1 Sep 2014
تفسير قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ
أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ
كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا
وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا
فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا
تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا
يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}
تفسير قوله
تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ
مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ
مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} هذه الألف ألف استخبار، وتجري في كثير من المواضع مجرى الإنكار والنهي إذا لم يكن معها نفي، كأنّه أيئسهم من الطمع في إيمان هذه الفرقة من اليهود، فإذا كان في أول الكلام نفي، فإنكار النفي تثبيت، نحو قوله عزّ وجلّ: {ألم يأتكم نذير * قالوا بلى}،
فجواب {أفتطمعون} "لا" كما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه} يروي في التفسير أنهم سمعوا كلام اللّه لموسى -عليه السلام- فحرفوه فقيل في هؤلاء الذين شاهدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كفروا وحرفوا، فلهم سابقة في كفرهم). [معاني القرآن: 1/ 158]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم}
الآية، الخطاب للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن
الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم، ومعنى
هذا الخطاب: التقرير على أمر فيه بعد، إذ قد سلفت لأسلاف هؤلاء اليهود
أفاعيل سوء، وهؤلاء على ذلك السنن،
والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه كالحزب،
- وقال مجاهد والسدي: «عني بالفريق هنا الأحبار الذين حرفوا التوراة في صفة محمد صلى الله عليه وسلم»،
- وقيل: المراد كل من حرف في التوراة شيئا حكما أو غيره كفعلهم في آية الرجم ونحوها،
- وقال ابن إسحاق والربيع: «عني السبعون الذين سمعوا مع موسى صلى الله عليه وسلم ثم بدلوا بعد ذلك».
قال القاضي أبو
محمد رحمه الله: وفي هذا القول ضعف، ومن قال إن السبعين سمعوا ما سمع موسى
فقد أخطأ وأذهب فضيلة موسى عليه السلام واختصاصه بالتكليم، وقرأ الأعمش:
«كلم الله»، وتحريف الشيء إحالته من حال إلى حال،
- وذهب ابن عباس رضي الله عنه إلى أن تحريفهم وتبديلهم إنما هو بالتأويل ولفظ التوراة باق،
- وذهب جماعة من
العلماء إلى أنهم بدلوا ألفاظا من تلقائهم وأن ذلك ممكن في التوراة لأنهم
استحفظوها، وغير ممكن في القرآن لأن الله تعالى ضمن حفظه). [المحرر الوجيز: 1/ 259-260]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفتطمعون
أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد
ما عقلوه وهم يعلمون (75) وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلا
بعضهم إلى بعضٍ قالوا أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم ليحاجّوكم به عند
ربّكم أفلا تعقلون (76) أولا يعلمون أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون
(77)}
يقول تعالى: {أفتطمعون} أيّها المؤمنون {أن يؤمنوا لكم}
أي: ينقاد لكم بالطّاعة، هؤلاء الفرقة الضّالّة من اليهود، الّذين شاهد
آباؤهم من الآيات البيّنات ما شاهدوه ثمّ قست قلوبهم من بعد ذلك {وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه} أي: يتأوّلونه على غير تأويله {من بعد ما عقلوه} أي: فهموه على الجليّة ومع هذا يخالفونه على بصيرةٍ {وهم يعلمون} أنّهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله؟ وهذا المقام شبيهٌ بقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسيةً يحرّفون الكلم عن مواضعه}[المائدة: 13].
- قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: «ثمّ قال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولمن معه من المؤمنين يؤيّسهم منهم:{أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه}، وليس قوله:{يسمعون كلام اللّه}يسمعون التّوراة. كلّهم قد سمعها. ولكن الّذين سألوا موسى رؤية ربّهم فأخذتهم الصّاعقة فيها».
- قال محمّد بن إسحاق: «فيما
حدّثني بعض أهل العلم أنّهم قالوا لموسى: يا موسى، قد حيل بيننا وبين رؤية
اللّه تعالى، فأسمعنا كلامه حين يكلّمك. فطلب ذلك موسى إلى ربّه تعالى
فقال: نعم، مرهم فليتطهّروا، وليطهّروا ثيابهم ويصوموا ففعلوا، ثمّ خرج بهم
حتّى أتوا الطّور، فلمّا غشيهم الغمام أمرهم موسى أن يسجدوا، فوقعوا
سجودًا، وكلّمه ربّه تعالى، فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم، حتّى عقلوا عنه
ما سمعوا. ثمّ انصرف بهم إلى بني إسرائيل، فلمّا جاءوهم حرّف فريقٌ منهم ما
أمرهم به، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل: إنّ اللّه قد أمركم بكذا
وكذا. قال ذلك الفريق الّذين ذكرهم اللّه: إنّما قال كذا وكذا خلافًا لما
قال اللّه عزّ وجلّ لهم، فهم الّذين عنى اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه
وسلّم».
- وقال السّدّيّ: {وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه} قال: «هي التّوراة، حرّفوها».
وهذا الذي ذكره
السّدّيّ أعمّ ممّا ذكره ابن عبّاسٍ وابن إسحاق، وإن كان قد اختاره ابن
جريرٍ لظاهر السّياق. فإنّه ليس يلزم من سماع كلام اللّه أن يكون منه كما
سمعه الكليم موسى بن عمران، عليه الصّلاة والسّلام، وقد قال اللّه تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه}[التّوبة: 6]، أي: مبلّغًا إليه؛ ولهذا قال قتادة في قوله: {ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} قال: «هم اليهود كانوا يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه ووعوه».
- وقال مجاهدٌ: «الّذين يحرّفونه والّذين يكتمونه هم العلماء منهم».
- وقال أبو العالية: «عمدوا إلى ما أنزل اللّه في كتابهم، من نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فحرّفوه عن مواضعه».
- وقال السّدّيّ: «{وهم يعلمون}أي: أنّهم أذنبوا».
- وقال ابن وهبٍ: قال ابن زيدٍ في قوله: {يسمعون كلام اللّه ثمّ يحرّفونه} قال: «التّوراة
التي أنزلها اللّه عليهم يحرّفونها يجعلون الحلال فيها حرامًا، والحرام
فيها حلالًا والحقّ فيها باطلًا والباطل فيها حقًا؛ إذا جاءهم المحقّ
برشوةٍ أخرجوا له كتاب اللّه، وإذا جاءهم المبطل برشوةٍ أخرجوا له ذلك
الكتاب، فهو فيه محقٌّ، وإن جاءهم أحدٌ يسألهم شيئًا ليس فيه حقٌّ، ولا
رشوةٌ، ولا شيء، أمروه بالحقّ، فقال اللّه لهم: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} [البقرة: 44]»). [تفسير ابن كثير: 1/ 307-308]
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم ليحاجّوكم به عند ربّكم أفلا تعقلون}
المعنى: أتخبرونهم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكره موجود في كتابكم وصفته.
{ليحاجّوكم به عند ربّكم} أي: لتكون لهم الحجة في إيمانهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- عليكم، إذ كنتم مقرّين به تخبرون بصحة أمره من كتابكم فهذا بين حجته عليكم عند اللّه.
{أفلا تعقلون} أي: أفلا تعقلون حجة الله عليكم في هذا). [معاني القرآن: 1/ 158-159]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذا لقوا الّذين آمنوا قالوا آمنّا وإذا خلا بعضهم إلى بعضٍ قالوا أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم ليحاجّوكم به عند ربّكم أفلا تعقلون (76) أولا يعلمون أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون (77) ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ وإن هم إلاّ يظنّون (78)}تفسير قوله تعالى: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور «أولا يعلمون» بالياء من أسفل، وقرأ ابن محيصن «أولا تعلمون» بالتاء خطابا للمؤمنين، والذي أسروه: كفرهم، والذي أعلنوه: قولهم آمنا، هذا في سائر اليهود، والذي أسره الأحبار: صفة محمد صلى الله عليه وسلم والمعرفة به، والذي أعلنوه: الجحد به، ولفظ الآية يعم الجميع). [المحرر الوجيز: 1/ 261-262]