الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (135) إلى الآية (138) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

4247

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم العاشر

تفسير سورة البقرة [من الآية (135) إلى الآية (138) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

1 Sep 2014

4247

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}



تفسير قوله تعالى: {َقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}
المعنى: قالت اليهود: كونوا هودااً، وقالت النصارى: كونوا نصارى.
وجزم تهتدوا على الجواب للأمر، وإنما معنى الشرط قائم في الكلمة.
المعنى: إن تكونوا على هذه الملة تهتدوا، فجزم تهتدوا على الحقيقة جواب الجزاء.
وقوله عزّ وجلّ: {بل ملة إبراهيم حنيفاً}
تنصب الملة على تقدير: بل نتبع ملة إبراهيم،
ويجوز أن تنصب على معنى: بل نكون أهل ملة إبراهيم، وتحذف " الأهل " كما قال الله عزّ وجلّ: {واسأل القرية التي كنّا فيها}؛لأن القرية لا تسأل ولا تجيب.
ويجوز الرفع:{بل ملة إبراهيم حنيفاً}،
والأجود والأكثر: النصب، ومجاز الرفع على معنى: قل: ملتنا وديننا ملة إبراهيم، ونصب {حنيفاً}على الحال.
المعنى: بل نتبع ملة إبراهيم في حال حنيفته، ومعنى الحنيفة في اللغة: الميل، فالمعنى: أن إبراهيم حنيف إلى دين اللّه، دين الإسلام.
كما قال عزّ وجلّ: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} فلم يبعث نبي إلا به.
وإن اختلفت شرائعهم، فالعقد توحيد اللّه عزّ وجلّ والإيمان برسله وإن اختلفت الشرائع، إلا أنّه لا يجوز أن تترك شريعة نبي، أو يعمل بشريعة نبي قبله تخالف شريعة نبي الأمة التي يكون فيها، وإنما أخذ الحنف من قولهم: امرأة حنفاء ، ورجل أحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما بأصابعها إلى أختها بأصابعها، قالت أم الأحنف بن قيس وكانت ترقصه، وخرج سيد بني تميم: -
والله لولا حنف في رجله= ودقة في ساقه من هزله
ما كان في فتيانكم من مثله). [معاني القرآن: 1/213-214]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقولهم: كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا نظير قولهم لن يدخل الجنّة إلّا من كان هوداً أو نصارى [البقرة: 111]، ونصب ملّة بإضمار فعل، أي بل نتبع ملة، وقيل نصبت على الإغراء، وقرأ الأعرج وابن أبي عبلة «بل ملة» بالرفع والتقدير بل الهدى ملة، وحنيفاً حال، وقيل نصب بإضمار فعل، لأن الحال تعلق من المضاف إليه، والحنف الميل، ومنه الأحنف لمن مالت إحدى قدميه إلى الأخرى، والحنيف في الدين الذي مال عن الأديان المكروهة إلى الحق، وقال قوم: الحنف الاستقامة، وسمي المعوج القدمين أحنف تفاؤلا كما قيل سليم ومفازة، ويجيء الحنيف في الدين المستقيم على جميع طاعات الله عز وجل، وقد خصص بعض المفسرين، فقال قوم: الحنيف الحاج، وقال آخرون: المختتن، وهذه أجزاء الحنف.
ونفى عنه الإشراك فانتفت
[المحرر الوجيز: 1/359]
عبادة الأوثان واليهودية لقولهم عزير ابن الله، والنصرانية لقولهم المسيح ابن الله). [المحرر الوجيز: 1/360]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين (135)}
قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال عبد اللّه بن صوريا الأعور لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما الهدى إلّا ما نحن عليه، فاتّبعنا يا محمّد تهتد. وقالت النّصارى مثل ذلك. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا}
وقوله {بل ملّة إبراهيم حنيفًا} " أي: لا نريد ما دعوتم إليه من اليهوديّة والنّصرانيّة، بل نتّبع {ملّة إبراهيم حنيفًا} أي: مستقيمًا. قاله محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وعيسى بن جارية.
وقال خصيف عن مجاهدٍ: مخلصًا. وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: حاجًّا. وكذا روي عن الحسن والضّحّاك وعطيّة، والسّدّيّ.
وقال أبو العالية: الحنيف الذي يستقبل البيت بصلاته، ويرى أنّ حجّه عليه إن استطاع إليه سبيلًا.
وقال مجاهدٌ، والرّبيع بن أنسٍ: حنيفًا، أي: متّبعًا. وقال أبو قلابة: الحنيف الذي يؤمن بالرّسل كلّهم من أوّلهم إلى آخرهم.
وقال قتادة: الحنيفيّة: شهادة أن لا إله إلّا اللّه. يدخل فيها تحريم الأمّهات والبنات والخالات والعمّات وما حرّم اللّه عزّ وجلّ، والختان). [تفسير ابن كثير: 1/448]

تفسير قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}
{لا نفرّق بين أحد منهم}: المعنى: لا نكفر ببعض ، ونؤمن ببعض). [معاني القرآن: 1/214]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون (136) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم (137) صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون (138)
هذا الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، علمهم الله الإيمان، وما أنزل إلينا يعني به القرآن، وصحت إضافة الإنزال إليهم من حيث هم المأمورون المنهيون فيه، وإبراهيم وإسماعيل يجمعان براهيم وسماعيل، هذا هو اختيار سيبويه والخليل، وقال قوم «براهم»، وقال الكوفيون: «براهمة وسماعلة»، وقال المبرد: «أباره وأسامع»، وأجاز ثعلب «براه» كما يقال في التصغير «بريه»، والأسباط هم ولد يعقوب، وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وربالون ويشحر ودنية بنته وأمهم ليا، ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين، وولد له من سريتين ذان وتفثالي وجاد وأشرو، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل، فسموا الأسباط لأنه كان من كل واحد منهم سبط، وما أوتي موسى هو التوراة وآياته، و «ما أوتي عيسى» هو الإنجيل وآياته، فالمعنى أنا نؤمن بجميع الأنبياء لأن جميعهم جاء بالايمان بالله، فدين الله واحد وإن اختلفت أحكام الشرائع، ولا نفرّق بين أحدٍ منهم أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما تفعلون، وفي الكلام حذف تقديره: بين أحد منهم وبين نظيره، فاختصر لفهم السامع، والضمير في له عائد على اسم الله عز وجل). [المحرر الوجيز: 1/360-361]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون (136)}
أرشد اللّه تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم مفصّلًا وبما أنزل على الأنبياء المتقدّمين مجملًا ونصّ على أعيانٍ من الرّسل، وأجمل ذكر بقيّة الأنبياء، وأن لا يفرّقوا بين أحدٍ منهم، بل يؤمنوا بهم كلّهم، ولا يكونوا كمن قال اللّه فيهم: {ويريدون أن يفرّقوا بين اللّه ورسله ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقًّا} [النّساء: 150، 151].
وقال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عثمان بن عمر، أخبرنا عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التّوراة بالعبرانيّة ويفسّرونها بالعربيّة لأهل الإسلام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنّا باللّه وما أنزل إلينا ".
وقد روى مسلمٌ وأبو داود والنّسائيّ من حديث عثمان بن حكيمٍ، عن سعيد بن يسار عن ابن عبّاسٍ، قال، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أكثر ما يصلّي الرّكعتين اللّتين قبل الفجر بـ {آمنّا باللّه وما أنزل إلينا} الآية، والأخرى بـ {آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون} [آل عمران: 52]. وقال أبو العالية والرّبيع وقتادة: الأسباط: بنو يعقوب اثنا عشر رجلًا؛ ولد كلّ رجلٍ منهم أمّةً من النّاس، فسمّوا الأسباط.
وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل، كالقبائل في بني إسماعيل؛ وقال الزّمخشريّ في الكشّاف: الأسباط: حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثنى عشر، وقد نقله الرّازيّ عنه، وقرّره ولم يعارضه. وقال البخاريّ: الأسباط: قبائل بني إسرائيل، وهذا يقتضي أنّ المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل، وما أنزل اللّه تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم، كما قال موسى لهم: {اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} [المائدة: 20] وقال تعالى: {وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطًا أممًا} [الأعراف: 160] وقال القرطبيّ: وسمّوا الأسباط من السّبط، وهو التّتابع، فهم جماعةٌ متتابعون. وقيل: أصله من السّبط، بالتّحريك، وهو الشّجر، أي: هم في الكثرة بمنزلة الشّجر الواحدة سبطةٌ. قال الزّجّاج: ويبيّن لك هذا: ما حدّثنا محمّد بن جعفرٍ الأنباريّ، حدّثنا أبو نجيدٍ الدّقّاق، حدّثنا الأسود بن عامرٍ، حدّثنا إسرائيل عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كلّ الأنبياء من بني إسرائيل إلّا عشرةً: نوحٌ وهودٌ وصالحٌ وشعيبٌ وإبراهيم ولوطٌ وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمّدٌ -عليهم الصّلاة والسّلام. قال القرطبيّ: والسّبط: الجماعة والقبيلة، الرّاجعون إلى أصلٍ واحدٍ.
وقال قتادة: أمر اللّه المؤمنين أن يؤمنوا به، ويصدقوا بكتبه كلّها وبرسله.
وقال سليمان بن حبيبٍ: إنّما أمرنا أن نؤمن بالتّوراة والإنجيل، ولا نعمل بما فيهما.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن محمّد بن مصعب الصّوريّ، حدّثنا مؤمّل، حدّثنا عبيد الله بن أبي حميدٍ، عن أبي المليح، عن معقل بن يسارٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "آمنوا بالتّوراة والزّبور والإنجيل وليسعكم القرآن"). [تفسير ابن كثير: 1/448-450]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاق فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم (137)}
فإن قال قائل: فهل للإيمان مثل هو غير الإيمان؟
قيل له: المعنى واضح بين، وتأويله: فإن أتوا بتصديق مث: ل تصديقكم ، وإيمانكم بالأنبياء، ووحّدوا كتوحيدكم، فقد اهتدوا، أي: فقد صاروا مسلمين مثلكم.
{وإن تولّوا فإنّما هم في شقاق}، أي: في مشاقة ، وعداوة، ومن هذا قول الناس: فلان قد شق عصا المسلمين، إنما هو قد فارق ما اجتمعوا عليه من اتباع إمامهم، وإنما صار في شق غير شق المسلمين.
وقوله عزّ وجلّ: {فسيكفيكهم اللّه}
هذا ضمان من اللّه عزّ وجلّ في النصر لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إنما يكفيه إياهم بإظهار ما بعثه به على كل دين سواهو، هذا كقوله: {ليظهره على الدّين كلّه}، فهذا تأويله ، واللّه أعلم.
وكذا قوله:{كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي}
فإن قال قائل : فإن من المرسل من قتل.
فإن تأويل ذلك - والله أعلم - : أن اللّه غالب هو ، ورسله بالحجة الواضحة، والآية البينة، ويجوز أن تكون غلبة الآخرة ؛ لأن الأمر هو على ما يستقر عليه في العاقبة.
وقد قيل: إن الله لم يأمر رسولاً بحرب ، فاتبع ما أمره الله به في حربه إلا غلب، فعلى هذا التأويل : يجوز أن يكون لم يقتل رسول قط محارباً). [معاني القرآن: 1/214-215]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به الآية، خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
والمعنى إن صدقوا تصديقا مثل تصديقكم، فالمماثلة وقعت بين الإيمانين، هذا قول بعض المتأولين، وقيل الباء زائدة مؤكدة، والتقدير آمنوا مثل، والضمير في به عائد كالضمير في له، فكأن الكلام فإن آمنوا بالله مثل ما آمنتم به، ويظهر عود الضمير على ما، وقيل «مثل» زائدة كما هي في قوله ليس كمثله شيءٌ [الشورى: 11]، وقالت فرقة: هذا من مجاز الكلام، تقول هذا أمر لا يفعله مثلك أي لا تفعله أنت، فالمعنى فإن آمنوا بالذي آمنتم به، هذا قول ابن عباس، وقد حكاه عنه الطبري قراءة، ثم أسند إليه أنه قال: «لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، فإنه لا مثل لله تعالى، ولكن قولوا فإن آمنوا بالذي آمنتم أو بما آمنتم به».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا على جهة التفسير، أي هكذا فليتأول، وحكاهما أبو عمرو الداني قراءتين عن ابن عباس فالله أعلم.
وقوله تعالى: وإن تولّوا أي أعرضوا، يعني به اليهود والنصارى، والشقاق المشاقة والمحادة والمخالفة، أي في شقاق لك هم في شق وأنت في شق، وقيل: شاق معناه شق كل واحد وصل ما بينه وبين صاحبه، ثم وعده تعالى أنه سيكفيه إياهم ويغلبه عليهم، فكان ذلك في قتل بني قينقاع وبني قريظة وإجلاء النضير.
وهذا الوعد وانتجازه من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والسّميع لقول كل قائل، العليم بما يجب أن ينفذ في عباده). [المحرر الوجيز: 1/361-362]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم (137) صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون (138)}
يقول تعالى: {فإن آمنوا} أي: الكفّار من أهل الكتاب وغيرهم {بمثل ما آمنتم به} أيّها المؤمنون، من الإيمان بجميع كتب اللّه ورسله، ولم يفرّقوا بين أحدٍ منهم {فقد اهتدوا} أي: فقد أصابوا الحقّ، وأرشدوا إليه {وإن تولّوا} أي: عن الحقّ إلى الباطل، بعد قيام الحجّة عليهم {فإنّما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم اللّه} أي: فسينصرك عليهم ويظفرك بهم {وهو السّميع العليم}
وقال ابن أبي حاتمٍ: قرئ على يونس بن عبد الأعلى حدّثنا ابن وهبٍ، حدّثنا زياد بن يونس، حدّثنا نافع بن أبي نعيم، قال: أرسل إليّ بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفّان ليصلحه. قال زيادٌ: فقلت له: إنّ النّاس يقولون: إنّ مصحفه كان في حجره حين قتل، فوقع الدّم على {فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم} فقال نافعٌ: بصرت عيني بالدّم على هذه الآية وقد قدم). [تفسير ابن كثير: 1/450]

تفسير قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغة ونحن له عابدون}
يجوز أن تكون{صبغة}منصوبة على قوله: {بل نتبع ملة إبراهيم}، أي: بل نتبع صبغة اللّه، ويجوز أن يكون نصبها على: بل نكون أهل صبغة الله، كما قلنا في ملة إبراهيم، ويجوز أن ترفع الصبغة على إضمار هي، كأنهم قالوا: هي صبغة اللّه ، أي: هي ملة إبراهيم : صبغة الله.
وقيل: إنما ذكرت الصبغة ؛ لأنّ قوماً من النصارى؟، كانوا يصبغون أولادهم في ماء لهم، ويقولون هذا تطهير كما أن الختان تطهير لكم؛ فقيل لهم: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغة}، أي: التطهير الذي أمر به مبالغ في النظافة.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - صبغة الله، أي: خلقة اللّه جلّ وعزّ الخلق، فيكون المعنى:. أن اللّه ابتدأ الخلق على الإسلام، ويكون دليل هذا القول قول الله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ ربّكمن بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى}
وجاء في الحديث: أنهم أخرجهم كالذر، ودليل هذا التأويل أيضا قوله عزّ وجلّ: {فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليه}، ويجوز أن يكون منه الخبر: ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه ))، وصبغت الثوب ؛ إنما هو غيرت لونه، وخلقته). [معاني القرآن: 1/215-216]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وصبغة اللّه شريعته وسنته وفطرته، قال كثير من المفسرين: وذلك أن النصارى لهم ماء يصبغون فيه أولادهم، فهذا ينظر إلى ذلك: وقيل: سمي الدين صبغة استعارة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر الصبغ في الثوب وغيره، ونصب الصبغة على الإغراء، وقيل بدل من ملة، وقيل نصب على المصدر المؤكد لأن ما قبله من قوله فقد اهتدوا هو في معنى يلبسون أو يتجللون صبغة الله، وقيل: التقدير ونحن له مسلمون صبغة الله، فهي متصلة بالآية المتقدمة، وقال الطبري من قرأ برفع «ملة» قرأ برفع «صبغة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد ذكرتها عن الأعرج وابن أبي عبلة. ونحن له عابدون ابتداء وخبر). [المحرر الوجيز: 1/362]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {صبغة اللّه} قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: دين اللّه وكذا روي عن مجاهدٍ، وأبي العالية، وعكرمة، وإبراهيم، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، وعبد اللّه بن كثيرٍ، وعطيّة العوفيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، نحو ذلك.
وانتصاب {صبغة اللّه} إمّا على الإغراء كقوله {فطرت اللّه} [الرّوم: 30] أي: الزموا ذلك عليكموه. وقال بعضهم: بدلٌ من قوله: {ملّة إبراهيم} وقال سيبويه: هو مصدرٌ مؤكّدٌ انتصب عن قوله: {آمنّا باللّه} كقوله {واعبدوا اللّه} [النّساء: 36].
وقد ورد في حديثٍ رواه ابن أبي حاتمٍ وابن مردويه، من رواية أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ أنّ نبيّ اللّه قال: "إنّ بني إسرائيل قالوا: يا موسى، هل يصبغ ربّك؟ فقال: اتّقوا اللّه. فناداه ربّه: يا موسى، سألوك هل يصبغ ربّك؟ فقل: نعم، أنا أصبغ الألوان: الأحمر والأبيض والأسود، والألوان كلّها من صبغي". وأنزل اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً}.
كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعًا، وهو في رواية ابن أبي حاتمٍ موقوفٌ، وهو أشبه، إن صحّ إسناده، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1/450]


* للاستزادة ينظر: هنا