الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (139) إلى الآية (141) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

5283

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم العاشر

تفسير سورة البقرة [من الآية (139) إلى الآية (141) ]
1 Sep 2014
1 Sep 2014

1 Sep 2014

5283

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}



تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون}

في {أتحاجّوننا في الله}: لغات، فأجودها: {أتحاجوننا} بنونين ، وإن شئت بنون واحدة {أتحاجونّا} على إدغام الأولى في الثانية ، وهذا وجه جيد، ومنهم من إذا أدغم أشار إلى الفتح كما قراوا: {ما لك لا تأمنّا على يوسف} على الإدغام والإشارة إلى الضم، وإن شئت حذفت إحدى النونين ، فقلت:{أتحاجون}، فحذف لاجتماع النونين ، قال الشاعر:

تراه كالثغام يعلّ مسكاً= يسوء الغانيات إذا فليني

يريد : فلينني، ورأيت مذهب المازني ، وغيره ردّ هذه القراءة، وكذلك ردّوا {فبم تبشرون}، قال أبو إسحاق: والأقدام على رد هذه القراءة غلط ؛ لأن نافعاً رحمه الله قرأ بها، وأخبرني إسماعيل بن إسحاق أنّ نافعاً رحمه اللّه لم يقرأ بحرف إلا وأقل، ما قرأ به إثنان من قراء المدينة، وله وجه في العربية فلا ينبغي أن يرد، ولكن " الفتح " في قوله{فبم تبشرون}:أقوى في العربية.

ومعنى قوله: {قل أتحاجّوننا في الله}: أن الله عزّ وجلّ أمر المسلمين أن يقولوا لليهود الذين ظاهروا من لا يوحد اللّه عزّ وجلّ من النصارى وعبدة الأوثان، فأمر الله أن يحتج عليهم بأنكم تزعمون أنكم موحدون، ونحن نوحّد ، فلم ظاهرتم من لا يوحّد الله جلّ وعزّ:{وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم}: ثم أعلموهم : أنهم مخلصون، وإخلاصهم إيمانهم بأن الله عزّ وجلّ واحد، وتصديقهم جميع رسله، فاعلموا أنهم مخلصون، دون من خالفهم). [معاني القرآن: 1/216-217 ]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (139) أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل أأنتم أعلم أم اللّه ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (140) تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عمّا كانوا يعملون (141)
معنى الآية: قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذين زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه، وادعوا أنهم أولى بالله منكم لقدم أديانهم وكتبهم: أتحاجّوننا في اللّه؟ أي أتجاذبوننا الحجة على دعواكم، والرب تعالى واحد وكل مجازى بعمله، فأي تأثير لقدم الدين؟، ثم وبخوا بقوله ونحن له مخلصون أي ولم تخلصوا أنتم، فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم؟.
وقرأ ابن محيصن «أتحاجونا» بإدغام النون في النون، وخف الجمع بين ساكنين لأن الأول حرف مد ولين، فالمد كالحركة، ومن هذا الباب دابة وشابة، وفي اللّه معناه في دينه والقرب منه والحظوة لديه). [المحرر الوجيز: 1/362-363]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (139) أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودًا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم اللّه ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون (140) تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (141)}
يقول اللّه تعالى مرشدًا نبيّه صلوات اللّه وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين: {قل أتحاجّوننا في اللّه} أي: أتناظروننا في توحيد اللّه والإخلاص له والانقياد، واتّباع أوامره وترك زواجره {وهو ربّنا وربّكم} المتصرّف فينا وفيكم، المستحقّ لإخلاص الإلهيّة له وحده لا شريك له! {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} أي: نحن برآء منكم، وأنتم برآء منّا، كما قال في الآية الأخرى: {وإن كذّبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ممّا أعمل وأنا بريءٌ ممّا تعملون} [يونس: 41] وقال تعالى: {فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد} [آل عمران: 20] وقال تعالى إخبارًا عن إبراهيم {وحاجّه قومه قال أتحاجّونّي في اللّه وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربّي شيئًا وسع ربّي كلّ شيءٍ علمًا أفلا تتذكّرون} [الأنعام: 80] وقال {ألم تر إلى الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه} الآية [البقرة: 258].
وقال في هذه الآية الكريمة: {[ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم] ونحن له مخلصون} أي: نحن برآء منكم كما أنتم برآء منّا، ونحن له مخلصون، أي في العبادة والتّوجّه). [تفسير ابن كثير: 1/451]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم اللّه ومن أظلم ممّن كتم شهادة عنده من اللّه وما اللّه بغافل عمّا تعملون (140)}

كأنّهم قالوا لهم: بأيّ الحجتين تتعلّقون في أمرنا؟، أبالتوحيد ، فنحن موحدون، أم باتباع دين الأنبياء ، فنحن متبعون؟.

وقوله عزّ وجلّ: {قل أأنتم أعلم أم الله}

تأويله: أن النبي الذي أتانا بالآيات المعجزات ، وأتاكم بها أعلمكم، وأعلمنا أن الإسلام دين هؤلاء الأنبياء.

والأسباط: هم الذين من ذرية الأنبياء، والأسباط اثنا عشر سبطا ً، وهم ولد يعقوب عليه السلام، ومعنى السبط في اللغة: الجماعة الذين يرجعون إلى أب واحد، والسبط في اللغة الشجرة، فالسبط، الذين هم من شجرة واحدة.

وقوله:{ومن أظلم ممّن كتم شهادة عنده من الله}

يعني بهم: هؤلاء الذين هم علماء اليهود؛ لأنهم قد علموا أن رسالة النبي حق، وإنما كفروا حسداً، كما قال الله عزّ وجلّ، وطلباً لدوام رياستهم ، وكسبهم؛ لأنهم كانوا يتكسبون بإقامتهم على دينهم، فقيل: ومن أظلم ممن كتم أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا أحد أظلم منه ، وقوله: {وما اللّه بغافل عمّا تعملون}.

يعني: من كتمانكم ما علمته من صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن: 1/218]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: أم تقولون عطف على ألف الاستفهام المتقدمة، وهذه القراءة بالتاء من فوق قرأها ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم «أم يقولون» بالياء من أسفل، وأم على هذه القراءة مقطوعة، ذكره الطبري، وحكي عن بعض النحاة أنها ليست بمقطوعة لأنك إذا قلت أتقوم أم يقوم عمرو؟ فالمعنى أيكون هذا أم هذا؟.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا المثال غير جيد، لأن القائل فيه واحد والمخاطب واحد، والقول في الآية من اثنين والمخاطب اثنان غيران، وإنما تتجه معادلة أم للألف على الحكم المعنوي كأن معنى قل أتحاجّوننا أي أيحاجون يا محمد أم يقولون، وقيل إن أم في هذا الموضع غير معادلة على القراءتين، وحجة ذلك اختلاف معنى الآيتين وإنهما ليسا قسمين، بل المحاجة موجودة في دعواهم الأنبياء عليهم السلام، ووقفهم تعالى على موضع الانقطاع في الحجة، لأنهم إن قالوا إن الأنبياء المذكورين على اليهودية والنصرانية كذبوا، لأنه قد علم أن هذين الدينين حدثا بعدهم، وإن قالوا لم يكونوا على اليهودية والنصرانية قيل لهم فهلموا إلى دينهم إذ تقرون بالحق.
وقوله تعالى: قل أأنتم أعلم أم اللّه تقرير على فساد دعواهم إذ لا جواب لمفطور إلا أن الله تعالى أعلم، ومن أظلم لفظه الاستفهام والمعنى لا أحد أظلم منهم، وإياهم أراد تعالى بكتمان الشهادة.
واختلف في الشهادة هنا ما هي؟ فقال مجاهد والحسن والربيع: هي ما في كتبهم من أن الأنبياء على الحنيفية لا على ما ادعوا هم، وقال قتادة وابن زيد: هي ما عندهم من الأمر بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه، والأول أشبه بسياق معنى الآية، واستودعهم الله تعالى هذه الشهادة ولذلك قال: من اللّه، ف من على هذا متعلقة ب عنده، كأن المعنى شهادة تحصلت له من الله، ويحتمل أن تتعلق من ب كتم، أي كتمها من الله.
وقوله تعالى: وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون، وعيد وإعلام أنه لا يترك أمرهم سدى، وأن أعمالهم تحصل ويجازون عليها، والغافل الذي لا يفطن للأمور إهمالا منه، مأخوذ من الأرض الغفل، وهي التي لا معلم بها). [المحرر الوجيز: 1/363-364]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ أنكر تعالى عليهم، في دعواهم أنّ إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملّتهم، إمّا اليهوديّة وإمّا النّصرانيّة فقال: {قل أأنتم أعلم أم اللّه} يعني: بل اللّه أعلم، وقد أخبر أنّهم لم يكونوا هودًا ولا نصارى، كما قال تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين} الآية والتي بعدها [آل عمران: 67،68].
وقوله: {ومن أظلم ممّن كتم شهادةً عنده من اللّه} قال الحسن البصريّ: كانوا يقرؤون في كتاب اللّه الذي أتاهم: إنّ الدّين [عند اللّه] الإسلام، وإنّ محمّدًا رسول اللّه، وإنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا برآء من اليهوديّة والنّصرانيّة، فشهد اللّه بذلك، وأقرّوا به على أنفسهم للّه، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك.
وقوله: {وما اللّه بغافلٍ عمّا تعملون} [فيه] تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ، أي: [أنّ] علمه محيطٌ بعملكم، وسيجزيكم عليه). [تفسير ابن كثير: 1/451-452]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)}

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون (141)}المعنى: لها ثواب ما كسبت، ولكم ثواب ما كسبتم). [معاني القرآن: 1/218]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: تلك أمّةٌ الآية، كررها عن قرب لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف، أي إذا كان أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بكسبهم فأنتم أحرى، فوجب التأكيد، فلذلك كررها، ولترداد ذكرهم أيضا في معنى غير الأول). [المحرر الوجيز: 1/364-365]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {تلك أمّةٌ قد خلت} أي: قد مضت {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} أي: لهم أعمالهم ولكم أعمالكم {ولا تسألون عمّا كانوا يعملون} وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم، من غير متابعةٍ منكم لهم، ولا تغترّوا بمجرّد النّسبة إليهم حتّى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر اللّه واتّباع رسله، الّذين بعثوا مبشّرين ومنذرين، فإنّه من كفر بنبيٍّ واحدٍ فقد كفر بسائر الرّسل، ولا سيّما من كفر بسيّد الأنبياء، وخاتم المرسلين ورسول ربّ العالمين إلى جميع الإنس والجنّ من سائر المكلّفين، صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء اللّه أجمعين). [تفسير ابن كثير: 1/452]


* للاستزادة ينظر: هنا