الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (89) إلى الآية (91) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

4828

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم السابع

تفسير سورة البقرة [من الآية (89) إلى الآية (91) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

1 Sep 2014

4828

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}



تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {ولمّا جاءهم كتاب من عند اللّه مصدّق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}
تقرأ {جاءهم} بفتح الجيم والتفخيم، وهي لغة أهل الحجاز، وهي اللغة العليا القدمى،
والإمالة إلى الكسر لغة بني تميم وكثير من العرب، ووجهها أنها الأصل من ذوات الياء فأميلت لتدل على ذلك.
ومعنى {كتاب اللّه} ههنا: القرآن، واشتقاقه من "الكتب" وهي جمع "كتبة" وهي: الخرزة، وكل ما ضممت بعضه إلى بعض على جهة التقارب والاجتماع فقد كتبته، و"الكتيبة": الفرقة التي تحارب، من هذا اشتقاقها لأن بعضها منضم إلى بعض، وسمى كلام الله -عزّ وجلّ- الذي أنزل على نبيه "كتابا" و"قرآنا" و"فرقانا"، فقد فسرنا معنى "كتاب". ومعنى "قرآن" معنى الجمع، يقال: ما قرأت هذه الناقة سلّى قط، أي: لم يضطمّ رحمها على ولد قط، قال الشاعر:
هجان اللّون لم تقرأ جنينا
قال أكثر النّاس: لم تجتمع جنينا، أي: لم تضم رحمها على الجنين.
وقال قطرب في "قرآن" قولين:
أحدهما هذا، وهو المعروف الذي عليه أكثر الناس،
والقول الآخر ليس بخارج من الصّحّة، وهو حسن، قال: "لم تقرأ جنينا": لم تلقه مجموعا.
وقال: يجوز أن يكون معنى قرأت: لفظت به مجموعا، كما أن لفظت من اللفظ، اشتقاقه من لفظت كذا وكذا، إذا ألقيته، فكأن قرأت القرآن لفظت به مجموعا.
وقوله عزّ وجلّ: {مصدق لما معهم} أي: يصدق بالتوراة والإنجيل ويخبرهم بما في كتبهم مما لا يعلم إلا بوحي أو قراءة كتب، وقد علموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أميا لا يكتب.
وقوله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} ضم {قبل} لأنها غاية، كان يدخلها بحق الإعراب الكسر والفتح، فلما عدلت عن بابها بنيت على الضم، فبنيت على ما لم يكن يدخلها بحق الإعراب، وإنما عدلت عن بابها لأن أصلها الإضافة فجعلت مفردة تنبئ عن الإضافة، المعنى: وكانوا من قبل هذا.
ومعنى: {يستفتحون على الّذين كفروا} فيه قولان:
قال بعضهم: كانوا يخبرون بصحة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقيل: "وكانوا يستفتحون على الذين كفروا": يستنصرون بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-، "فلما جاءهم ما عرفوا" أي: ما كانوا يستنصرون وبصحته يخبرون، "كفروا" وهم يوقنون أنهم معتمدون للشقاق عداوة للّه.
وقوله عزّ وجلّ: {فلعنة اللّه على الكافرين} قد فسرنا اللعنة، وجواب {ولمّا جاءهم كتاب} محذوف؛ لأن معناه معروف دلّ عليه {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}). [معاني القرآن: 1/ 170-171]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه مصدّقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين (89) بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغياً أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده فباؤ بغضبٍ على غضبٍ وللكافرين عذابٌ مهينٌ (90) وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل اللّه قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ مصدّقاً لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين (91)}
- الكتاب: القرآن،
- و(مصدّقٌ لما معهم) يعني التوراة، وروي أن في مصحف أبي بن كعب «مصدقا» بالنصب.
- و(يستفتحون) معناه أن بني إسرائيل كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما عندهم من صفته وذكر وقته، وظنوا أنه منهم، فكانوا إذا حاربوا الأوس والخزرج فغلبتهم العرب قالوا لهم: لو قد خرج النبي الذي قد أظل وقته لقاتلناكم معه واستنصرنا عليكم به، و(يستفتحون) معناه: يستنصرون، وفي الحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين»، وروي أن قريظة والنضير وجميع يهود الحجاز في ذلك الوقت كانوا يستفتحون على سائر العرب، وبسبب خروج النبي المنتظر كانت نقلتهم إلى الحجاز وسكناهم به، فإنهم كانوا علموا صقع المبعث، وما عرفوا أنه محمد عليه السلام وشرعه، ويظهر من هذه الآيات العناد منهم، وأن كفرهم كان مع معرفة ومعاندة،
- و«لعنة الله» معناه: إبعاده لهم وخزيهم لذلك.
واختلفت النحاة في جواب (لمّا) و(لمّا) الثانية في هذه الآية؛
- فقال أبو العباس المبرد: جوابهما في قوله: {كفروا}، وأعيدت (لما) الثانية لطول الكلام، ويفيد ذلك تقريرا للذنب، وتأكيدا له،
- وقال الزجاج: (لمّا) الأولى لا جواب لها للاستغناء عن ذلك بدلالة الظاهر من الكلام عليه. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فكأنه محذوف،
- وقال الفراء: جواب (لمّا) الأولى في الفاء وما بعدها، وجواب (لما) الثانية: (كفروا) ). [المحرر الوجيز: 1/ 280-281]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه مصدّقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين (89)}
يقول تعالى: {ولمّا جاءهم} يعني اليهود {كتابٌ من عند اللّه} وهو: القرآن الذي أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {مصدّقٌ لما معهم} يعني: من التّوراة، وقوله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} أي: وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرّسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون: إنّه سيبعث نبيٌّ في آخر الزّمان نقتلكم معه قتل عادٍ وإرم، كما قال محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر عن قتادة الأنصاريّ، عن أشياخٍ منهم قال: قالوا:«فينا واللّه وفيهم -يعني في الأنصار وفي اليهود الّذين كانوا جيرانهم- نزلت هذه القصّة -يعني: {ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه مصدّقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به}-»،
قالوا: «كنّا قد علوناهم دهرًا في الجاهليّة، ونحن أهل شركٍ وهم أهل كتابٍ، فكانوا يقولون: إنّ نبيًّا من [الأنبياء] يبعث الآن نتبعه، قد أظلّ زمانه، نقتلكم معه قتل عادٍ وإرم. فلمّا بعث اللّه رسوله من قريشٍ [واتّبعناه] كفروا به. يقول اللّه تعالى:{فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}[النّساء: 155]».
- وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} قال: «يستظهرون يقولون: نحن نعين محمّدًا عليهم، وليسوا كذلك، يكذبون».
- وقال محمّد بن إسحاق: أخبرني محمّد بن أبي محمّدٍ، أخبرني عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: «أنّ يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قبل مبعثه. فلمّا بعثه اللّه من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبلٍ، وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة: يا معشر يهود، اتّقوا اللّه وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن أهل شركٍ، وتخبروننا بأنّه مبعوثٌ، وتصفونه لنا بصفته. فقال سلام بن مشكم أخو بني النّضير: ما جاءنا بشيءٍ نعرفه، وما هو بالذي كنّا نذكر لكم فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: {ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه مصدّقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}».
- وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا}يقول:«يستنصرون بخروج محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على مشركي العرب -يعني بذلك أهل الكتاب-، فلمّا بعث محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه».
- وقال أبو العالية: «كانت اليهود تستنصر بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على مشركي العرب، يقولون: اللّهمّ ابعث هذا النّبيّ الذي نجده مكتوبًا عندنا حتّى نعذّب المشركين ونقتلهم. فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، ورأوا أنّه من غيرهم، كفروا به حسدًا للعرب، وهم يعلمون أنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللّه:{فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}».
- وقال قتادة: {وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا} قال: «كانوا يقولون: إنّه سيأتي نبيٌّ.{فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به}».
- وقال مجاهدٌ: {فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين} قال: «هم اليهود».
- وقال الإمام أحمد: حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدّثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، عن محمود بن لبيدٍ أخي بني عبد الأشهل، عن سلمة بن سلامة بن وقشٍ وكان من أهل بدرٍ، قال: «كان لنا جارٌ يهوديٌّ في بني عبد الأشهل»، قال: «فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيسيرٍ، حتّى وقف على مجلس بني عبد الأشهل».
قال سلمة:«وأنا يومئذٍ أحدث من فيهم سنًّا على بردةٍ مضطجعًا فيها بفناءٍ أصلي. فذكر البعث والقيامة والحسنات والميزان والجنّة والنّار. قال ذلك لأهل شركٍ أصحاب أوثانٍ لا يرون بعثًا كائنًا بعد الموت، فقالوا له: ويحك يا فلان، ترى هذا كائنًا أنّ النّاس يبعثون بعد موتهم إلى دارٍ فيها جنّةٌ ونارٌ، يجزون فيها بأعمالهم؟ فقال: نعم، والذي يحلف به، لودّ أنّ له بحظّه من تلك النّار أعظم تنّورٍ في الدّنيا يحمونه ثمّ يدخلونه إيّاه فيطبق به عليه، وأن ينجو من تلك النّار غدًا. قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟ قال: نبيٌّ يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكّة واليمن. قالوا: ومتى نراه؟»،
قال: «فنظر إليّ وأنا من أحدثهم سنًّا، فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه».
قال سلمة: «فواللّه ما ذهب اللّيل والنّهار حتّى بعث اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بين أظهرنا، فآمنّا به وكفر به بغيًا وحسدًا. فقلنا: ويلك يا فلان، ألست بالذي قلت لنا؟ قال: بلى وليس به». تفرّد به أحمد.
- وحكى القرطبيّ وغيره، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما:«أنّ يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهليّة مع غطفان فهزمتهم غطفان، فدعا اليهود عند ذلك، فقالوا: اللّهمّ إنّا نسألك بحقّ النّبيّ الأمّيّ الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزّمان، إلّا نصرتنا عليهم».
قال:«فنصروا عليهم».
قال: «وكذلك كانوا يصنعون يدعون اللّه فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم. قال اللّه تعالى:{فلمّا جاءهم ما عرفوا}أي: من الحقّ وصفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم{كفروا به فلعنة اللّه على الكافرين}»).[تفسير ابن كثير: 1/ 325-327]

تفسير قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيا أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين}
"بئس" إذا وقعت على "ما" جعلت معها بمنزلة اسم منكور، وإنما ذلك في "نعم" و"بئس" لأنهما لا يعملان في اسم علم، إنما يعملان في اسم منكور دال على جنس، أو اسم فيه ألف ولام يدل على جنس، وإنما كانتا كذلك لأن "نعم" مستوفية لجميع المدح، و"بئس" مستوفية لجميع الذم، فإذا قلت: نعم الرجل زيد، فقد استحق زيد المدح الذي يكون في سائر جنسه.
قال أبو إسحاق: وفي (نعم الرجل زيد) أربع لغات:
نَعِم الرجل زيد، ونِعِمَ الرجل زيد، ونِعْم الرجل زيد، ونَعْمَ الرجل زيد.
وكذلك إذا قلت: بئس الرجل، دللت على أنه استوفى الذم الذي يكون في سائر جنسه، فلم يجز إذ كان يستوفى مدح الأجناس أن يعمل في غير لفظ جنس، فإذا كان معها اسم جنس بغير ألف ولام فهو نصب أبدا، وإذا كانت فيه الألف واللام فهو رفع أبدا، وذلك كقولك: نعم رجلا زيد، ونعم الرجل زيد، فلما نصب "رجل" فعلى التمييز، وفي "نعم" اسم مضمر على شريطة التفسير، و"زيد" مبين من هذا الممدوح، لأنك إذا قلت: "نعم الرجل" لم يعلم من تعني، فقولك "زيد" تريد به: هذا الممدوح هو زيد.
وقال سيبويه والخليل جميع ما قلنا في "نعم" و"بئس"، وقالا: إن شئت رفعت "زيدا" لأنه ابتداء مؤخّر، كأنك قلت -حين قلت (نعم رجلا زيد)-: نعم زيد نعم الرجل، وكذلك كانت "ما" في "نعم" بغير صلة لأن الصلة توضح وتخصص، والقصد في "نعم" أن يليها اسم منكور أو جنس، فقوله {بئسما اشتروا به أنفسهم}: بئس شيئا اشتروا به أنفسهم.
وقوله عزّ وجلّ: {أن يكفروا بما أنزل اللّه} موضعه رفع: المعنى ذلك الشيء المذموم أن يكفروا بما أنزل اللّه.
وقوله عزّ وجلّ: {فنعمّا هي} كأنه قال: فنعم شيئا هي،
وقال قوم: إنّ "نعم" مع "ما" بمنزلة "حبّ" مع "ذا"، تقول: حبّذا زيد، وحبذا هي، ونعما هي،
والقول الأول هو مذهب النحويين وروى جميع النحويين (بئسما تزويج ولا مهر) والمعنى فيه: بئس شيئا تزويج ولا مهر.
وقوله عزّ وجلّ: {أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيا أن ينزّل اللّه من فضله على من يشاء من عباده} معناه: أنهم كفروا بغيا وعداوة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لأنهم لم يشكّوا في نبوته -صلى الله عليه وسلم- وإنما حسدوه على ما أعطاه الله من الفضل،
المعنى: كفروا بغيا لأن نزّل اللّه الفضل على النبي -صلى الله عليه وسلم-،
ونصب {بغيا} مفعولا له، كما تقول: فعلت ذلك حذر الشر، أي: لحذر الشر، كأنك قلت: حذرت حذرا، ومثله من الشعر قول الشاعر وهو حاتم الطائي:
وأغـفـر عــوراء الكـريـم ادّخــاره ....... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
المعنى: أغفر عوراء الكريم لادّخاره، وأعرض عن شتم اللئيم للتكرم.
وكأنه قال: أدخر الكريم ادخارا، وأتكرم على الكريم تكرما، لأن قوله (أغفر عوراء الكريم) معناه: أدخر الكريم، وقوله (وأعرض عن شتم اللئيم تكرما) معناه: أتكرم على اللئيم،
وموضع {أن} الثانية نصب، المعنى: أن يكفروا بما أنزل اللّه لأن ينزل اللّه، أي: كفروا لهذه العلّة، فشرحه كهذا الذي شرحناه.
وقوله عزّ وجلّ: {فباءوا بغضب على غضب}
معنى {باءوا} في اللغة: احتملوا، يقال: قد بؤت بهذا الذنب، أي: تحملته.
ومعنى {بغضب على غضب}فيه قولان:
قال بعضهم:{بغضب} من أجل الكفر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- {على غضب} على الكفر بعيسى -صلى الله عليه وسلم-، يعني بهم اليهود.
وقيل:{فباءوا بغضب على غضب} أي: بإثم استحقوا به النار، على إثم تقدم أي: استحقوا به أيضا النّار). [معاني القرآن: 1/ 172-174]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : («وبيس» أصله «بئس» سهلت الهمزة ونقلت إلى الباء حركتها، ويقال في «بئس»: «بيس» إتباعا للكسرة، وهي مستوفية للذم كما (نعم) مستوفية للمدح،
واختلف النحويون في (بئسما) في هذا الموضع؛
- فمذهب سيبوية أن «ما» فاعلة بـ(بئس)، ودخلت عليها (بيس) كما تدخل على أسماء الأجناس والنكرات لما أشبهتها «ما» في الإبهام، فالتقدير على هذا القول: بيس الذي اشتروا به أنفسهم أن يكفروا، كقولك: بيس الرجل زيد، و«ما» في هذا القول موصولة،
- وقال الأخفش: «ما» في موضع نصب على التمييز، كقولك: «بيس رجلا زيد»، فالتقدير: «بيس شيئا أن يكفروا»، و(اشتروا به أنفسهم) في هذا القول صفة «ما»،
- وقال الفراء: «بئسما بجملته شيء واحد ركب كحبذا»، وفي هذا القول اعتراض لأنه فعل يبقى بلا فاعل، و«ما» إنما تكف أبدا حروفا،
- وقال الكسائي: «ما» و(اشتروا) بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه، فالتقدير: بيس اشتراؤهم أنفسهم أن يكفروا، وهذا أيضا معترض لأن «بيس» لا تدخل على اسم معين متعرف بالإضافة إلى الضمير،
وقال الكسائي أيضا: إن «ما» في موضع نصب على التفسير وثم «ما» أخرى مضمرة، فالتقدير: بيس شيئا ما اشتروا به أنفسهم، و(أن يكفروا) في هذا القول بدل من «ما» المضمرة،
- ويصح في بعض الأقوال المتقدمة أن يكون (أن يكفروا) في موضع خفض بدلا من الضمير في (به)، وأما في القولين الأولين فـ(أن يكفروا) ابتداء وخبره فيما قبله،
و(اشتروا) بمعنى باعوا، يقال: شرى واشترى بمعنى باع، وبمعنى ابتاع،
و(بما أنزل اللّه) يعني به القرآن،
- ويحتمل أن يراد به التوراة لأنهم إذ كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام فقد كفروا بالتوراة،
- ويحتمل أن يراد به الجميع من توراة وإنجيل وقرآن، لأن الكفر بالبعض يلزم الكفر بالكل،
و(بغياً) مفعول من أجله، وقيل: نصب على المصدر،
و(أن ينزّل) نصب على المفعول من أجله أو في موضع خفض بتقدير: بأن ينزل.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير «أن ينزل» بالتخفيف في النون والزاي،
و(من فضله) يعني من النبوة والرسالة.
و(من يشاء) يعني به محمدا صلى الله عليه وسلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم وكان من العرب. ويدخل في المعنى عيسى عليه السلام لأنهم قد كفروا به بغيا، والله قد تفضل عليه،
و«باؤوا» معناه: مضوا متحملين لما يذكر أنهم باؤوا به،
و(بغضبٍ) معناه من الله تعالى لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم على غضب متقدم من الله تعالى عليهم،
- قيل: لعبادتهم العجل،
- وقيل: لقولهم عزير ابن الله،
- وقيل: لكفرهم بعيسى عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالمعنى: على غضب قد باء به أسلافهم حظ هؤلاء منه وافر بسبب رضاهم بتلك الأفعال وتصويبهم لها.
- وقال قوم: المراد بقوله: {بغضبٍ على غضبٍ} التأكيد وتشديد الحال عليهم لا أنه أراد غضبين معللين بقصتين،
و(مهينٌ) مأخوذ من الهوان، وهو ما اقتضى الخلود في النار، لأن من لا يخلد من عصاة المسلمين إنما عذابه كعذاب الذي يقام عليه الحد، لا هوان فيه بل هو تطهير له).[المحرر الوجيز: 1/ 281-283]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيًا أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضبٍ على غضبٍ وللكافرين عذابٌ مهينٌ (90)}
- قال مجاهدٌ: «{بئسما اشتروا به أنفسهم}يهود شروا الحقّ بالباطل، وكتمان ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يبيّنوه».
- وقال السّدّيّ: «{بئسما اشتروا به أنفسهم}يقول: باعوا به أنفسهم»، يعني: بئسما اعتاضوا لأنفسهم ورضوا به [وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى تصديقه ومؤازرته ونصرته]. وإنّما حملهم على ذلك البغي والحسد والكراهية {أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده} ولا حسد أعظم من هذا.
- قال ابن إسحاق عن محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ: «{بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل اللّه بغيًا أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده}أي: إنّ اللّه جعله من غيرهم»،{فباءوا بغضبٍ على غضبٍ} قال ابن عبّاسٍ: «فالغضب على الغضب، فغضبه عليهم فيما كانوا ضيّعوا من التّوراة وهي معهم، وغضب بكفرهم بهذا النّبيّ الذي أحدث اللّه إليهم».
قلت: ومعنى {باءوا} استوجبوا، واستحقّوا، واستقرّوا بغضبٍ على غضبٍ.
- وقال أبو العالية: «غضب اللّه عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى، ثمّ غضب عليهم بكفرهم بمحمّدٍ، وبالقرآن عليهما السّلام»، [وعن عكرمة وقتادة مثله].
- قال السّدّيّ: «أمّا الغضب الأوّل فهو حين غضب عليهم في العجل، وأمّا الغضب الثّاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم»، [وعن ابن عبّاسٍ مثله].
وقوله: {وللكافرين عذابٌ مهينٌ} لمّا كان كفرهم سببه البغي والحسد، ومنشأ ذلك التّكبّر، قوبلوا بالإهانة والصّغار في الدّنيا والآخرة، كما قال تعالى: {إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين}[غافر: 60]، [أي: صاغرين حقيرين ذليلين راغمين].
- وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى، حدّثنا ابن عجلان، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور النّاس، يعلوهم كلّ شيءٍ من الصّغار حتّى يدخلوا سجنًا في جهنّم، يقال له: بولس فيعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال: عصارة أهل النّار»). [تفسير ابن كثير: 1/ 327-328]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل اللّه قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ مصدّقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين} أي: بالقرآن الذي أنزل اللّه على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

{قالوا نؤمن بما أنزل علينا} وقد بين الله أنهم غير مؤمنين بما أنزل عليهم، وقد بيّنّا ذلك فيما مضى.

وقوله تعالى: {ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ} معناه: ويكفرون بما بعده، أي: بما بعد الذي أنزل عليهم، {وهو الحقّ مصدّقا لما معهم} فهذا يدل على أنهم قد كفروا بما معهم إذ كفروا بما يصدّق ما معهم، نصب {مصدقا} على الحال، وهذه حال مؤكدة،

زعم سيبويه والخليل وجميع النحويين الموثوق بعلمهم أن قولك "هو زيد قائما" خطأ، لأن قولك "هو زيد" كناية عن اسم متقدم فليس في الحال فائدة، لأن الحال توجب ههنا إنّه إذا كان قائما فهو زيد، فإذا ترك القيام فليس بزيد، وهذا خطأ.

فأما قولك "هو زيد معروفا"، و"هو الحق مصدقا"، ففي الحال فائدة، كأنك قلت: انتبه له معروفا، وكأنه بمنزلة قولك "هو زيد حقا"، فـ"معروفا" حال لأنه إنما يكون زيدا لأنه يعرف بزيد، وكذلك "الحق"، القرآن هو الحق إذ كان مصدقا لكتب الرسل.

أكذبهم اللّه في قولهم: {نؤمن بما أنزل علينا} فقال: {قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين} أي: أيّ كتاب جوّز فيه قتل نبي؟ وأي دين وإيمان جوز فيه ذلك؟

فإن قال قائل: فلم قيل لهم فلم تقتلون أنبياء الله من قبل، وهؤلاء لم يقتلوا نبيا قط؟

قيل له: قال أهل اللغة في هذا قولين:

أحدهما: إن الخطاب لمن شوهد من أهل مكة ومن غاب خطاب واحد، فإذا قتل أسلافهم الأنبياء وهم مقيمون على ذلك المذهب فقد شركوهم في قتلهم.

وقيل أيضا: لم رضيتم بذلك الفعل، وهذا القول الثاني يرجع إلى معنى الأول.

وإنما جاز أن يذكر هنا لفظ الاستقبال والمعنى المضي لقوله {من قبل} ودليل ذلك قوله {قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبيّنات وبالّذي قلتم فلم قتلتموهم} فقوله {فلم تقتلون} بمنزلة (فلم قتلتم).

وقيل في قوله: {إن كنتم مؤمنين}قولان:

أحدهما: ما كنتم مؤمنين،

وقيل: إنّ إيمانكم ليس بإيمان، و"الإيمان" ههنا واقع على أصل العقد والدين، فقيل لهم: ليس إيمان إيمانا إذا كان يدعو إلى قتل الأنبياء). [معاني القرآن: 1/ 174-175]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا قيل لهم} يعني: اليهود أنهم إذا قيل لهم: آمنوا بالقرآن الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: نؤمن بما أنزل علينا يعنون التوراة وما وراءه.
- قال قتادة: «أي: ما بعده»،
- وقال الفراء: أي: ما سواه ويعني به القرآن، وإذا تكلم رجل أو فعل فعلا فأجاد يقال له: ما وراء ما أتيت به شيء، أي: ليس يأتي بعده.
ووصف الله تعالى القرآن بأنه الحق، و(مصدّقاً) حال مؤكدة عند سيبويه، وهي غير منتقلة، وقد تقدم معناها في الكلام ولم يبق لها هي إلا معنى التأكيد، وأنشد سيبويه على الحال المؤكدة:
أنا ابن دارة معروفا بها حسبي ....... وهل لدارة يا للنّاس من عار
و(لما معهم) يريد به التوراة.
وقوله تعالى: {قل فلم تقتلون} الآية، رد من الله تعالى عليهم في أنهم آمنوا بما أنزل عليهم، وتكذيب منه لهم في ذلك، واحتجاج عليهم.
ولا يجوز الوقف على (فلم) لنقصان الحرف الواحد إلا أن البزي وقف عليه بالهاء، وسائر القراء بسكون الميم.
وخاطب الله من حضر محمدا صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل بأنهم قتلوا الأنبياء لما كان ذلك من فعل أسلافهم.
وجاء (تقتلون) بلفظ الاستقبال وهو بمعنى المضي لما ارتفع الإشكال بقوله (من قبل)، وإذا لم يشكل فجائز سوق الماضي بمعنى المستقبل، وسوق المستقبل بمعنى الماضي. قال الحطيئة:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه ....... أن الوليد أحق بالعذر
وفائدة سوق الماضي في موضع المستقبل، الإشارة إلى أنه في الثبوت كالماضي الذي قد وقع.
وفائدة سوق المستقبل في معنى الماضي الإعلام بأن الأمر مستمر. ألا ترى أن حاضري محمد صلى الله عليه وسلم لما كانوا راضين بفعل أسلافهم بقي لهم من قتل الأنبياء جزء،
و(إن كنتم) شرط والجواب متقدم، وقالت فرقة: (إن) نافية بمعنى (ما) ). [المحرر الوجيز: 1/ 283-285]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل اللّه قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحقّ مصدّقًا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين (91) ولقد جاءكم موسى بالبيّنات ثمّ اتّخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (92)}
يقول تعالى: {وإذا قيل لهم} أي: لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب {آمنوا بما أنزل اللّه} [أي]: على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وصدّقوه واتّبعوه {قالوا نؤمن بما أنزل علينا} أي: يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التّوراة والإنجيل ولا نقرّ إلّا بذلك، {ويكفرون بما وراءه} يعني: بما بعده {وهو الحقّ مصدّقًا لما معهم} أي: وهم يعلمون أنّ ما أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم الحقّ {مصدّقًا} منصوبٌ على الحال، أي: في حال تصديقه لما معهم من التّوراة والإنجيل، فالحجّة قائمةٌ عليهم بذلك، كما قال تعالى: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}[البقرة: 146] ثمّ قال تعالى: {[قل] فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين} أي: إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاؤوكم بتصديق التّوراة التي بأيديكم والحكم بها وعدم نسخها، وأنتم تعلمون صدقهم؟ قتلتموهم بغيًا [وحسدًا] وعنادًا واستكبارًا على رسل اللّه، فلستم تتّبعون إلّا مجرّد الأهواء، والآراء والتّشهّي كما قال تعالى {أفكلّما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقًا كذّبتم وفريقًا تقتلون}[البقرة: 87].
- وقال السّدّيّ في هذه الآية: «يعيّرهم اللّه تعالى:{قل فلم تقتلون أنبياء اللّه من قبل إن كنتم مؤمنين}».
- وقال أبو جعفر بن جريرٍ: قل يا محمّد ليهود بني إسرائيل -[الّذين] إذا قلت لهم: آمنوا بما أنزل اللّه، قالوا: {نؤمن بما أنزل علينا}-: لم تقتلون -إن كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنزل اللّه عليكم- أنبياءه، وقد حرّم اللّه في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم، بل أمركم فيه باتّباعهم وطاعتهم وتصديقهم، وذلك من اللّه تكذيبٌ لهم في قولهم: {نؤمن بما أنزل علينا} وتعييرٌ لهم). [تفسير ابن كثير: 1/ 328-329]


* للاستزادة ينظر: هنا