الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (6) إلى الآية (10) ]
18 Aug 2014
18 Aug 2014

4268

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم الأول

تفسير سورة البقرة [من الآية (6) إلى الآية (10) ]
18 Aug 2014
18 Aug 2014

18 Aug 2014

4268

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) }



تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6)}
(إنّ) تنصب (الذين)، وهي تنصب الأسماء وترفع الأخبار، ومعناها في الكلام التوكيد، وهي آلة من آلات القسم، وإنّما نصبت ورفعت؛ لأنها تشبه بالفعل، وشبهها به أنها لا تلي الأفعال ولا تعمل فيها، وإنما يذكر بعدها الاسم والخبر كما يذكر بعد الفعل: الفاعل والمفعول، إلا أنه قدم المفعول به فيها؛ ليفصل بين ما يشبه بالفعل ولفظه لفظ الفعل، وبين ما يشبه به وليس لفظه لفظ الفعل، وخبرها ههنا جملة الكلام، أعني قوله:{سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}.
وترفع {سواء} بالابتداء، وتقوم {أأنذرتهم أم لم تنذرهم} مقام الخبر، كأنه بمنزلة قولك "سواء عليهم الإنذار وتركه".
و{سواء} موضوع موضع (مستو) لأنك لا تقيم المصادر مقام أسماء الفاعلين إلا وتأويلها تأويل أسمائهم.
فأما دخول ألف الاستفهام، ودخول "أم" التي للاستفهام والكلام خبر؛ فإنّما وقع ذلك لمعنى التسوية، والتسوية آلتها ألف الاستفهام و"أم"، تقول: أزيد في الدار أم عمرو؟، فإنما دخلت الألف وأم؛ لأن علمك قد استوى في زيد وعمرو.
وقد علمت أن أحدهما في الدار لا محالة ولكنك أردت أن تبين لك الذي علمت ويخلص لك علمه من غيره، فلهذا تقول: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو؟، وإنما تريد أن تسوّي عند من تخبره العلم الذي قد خلص عندك. وكذلك {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} دخلت الألف و"أم" للتسوية.
فأما {أأنذرتهم} فزعم سيبويه أن من العرب من يحقق الهمزة، ولا يجمع بين الهمزتين وإن كانتا من كلمتين، فأما أهل الحجاز فلا يحققون واحدة منهما، وأما بعض القراء - ابن أبي إسحاق وغيره - فيجمعون في القراءة بينهما، فيقرؤون (أأنذرتهم) وكثير من القراء يخفّف إحداهما.
وزعم سيبويه أن الخليل كان يرى تخفيف الثانية فيقول: (أانذرتهم) فيجعل الثانية بين الهمزة والألف، ولا يجعلها ألفا خالصة، ومن جعلها ألفاً خالصة فقد أخطأ من جهتين:
إحداهما: أنه جمع بين ساكنين، والأخرى: إنّه أبدل من همزة متحركة قبلها حركة ألفاً والحركة الفتح، وإنما حق الهمزة إذا حركت وانفتح ما قبلها: أن تجعل بين بين، أعني: بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها.
فتقول في سأل: "سال"، وفي رؤوف: "رووف"، وفي بئس: "بيس"، بين بين، وهذا في الحكم واحد وإنما تحكمه المشافهة.
وكان غير الخليل يجيز في مثل قوله تعالى: {فقد جاء أشراطها} تخفيف الأولى.
وزعم سيبويه: أن جماعة من العرب يقرؤون: {فقد جاء أشراطها} يحققون الثانية ويخففون الأولى، وهذا مذهب أبى عمرو بن العلاء وأما الخليل فيقول بتحقيق الأولى فيقول: {فقد جاء أشراطها}.
قال الخليل: وإنّما اخترت تخفيف الثانية لإجماع الناس على بدل الثانية في قولك: آدم، وآخر؛ لأن الأصل في آدم: "أادم"، وفي آخر: "أاخر"، وقول الخليل أقيس، وقول أبى عمرو جيد أيضاً.
قال أبو إسحاق: الهمزة التي للاستفهام ألف مبتدأة، ولا يمكن تخفيف الهمزة المبتدأة، ولكن إن ألقي همزة ألف الاستفهام على سكون الميم من عليهم فقلت: "عليهم أنذرتهم" جاز. ولكن لم يقرأ به أحد، والهمزتان في قوله: {فقد جاء أشراطها} همزتان في وسط الكلمة ويمكن تخفيف الأولى.
فأما من خفف الهمزة الأولى قوله: {أأنذرتهم} فإنه طرحها ألبتّة وألقى حركتها على الميم، ولا أعلم أحداً قرأ بها، والواجب على لغة أهل الحجاز أن يكون "عليهمَ أنذرتهم" فيفتح الميم، ويجعل الهمزة الثانيةبين بين، وعلى هذا مذهب جميع أهل الحجاز.
ويجوز أن يكون {لا يؤمنون} خبر "إنّ"، كأنه قيل: "إنّ الذين كفروا لا يؤمنون، سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم".
هؤلاء قوم أنبأ اللّه -تبارك وتعالى- النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنهم لا يؤمنون كما قال عزّ وجلّ: {ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد}.
فأما الهمزتان إذا كانتا مكسورتين نحو قوله عزّ وجلّ: {على البغاء إن أردن تحصّناً} وإذا كانتا مضمومتين نحو قوله: {أولياء أولئك} فإن أبا عمرو يخفف الهمزة الأولى فيهما فيقول: "على البغا إن أردن" ، "وأوليا أولئك " فيجعل الهمزة الأولى من البغاء بين الهمزة والياء ويكسرها، ويجعل الهمزة في قولك "أولياء أولئك" الأولى بين الواو والهمزة ويضمها.
وحكى أبو عبيدة أن أبا عمرو كان يجعل مكان الهمزة الأولى كسرة في "البغاء إن" وضمة في "أولياء أولئك".
أبو عبيدة لا يحكي إلا ما سمع؛ لأنه الثقة المأمون عند العلماء، إلا إنّه لا يضبط مثل هذا الموضع؛ لأن الذي قاله محال، لأن الهمزة إذا سقطت وأبدلت منها كسرة وضمة -على ما وصف-: بقيت الحركتان في غير حرف، وهذا محال؛ لأن الحركة لا تكون في غير محرّك.
قال أبو إسحاق: والذي حكيناه آنفاً رواية سيبويه، عن أبي عمرو، وهو اضبط لهذا.
وأما قوله: {السفهاء ألا}، وقوله: {وإليه النشور * أأمنتم من في السماء أن} فإن الهمزتين إذا اختلفتا: حكى أبو عبيدة أن أبا عمرو كان يبدل من الثانية فتحة، وهذا خلاف ما حكاه سيبويه، والقول فيه أيضاً محال؛ لأن الفتحة لا تقوم بذاتها، إنما تقوم على حرف.
وجملة ما يقول النحويون في المسالة الأولى في مثل قوله: {على البغاء إن} أو {أولياء أولئك} ثلاثة أقوال على لغة غير أهل الحجاز:-
فأحد هذه الثلاثة: وهو مذهب سيبويه والخليل: أن يجعل مكان الهمزة الثانية همزة بين بين، فإذا كان مضموماً جعل الهمزة بين الواو والهمزة، فقال: "أولياء أولئك"، وإذا كان مكسوراً جعل الهمزة بين الياء والهمزة، فقال: "على البغاءين"، وأمّا أبو عمرو فقرأ على ما ذكرناه، وأمّا ابن أبي إسحاق ومذهبه مذهب جماعة من القراء - فيجمع بين الهمزتين، فيقرأ (أولياء أولئك) و (على البغاء إن أردن) بتحقيق الهمزتين.
وأمّا اختلاف الهمزتين نحو (السفهاء ألا) فأكثر القراء على مذهب ابن أبي إسحاق، وأما أبو عمرو فيحقق الهمزة الثانية في رواية سيبويه، ويخفف الأولى فيجعلها بين الواو والهمزة، فيقول: (السفهاء ألا) بين بين.
ويقول: (من في السماي أن) فيحقق الثانية، وأما سيبويه والخليل فيقولان: (السفهاء ولا) فيجعلان الهمزة الثانية واواً خالصة، وفي قوله: (من السماءين) ياء خالصة مفتوحة فهذا جميع ما في هذا الباب.
وقد ذكر أبو عبيدة أن بعضهم روى عن أبي عمرو أنه كان إذا اجتمعت همزتان طرحت إحداهما، وهذا ليس بثبت؛ لأن القياس لا يوجبه.
وأبو عبيد لم يحقق في روايته؛ لأنه قال: رواه بعضهم، وباب رواية القراءة عن المقرئ يجب أن يقل الاختلاف فيه.
فإن كان هذا صحيحاً عنه فهو يجوّزه في نحو: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}، وفي مثل قوله: {آلذّكرين حرّم أم الأنثيين} فيطرح همزة الاستفهام؛ لأن "أم" تدل عليها.
قال الشاعر:

لـعـمـرك مــــا أدري إن كــنــت داريــــا شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر

وقال عمر بن أبي ربيعة:

لعمرك ما أدري وإن كنت داريا بـسـبـع رمـيــن الـجـمـر أم بـثـمــان

البيت الأول أنشده الخليل وسيبويه، والبيت الثاني صحيح أيضًا). [معاني القرآن: 1/78-82]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6) ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيمٌ (7)}
معنى الكفر مأخوذ من قولهم كفر إذا غطى وستر، ومنه قول الشاعر لبيد بن ربيعة:

في ليلة كفر النجوم غمامها

أي سترها ومنه سمي الليل كافرا لأنه يغطي كل شيء بسواده، قال الشاعر: [ثعلبة بن صغيرة]:

فتذكر ثقلا رثيدا بعد ما ....... ألقت ذكاء يمينها في كافر

ومنه قيل للزراع كفار، لأنهم يغطون الحب، فــــ «كفر» في الدين معناه غطى قلبه بالرّين عن الإيمان أو غطى الحق بأقواله وأفعاله.
واختلف فيمن نزلت هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها.
فقال قوم: «هي فيمن سبق في علم الله أنه لا يؤمن أراد الله تعالى أن يعلم أن في الناس من هذه حاله دون أن يعين أحد».
وقال ابن عباس: «نزلت هذه الآية في حيي بن أخطب، وأبي ياسر وابن الأشرف ونظرائهم»، وقال الربيع بن أنس: «نزلت في قادة الأحزاب وهم أهل القليب ببدر».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هكذا حكي هذا القول، وهو خطأ، لأن قادة الأحزاب قد أسلم كثير منهم، وإنما ترتيب الآية في أصحاب القليب، والقول الأول مما حكيناه هو المعتمد عليه، وكل من عين أحدا فإنما مثل بمن كشف الغيب بموته على الكفر أنه في ضمن الآية.
وقوله: {سواءٌ عليهم} معناه معتدل عندهم، ومنه قول الشاعر: [أعشى قيس]:

وليل يقول الناس من ظلماته ....... سواء صحيحات العيون وعورها

قال أبو علي: في اللفظة أربع لغات: سوى بكسر السين، وسواء بفتحها والمد، وهاتان لغتان معروفتان، ومن العرب من يكسر السين ويمد، ومنهم من يضم أوله ويقصره، وهاتان اللغتان أقل من تينك.
ويقال سي بمعنى سواء كما قالوا: «قي، وقواء»، وسواءٌ رفع على خبر إنّ، أو رفع على الابتداء وخبره فيما بعده، والجملة خبر إنّ، ويصح أن يكون خبر إنّ لا يؤمنون.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع: «آنذرتهم» بهمزة مطولة، وكذلك ما أشبه ذلك في جميع القرآن، وكذلك كانت قراءة الكسائي إذا خفف، غير أن مد أبي عمرو أطول من مد ابن كثير، لأنه يدخل بين الهمزتين ألفا، وابن كثير لا يفعل ذلك.
وروى قالون وإسماعيل بن جعفر عن نافع إدخال الألف بين الهمزتين مع تخفيف الثانية، وروى عنه ورش تخفيف الثانية بين بين دون إدخال ألف بين الهمزتين، فأما عاصم وحمزة والكسائي إذا حقق وابن عامر: فبالهمزتين «أأنذرتهم»، وما كان مثله في كل القرآن.
وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق بتحقيق الهمزتين وإدخال ألف بينهما.
وقرأ الزهري وابن محيصن «أنذرتهم» بحذف الهمزة الأولى، وتدل أم على الألف المحذوفة، وكثر مكي في هذه الآية بذكر جائزات لم يقرأ بها، وحكاية مثل ذلك في كتب التفسير عناء. والإنذار إعلام بتخويف، هذا حده، وأنذرت فعل يتعدى إلى مفعولين.
قال الله عز وجل: {فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود}[فصلت: 13]، وقال: {إنّا أنذرناكم عذاباً قريباً}[النساء: 40] وأحد المفعولين في هذه الآية محذوف لدلالة المعنى عليه.
وقوله تعالى: {أأنذرتهم أم لم تنذرهم} لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الخبر، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام لأن فيه التسوية التي هي في الاستفهام، ألا ترى أنك إذا قلت مخبرا سواء عليّ أقعدت أم ذهبت، وإذا قلت مستفهما أخرج زيد أم قام، فقد استوى الأمران عندك، هذان في الخبر، وهذان في الاستفهام وعدم علم أحدهما بعينه، فلما عمتهما التسوية جرى على هذا الخبر لفظ الاستفهام لمشاركته إياه في الإبهام، وكل استفهام تسوية، وإن لم تكن كل تسوية استفهاما). [المحرر الوجيز: 1/ 110-112]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6)}
يقول تعالى: {إنّ الّذين كفروا} أي: غطوا الحقّ وستروه، وقد كتب اللّه تعالى عليهم ذلك، سواءٌ عليهم إنذارك وعدمه، فإنّهم لا يؤمنون بما جئتهم به، كما قال تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم}[يونس: 96، 97]، وقال في حقّ المعاندين من أهل الكتاب: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك} الآية [البقرة: 145] أي: إنّ من كتب اللّه عليه الشّقاوة فلا مسعد له، ومن أضلّه فلا هادي له، فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ، وبلّغهم الرّسالة، فمن استجاب لك فله الحظّ الأوفر، ومن تولّى فلا تحزن عليهم ولا يهمدنّك ذلك؛ {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب}[الرّعد: 40]، و {إنّما أنت نذيرٌ واللّه على كلّ شيءٍ وكيلٌ}[هودٍ: 12].
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحرص أن يؤمن جميع النّاس ويتابعوه على الهدى، فأخبره اللّه تعالى أنّه لا يؤمن إلّا من سبق له من اللّه السعادة في الذّكر الأوّل، ولا يضلّ إلّا من سبق له من اللّه الشّقاوة في الذّكر الأوّل».
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{إنّ الّذين كفروا}أي: بما أنزل إليك، وإن قالوا: إنّا قد آمنّا بما جاءنا قبلك{سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}أي: إنّهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق، فقد كفروا بما جاءك، وبما عندهم ممّا جاءهم به غيرك، فكيف يسمعون منك إنذارًا وتحذيرًا، وقد كفروا بما عندهم من علمك؟!».
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، قال:«نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب، وهم الّذين قال اللّه فيهم:{ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار * جهنّم يصلونها} [إبراهيم: 28، 29]».
والمعنى الّذي ذكرناه أوّلًا وهو المرويّ عن ابن عبّاسٍ في رواية عليّ بن أبي طلحة، أظهر، ويفسّر ببقيّة الآيات الّتي في معناها، واللّه أعلم.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ هاهنا حديثًا، فقال: حدّثنا أبي، حدّثنا يحيى بن عثمان بن صالحٍ المصريّ، حدّثنا أبي، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي الهيثم عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: قيل: يا رسول اللّه، إنّا نقرأ من القرآن فنرجو، ونقرأ فنكاد أن نيأس، فقال: "ألا أخبركم"، ثمّ قال: "{إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} هؤلاء أهل النّار". قالوا: لسنا منهم يا رسول اللّه؟ قال: "أجل".
[وقوله: {لا يؤمنون} محلّه من الإعراب أنّه جملةٌ مؤكّدةٌ للّتي قبلها: {سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} أي: هم كفّارٌ في كلا الحالين؛ فلهذا أكدّ ذلك بقوله: {لا يؤمنون}، ويحتمل أن يكون {لا يؤمنون} خبرًا لأنّ تقديره: إنّ الّذين كفروا لا يؤمنون، ويكون قوله: {سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} جملةٌ معترضةٌ، واللّه أعلم] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 173-174]

تفسير قوله تعالى:{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (7)}
معنى ختم في اللغة وطبع معنى واحد، وهو: التغطية على الشيء، والاستيثاق من ألا يدخله شيء، كما قال عزّ وجلّ: {أم على قلوب أقفالها}
وقال جلّ ذكره: {كلا بل ران على قلوبهم} معناه : غلب على قلوبهم ما كانوا يكسبون. وكذلك: {طبع عليها بكفرهم} وهم كانوا يسمعون ويبصرون ويعقلون، ولكنهم لم يستعملوا هذه الحواس استعمالاً يجزي عنهم، فصاروا كمن لا يسمع ولا يبصر. قال الشاعر:



.......أصم عما ساءه سميع

وكذلك قوله جلّ وعزّ {وعلى أبصارهم غشاوة}: هي الغطاء، فأما قوله: {وعلى سمعهم} وهو يريد: "وعلى أسماعهم"، ففيه ثلاثة أوجه:

فوجه منها: أن السمع في معنى المصدر فوحّد، كما تقول: يعجبني حديثكم ويعجبني ضربكم فوحّد؛ لأنه مصدر.
ويجوز أن يكون لما أضاف السمع إليهم دل على معنى "أسماعهم". قال الشاعر:



بها جيف الحسرى فأمّا عظامها فـبـيـض وأمّـــا جـلـدهــا فـصـلـيـب

وقال الشاعر أيضاً:

لا تنـكـري القـتـل وقـــد سبـيـنـا في حلقكم عظم وقد شجينا

معناه : في حلوقكم، وقال:

كأنـه وجـه تركييـن قـد غضـبـا مستهدف لطعان غير تذييب

أما {غشاوة} فكل ما كان مشتملاً على الشيء: فهو في كلام العرب مبني على "فعالة "، نحو: الغشاوة والعمامة والقلادة والعصابة، وكذلك أسماء الصناعات؛ لأن معنى الصناعة الاشتمال على كل ما فيها، نحو: الخياطة والقصارة، وكذلك على كل من استولى على شيء ما استولى عليه الفعالة، نحو: الحلاقة والإمارة.

والرفع في {غشاوة} هو الباب، وعليه مذهب القرّاء.
والنصب جائز في النحو على أن المعنى: {وجعل على أبصارهم غشاوة} كما قال اللّه عز وجل في موضع آخر: {وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة} ومثيله من الشعر مما حمل على معناه، قوله:


يا ليت بعلك قد غدا متقـلـدا سيـفـا ورمـحــا

معناه : متقلداً سيفاً، وحاملاً رمحاً.

ويروي: "غشوة"، والوجه ما ذكرناه. وإنما "غشوة" رد إلى الأصل؛ لأن المصادر كلها ترد إلى "فعلة"، والرفع والنصب في "غشوة" مثله في "غشاوة"). [معاني القرآن: 1/83-84]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ختم اللّه} مأخوذ من الختم وهو الطبع، والخاتم الطابع، وذهبت طائفة من المتأولين إلى أن ذلك على الحقيقة، وأن القلب على هيئة الكف ينقبض مع زيادة الضلال والإعراض إصبعا إصبعا.
وقال آخرون: ذلك على المجاز، وإن ما اخترع له في قلوبهم من الكفر والضلال والإعراض عن الإيمان سماه ختما.
وقال آخرون ممن حمله على المجاز: «الختم هنا أسند إلى الله تعالى لما كفر الكافرون به وأعرضوا عن عبادته وتوحيده، كما يقال أهلك المال فلانا وإنما أهلكه سوء تصرفه فيه».
وقرأ الجمهور: وعلى سمعهم.
وقرأ ابن أبي عبلة: «وعلى أسماعهم»، وهو في قراءة الجمهور مصدر يقع للقليل والكثير، وأيضا فلما أضيف إلى ضمير جماعة دل المضاف إليه على المراد، ويحتمل أن يريد على مواضع سمعهم فحذف وأقام المضاف إليه مقامه.
والغشاوة الغطاء المغشي الساتر، ومنه قول النابغة:

هلا سألت بني ذبيان ما حسبي ....... إذا الدخان تغشى الأشمط البرما

وقال الآخر: [الحارث بن خالد المخزومي]:

تبعتك إذ عيني عليها غشاوة ....... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها

ورفع غشاوة على الابتداء وما قبله خبره.
وقرأ عاصم فيما روى المفضل الضبي عنه «غشاوة» بالنصب على تقدير وجعل على أبصارهم غشاوة، والختم على هذا التقدير في القلوب والأسماع، والغشوة على الأبصار، والوقف على قوله وعلى سمعهم.
وقرأ الباقون «غشاوة» بالرفع.
قال أبو علي: «وقراءة الرفع أولى لأن النصب إما أن تحمله على ختم الظاهر فيعترض في ذلك أنك حلت بين حرف العطف والمعطوف به» وهذا عندنا إنما يجوز في الشعر، وإما أن تحمله على فعل يدل عليه ختم تقديره وجعل على أبصارهم، فيجيء الكلام من باب:

... ... ... ... ....... «متقلدا سيفا ورمحا»

وقول الآخر:

... ... ... ... ....... علفتها تبنا وماء باردا

ولا تكاد تجد هذا الاستعمال في حال سعة واختيار. فقراءة الرفع أحسن، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة».
قال: «ولم أسمع من الغشاوة فعلا مصرفا بالواو، فإذا لم يوجد ذلك وكان معناها معنى ما اللام منه الياء من غشي يغشى بدلالة قولهم الغشيان فالغشاوة من غشي كالجباوة من جبيت في أن الواو كأنها بدل من الياء، إذ لم يصرف منه فعل كما لم يصرف من الجباوة».
وقال بعض المفسرين: الغشاوة على الأسماع والأبصار، والوقف في قوله على قلوبهم.
وقال آخرون: «الختم في الجميع، والغشاوة هي الخاتم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد ذكرنا اعتراض أبي عليّ هذا القول.
وقرأ أبو حيوة «غشوة»، بفتح الغين والرفع، وهي قراءة الأعمش.
وقال الثوري: «كان أصحاب عبد الله يقرؤونها «غشية» بفتح الغين والياء والرفع».
وقرأ الحسن: «غشاوة» بضم الغين، وقرئت «غشاوة» بفتح الغين، وأصوب هذه القراءات المقروء بها ما عليه السبعة من كسر الغين على وزن عمامة والأشياء التي هي أبدا مشتملة، فهكذا يجيء وزنها كالضمامة والعمامة والكنانة والعصابة والربابة وغير ذلك.
وقوله تعالى: {ولهم عذابٌ عظيمٌ}: معناه بمخالفتك يا محمد وكفرهم بالله استوجبوا ذلك، وعظيمٌ: معناه بالإضافة إلى عذاب دونه يتخلله فتور، وبهذا التخلل المتصور يصح أن يتفاضل العرضان كسوادين أحدهما أشبع من الآخر، إذ قد تخلل الآخر ما ليس بسواد). [المحرر الوجيز: 1/ 112 -115]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيمٌ (7)}
قال السّدّيّ: {ختم اللّه} أي: طبع اللّه، وقال قتادة في هذه الآية: «استحوذ عليهم الشّيطان إذ أطاعوه؛ فختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ، فهم لا يبصرون هدًى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون».
وقال ابن جريج: قال مجاهدٌ: {ختم اللّه على قلوبهم} قال: «نبّئت أنّ الذّنوب على القلب تحفّ به من كلّ نواحيه حتّى تلتقي عليه، فالتقاؤها عليه الطّبع، والطّبع الختم»، قال ابن جريجٍ:«الختم على القلب والسّمع».
قال ابن جريج: وحدّثني عبد اللّه بن كثير، أنّه سمع مجاهدًا يقول: «الرّان أيسر من الطّبع، والطّبع أيسر من الأقفال، والأقفال أشدّ من ذلك كلّه».
وقال الأعمش: أرانا مجاهدٌ بيده فقال: «كانوا يرون أنّ القلب في مثل هذه -يعني: الكفّ-فإذا أذنب العبد ذنبًا ضمّ منه»، وقال بأصبعه الخنصر هكذا، «فإذا أذنب ضمّ»، وقال بأصبعٍ أخرى،«فإذا أذنب ضمّ»، وقال بأصبعٍ أخرى وهكذا، حتّى ضمّ أصابعه كلّها، ثمّ قال:«يطبع عليه بطابعٍ».
وقال مجاهدٌ: «كانوا يرون أنّ ذلك: الرّين».
ورواه ابن جريرٍ: عن أبي كريب، عن وكيع، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، بنحوه.
قال ابن جريرٍ: وقال بعضهم: إنّما معنى قوله: {ختم اللّه على قلوبهم} إخبارٌ من اللّه عن تكبّرهم، وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحقّ، كما يقال: إنّ فلانًا لأصمّ عن هذا الكلام، إذا امتنع من سماعه، ورفع نفسه عن تفهّمه تكبّرًا.
قال: وهذا لا يصحّ؛ لأنّ اللّه قد أخبر أنّه هو الّذي ختم على قلوبهم وأسماعهم.
(قلت): وقد أطنب الزّمخشريّ في تقرير ما ردّه ابن جريرٍ هاهنا وتأوّل الآية من خمسة أوجهٍ وكلّها ضعيفةٌ جدًّا، وما جرّأه على ذلك إلّا اعتزاله؛ لأنّ الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحقّ إليها قبيحٌ عنده -تعالى اللّه عنه في اعتقاده-ولو فهم قوله تعالى: {فلمّا زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم}، وقوله: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون} وما أشبه ذلك من الآيات الدّالّة على أنّه تعالى إنّما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاءً وفاقًا على تماديهم في الباطل وتركهم الحقّ، وهذا عدلٌ منه تعالى حسنٌ وليس بقبيحٍ، فلو أحاط علمًا بهذا لما قال ما قال، واللّه أعلم.
قال القرطبيّ: وأجمعت الأمّة على أنّ اللّه عزّ وجلّ قد وصف نفسه بالختم والطّبع على قلوب الكافرين مجازاةً لكفرهم كما قال: {بل طبع اللّه عليها بكفرهم} وذكر حديث تقليب القلوب: «ويا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك»، وذكر حديث حذيفة الّذي في الصّحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا فأيّ قلبٍ أشربها نكت فيه نكتةٌ سوداء وأيّ قلبٍ أنكرها نكت فيه نكتةٌ بيضاء، حتّى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصّفاء فلا تضرّه فتنةٌ ما دامت السّموات والأرض، والآخر أسود مربادٌّ كالكوز مجخّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا» الحديث.
قال والحقّ عندي في ذلك ما صحّ بنظيره الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو ما حدّثنا به محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا صفوان بن عيسى، حدّثنا ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ المؤمن إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه، وإن زاد زادت حتّى تعلو قلبه، فذلك الرّان الّذي قال اللّه تعالى:{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}[المطفّفين: 14] ».
وهذا الحديث من هذا الوجه قد رواه التّرمذيّ والنّسائيّ، عن قتيبة، عن اللّيث بن سعدٍ، وابن ماجه عن هشام بن عمّارٍ عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلمٍ، ثلاثتهم عن محمّد بن عجلان، به.
وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
ثمّ قال ابن جريرٍ: فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ الذّنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذٍ الختم من قبل اللّه تعالى والطّبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلكٌ، ولا للكفر عنها مخلّصٌ، فذلك هو الختم والطّبع الّذي ذكر في قوله تعالى: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم} نظير الطّبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظّروف، الّتي لا يوصل إلى ما فيها إلّا بفضّ ذلك عنها ثمّ حلّها، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف اللّه أنّه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلّا بعد فضّ خاتمه وحلّه رباطه [عنها].
واعلم أنّ الوقف التّامّ على قوله تعالى: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم}، وقوله {وعلى أبصارهم غشاوةٌ} جملةٌ تامّةٌ، فإنّ الطّبع يكون على القلب وعلى السّمع، والغشاوة -وهي الغطاء-تكون على البصر، كما قال السّدّيّ في تفسيره عن أبي مالكٍ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمداني، عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم} يقول: «فلا يعقلون ولا يسمعون، ويقول: وجعل على أبصارهم غشاوةً، يقول: على أعينهم فلا يبصرون».
قال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن سعدٍ حدّثنا أبي، حدّثني عمّي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: «{ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم}والغشاوة على أبصارهم».
وقال: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، يعني ابن داود، وهو سنيد، حدثني حجاج، وهو ابن محمّدٍ الأعور، حدّثني ابن جريجٍ قال: «الختم على القلب والسّمع، والغشاوة على البصر، قال اللّه تعالى:{فإن يشأ اللّه يختم على قلبك}[الشّورى: 24]، وقال{وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوةً}[الجاثية: 23].».
قال ابن جريرٍ: ومن نصب غشاوةً من قوله تعالى: {وعلى أبصارهم غشاوةٌ} يحتمل أنّه نصبها بإضمار فعلٍ، تقديره: وجعل على أبصارهم غشاوةً، ويحتمل أن يكون نصبها على الإتباع، على محلّ {وعلى سمعهم} كقوله تعالى: {وحورٌ عينٌ}[الواقعة: 22]، وقول الشّاعر:

علفتها تبنًا وماءً باردًا ....... حتّى شتت همّالةً عيناها

وقال الآخر:

ورأيت زوجك في الوغى ....... متقلّدًا سيفًا ورمحًا

تقديره: وسقيتها ماءً باردًا، ومعتقلا رمحًا.
لمّا تقدّم وصف المؤمنين في صدر السّورة بأربع آياتٍ، ثمّ عرّف حال الكافرين بهاتين الآيتين). [تفسير ابن كثير: 1/ 174 - 176]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8)}
عنى بذلك: المنافقين، وإعراب (من) الوقف إلا أنها فتحت لالتقاء السّاكنين: سكون النون من قولك (من)، وسكون النون الأولى من (الناس)، وكان الأصل أن يكسر لالتقاء السّاكنين، ولكنها فتحت لثقل اجتماع كسرتين لو كان: (مِنِ النّاسِ) لثقل ذلك.
فأما عن (الناس) فلا يجوز فيه إلا الكسر؛ لأن أول "عن" مفتوح، و(من) إعرابها الوقف؛ لأنها لا تكون اسما تاما في الخبر إلا بصلة، فلا يكون الإعراب في بعض الاسم.
فأما الإدغام في الياء في (من يقول) فلا يكون غيره، تقول: "من يقوّم" فتدغم بغنة وبغير غنة.
وقوله عزّ وجلّ: {وما هم بمؤمنين} دخلت الباء مؤكدة لمعنى النفي؛ لأنك إذا قلت: "ما زيد أخوك" فلم يسمع السامع " ما " ظن أنك موجب فإذا قلت: "ما زيد بأخيك" و{ما هم بمؤمنين} علم السامع أنك تنفي، وكذلك جميع ما في كتاب الله عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 1/83-85]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون (9)}
كان أصل النون أن تكسر لالتقاء الساكنين، لكنها تفتح مع الألف واللام، ومن قال: استثقلت كسرتان تتوالى في كلمة على حرفين فمعترض بقولهم من ابنك ومن اسمك وما أشبهه.
واختلف النحويون في لفظة النّاس فقال قوم: «هي من نسي فأصل ناس نسي قلب فجاء نيس تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا فقيل ناس، ثم دخلت الألف واللام».
وقال آخرون: ناس اسم من أسماء الجموع دون هذا التعليل، دخلت عليه الألف واللام.
وقال آخرون: «أصل ناس أناس دخلت الألف واللام فجاء الأناس، حذفت الهمزة فجاء الناس أدغمت اللام في النون لقرب المخارج».
وهذه الآية نزلت في المنافقين.
وقوله تعالى: {من يقول آمنّا باللّه} رجع من لفظ الواحد إلى لفظ الجمع بحسب لفظ من ومعناها، وحسن ذلك لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة، ولا يجوز أن يرجع متكلم من لفظ جمع إلى توحيد، لو قلت ومن الناس من يقولون ويتكلم لم يجز.
وسمى الله تعالى يوم القيامة باليوم الآخر لأنه لا ليل بعده، ولا يقال يوم إلا لما تقدمه ليل، ثم نفى تعالى الإيمان عن المنافقين، وفي ذلك رد على الكرامية في قولهم إن الإيمان قول باللسان وإن لم يعتقد بالقلب). [المحرر الوجيز: 1/ 115-116]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (شرع تعالى في بيان حال المنافقين الّذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ولمّا كان أمرهم يشتبه على كثيرٍ من النّاس أطنب في ذكرهم بصفاتٍ متعدّدةٍ، كلٌّ منها نفاقٌ، كما أنزل سورة براءةٌ فيهم، وسورة المنافقين فيهم، وذكرهم في سورة النّور وغيرها من السّور، تعريفًا لأحوالهم لتجتنب، ويجتنب من تلبّس بها أيضًا، فقال تعالى:{ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8) يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلّا أنفسهم وما يشعرون (9)}
النّفاق: هو إظهار الخير وإسرار الشّرّ، وهو أنواعٌ:اعتقاديٌّ، وهو الّذي يخلد صاحبه في النّار، وعمليٌّ وهو من أكبر الذّنوب، كما سيأتي تفصيله في موضعه، إن شاء اللّه تعالى، وهذا كما قال ابن جريجٍ: «المنافق يخالف قوله فعله، وسرّه علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه».
وإنّما نزلت صفات المنافقين في السّور المدنيّة؛ لأنّ مكّة لم يكن فيها نفاقٌ، بل كان خلافه، من النّاس من كان يظهر الكفر مستكرها، وهو في الباطن مؤمنٌ، فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة، وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج، وكانوا في جاهليّتهم يعبدون الأصنام، على طريقة مشركي العرب، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم، وكانوا ثلاث قبائل: بنو قينقاع حلفاء الخزرج، وبنو النّضير، وبنو قريظة حلفاء الأوس، فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج، وقلّ من أسلم من اليهود إلّا عبد اللّه بن سلام، رضي اللّه عنه، ولم يكن إذ ذاك نفاقٌ أيضًا؛ لأنّه لم يكن للمسلمين بعد شوكةٌ تخاف، بل قد كان، عليه الصّلاة والسّلام، وادع اليهود وقبائل كثيرةً من أحياء العرب حوالي المدينة، فلمّا كانت وقعة بدرٍ العظمى وأظهر اللّه كلمته، وأعلى الإسلام وأهله، قال عبد اللّه بن أبيّ بن سلول، وكان رأسًا في المدينة، وهو من الخزرج، وكان سيّد الطّائفتين في الجاهليّة، وكانوا قد عزموا على أن يملّكوه عليهم، فجاءهم الخير وأسلموا، واشتغلوا عنه، فبقي في نفسه من الإسلام وأهله، فلمّا كانت وقعة بدرٍ قال: هذا أمرٌ قد توجّه فأظهر الدّخول في الإسلام، ودخل معه طوائف ممّن هو على طريقته ونحلته، وآخرون من أهل الكتاب، فمن ثمّ وجد النّفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، فأمّا المهاجرون فلم يكن فيهم أحدٌ، لأنّه لم يكن أحدٌ يهاجر مكرهًا، بل يهاجر ويترك ماله، وولده، وأرضه رغبةً فيما عند اللّه في الدّار الآخرة.
قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: ».«{ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}يعني: المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم».
وكذا فسّرها بالمنافقين أبو العالية، والحسن، وقتادة، والسّدّيّ.
ولهذا نبّه اللّه، سبحانه، على صفات المنافقين لئلّا يغترّ بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع بذلك فسادٌ عريضٌ من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم، وهم كفّارٌ في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار، أن يظنّ بأهل الفجور خير، فقال تعالى: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} أي: يقولون ذلك قولًا ليس وراءه شيءٌ آخر، كما قال تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول اللّه}[المنافقون: 1] أي: إنما يقولون ذلك إذا جاؤوك فقط، لا في نفس الأمر؛ ولهذا يؤكّدون في الشّهادة بإن ولام التّأكيد في خبرها؛ كما أكّدوا قولهم: {آمنّا باللّه وباليوم الآخر} وليس الأمر كذلك، كما أكذبهم اللّه في شهادتهم، وفي خبرهم هذا بالنّسبة إلى اعتقادهم، بقوله: {واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون}[المنافقون: 1]، وبقوله {وما هم بمؤمنين} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 176 - 177]

تفسير قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلّا أنفسهم وما يشعرون (9)}
يعني به: المنافقين أيضاً.
ومعنى {يخادعون}: يظهرون غير ما في نفوسهم، والتقية تسمّى -أيضاً- خداعاً، فكأنهم لمّا أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر صارت تقيتهم خداعاً، وجاء بـ"فاعل" لغير اثنين؛ لأن هذا المثال يقع كثيراً في اللغة للواحد نحو "عاقبت اللص" و"طارقت النعل".
وقوله عزّ وجلّ: {وما يخدعون إلّا أنفسهم} تأويله أن الخداع يرجع عليهم بالعذاب والعقاب، {وما يشعرون} أي: وما يعلمون أنه يرجع عليهم بالعذاب، يقال: "ما شعرت به" أي: ما علمت به، و"ليت شعري ما صنعت" معناه: ليت علمي). [معاني القرآن: 1/85]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المتأولون في قوله تعالى: {يخادعون اللّه}.
فقال الحسن بن أبي الحسن: «المعنى يخادعون رسول الله فأضاف الأمر إلى الله تجوزا لتعلق رسوله به، ومخادعتهم هي تحيلهم في أن يفشي رسول الله والمؤمنون لهم أسرارهم فيتحفظون مما يكرهونه ويتنبهون من ضرر المؤمنين على ما يحبونه».
وقال جماعة من المتأولين: «بل يخادعون الله والمؤمنين، وذلك بأن يظهروا من الإيمان خلاف ما أبطنوا من الكفر ليحقنوا دماءهم ويحرزوا أموالهم ويظنون أنهم قد نجوا وخدعوا وفازوا، وإنما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب وما شعروا لذلك».
واختلف القراء في يخادعون الثاني.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «يخادعون».
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: «وما يخدعون».
وقرأ أبو طالوت عبد السلام بن شداد والجارود بن أبي سبرة: «يخدعون» بضم الياء.
وقرأ قتادة ومورق العجلي: «يخدّعون» بضم الياء وفتح الخاء وكسر الدال وشدها.
فوجه قراءة ابن كثير ومن ذكر إحراز تناسب اللفظ، وأن يسمى الفعل الثاني باسم الفعل الأول المسبب له ويجيء ذلك كما قال الشاعر: [عمرو بن كلثوم]:

ألا لا يجهلن أحد علينا ....... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

فجعل انتصاره جهلا، ويؤيد هذا المنزع في هذه الآية أن فاعل قد تجيء من واحد كعاقبت اللص وطارقت النعل. وتتجه أيضا هذه القراءة بأن ينزل ما يخطر ببالهم ويهجس في خواطرهم من الدخول في الدين والنفاق فيه والكفر في الأمر وضده في هذا المعنى بمنزلة مجاورة أجنبيين فيكون الفعل كأنه من اثنين. وقد قال الشاعر: [الكميت]

تذكر من أنّى ومن أين شربه ....... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الإبل

وأنشد ابن الأعرابي:

لم تدر ما لا ولست قائلها ....... عمرك ما عشت آخر الأبد
ولم تؤامر نفسيك ممتريا في ....... ها وفي أختها ولم تكد


وقال الآخر:

يؤامر نفسيه وفي العيش فسحة ....... أيستوتغ الذوبان أم لا يطورها

وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابي:

وكنت كذات الضنء لم تدر إذ بغت ....... تؤامر نفسيها أتسرق أم تزني

ووجه قراءة عاصم ومن ذكر، أن ذلك الفعل هو خدع لأنفسهم يمضي عليها، تقول: «خادعت الرجل» بمعنى أعملت التحيل عليه، فخدعته بمعنى تمت عليه الحيلة ونفذ فيه المراد، والمصدر «خدع» بكسر الخاء وخديعة، حكى ذلك أبو زيد. فمعنى الآية وما ينفذون السوء إلا على أنفسهم وفيها.
ووجه قراءة أبي طالوت أحد أمرين: إما أن يقدر الكلام وما يخدعون إلا عن أنفسهم فحذف حرف الجر ووصل الفعل كما قال تعالى: {واختار موسى قومه} [الأعراف: 155] أي من قومه، وإما أن يكون «يخدعون» أعمل عمل ينتقصون لما كان المعنى وما ينقصون ويستلبون إلا أنفسهم، ونحوه قول الله تعالى: {ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}[البقرة: 187] ولا تقول رفثت إلى المرأة ولكن لما كان بمعنى الإفضاء ساغ ذلك، ومنه قوله تعالى: {هل لك إلى أن تزكّى}[النازعات: 18] وإنما يقال هل لك في كذا، ولكن لما كان المعنى أجد بك إلى أن تزكى ساغ ذلك وحسن، وهو باب سني من فصاحة الكلام، ومنه قول الفرزدق:

كيف تراني قالبا مجني ....... قد قتل الله زيادا عنّي

لما كانت قتل قد دخلها معنى صرف. ومنه قول الآخر: [نحيف العامري]:

إذا رضيت عليّ بنو قشير ....... لعمر الله أعجبني رضاها

لما كانت رضيت قد تضمنت معنى أقبلت علي.
وأما الكسائي فقال في هذا البيت: «وصل رضي بوصل نقيضه وهو سخط وقد تجرى أمور في اللسان مجرى نقائضها».
ووجه قراءة قتادة المبالغة في الخدع، إذ هو مصير إلى عذاب الله.
قال الخليل: «يقال خادع من واحد لأن في المخادعة مهلة، كما يقال عالجت المريض لمكان المهلة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا من دقيق نظره وكأنه يرد فاعل إلى الاثنين، ولا بد من حيث ما فيه مهلة ومدافعة ومماطلة، فكأنه يقاوم في المعنى الذي تجيء فيه فاعل.
وقوله تعالى: {وما يشعرون}: معناه وما يعلمون علم تفطن وتهد، وهي لفظة مأخوذة من الشعار كأن الشيء المتفطن له شعار للنفس، والشعار الثوب الذي يلي جسد الإنسان، وهو مأخوذ من الشعر، والشاعر المتفطن لغريب المعاني.
وقولهم: «ليت شعري» معناه ليت فطنتي تدرك، ومن هذا المعنى قول الشاعر: [المنخل الهذلي].

عقوا بسهم فلم يشعر به أحد ....... ثم استفاؤوا وقالوا حبّذا الوضح

واختلف ما الذي نفى الله عنهم أن يشعروا له؛ فقالت طائفة: «وما يشعرون أن ضرر تلك المخادعة راجع عليهم لخلودهم في النار».
وقال آخرون: «وما يشعرون أن الله يكشف لك سرهم ومخادعتهم في قولهم آمنا»). [المحرر الوجيز: 1/ 116-119]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {يخادعون اللّه والّذين آمنوا} أي: بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنّهم يخدعون اللّه بذلك، وأنّ ذلك نافعهم عنده، وأنّه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين، كما قال تعالى: {يوم يبعثهم اللّه جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنّهم على شيءٍ ألا إنّهم هم الكاذبون}[المجادلة: 18]؛ ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: {وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} يقول: وما يغرّون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلّا أنفسهم، وما يشعرون بذلك من أنفسهم، كما قال تعالى: {إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم}[النّساء: 142].
ومن القرّاء من قرأ: "وما يخادعون إلا أنفسهم"، وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد). [تفسير ابن كثير: 1/ 177]

تفسير قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {في قلوبهم مرض فزادهم اللّه مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10)} معناه: نفاق، وقد يقال: السّقم والمرض في البدن وفي الدّين جميعاً، كما يقال: الصحة في البدن والدّين جميعاً.

فمعنى قوله: {مرض} قال أبو عبيدة: معناه: شك ونفاق، والمرض في القلب: يصلح لكل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين.
وقوله: {فزادهم اللّه مرضاً} فيه جوابان:
قال بعضهم: زادهم الله بكفرهم. كما قال عزّ وجلّ: {بل طبع اللّه عليها بكفرهم}.
وقال بعض أهل اللغة: فزادهم اللّه بما أنزل عليهم من القرآن، فشكوا فيه كما شكوا في الذي قبله. قال: والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {وإذا ما أنزلت سورة} إلى قوله: {فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (124) وأمّا الّذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم} وهذا قول بين واضح، واللّه أعلم.
وقوله عزّ وجلّ: {ولهم عذاب أليم} معناه موجع يصل وجعه إلى قلوبهم. وتأويل {أليم} في اللغة: مؤلم.

قال الشاعر- وهو عمرو بن معد يكرب الزبيدي- :

أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقـنـي وأصحـابـي هـجــوع

معنى {السميع}: المسمع.

وقوله عزّ وجلّ: {بما كانوا يكذبون} ويقرأ: (يكذّبون).
فمن قرأ (يكذبون) بالتخفيف: فإن كذبهم قولهم: أنهم مؤمنون، قال الله عزّ وجلّ: {وما هم بمؤمنين}. وأما (يكذّبون) بالتثقيل، فمعناه: بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم).[معاني القرآن: 1/86-87]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {في قلوبهم مرضٌ فزادهم اللّه مرضاً ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون (10) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون (11) ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12)}
المرض عبارة مستعارة للفساد الذي في عقائد هؤلاء المنافقين وذلك إما أن يكون شكا، وإما جحدا بسبب حسدهم مع علمهم بصحة ما يجحدون، وبنحو هذا فسر المتأولون.
وقال قوم: «المرض غمهم بظهور أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقرأ الأصمعي عن أبي عمر: «مرض» بسكون الراء وهي لغة في المصدر قال أبو الفتح: «وليس بتخفيف».
واختلف المتأولون في معنى قوله فزادهم اللّه مرضاً فقيل هو دعاء عليهم، وقيل هو خبر أن الله قد فعل بهم ذلك، وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحي ويظهر من البراهين، فهي على هؤلاء المنافقين عمى وكلما كذبوا زاد المرض.
وقرأ حمزة: «فزادهم» بكسر الزاي، وكذلك ابن عامر، وكان نافع يشم الزاي إلى الكسر، وفتح الباقون.
وأليمٌ معناه مؤلم كما قال الشاعر وهو عمرو بن معدي كرب:

أمن ريحانة الداعي السميع ....... ... ... ... ...

بمعنى: مسمع.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «يكذّبون» بضم الياء وتشديد الذال.
وقرأ الباقون بفتح الياء وتخفيف الذال، فالقراءة بالتثقيل يؤيدها قوله تعالى قبل: {وما هم بمؤمنين}، فهذا إخبار بأنهم يكذبون.
والقراءة بالتخفيف يؤيدها أن سياق الآيات إنما هي إخبار بكذبهم، والتوعد بالعذاب الأليم، متوجه على الكذب في مثل هذه النازلة، إذ هو منطو على الكفر، وقراءة التثقيل أرجح.
وإذا ظرف زمان، وحكي عن المبرد أنها في قولك في المفاجأة خرجت فإذا زيد ظرف مكان، لأنها تضمنت جثة، وهذا مردود لأن المعنى «خرجت فإذا حضور زيد» فإنما تضمنت المصدر، كما يقتضيه سائر ظروف الزمان، ومنه قولهم: «اليوم خمر، وغدا أمر» فمعناه وجود خمر ووقوع أمر، والعامل في إذا في هذه الآية قالوا. وأصل قيل قول نقلت حركة الواو إلى القاف فقلبت ياء لانكسار ما قبلها.
وقرأ الكسائي: «قيل وغيض وسيء وسيئت وحيل وسيق وجيء» بضم أوائل ذلك كله، وروي مثل ذلك عن ابن عامر، وروي أيضا عنه أنه كسر «غيض وقيل وجيء»، الغين والقاف والجيم حيث وقع من القرآن وضم نافع من ذلك كله حرفين «سيء وسيئت» وكسر ما بقي. وكان ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة يكسرون أوائل هذه الحروف كلها، والضمير في لهم هو عائد إلى المنافقين المشار إليهم قبل.
وقال بعض الناس: «الإشارة هنا هي إلى منافقي اليهود».
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه في تفسير هذه الآية:«لم يجئ هؤلاء بعد»، ومعنى قوله: لم ينقرضوا بل هم يجيئون في كل زمان). [المحرر الوجيز: 1/ 119-121]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {في قلوبهم مرضٌ فزادهم اللّه مرضًا ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون (10) }
قال ابن جريرٍ: فإن قال قائلٌ: كيف يكون المنافق للّه وللمؤمنين مخادعًا، وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقدٌ إلّا تقيّةً؟
قيل: لا تمتنع العرب أن تسمّي من أعطى بلسانه غير الّذي في ضميره تقيّةً، لينجو ممّا هو له خائفٌ، مخادعًا، فكذلك المنافق، سمّي مخادعًا للّه وللمؤمنين، بإظهاره ما أظهر بلسانه تقيّةً، ممّا تخلّص به من القتل والسّباء والعذاب العاجل، وهو لغير ما أظهر، مستبطنٌ، وذلك من فعله -وإن كان خداعًا للمؤمنين في عاجل الدّنيا-فهو لنفسه بذلك من فعله خادعٌ، لأنّه يظهر لها بفعله ذلك بها أنّه يعطيها أمنيّتها، ويسقيها كأس سرورها، وهو مورّدها حياض عطبها، ومجرّعها بها كأس عذابها، ومزيرها من غضب اللّه وأليم عقابه ما لا قبل لها به، فذلك خديعته نفسه، ظنًّا منه -مع إساءته إليها في أمر معادها-أنّه إليها محسنٌ، كما قال تعالى: {وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} إعلامًا منه عباده المؤمنين أنّ المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم عليها ربّهم بكفرهم، وشكّهم وتكذيبهم، غير شاعرين ولا دارين، ولكنّهم على عمياء من أمرهم مقيمون.
وقال ابن أبي حاتمٍ: أنبأنا عليّ بن المبارك، فيما كتب إليّ، حدّثنا زيد بن المبارك، حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن ابن جريج، في قوله تعالى: {يخادعون اللّه} قال: «يظهرون "لا إله إلّا اللّه" يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم، وفي أنفسهم غير ذلك».
وقال سعيدٌ، عن قتادة: {ومن النّاس من يقول آمنّا باللّه وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون اللّه والّذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} نعت المنافق عند كثيرٍ: خنع الأخلاق يصدّق بلسانه وينكر بقلبه ويخالف بعمله، يصبح على حالٍ ويمسي على غيره، ويمسي على حالٍ ويصبح على غيره، ويتكفأ تكفأ السّفينة كلّما هبّت ريحٌ هبّ معها.
{في قلوبهم مرضٌ فزادهم اللّه مرضًا ولهم عذابٌ أليمٌ بما كانوا يكذبون}
قال السّدّيّ، عن أبي مالكٍ وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية: {في قلوبهم مرضٌ} قال: « شكٌّ»، {فزادهم اللّه مرضًا} قال: «شكًّا».
وقال [محمّد] بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ [في قوله] {في قلوبهم مرضٌ} قال: «شك».
وكذلك قال مجاهدٌ، وعكرمة، والحسن البصريّ، وأبو العالية، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة.
وعن عكرمة، وطاوسٍ: «{في قلوبهم مرضٌ}يعني: الرّياء».
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {في قلوبهم مرضٌ} قال: «نفاقٌ»،{فزادهم اللّه مرضًا} قال: «نفاقًا»، وهذا كالأوّل.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {في قلوبهم مرضٌ} قال: «هذا مرضٌ في الدّين، وليس مرضًا في الأجساد، وهم المنافقون،والمرض: الشّكّ الّذي دخلهم في الإسلام{فزادهم اللّه مرضًا} قال: زادهم رجسًا، وقرأ: {فأمّا الّذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون * وأمّا الّذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجسًا إلى رجسهم}[التّوبة: 124، 125] قال: شرًّا إلى شرّهم وضلالةً إلى ضلالتهم».
وهذا الّذي قاله عبد الرّحمن، رحمه اللّه، حسنٌ، وهو الجزاء من جنس العمل، وكذلك قاله الأوّلون، وهو نظير قوله تعالى أيضًا: {والّذين اهتدوا زادهم هدًى وآتاهم تقواهم} [محمّدٍ: 17].
وقوله {بما كانوا يكذبون} وقرئ: "يكذّبون"، وقد كانوا متّصفين بهذا وهذا، فإنّهم كانوا كذبةٌ يكذّبون بالحقّ يجمعون بين هذا وهذا. وقد سئل القرطبيّ وغيره من المفسّرين عن حكمة كفّه، عليه السّلام، عن قتل المنافقين مع علمه بأعيان بعضهم، وذكروا أجوبةً عن ذلك: منها ما ثبت في الصّحيحين: أنّه قال لعمر: «أكره أن يتحدّث العرب أنّ محمّدًا يقتل أصحابه»، ومعنى هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغيّرٌ لكثيرٍ من الأعراب عن الدّخول في الإسلام ولا يعلمون حكمة قتله لهم، وأنّ قتله إيّاهم إنّما هو على الكفر، فإنّهم إنّما يأخذونه بمجرّد ما يظهر لهم فيقولون: إنّ محمّدًا يقتل أصحابه، قال القرطبيّ: وهذا قول علمائنا وغيرهم كما كان يعطي المؤلّفة قلوبهم مع علمه بشرّ اعتقادهم، قال ابن عطيّة: وهي طريقة أصحاب مالكٍ نصّ عليه محمّد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهريّ وابن الماجشون، ومنها: ما قال مالكٌ، رحمه اللّه: إنّما كفّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المنافقين ليبيّن لأمّته أنّ الحاكم لا يحكم بعلمه.
قال القرطبيّ: وقد اتّفق العلماء عن بكرة أبيهم على أنّ القاضي لا يقتل بعلمه، وإن اختلفوا في سائر الأحكام، قال: ومنها ما قال الشّافعيّ: إنّما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم؛ لأنّ ما يظهرونه يجبّ ما قبله. ويؤيّد هذا قوله، عليه الصّلاة والسّلام، في الحديث المجمع على صحّته في الصّحيحين وغيرهما: «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلّا اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها، وحسابهم على اللّه، عزّ وجلّ»، ومعنى هذا: أنّ من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهرًا، فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الدّار الآخرة، وإن لم يعتقدها لم ينفعه في الآخرة جريان الحكم عليه في الدّنيا، وكونه كان خليط أهل الإيمان {ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنّكم فتنتم أنفسكم وتربّصتم وارتبتم وغرّتكم الأمانيّ حتّى جاء أمر اللّه} الآية [الحديد: 14]، فهم يخالطونهم في بعض المحشر، فإذا حقّت المحقوقيّة تميّزوا منهم وتخلّفوا بعدهم {وحيل بينهم وبين ما يشتهون}[سبأٍ: 54] ولم يمكنهم أن يسجدوا معهم كما نطقت بذلك الأحاديث، ومنها ما قاله بعضهم: أنّه إنّما لم يقتلهم لأنّه كان لا يخاف من شرّهم مع وجوده، عليه السّلام، بين أظهرهم يتلو عليهم آيات اللّه مبيّناتٍ، فأمّا بعده فيقتلون إذا أظهروا النّفاق وعلمه المسلمون، قال مالكٌ: المنافق في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هو الزّنديق اليوم.
قلت: وقد اختلف العلماء في قتل الزّنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا، أو يفرّق بين أن يكون داعيةً أم لا أو يتكرّر منه ارتداده أم لا أو يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر عليه؟ على أقوالٍ موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الأحكام.
(تنبيهٌ) قول من قال: كان عليه الصّلاة والسّلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنّما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقًا في غزوة تبوك الّذين همّوا أن يفتكوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ظلماء اللّيل عند عقبةٍ هناك؛ عزموا على أن ينفروا به النّاقة ليسقط عنها فأوحى اللّه إليه أمرهم فأطلع على ذلك حذيفة. ولعلّ الكفّ عن قتلهم كان لمدركٍ من هذه المدارك أو لغيرها واللّه أعلم.
فأمّا غير هؤلاء فقد قال تعالى: {وممّن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النّفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} الآية، وقال تعالى: {لئن لم ينته المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثمّ لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفواأخذوا وقتّلوا تقتيلا} ففيها دليلٌ على أنّه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم وإنّما كانت تذكر له صفاتهم فيتوسّمها في بعضهم كما قال تعالى: {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنّهم في لحن القول} وقد كان من أشهرهم بالنّفاق عبد اللّه بن أبيّ بن سلول وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلام الّذي سبق في صفات المنافقين ومع هذا لمّا مات [صلّى عليه] صلّى اللّه عليه وسلّم وشهد دفنه كما يفعل ببقيّة المسلمين، وقد عاتبه عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه فيه فقال: «إنّي أكره أن تتحدّث العرب أنّ محمّدًا يقتل أصحابه»، وفي روايةٍ في الصّحيح: «إنّي خيّرت فاخترت»، وفي روايةٍ: «لو أنّي أعلم لو زدت على السّبعين يغفر اللّه له لزدت».). [تفسير ابن كثير: 1/ 178 -180]


* للاستزادة ينظر: هنا