم بن سلام والبخاري وابن المنذر وابن خزيمة وابن جرير الطبري والطحاوي وابن حبّان
- ثم أتى بعدهم: شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن رجب وابن الجزري.
- ثمّ أتى بعدهم: الحافظ ابن حجر والسيوطي، وله كتاب مفرد في ذلك سمّاه "الإكليل في استنباط التأويل".
- ثمّ أتى بعدهم: شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وله عناية بالغة بهذا الأسلوب في عدد من رسائله في التفسير، والشوكاني كذلك له عناية حسنة بالاستنباط.
ثمّ أتى بعدهم: عبد الرحمن السعدي، وعبد الرحمن المعلّمي، ومحمد الأمين الشنقيطي، وابن عثيمين.
ولهؤلاء العلماء وغيرهم في كتبهم ورسائلهم ما يدلّ على براعتهم في استخراج المسائل والفوائد والأحكام واللطائف.
وبعض المفسّرين يستعمله في تفسير بعض
الآيات من تفسيره فيميّزها بمزيد عناية كما استنبط السعدي في تفسيره لآية
الوضوء نحو خمسين فائدة؛ فخرج في هذا الموضع عن طريقته التي انتهجها في
تفسيره إلى الأسلوب الاستنتاجي.
وله رسالة في استنباط مائة فائدة من قصة يوسف، ولتلميذه الشيخ محمد العثيمين رحمه الله عناية حسنة بهذا الأسلوب في مواضع من تفسيره.
ومن أمثلة ما كُتب بهذا الأسلوب:
2.تفسير صدر سورة المدثر لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
3. تفسير آية الوضوء للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله
أمثلة:
1. فوائد سلوكية من قول الله تعالى: {للذين استجابوا لربهم الحسنى}
2.تأمّلات في قول الله تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}
التطبيق:
- اكتب رسالة تفسيرية في نحو صفحة أو صفحتين بالأسلوب الاستنتاجي.
المثال الأول: فوائد سلوكية من تفسير قول الله تعالى: {للذين استجابوا لربهم الحسنى...}
الحمد لله الذي له المحامد كلها، على
كرمه وعلمه، وعلى عفوه وحلمه، وعلى هدايته وتوفيقه، والصلاة والسلام على
خير عباده، وصفوة أوليائه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه أما بعد:
فهذه فوائد سلوكية من تدبر قول الله تعالى: {للذين استجابوا لربهم الحسنى} وبيان ما تضمَّنه من هدايات جليلة القدر عظيمة النفع لمن وفّقه الله:
فمنها: تضمّن هذه الآية الكريمة بيان سرّ السعادة وسبب الفوز والفلاح في
الدنيا والآخرة، وهو الاستجابة لله تعالى؛ فالمستجيب هو السعيد الذي له كتب
الله له الحُسْنى.
ومنها: ما في هذه الآية ضمان كريم ووعد صادق من الله تعالى – والله لا يخلف الميعاد - أن من استجاب له تعالى فسيكون في أحسن حال.
ومنها: أنَّ وصف الحُسنى في الآية عامّ للحال والمآل على أظهر أقوال المفسّرين.
ومنها: أنَّ بناء لفظ "الحُسنى" الصرفي على "فُعْلى" دالٌّ على بلوغ الغاية
في الحسنِ حسن الحال وحسن الجزاء، كما يقال: المثلى والوُثقى والعظمى
والكبرى للدلالة على بلوغ منتهى الغاية في ذلك.
ومنها: أن هذا الجزاء منحة خاصة لأهل الاستجابة لا يشاركهم فيها غيرهم؛
فلهم بها أعظم الامتياز عن غيرهم، دلَّ على ذلك تقديم الجار والمجرور {للذين استجابوا لربهم الحسنى}.
ومنها: أن الاستجابة لا تكون إلا بعد دعوة فدلَّ ذلك على سبق بيان الهدى؛
وتكفّل الله تعالى به في كل ما يحتاجه العبد وإنما عليه الاستجابة.
ومنها: أن هذا الثواب عام في الدنيا والآخرة، وسيجد المستجيب لربه أحسن ما يُنال وأفضله في الميزان الصحيح.
ومنها: أن اقتران ذكر الاستجابة بوصف الربوبية له دلالات عظيمة:
إحداها: أنه تعالى هو ربّ المستجيبين ربوبية خاصة تملأ قلوبهم ثقة وطمأنينة بحسن هداه وصدق وعده.
والثانية: أنه تعالى أعلم بما يصلح عباده وأرحم بهم من أنفسهم؛ فقد يمنعهم بعض ما يشتهونه وقاية لهم مما يفضي إلى شقاوتهم وهلاكهم.
والثالثة: أنه تعالى هو الربّ الكفيل ببيان هداه وإنجاز وعده.
والرابعة: أنَّ المستجيب الصادق سيجد العون على الاستجابة لربّه جلّ وعلا.
ومن الفوائد أيضاً: أن هذه الاستجابة ميسَّرة لا حرج فيها دلَّ على ذلك استصحاب أصل رفع الحرج في كلّ ما يأمر الله به عباده.
ومنها: أن استجابة العبد يجب أن تكون خالصة لربه جلّ وعلا {للذين استجابوا لربهم} دلّ على ذلك معنى الاختصاص في حرف اللام في قوله تعالى: {لربهم} أي لا لغيره؛ فيعمل الطاعات امتثالاً لأمر الله وابتغاء وجهه.
ومنها: أن استجابة العباد لربّهم على درجات متفاوتة، دلّ على ذلك ظهور
التفاوت في تحقيق الاستجابة؛ فمن المستجيبين من هو محسن في استجابته مسارع
بها إلى الله تعالى؛ فله أحسن الجزاء وأحسن العاقبة، ومنهم المقتصد الذي
يستجيب استجابة تبرأ بها عُهدته، فينال بذلك حسن ثواب المتّقين، ومنهم
الظالم لنفسه الذي في استجابته نقص وتفريط؛ فيستجيب له في أصل الدين وما
يحفظ به إسلامه ويقصّر في بعض ما يجب عليه فيما وراء ذلك؛ فله من حسن
العاقبة ما وعد الله به أهل الإسلام من النجاة من النار ودخول الجنّة وإن
عُذّب قبل ذلك ما عذّب.
فهؤلاء كلهم من أهل الاستجابة، والتفاضل بينهم في الحال والجزاء عظيم كما تفاضلوا في الاستجابة.
فتبيّن بذلك أن أسعد الناس بأحسن الأحوال والجزاء أحسنهم استجابة لربه جلّ وعلا.
وأمّا الذين أخبر الله عنهم بقوله: { وَالَّذِينَ
لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ
وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} فهم الذين لم يستجيبوا له في أصل الدين وهم الكفار والمنافقون، والعياذ بالله.
ومنها: أنَّ العبدَ لو تأمّل أسباب شقائه وسوء حاله لوجده راجعاً إلى أصل واحد، وهو تقصيره في استجابته لربه فساءت حاله لما أساء.
ومنها: أنَّ كل أمر يعترض العبد يقابله هدى من الله تعالى يُحِبُّ أن
يستجاب له فيه؛ فمن استجاب فاز بالحسنى ومن أعرض عرّض نفسه لسوء الحال
والعقاب.
ومنها: أنَّ يقين العبد بأن مدار سعادته وفوزه وفلاحه على استجابته لله
تعالى يجعله دائم الفكر فيما يرضي ربه وما يحب أن يستجاب له فيه، وهنا سر
العبودية.
ومنها: أنَّه من المُحَال شرعا وعقلاً عند أهل العلم والإيمان أن تكون
عاقبة المستجيب لربه سيئة ، فمن أيقن بهذا أحسن الظنّ بالله، ورضي به
ربّا، وتيسّر له تحقيق التوكل.
فهذه بضع عشرة فائدة سلوكية في قوله تعالى: {للذين استجابوا لربهم الحسنى}
من تبصَّر بها وفقه معانيها وعرف قدرها تبيَّنت له مناسبة قول الله تعالى
في الآية التي تليها: {أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربّك هو الحقّ كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب}.
هذا مما فتح الله تعالى به من بيان بعض ما تضمنته هذه الآية من الفوائد
السلوكية على تقصير في الشرح وقصور في التعبير عن دلائل هذه الكلمة
العظيمة، أسأل الله تعالى أن يتقبلها ويبارك فيها إنه حميد مجيد.
وأستغفر الله تعالى من الخطأ والزلل، وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه.
المثال الثاني: تأملات في قول الله تعالى:{بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}
تضمنت
هذه الآية الجليلة على وجازة ألفاظها آداب مجادلة أهل الباطل، وبيان شروط
تمام الغلبة، والتنبيه على العلل التي يُخذل بها بعض المجادلين، وتضمّنت
وعداً بكرامة عظيمة لمن التزموا هذه الآداب وحققوا تلك الشروط.
1:
فأول هذه الآداب أن يستشعر المجادل أن الذي يقذف هو الله، وأنه مجرد سبب
وأداة يُنصر بها الحق، وغاية ما يرجو من الشرف أن يكون سبباً صالحاً؛ فإن
الله تعالى أسند القذف إليه، وقال في محاجة إبراهيم لقومه: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه}
ومن ظنَّ أنه هو
الذي يستعلي بحجته ودهائه وتفننه في أساليب البلاغة فليشفق على نفسه من
الخذلان والاستدراج، وذلك لضعف توكله على الله واستعانته به، ويكثر في هذا
الصنف أنهم إذا حصل لهم شيء من العلو الظاهر لضعف الخصم أصابهم من الزهو
والعجب ما يذهب الأجر ويجلب المقت.
وهذا الأدب
الجليل يحمل العبد على تحقيق التوكل على الله والاستعانة به، والتواضع
لجلاله وعظمته، واستلهام هدايته وتوفيقه، وأن يستشعر العبد أنه جندي من
جنود الحق؛ يشرف بهذه النسبة، ويطمئن لضمان الله الغلبة لجنده؛ فيعتقد أن
الله حسبه وكافيه.
فيكون أكثر ما
يخشاه أن يستزله الشيطان ببعض ما كسب؛ فيدفعه ذلك لتحقيق الاستقامة
وإتباعها بالاستغفار وتكرار التوبة؛ فالمصاولة العلمية لا تقل عن المصاولة
على أرض القتال؛ وقد أثنى الله على المحسنين في الجهاد بقوله: {وما
كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت
أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين . فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب
الآخرة والله يحب المحسنين}
فهؤلاء من المحسنين في جهادهم.
2:
أن هذا المقام إذا صحّ في قلب المؤمن المجادل بالحق أثمر فيه عبادات
قلبية عظيمة من المحبّة والخوف والرجاء والخشية والإنابة والتوكل
والاستعانة والاستعاذة وغيرها فتجتمع في قلبه اجتماعاً حسناً، وهذه
الأعمال أحبّ إلى الله تعالى من أعمال العبد الظاهرة، وقد صحّ عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنّ الله ينظر إلى القلوب
كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
3:
أن يتمحض المؤمن المجادل للحق ، ويكون رده على محض الباطل؛ ولذلك قد
يتجادل خصمان مع أحدهما حق كثير وباطل قليل، والآخر بعكسه ؛ فلا (يدمغ)
أحدهما الآخر، وإنما يدمغ حق كل منهما باطل صاحبه؛ فإن في الحق قوة لا تقبل
الإزهاق وإن كان مع صاحبه باطل كثير.
وقد قال النبي في الشيطان وهو رأس الباطل: (صدقك وهو كذوب)
ولذلك فإن من
الإنصاف اعترافك بالحق الذي قال به خصمك في المجادلة وإن كان قليلاً، ثم
ترد باطله، وأما ردك حقه بحجة كثرة باطله فهو نوع مكابرة قد تخذل بسببها،
وقد يتأخر النصر.
4:
أن يتوجه المجادل بالحجة على أصل الباطل (فيدمغه) ولا ينشغل بالأطراف
والقضايا الجانبية التي لو بيَّن بطلانها بقي غيرها ومنبعها الذي يولّد
أطرافاً أخرى.
5:
الحق فيه علوّ ملازم له، والباطل سافل بذاته، وإنما يرتفع بالإثارة؛
كالغبار والدخان إذا أثيرا آذا وأزكما وربما حجبا رؤية الحق عن الذين لا
يعرفون معالمه ؛ فإذا عُرف مصدر إثارة الباطل، ووجهت إليه قذيفة الحق عاد
الباطل إلى أصله {إن الباطل كان زهوقاً} .
6:
معرفتك بعلوّ الحق وقوته تكسبك طمأنينة وثقة وتماسكاً وثباتا يفتقده
المجادل بالباطل، فإن المجادل بالباطل متحفّز لنصرة باطله دائب على إثارته
حتى لا يخبو فيعود لأصله، فهو ملازم للقلق والاضطراب والتخوف، وأما صاحب
الحق فإنه ينظر إلى الباطل من علو فيعرف مصدر إثارته وأصل شبهته فيوجه إليه
قذيفة الحق فيدمغه.
7:
علو الحق مستلزم لعلوّ صاحبه ، وما الناس إلا فريقان: فريق هم أهل الحق،
وفريق هم أهل الباطل، فمن كان من أهل الحق القائمين به كان موعوداً بالعزة
والرفعة والعلو كما قال الله تعالى: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}
ولما أَذِن الله تعالى بالقتال في سبيله وحث المؤمنين عليه ووعدهم بالنصر علَّل ذلك بقوله: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير}
فكونه تعالى هو الحق يقتضي أن لا يقر الباطل ؛ بل لا بد أن ينصر الحق ويعليه على الباطل.
وَخَتْم الآية
بالاسمين الجليلين (العلي الكبير) لهما أثرهما العظيم في بيان هذا التعليل؛
فهو العلي بذاته وأسمائه وصفاته ، ودينه أعلى الأديان، وعباده المؤمنون
هم الأعلون، ومن سواهم فهم الأذلون الأرذلون، ولا يمكن أن يغلب الأذل
الأعز، والا الأدنى الأعلى.
وهو (الكبير)
الذي لا أكبر منه؛ فهو أكبر من كل شيء بذاته وصفاته، وهذه الصفة الجليلة
تستلزم ما تستلزم من صفات جليلة أخرى كالقوة والقدرة والقهر والجبروت
والملكوت وشدة البطش وغيرها.
فكونه العلي يقتضي عدم خذلانهم.
وكون الكبير يقتضي عدم عجزه عن نصرتهم.
فتحصل للمؤمن بذلك سكينة وطمأنينة بانتصار الحق وعلوه وغلبة جند الله تعالى.
وهذه التهيئة
النفسية لها أثر عظيم في حسن الإعداد للجهاد، وأخذ العدة له ، والتبصر
بمواضع قوة الخصم ومصادر إمداده، فيوجه عنايته إليه.
اقتباس:
جواب الشيخ عبد العزيز الداخل:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأفضل أن تجتهدوا في استخراج الفوائد من الآيات أولاً، ثم تطلعوا على كلام
المفسّرين فتزيدوا ما تيسّر لكم، وإن كان لأحد العلماء فوائد إضافية لم
تتنبّهوا لها فينسب استخراجها إليهم.
تنبيهات عامة للشيخ عبد العزيز الداخل:
أولاً: قبل الشروع في التفسير يحسن بالمفسّر أن يستخلص المسائل والفوائد ويرتّبها.
ثانياً: ينبغي أن يكون أسلوب المفسّر ظاهراً في الخطاب ومؤثراً في المخاطَب، غير مغمور في المنقولات وسرد المسائل والفوائد.
ثالثاً: أن يكون وجه المناسبة بين الفائدة والآية ظاهراً غير متكلف.
رابعاً: العناية بعزو الأحاديث والآثار التي ترد في الرسالة مع بيان حكمها ما أمكن.