الدروس
course cover
تفسير سورة البقرة [من الآية (200) إلى الآية (203) ]
17 Sep 2014
17 Sep 2014

7594

0

0

course cover
تفسير سورة البقرة

القسم الرابع عشر

تفسير سورة البقرة [من الآية (200) إلى الآية (203) ]
17 Sep 2014
17 Sep 2014

17 Sep 2014

7594

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}




تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكرا فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاق}أي: متعبداتكم التي أمرتم بها في الحج.
{فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم}.
وكانت العرب إذا قضت مناسكها، وقفت بين المسجد بمنى وبين الجبل فتعدد فضائل آبائها وتذكر محاسن أيامها، فأمرهم اللّه أن يجعلوا ذلك الذكر له، وأن يزيدوا على ذلك الذكر فيذكروا اللّه بتوحيده وتعديد نعمه، لأنه إن كانت لآبائهم نعم فهي من اللّه عزّ وجلّ، وهو المشكور عليها.
وقوله عزّ وجلّ: {أو أشدّ ذكرا}.
{أشدّ} في موضع خفض ولكنه لا يتصرف لأنه على مثال أفعل، وهو صفته، وإن شئت كان نصبا على واذكروه أشد ذكرا.
و{ذكرا} منصوب على التميز.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا}.
{آتنا} وقف لأنه دعاء، ومعناه: أعطنا في الدنيا، وهؤلاء مشركو العرب كانوا يسألون التوسعة عليهم في الدنيا ولا يسألون حظا من الآخرة لأنهم كانوا غير مؤمنين بالآخرة.
وقوله عزّ وجلّ: {وما له في الآخرة من خلاق}.
يعني هؤلاء، والخلاق النصيب الوافر من الخير). [معاني القرآن: 1/273-274]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم الآية، قال مجاهد: «المناسك الذبائح وهراقة الدماء»، والمناسك عندي العبادات في معالم الحج ومواضع النسك فيه، والمعنى إذا فرغتم من حجكم الذي هو الوقوف بعرفة فاذكروا الله بمحامده وأثنوا عليه بآلائه عندكم، وخص هذا الوقت بالقضاء لما يقضي الناس فيه مناسكهم في حين واحد، وما قبل وما بعد فهو على الافتراق: هذا في طواف وهذا في رمي وهذا في حلاق وغير ذلك، وكانت عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة فتتفاخر بالآباء وتذكر أيام أسلافها من بسالة وكرم وغير ذلك، فنزلت الآية ليلزموا أنفسهم ذكر الله تعالى أكثر من التزامهم ذكر آبائهم بأيام الجاهلية، هذا قول جمهور المفسرين.
وقال ابن عباس وعطاء: معنى الآية اذكروا الله كذكر الأطفال آباءهم وأمهاتهم، أي فاستغيثوا به والجؤوا إليه كما كنتم تفعلون في حال صغركم بآبائكم.
وقالت طائفة: معنى الآية اذكروا الله وعظموه وذبوا عن حرمه، وادفعوا من أراد الشرك والنقص في دينه ومشاعره، كما تذكرون آباءكم بالخير إذا غض أحد منهم وتحمون جوانبهم وتذبون عنهم، وقرأ محمد ابن كعب القرظي «كذكركم آباؤكم» أي اهتبلوا بذكره كما يهتبل المرء بذكر ابنه، فالمصدر على هذه القراءة مضاف إلى المفعول، وأشدّ في موضع خفض عطفا على «ذكركم» ويجوز أن يكون في موضع نصب، التقدير أو اذكروه أشد ذكرا.
وقوله تعالى: فمن النّاس من يقول الآية، قال أبو وائل والسدي وابن زيد: كانت عادتهم في الجاهلية أن يدعوا في مصالح الدنيا فقط إذ كانوا لا يعرفون الآخرة، فنهوا عن ذلك الدعاء المخصوص بأمر الدنيا، وجاء النهي في صيغة الخبر عنهم، والخلاق: النصيب والحظ، ومن زائدة لأنها بعد النفي، فهي مستغرقة لجنس الحظوظ). [المحرر الوجيز: 1/491-492]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكرًا فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ (200) ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار (201) أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب (202)}
يأمر تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها.
وقوله: {كذكركم آباءكم} اختلفوا في معناه، فقال ابن جريج، عن عطاءٍ: هو كقول الصّبيّ: "أبه أمّه"، يعني: كما يلهج الصّبيّ بذكر أبيه وأمّه، فكذلك أنتم، فالهجوا بذكر اللّه بعد قضاء النّسك. وكذا قال الضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ. وروى ابن جريرٍ من طريق العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ -نحوه.
وقال سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ [قال]: كان أهل الجاهليّة يقفون في الموسم فيقول الرّجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحمالات [ويحمل الدّيات]. ليس لهم ذكرٌ غير فعال آبائهم. فأنزل اللّه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكرًا}
قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن أنس بن مالكٍ، وأبي وائلٍ، وعطاء بن أبي رباحٍ في أحد قوليه، وسعيد بن جبير، وعكرمة في إحدى رواياته، ومجاهدٍ، والسّدّيّ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والحسن، وقتادة، ومحمّد بن كعبٍ، ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك. وهكذا حكاه ابن جريرٍ أيضًا عن جماعةٍ، واللّه أعلم.
والمقصود منه الحثّ على كثرة الذّكر للّه عزّ وجلّ؛ ولهذا كان انتصاب قوله: {أو أشدّ ذكرًا} على التّمييز، تقديره كذكركم آباءكم أو أشدّ منه ذكرًا. و"أو" هاهنا لتحقيق المماثلة في الخبر، كقوله: {فهي كالحجارة أو أشدّ قسوةً} [البقرة: 74]، وقوله: {يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً} [النساء: 77]، {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون} [الصّافّات: 147]، {فكان قاب قوسين أو أدنى} [النّجم: 9]. فليست هاهنا للشّكّ قطعًا، وإنّما هي لتحقيق الخبر عنه بأنّه كذلك أو أزيد منه. ثمّ إنّه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره، فإنّه مظنّة الإجابة، وذمّ من لا يسأله إلّا في أمر دنياه، وهو معرضٌ عن أخراه، فقال: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ} أي: من نصيب ولا حظٍّ. وتضمّن هذا الذّمّ التّنفير عن التّشبّه بمن هو كذلك. قال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: كان قومٌ من الأعراب يجيئون إلى الموقف، فيقولون: اللّهمّ اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولادٍ حسنٍ. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل اللّه فيهم: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ} وكان يجيء بعدهم آخرون [من المؤمنين] فيقولون: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار} ). [تفسير ابن كثير: 1/557-558]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار}
هؤلاء المؤمنون يسألون الحظ في الدنيا والآخرة.
والأصل في " قنا " او قينا - ولكن الواو سقطت كما سقطت من يقي، لأن الأصل " يوقي " فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، وسقطت ألف الوصل للاستغناء عنها لأنها اجتلبت لسكون الواو، فإذا أسقطت الواو فلا حاجة بالمتكلم إليها، وسقطت الياء للوقف - وللجزم في قول الكوفيين - والمعنى أجعلنا موقين من عذاب النار). [معاني القرآن: 1/274-275]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال قتادة: «حسنة الدنيا العافية في الصحة وكفاف المال».
وقال الحسن بن أبي الحسن: «حسنة الدنيا العلم والعبادة».
وقال السدي: «حسنة الدنيا المال»، وقيل: حسنة الدنيا المرأة الحسناء، واللفظة تقتضي هذا كله وجميع محابّ الدنيا، وحسنة الآخرة الجنة بإجماع، وقنا عذاب النّار دعاء في أن لا يكون المرء ممن يدخلها بمعاصيه وتخرجه الشفاعة، ويحتمل أن يكون دعاء مؤكدا لطلب دخول الجنة، لتكون الرغبة في معنى النجاة والفوز من الطرفين، كما قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: «أنا إنما أقول في دعائي اللهم أدخلني الجنة وعافني من النار، ولا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ»، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حولها ندندن»). [المحرر الوجيز: 1/492-493]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: كان قومٌ من الأعراب يجيئون إلى الموقف، فيقولون: اللّهمّ اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولادٍ حسنٍ. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل اللّه فيهم: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ} وكان يجيء بعدهم آخرون [من المؤمنين] فيقولون: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار} فأنزل اللّه: {أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب} ولهذا مدح من يسأله للدّنيا والأخرى، فقال: {ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار} فجمعت هذه الدعوة كلّ خيرٍ في الدّنيا، وصرفت كلّ شرٍّ فإنّ الحسنة في الدّنيا تشمل كلّ مطلوبٍ دنيويٍّ، من عافيةٍ، ودارٍ رحبةٍ، وزوجةٍ حسنةٍ، ورزقٍ واسعٍ، وعلمٍ نافعٍ، وعملٍ صالحٍ، ومركبٍ هنيءٍ، وثناءٍ جميلٍ، إلى غير ذلك ممّا اشتملت عليه عبارات المفسّرين، ولا منافاة بينها، فإنّها كلّها مندرجةٌ في الحسنة في الدّنيا. وأمّا الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنّة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحٍة، وأمّا النّجاة من النّار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدّنيا، من اجتناب المحارم والآثام وترك الشّبهات والحرام.
وقال القاسم بن عبد الرّحمن: من أعطي قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وجسدًا صابرًا، فقد أوتي في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، ووقي عذاب النّار.
ولهذا وردت السّنّة بالتّرغيب في هذا الدّعاء. فقال البخاريّ: حدّثنا أبو معمرٍ، حدّثنا عبد الوارث، عن عبد العزيز، عن أنس بن مالكٍ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "اللّهم ربّنا، آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنسٍ قال: كان أكثر دعوةٍ يدعو بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [يقول]: "اللّهمّ ربّنا، آتنا في الدّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار".
[وكان أنسٌ إذا أراد أن يدعو بدعوةٍ دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاءٍ دعا بها فيه].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا عبد السّلام بن شدّادٍ -يعني أبا طالوت -قال: كنت عند أنس بن مالكٍ، فقال له ثابتٌ: إنّ إخوانك يحبّون أن تدعو لهم. فقال: اللّهمّ آتنا في الدّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النّار. وتحدّثوا ساعةً حتّى إذا أرادوا القيام، قال: يا أبا حمزة، إنّ إخوانك يريدون القيام فادع لهم فقال: تريدون أن أشقق لكم الأمور، إذا آتاكم اللّه في الدّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، ووقاكم عذاب النّار فقد آتاكم الخير كلّه.
وقال أحمد أيضًا: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، عن حميدٍ، [وعبد اللّه بن بكرٍ السّهميّ، حدّثنا حميدٌ] عن أنسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عاد رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هل تدعو اللّه بشيءٍ أو تسأله إيّاه؟ " قال: نعم، كنت أقول: اللّهمّ ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدّنيا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "سبحان اللّه! لا تطيقه -أو لا تستطيعه -فهلّا قلت: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار} ". قال: فدعا اللّه، فشفاه.
انفرد بإخراجه مسلمٌ، فرواه من حديث ابن أبي عديٍّ -به.
وقال الإمام الشّافعيّ: أخبرنا سعيد بن سالمٍ القدّاح، عن ابن جريجٍ، عن يحيى بن عبيدٍ -مولى السّائب -عن أبيه، عن عبد اللّه بن السّائب: أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول فيما بين الرّكن اليمانيّ والرّكن الأسود: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار}. ورواه الثّوريّ عن ابن جريجٍ كذلك.
وروى ابن ماجه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحو ذلك. وفي سنده ضعفٌ واللّه أعلم.
وقال ابن مردويه: حدّثنا عبد الباقي، أخبرنا أحمد بن القاسم بن مساورٍ، حدّثنا سعيد بن سليمان، عن إبراهيم بن سليمان، عن عبد اللّه بن هرمز، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما مررت على الرّكن إلّا رأيت عليه ملكًا يقول: آمين. فإذا مررتم عليه فقولوا: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار} ). [تفسير ابن كثير: 1/558-559]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك لهم نصيب ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب} أي: دعاؤهم مستجاب لأن كسبهم ههنا الذي ذكر هو الدعاء وقد ضمن اللّه الإجابة لدعاء من دعاه إذا كان مؤمنا، لأنه قد أعلمنا أنه يضل أعمال الكافرين، ويحبطها، ودعاؤهم من أعمالهم.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه سريع الحساب}المعنى: أنه قد علم ما للمحاسب وما عليه قبل توقيفه على حسابه، فالفائدة في الحساب علم حقيقته - وقد قيل في بعض التفسير - إن حساب العبد أسرع من لمح البصر - واللّه أعلم).[معاني القرآن: 1/275]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا الآية، وعد على كسب الأعمال الصالحة في صيغة الإخبار المجرد، والرب تعالى سريع الحساب لأنه لا يحتاج إلى عقد ولا إلى إعمال فكر، وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله الخلائق في يوم؟ فقال «كما يرزقهم في يوم»، وقيل: الحساب هنا المجازاة، كأن المجازي يعد أجزاء العمل ثم يجازي بمثلها، وقيل معنى الآية سريع مجيء يوم الحساب، فالمقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة). [المحرر الوجيز: 1/493]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: كان قومٌ من الأعراب يجيئون إلى الموقف، فيقولون: اللّهمّ اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولادٍ حسنٍ. لا يذكرون من أمر الآخرة شيئًا، فأنزل اللّه فيهم: {فمن النّاس من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا وما له في الآخرة من خلاقٍ} وكان يجيء بعدهم آخرون [من المؤمنين] فيقولون: {ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار} فأنزل اللّه: {أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب} ولهذا مدح من يسأله للدّنيا والأخرى، فقال: {ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار} ). [تفسير ابن كثير: 1/558] (م)
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال الحاكم في مستدركه: أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، حدّثنا محمّد بن عبد السّلام، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا جريرٌ، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبيرٍ قال: جاء رجل إلى ابن عبّاسٍ فقال: إنّي أجّرت نفسي من قومٍ على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحجّ معهم، أفيجزي ذلك؟ فقال: أنت من الّذين قال اللّه [فيهم]: {أولئك لهم نصيبٌ ممّا كسبوا واللّه سريع الحساب} ثمّ قال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرجاه). [تفسير ابن كثير: 1/560]

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واذكروا اللّه في أيّام معدودات فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تحشرون}
قالوا: هي أيام التشريق، {معدودات} يستعمل كثيرا في اللغة للشيء القليل - وكل عدد قل أو كثر فهو معدود، ولكن معدودات أدل على القلة، لأن كل قليل يجمع بالألف والتاء، نحو دريهمات وجماعات.
وقد يجوز وهو حسن كثير أن تقع الألف والتاء للكثير، وقد ذكر أنه عيب على القائل:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فقيل له لم قلّلت الجفنات ولم تقل: الجفان.
وهذا الخبر - عندي - مصنوع لأن الألف والتاء قد تأتي للكثرة - قال اللّه عزّ وجلّ:
{إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات}.
وقال: {في جنات}، وقال {في الغرفات آمنون}، فالمسلمون ليسوا في جنات قليلة، ولكن إذا خص القليل في الجمع بالألف والتاء، فالألف والتاء أدل عليه، لأنه يلي التثنية، تقول: حمام، وحمامان وحمامات، فتؤدى بتاء الواحد، فهذا أدل على القليل، وجائز حسن أن يراد به الكثير، ويدل المعنى المشاهد على الإرادة، كما أن قولك جمع يدل على القليل والكثير.
وقوله عزّ وجلّ: {فمن تعجّل في يومين}أي: من نفر في يومين.
{فلا إثم عليه لمن اتّقى} قيل: لمن اتقى قتل الصيد، وقالوا: لمن اتقى التفريط في كل حدود الحج.
فموسع عليه في التعجل في نفره). [معاني القرآن: 1/275-276]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأمر الله تعالى عباده بذكره في الأيام المعدودات، وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر، وهي أيام التشريق، وليس يوم النحر من المعدودات، ودل على ذلك إجماع الناس على أنه لا ينفر أحد يوم القر وهو ثاني يوم النحر، فإن يوم النحر من المعلومات، ولو كان يوم النحر في المعدودات لساغ أن ينفر من شاء متعجلا يوم القر، لأنه قد أخذ يومين من المعدودات، وحكى مكي والمهدوي عن ابن عباس أنه قال: «المعدودات هي أيام العشر»، وهذا إما أن يكون من تصحيف النسخة، وإما أن يريد العشر الذي بعد يوم النحر، وفي ذلك بعد، والأيام المعلومات هي يوم النحر ويومان بعده لإجماعهم على أنه لا ينحر أحد في اليوم الثالث، والذكر في المعلومات إنما هو على ما رزق الله من بهيمة الأنعام.
وقال ابن زيد: «المعلومات عشر ذي الحجة وأيام التشريق»، وفي هذا القول بعد، وجعل الله الأيام المعدودات أيام ذكر الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي أيام أكل وشرب وذكر لله».
ومن جملة الذكر التكبير في إثر الصلوات، واختلف في طرفي مدة التكبير: فقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس: يكبر من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق.
وقال ابن مسعود وأبو حنيفة: يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر.
وقال يحيى بن سعيد: يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من آخر يوم التشريق.
وقال مالك: يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وبه قال الشافعي.
وقال ابن شهاب: «يكبر من الظهر يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق».
وقال سعيد بن جبير: «يكبر من الظهر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق».
وقال الحسن بن أبي الحسن: «يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر يوم النفر الأول».
وقال أبو وائل: «يكبر من صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة الظهر يوم النحر».
ومشهور مذهب مالك أنه يكبر إثر كل صلاة ثلاث تكبيرات، وفي المذهب رواية أنه يقال بعد التكبيرات الثلاث: لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد.
وقوله تعالى: فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه، قال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد:
المعنى من نفر في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج عليه، ومن تأخر إلى الثالث فلا حرج عليه، فمعنى الآية كل ذلك مباح، وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس، فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك، ومن العلماء من رأى أن التعجل إنما أبيح لمن بعد قطره لا للمكي والقريب، إلا أن يكون له عذر، قاله مالك وغيره، ومنهم من رأى أن الناس كلهم مباح لهم ذلك، قاله عطاء وغيره.
وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وإبراهيم: معنى الآية من تعجل فقد غفر له ومن تأخر فقد غفر له، واحتجوا بقوله عليه السلام: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه»، فقوله تعالى: فلا إثم عليه نفي عام وتبرئة مطلقة، وقال مجاهد أيضا: معنى الآية من تعجل أو تأخر فلا إثم عليه إلى العام القابل، وأسند في هذا القول أثر.
وقال أبو العالية: المعنى في الآية لا إثم عليه لمن اتقى بقية عمره، والحاج مغفور له البتة.
وقال أبو صالح وغيره: معنى الآية لا إثم عليه لمن اتقى قتل الصيد وما يجب عليه تجنبه في الحج، وقال أيضا: لمن اتقى في حجه فأتى به تاما حتى كان مبرورا، واللام في قوله لمن اتّقى متعلقة إما بالغفران على بعض التأويلات، أو بارتفاع الإثم في الحج على بعضها، وقيل: بالذكر الذي دل عليه قوله واذكروا، أي الذكر لمن اتقى، ويسقط رمي الجمرة الثالثة عمن تعجل.
وقال ابن أبي زمنين: «يرميها في يوم النفر الأول حين يريد التعجل».
قال ابن المواز: «يرمي المتعجل في يومين بإحدى وعشرين حصاة، كل جمرة بسبع حصيات، فيصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأنه قد رمى جمرة العقبة بسبع يوم النحر.
قال ابن المواز: «ويسقط رمي اليوم الثالث».
وقرأ سالم بن عبد الله فلا إثم عليه بوصل الألف، ثم أمر تعالى بالتقوى وذكر بالحشر والوقوف بين يديه). [المحرر الوجيز: 1/493-496]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تحشرون (203)}
قال ابن عبّاسٍ: "الأيّام المعدودات" أيّام التّشريق، و"الأيّام المعلومات" أيّام العشر. وقال عكرمة: {واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ} يعني: التّكبير أيام التّشريق بعد الصّلوات المكتوبات: اللّه أكبر، اللّه أكبر.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا موسى بن عليٍّ، عن أبيه، قال: سمعت عقبة بن عامرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يوم عرفة ويوم النّحر وأيّام التّشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيّام أكلٍ وشربٍ".
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا هشيم، أخبرنا خالدٌ، عن أبي المليح، عن نبيشة الهذليّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أيّام التّشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكر اللّه". رواه مسلمٌ أيضًا وتقدّم حديث جبير بن مطعمٍ: "عرفة كلّها موقفٌ، وأيّام التّشريق كلّها ذبحٌ". وتقدّم [أيضًا] حديث عبد الرّحمن بن يعمر الدّيلي "وأيّام منًى ثلاثةٌ، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخّر فلا إثم عليه".
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم، قالا حدّثنا هشيم، عن عمرو بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "أيّام التّشريق أيّام طعم وذكرٍ ".
وحدّثنا خلّاد بن أسلم، حدّثنا روح، حدّثنا صالحٍ، حدّثني ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث عبد اللّه بن حذافة يطوف في منًى: "لا تصوموا هذه الأيّام، فإنّها أيّام أكلٍ وشربٍ، وذكر اللّه، عز وجل".
وحدّثنا يعقوب، حدّثنا هشيم، عن سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عبد اللّه بن حذافة، فنادى في أيّام التّشريق فقال: "إنّ هذه الأيّام أيّام أكلٍ وشربٍ وذكر اللّه، إلّا من كان عليه صوم من هدي".
زيادةٌ حسنةٌ ولكن مرسلةٌ. وبه قال هشيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عمرو بن دينارٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث بشر بن سحيمٍ، فنادى في أيّام التّشريق فقال: "إنّ هذه الأيّام أيّام أكلٍ وشربٍ وذكر اللّه".
وقال هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن عطاءٍ، عن عائشة قالت: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن صوم أيّام التّشريق، قال: "هي أيّام أكلٍ وشربٍ وذكر اللّه".
وقال محمّد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيمٍ، عن مسعود بن الحاكم الزّرقي، عن أمّه قالت: لكأنيٍّ أنظر إلى عليٍّ على بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم البيضاء، حتّى وقف على شعب الأنصار وهو يقول: "يا أيّها النّاس، إنّها ليست بأيّام صيامٍ، إنّما هي أيّام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ".
وقال مقسم عن ابن عبّاسٍ: الأيّام المعدودات: أيّام التّشريق، أربعة أيّامٍ: يوم النّحر، وثلاثة [أيّامٍ] بعده، وروي عن ابن عمر، وابن الزّبير، وأبي موسى، وعطاءٍ، ومجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد ابن جبير، وأبي مالكٍ، وإبراهيم النخعي، [ويحيى بن أبي كثيرٍ] والحسن، وقتادة، والسّدّيّ، والزّهريّ، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وعطاءٍ الخراسانيّ، ومالك بن أنسٍ، وغيرهم -مثل ذلك.
وقال عليّ بن أبي طالبٍ:هي ثلاثةٌ، يوم النّحر ويومان بعده، اذبح في أيّهنّ شئت، وأفضلها أوّلها.
والقول الأوّل هو المشهور وعليه دلّ ظاهر الآية الكريمة، حيث قال: {فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} فدلّ على ثلاثةٍ بعد النّحر.
ويتعلّق بقوله: {واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ} ذكر اللّه على الأضاحيّ، وقد تقدّم، وأنّ الرّاجح في ذلك مذهب الشّافعيّ، رحمه اللّه، وهو أنّ وقت الأضحيّة من يوم النّحر إلى آخر أيّام التّشريق. ويتعلّق به أيضًا الذّكر المؤقّت خلف الصّلوات، والمطلق في سائر الأحوال. وفي وقته أقوالٌ للعلماء، وأشهرها الذي عليه العمل أنّه من صلاة الصّبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيّام التّشريق، وهو آخر النّفر الآخر. وقد جاء فيه حديثٌ رواه الدّارقطنيّ، ولكن لا يصحّ مرفوعًا واللّه أعلم. وقد ثبت أنّ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، كان يكبّر في قبّته، فيكبّر أهل السوق بتكبيره، حتّى ترتجّ منًى تكبيرًا.
ويتعلّق بذلك أيضًا التكبير وذكر اللّه عند رمي الجمرات كلّ يومٍ من أيّام التّشريق. وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: "إنّما جعل الطّواف بالبيت، والسّعي بين الصّفا والمروة ورمي الجمار، لإقامة ذكر اللّه عزّ وجلّ".
ولمّا ذكر اللّه تعالى النّفر الأوّل والثّاني، وهو تفرّق النّاس من موسم الحجّ إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والمواقف، قال: {واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم إليه تحشرون} [أي: تجتمعون يوم القيامة]، كما قال: {وهو الّذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون} [المؤمنون: 79] ). [تفسير ابن كثير: 1/560-562]



* للاستزادة ينظر: هنا