الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (58) إلى الآية (59) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

4301

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم الخامس

تفسير سورة البقرة [من الآية (58) إلى الآية (59) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

1 Sep 2014

4301

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) }


تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجّدا وقولوا حطّة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58)} الرغد: الواسع الذي لا يعنّي.

وقوله: {وادخلوا الباب سجّدا} أمروا بأن يدخلوا ساجدين.

{وقولوا حطّة} معناه: وقولوا مسألتنا حطة، أي: حط ذنوبنا عنا، وكذلك القراءة، ولو قرئ "حطةً" كان وجهها في العربية، كأنهم قيل لهم قولوا احطط عنّا ذنوبنا حطة. فحرّفوا هذا القول وقالوا لفظة غير هذه اللفظة التي أمروا بها، وجملة ما قالوا أنه أمر عظيم سماهم الله به فاسقين.

وقوله: {نغفر لكم} جزم جواب الأمر، المعنى: أن تقولوا ما أمرتم به نغفر لكم خطاياكم، وقرأ بعضهم "نغفر لكم خطيئاتكم" والقراءة الأولى أكثر، فمن قال "خطيئاتكم"، فهو جمع خطيئة بالألف والتاء، نحو: سفينة وسفينات، وصحيفة وصحيفات، والقراءة كما وصفنا {نغفر لكم خطاياكم}، والأصل في خطايا "خطائئ" فتجمع همزتان تقلب الثانية ياء فتصير "خطائي"، فأعلّ مثل: حظاعي، ثم يجب أن تقلب الياء والكسرة إلى الفتحة والألف فتصير "خطاء"، مثل: حظاعا، فيجب بأن تبدل الهمزة ياء، لوقوعها بين ألفين، لأن الهمزة مجانسة للألفات فاجتمعت ثلاثة أحرف من جنس واحد، وهذا الذي ذكرناه مذهب سيبويه .

ولسيبويه مذهب آخر أصله للخليل، وهو أنه زعم أن "خطايا" أصلها "فعائل"، فقلبت إلى "فعالى" فكان الأصل عنده "خطائى" مثل: خطائع -فاعلم- ثم قدمت الهمزة فصارت "خطائي" مثل: خطاعي، ثم قلبت بعد ذلك على المذهب الأول.

وهذا المذهب ينقص في الإعلال مرتبه واحدة، واللفظ يؤول في اللفظين "خطايا"). [معاني القرآن: 1 / 139 -140]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والقرية المدينة تسمى بذلك لأنها تقرت أي اجتمعت، ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته، والإشارة بهذه إلى بيت المقدس في قول الجمهور. وقيل إلى أريحا، وهي قريب من بيت المقدس.

قال عمر بن شبة: كانت قاعدة ومسكن ملوك، ولما خرج ذرية بني إسرائيل من التيه أمروا بدخول القرية المشار إليها، وأما الشيوخ فماتوا فيه، وروي أن موسى صلى الله عليه وسلم مات في التيه، وكذلك هارون عليه السلام.

وحكى الزجاج عن بعضهم أن موسى وهارون لم يكونا في التيه لأنه عذاب، والأول أكثر، وكلوا إباحة، وقد تقدم معنى الرغد، وهي أرض مباركة عظيمة الغلة، فلذلك قال رغداً.

والباب قال مجاهد: هو باب في مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة، وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى صلى الله عليه وسلم.

وروي عن مجاهد أيضا: أنه باب في الجبل الذي كلم عليه موسى كالفرضة.

وسجّداً قال ابن عباس رضي الله عنه: «معناه ركوعا».، وقيل متواضعين خضوعا لا على هيئة معينة، والسجود يعم هذا كله لأنه التواضع، ومنه قول الشاعر:

ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر

وروي أن الباب خفض لهم ليقصر ويدخلوا عليه متواضعين، وحطّةٌ فعلة من حط يحط، ورفعه على خبر ابتداء، كأنهم قالوا سؤالنا حطة لذنوبنا، هذا تقدير الحسن بن أبي الحسن.

وقال الطبري: التقدير دخولنا الباب كما أمرنا حطة، وقيل أمروا أن يقولوا مرفوعة على هذا اللفظ.

وقال عكرمة وغيره: «أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله لتحط بها ذنوبهم».

وقال ابن عباس: «قيل لهم استغفروا وقولوا ما يحط ذنوبكم».

وقال آخرون: قيل لهم أن يقولوا هذا الأمر حق كما أعلمنا. وهذه الأقوال الثلاثة تقتضي النصب.

وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: «حطة» بالنصب.

وحكي عن ابن مسعود وغيره: «أنهم أمروا بالسجود وأن يقولوا حطّةٌ فدخلوا يزحفون على أستاههم ويقولون حنطة حبة حمراء في شعرة».، ويروى غير هذا من الألفاظ.

وقرأ نافع: «يغفر» بالياء من تحت مضمومة.

وقرأ ابن عامر: «تغفر» بالتاء من فوق مضمومة.

وقرأ أبو بكر عن عاصم: «يغفر» بفتح الياء على معنى يغفر الله.

وقرأ الباقون: «نغفر» بالنون.

وقرأت طائفة «تغفر» كأن الحطة تكون سبب الغفران، والقراء السبعة على خطاياكم، غير أن الكسائي كان يميلها.

وقرأ الجحدري: «تغفر لكم خطيئتكم» بضم التاء من فوق وبرفع الخطيئة.

وقرأ الأعمش: «يغفر» بالياء من أسفل مفتوحة «خطيئتكم» نصبا.

وقرأ قتادة مثل الجحدري، وروي عنه أنه قرأ بالياء من أسفل مضمومة خطيئتكم رفعا.

وقرأ الحسن البصري: «يغفر لكم خطيئاتكم» أي يغفر الله.

وقرأ أبو حيوة: «تغفر» بالتاء من فوق مرفوعة «خطيئاتكم» بالجمع ورفع التاء.

وحكى الأهوازي: أنه قرئ «خطأياكم» بهمز الألف الأولى وسكون الآخرة. وحكي أيضا أنه قرئ بسكون الأولى وهمز الآخرة.

قال الفراء: خطايا جمع خطية بلا همز كهدية وهدايا، وركية وركايا.

وقال الخليل: هو جمع خطيئة بالهمز، وأصله خطايىء قدمت الهمزة على الياء فجاء خطائي أبدلت الياء ألفا بدلا لازما فانفتحت الهمزة التي قبلها فجاء خطاء، همزة بين ألفين، وهي من قبيلهما فكأنها ثلاث ألفات، فقلبت الهمزة ياء فجاء خطايا.

قال سيبويه: «أصله خطايىء همزت الياء كما فعل في مدائن وكتائب فاجتمعت همزتان فقلبت الثانية ياء، ثم أعلت على ما تقدم».

وقوله تعالى: {وسنزيد المحسنين} عدة، المعنى إذا غفرت الخطايا بدخولكم وقولكم زيد بعد ذلك لمن أحسن، وكان من بني إسرائيل من دخل كما أمر وقال لا إله إلا الله فقيل هم المراد بـــــ المحسنين هنا). [المحرر الوجيز: 1 / 221 -224]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدًا وادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58) فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزًا من السّماء بما كانوا يفسقون (59)}

يقول تعالى لائمًا لهم على نكولهم عن الجهاد ودخول الأرض المقدّسة، لمّا قدموا من بلاد مصر صحبة موسى، عليه السّلام، فأمروا بدخول الأرض المقدّسة الّتي هي ميراثٌ لهم عن أبيهم إسرائيل، وقتال من فيها من العماليق الكفرة، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا، فرماهم اللّه في التّيه عقوبةً لهم، كما ذكره تعالى في سورة المائدة؛ ولهذا كان أصحّ القولين أنّ هذه البلدة هي بيت المقدس، كما نصّ على ذلك السّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، [وأبو مسلمٍ الأصفهانيّ وغير واحدٍ وقد قال اللّه تعالى: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة الّتي كتب اللّه لكم} الآيات]. [المائدة: 21-24]

وقال آخرون: هي أريحا [ويحكى عن ابن عبّاسٍ وعبد الرّحمن بن زيدٍ] وهذا بعيدٌ؛ لأنّها ليست على طريقهم، وهو قاصدون بيت المقدس لا أريحا [وأبعد من ذلك قول من ذهب أنّها مصر، حكاه فخر الدّين في تفسيره، والصّحيح هو الأوّل؛ لأنّها بيت المقدس]. وهذا كان لمّا خرجوا من التّيه بعد أربعين سنةً مع يوشع بن نونٍ، عليه السّلام، وفتحها اللّه عليهم عشيّة جمعةٍ، وقد حبست لهم الشّمس يومئذٍ قليلًا حتّى أمكن الفتح، وأمّا أريحا فقريةٌ ليست مقصودةً لبني إسرائيل، ولمّا فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب -باب البلد- {سجّدًا} أي: شكرًا للّه تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنّصر، وردّ بلدهم إليهم وإنقاذهم من التّيه والضّلال.

قال العوفيّ في تفسيره، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول في قوله: {وادخلوا الباب سجّدًا}«أي ركّعًا».

وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، وعن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وادخلوا الباب سجّدًا} قال: «ركّعًا من بابٍ صغيرٍ».

رواه الحاكم من حديث سفيان، به. ورواه ابن أبي حاتمٍ من حديث سفيان، وهو الثّوريّ، به. وزاد: «فدخلوا من قبل استاههم».

[وقال الحسن البصريّ: «أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم».، واستبعده الرّازيّ، وحكى عن بعضهم: أنّ المراد بالسّجود هاهنا الخضوع لتعذّر حمله على حقيقته].

وقال خصيفٌ: قال عكرمة، قال ابن عبّاسٍ: «كان الباب قبل القبلة».

وقال [ابن عباس و] مجاهد، والسّدّيّ، وقتادة، والضّحّاك: «هو باب الحطّة من باب إيلياء ببيت المقدس»، [وحكى الرّازيّ عن بعضهم أنّه عن باب جهةٍ من جهات القرية].

وقال خصيف: قال عكرمة: قال ابن عبّاسٍ: «فدخلوا على شقٍّ»، وقال السّدّيّ، عن أبي سعيدٍ الأزديّ، عن أبي الكنود، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: «وقيل لهم ادخلوا الباب سجّدًا، فدخلوا مقنعي رؤوسهم، أي: رافعي رؤوسهم خلاف ما أمروا».

وقوله: {وقولوا حطّةٌ} قال الثّوريّ عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وقولوا حطّةٌ} قال: «مغفرةٌ، استغفروا».

وروي عن عطاءٍ، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، نحوه.

وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: {وقولوا حطّةٌ} قال: «قولوا: هذا الأمر حقٌّ، كما قيل لكم».

وقال عكرمة: «قولوا: لا إله إلّا اللّه».

وقال الأوزاعيّ: «كتب ابن عبّاسٍ إلى رجلٍ قد سمّاه يسأله عن قوله تعالى:{وقولوا حطّةٌ} فكتب إليه: أن أقرّوا بالذّنب».

وقال الحسن وقتادة: «أي احطط عنّا خطايانا».

{نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين} هذا جواب الأمر، أي: إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضعفنا لكم الحسنات.

وحاصل الأمر: أنّهم أمروا أن يخضعوا للّه تعالى عند الفتح بالفعل والقول، وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها، والشّكر على النّعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب للّه تعالى، كما قال تعالى: {إذا جاء نصر اللّه والفتح * ورأيت النّاس يدخلون في دين اللّه أفواجًا * فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابًا} [سورة النّصر] فسّره بعض الصّحابة بكثرة الذّكر والاستغفار عند الفتح والنّصر، وفسّره ابن عبّاسٍ بأنّه نعي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أجله فيها، وأقرّه على ذلك عمر [بن الخطّاب] رضي اللّه عنه. ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك، ونعى إليه روحه الكريمة أيضًا؛ ولهذا كان عليه السّلام يظهر عليه الخضوع جدًّا عند النّصر، كما روي أنّه كان يوم الفتح -فتح مكّة-داخلًا إليها من الثّنيّة العليا، وإنّه الخاضع لربّه حتّى إنّ عثنونه ليمسّ مورك رحله، يشكر اللّه على ذلك. ثمّ لمّا دخل البلد اغتسل وصلّى ثماني ركعاتٍ وذلك ضحى، فقال بعضهم: هذه صلاة الضّحى، وقال آخرون: بل هي صلاة الفتح، فاستحبّوا للإمام وللأمير إذا فتح بلدًا أن يصلّي فيه ثماني ركعاتٍ عند أوّل دخوله، كما فعل سعد بن أبي وقّاصٍ رضي اللّه عنه لمّا دخل إيوان كسرى صلّى فيه ثماني ركعاتٍ، والصّحيح أنّه يفصل بين كلّ ركعتين بتسليمٍ؛ وقيل: يصلّيها كلّها بتسليمٍ واحدٍ، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1 / 273 -275]

تفسير قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزا من السّماء بما كانوا يفسقون (59)} العذاب، وكذلك الرّجس، قال الشاعر:

كم رامنا من ذي عديد مبزى حــتــى وقـمـنــا كــيــده بـالـرجــز

وقوله عزّ وجلّ: {بما كانوا يفسقون} أي: تبديلهم ما أمروا به من أن يقولوا حطة. ويقال: فَسَقَ يفْسُق ويفْسِقُ ويفسُقُ على اللغتين وعليها القراء، ومعنى الفسق: الخروج عن القصد والحق، وكل ما خرج عن شيء فقد فسق، إلا أنّه خص من خرج عن أمر اللّه بأن قيل: فاسق، ولم يحتج إلى أن يقال: فسق عن كذا، كما أنه يقال لكل من صدق بشيء: هو مؤمن بكذا، ويقال للمصدق بأمر اللّه: مؤمن فيكفي، والعرب تقول: فسقت الرطبة، إذا خرجت عن قشرتها). [معاني القرآن: 1 / 140]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فبدّل الّذين ظلموا قولاً غير الّذي قيل لهم فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزاً من السّماء بما كانوا يفسقون (59) وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كلّ أناسٍ مشربهم كلوا واشربوا من رزق اللّه ولا تعثوا في الأرض مفسدين (60)}

روي أنهم لما جاؤوا الباب دخلوا من قبل أدبارهم القهقرى، وفي الحديث: أنهم دخلوا يزحفون على أستاههم، وبدلوا فقالوا حبة في شعرة، وقيل قالوا حنطة حبة حمراء فيها شعرة وقيل شعيرة.

وحكى الطبري أنهم قالوا حطي شمقاثا أزبة، وتفسيره ما تقدم.

والرجز العذاب، وقال ابن زيد ومقاتل وغيرهما: «إن الله تعالى بعث على الذين بدلوا ودخلوا على غير ما أمروا الطاعون فأذهب منهم سبعين ألفا»، وقال ابن عباس: «أمات الله منهم في ساعة واحدة نيفا على عشرين ألفا».

وقرأ ابن محيصن «رجزا» بعضهم الراء، وهي لغة في العذاب، والرجز أيضا اسم صنم مشهور.

والباء في قوله بما متعلقة بـــــ فأنزلنا، وهي باء السبب.

ويفسقون معناه يخرجون عن طاعة الله، وقرأ النخعي وابن وثاب «يفسقون» بكسر السين، يقال فسق يفسق ويفسق بضم السين وكسرها). [المحرر الوجيز: 1 / 224 -225]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم} قال البخاريّ: حدّثني محمّدٌ، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهدي، عن ابن المبارك، عن معمر، عن همّام بن منبّه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «قيل لبني إسرائيل:{ادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ}فدخلوا يزحفون على استاههم، فبدّلوا وقالوا: حطّةٌ: حبّةٌ في شعرةٍ».ورواه النّسائيّ، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد الرّحمن بن مهديٍّ به موقوفًا وعن محمّد بن عبيد بن محمّدٍ، عن ابن المبارك ببعضه مسندًا، في قوله تعالى: {حطّةٌ} قال: «فبدّلوا. فقالوا: حبة ».

وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمرٌ، عن همّام بن منبه أنّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قال اللّه لبني إسرائيل:{وادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم}فبدّلوا، ودخلوا الباب يزحفون على استاههم، فقالوا: حبّةٌ في شعرةٍ ».

وهذا حديثٌ صحيحٌ، رواه البخاريّ عن إسحاق بن نصرٍ، ومسلمٌ عن محمّد بن رافعٍ. والتّرمذيّ عن عبد بن حميدٍ، كلّهم عن عبد الرّزّاق، به. وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.

وقال محمّد بن إسحاق: كان تبديلهم كما حدّثني صالح بن كيسان، عن صالحٍ مولى التّوأمة، عن أبي هريرة، وعمّن لا أتّهم، عن ابن عبّاسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «دخلوا الباب -الّذي أمروا أن يدخلوا فيه سجّدًا-يزحفون على استاههم، وهم يقولون: حنطةٌ في شعيرةٍ».

وقال أبو داود: حدّثنا أحمد بن صالحٍ، وحدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عبد اللّه بن وهبٍ، حدّثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم: «قال اللّه لبني إسرائيل:{ادخلوا الباب سجّدًاوقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم}» ثمّ قال أبو داود: حدّثنا جعفر بن مسافرٍ، حدّثنا ابن أبي فديكٍ، عن هشام بن سعدٍ، مثله .

هكذا رواه منفردًا به في كتاب الحروف مختصرًا.

وقال ابن مردويه: حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، حدّثنا إبراهيم بن مهديٍّ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن المنذر القزّاز، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديكٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: سرنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى إذا كان من آخر اللّيل، أجزنا في ثنيّةٍ يقال لها: ذات الحنظل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما مثل هذه الثّنيّة اللّيلة إلّا كمثلالباب الّذي قال اللّه لبني إسرائيل:{ادخلوا الباب سجّدًا وقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم}».

وقال سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن البراء: {سيقول السّفهاء من النّاس}[البقرة: 142]«قال اليهود: قيل لهم: {ادخلوا الباب سجّدًا}، قال: ركّعًا،{وقولوا حطّةٌ}: أي مغفرةٌ، فدخلوا على استاههم، وجعلوا يقولون: حنطةٌ حمراء فيها شعيرةٌ، فذلك قول اللّه تعالى:{فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم}.

وقال الثّوريّ، عن السّدّيّ، عن أبي سعدٍ الأزديّ، عن أبي الكنود، عن ابن مسعودٍ: {وقولوا حطّةٌ}«فقالوا: حنطةٌ حبّةٌ حمراء فيها شعيرةٌ،فأنزل اللّه:{فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم}».

وقال أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن ابن مسعودٍ أنّه قال: «إنّهم قالوا: "هطّي سمعاتا أزبة مزبا" فهي بالعربيّة: حبّة حنطةٍ حمراء مثقوبةفيها شعرةٌ سوداء، فذلك قوله:{فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم}».

وقال الثّوريّ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ادخلوا الباب سجّدًا} «ركّعًا من بابٍ صغيرٍ، فدخلوا من قبل أستاههم، وقالوا: حنطةٌ، فهو قوله تعالى:{فبدّل الّذين ظلموا قولا غير الّذي قيل لهم}».

وهكذا روي عن عطاءٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة، والضّحّاك، والحسن، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، ويحيى بن رافعٍ.

وحاصل ما ذكره المفسّرون وما دلّ عليه السّياق أنّهم بدّلوا أمر اللّه لهم من الخضوع بالقول والفعل، فأمروا أن يدخلوا سجّدًا، فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم، وأمروا أن يقولوا: حطّةٌ، أي: احطط عنّا ذنوبنا، فاستهزؤوا فقالوا: حنطةٌ في شعرةٍ. وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة؛ ولهذا أنزل اللّه بهم بأسه وعذابه بفسقهم، وهو خروجهم عن طاعته؛ ولهذا قال: {فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزًا من السّماء بما كانوا يفسقون}

وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: «كلّ شيءٍ في كتاب اللّه من "الرّجز" يعني به العذاب».

وهكذا روي عن مجاهدٍ، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، والحسن، وقتادة، «أنّه العذاب».. وقال أبو العالية: «الرّجز الغضب». وقال الشّعبيّ: «الرّجز: إمّاالطّاعون، وإمّا البرد». وقال سعيد بن جبيرٍ: «هو الطّاعون».

وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن إبراهيم بن سعدٍ -يعني ابن أبي وقّاصٍ-عن سعد بن مالكٍ، وأسامة بن زيدٍ، وخزيمة بن ثابتٍ، رضي اللّه عنهم، قالوا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الطّاعون رجز عذابٌ عذّب به من كان قبلكم».

وهكذا رواه النّسائيّ من حديث سفيان الثّوريّ به. وأصل الحديث في الصّحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابتٍ: «إذا سمعتم بالطّاعونبأرضٍ فلا تدخلوها». الحديث.

قال ابن جريرٍ: أخبرني يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهبٍ، عن يونس، عن الزّهريّ، قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقّاصٍ، عن أسامة بن زيدٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «إنّ هذا الوجع والسّقم رجز عذّب به بعض الأمم قبلكم». وهذا الحديث أصله مخرّج في الصّحيحين، من حديث الزّهريّ، ومن حديث مالكٍ، عن محمّد بن المنكدر، وسالمٍ أبي النّضر، عن عامر بن سعدٍ، بنحوه). [تفسير ابن كثير: 1 / 275 -278]


* للاستزادة ينظر: هنا