17 Sep 2014
تفسير
قول الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا
وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ
أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
(233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي
أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
تفسير
قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا
وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ
أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
(233)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصير}
اللفظ لفظ الخبر والمعنى الأمر كما تقول: حسبك درهم فلفظه لفظ الخبر، ومعناه اكتف بدرهم، وكذلك معنى الآية لترضع الوالدات يقال أرضعت المرأة فهي مرضعة،
(قولهم) امرأة مرضع بغير هاء، معناه ذات إرضاع، فإذا أردتم اسم الفاعل على أرضعت قلت مرضعة لا غير.
ويقال: رضع المولود يرضع، ورضع يرضع، والأولى أكثر وأوضح.
ويقال: الرضاعة والرضاعة - بالفتح والكسر - والفتح أكثر الكلام وأصحه، وعليه القراءة {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}.
وروى أبو الحسن الأخفش أن بعض بني تميم تقول الرضاعة بكسر الراء،
وروى الكسر أيضا غيره، ويقال: الرّضاع والرضاع
ويقال: ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة بالفتح لا غير ههنا.
ويقال: ما حمله عليه إلا اللؤم والرضع مثل. الحلف والرضع، يقالان جميعا.
ومعنى{حولين كاملين}: أربعة وعشرون شهرا، من يوم يولد إلى يوم يفطم، وإنما قيل: {كاملين} لأن القائل يقول: قد مضى لذلك عامان وسنتان فيجيز أن السنتين قد مضتا، ويكون أن تبقى منهما بقية، إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم فإذا قال: {كاملين} لم يجز أن تنقصا شيئا،
وتقرأ (لمن أراد أن تتم الرضاعة) و {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} وهذا هو الحقّ في الرضاعة إلا أن يتراضيا - أعني الوالدين - في الفطام بدون الحولين ويشاورا في ذلك.
ومعنى{وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ} أي: على الزوج رزق المرأة المطلقة إذا أرضعت الولد وعليه الكسوة.
ومعنى {بالمعروف} أي: بما يعرفون أنه العدل على قدر الإمكان.
ومعنى {لا تكلّف نفس إلّا وسعها}أي: لا تكلف إلا قدر إمكانها.
وقوله عزّ وجلّ: {لا تضارّ والدة بولدها}قرئت على ضربين:
1- لا تضارّ والدة برفع الراء على معنى: لا تكلف نفس، على الخبر الذي فيه معنى الأمر،
2- ومن قرأ: {لا تضارّ والدة} بفتح الراء، فالموضع موضع جزم على النهي.
الأصل: لا تضارر، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء السّاكنين، وهذا الاختيار في التضعيف إذا كان قبله فتح أو ألف الاختيار عضّ يا رجل، وضارّ زيدا يا رجل، ويجوز: لا تضار والدة بالكسر، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها، وإنما جاز الكسر لالتقاء السّاكنين لأنه الأصل في تحريك أحد السّاكنين.
ومعنى{لا تضارّ والدة بولدها}: لا تترك إرضاع ولدها غيظا على أبيه فتضرّ به لأن الوالدة، أشفق على ولدها من الأجنبية.
{ولا مولود له بولده}أي: لا يأخذه من أمه للإضرار بها فيضر بولده.
{وعلى الوارث مثل ذلك}أي: عليه ترك الإضرار.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}أي: فطاما وتراضيا بذلك بعد أن تشاورا وعلما أن ذلك غير مدخل على الولد ضررا.
{فلا جناح عليهما}أي: فلا إثم عليهما في الفصال على ما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم}معناه: تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة، فلا إثم عليكم.
{فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} قيل فيه: إذا سلمتم الأمر إلى المسترضعة وقيل إذا أسلمتم ما أعطاه بعضكم لبعض من التراضي في ذلك). [معاني القرآن: 1/311-314]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: والوالدات يرضعن أولدهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة تفسير
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي
أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)} قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:
{والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا
فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما
تعملون خبير} هذا للمتوفى عنها زوجها، عليها أن تنتظر بعد وفاته إذا كانت غير ذات حمل أربعة أشهر وعشرا لا تتزوج فيهن ولا تستعمل الزينة. وقال النحويون في خبر (الذين) غير قول: 1- قال أبو الحسن الأخفش المعني يتربصن بعدهم أو بعد موتهم، 2- وقال غيره من البصريين أزواجهم يتربصن، وحذف أزواجهم لأن في الكلام دليلا عليه، وهذا إطباق البصريين وهو صواب. 3-
وقال الكوفيون: وهذا القول قول الفراء وهو مذهبه أنّ الأسماء إذا كانت
مضافة إلى شيء، وكان الاعتماد في الخبر الثاني، أخبر عن الثاني وترك "
الإخبار عن الأول، وأغنى الإخبار عن الثاني عن الإخبار عن الأول. قالوا: فالمعنى: وأزواج الذين يتوفون يتربصن. وأنشد الفراء: لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة... على ابن أبي ذبّان أن يتقدما المعنى: لعل ابن أبي ذبّان أن يتقدم إليّ مالت بي الريح ميلة عليه. وهذا
القول غير جائز. لا يجوز أن يبدأ اسم ولا يحدّث عنه لأن الكلام إنما وضع
للفائدة، فما لا يفيد فليس بصحيح، وهو أيضا من قولهم محال، لأن الاسم إنما
يرفعه اسم إذا ابتدئ مثله أو ذكر عائد عليه، فهذا على قولهم باطل، لأنه لم
يأت اسم يرفعه ولا ذكر عائد عليه. والذي
هو الحق في هذه المسألة عندي أن ذكر (الذين) قد جرى ابتداء وذكر الأزواج
قد جرى متصلا بصلة الذين، فصار الضمير الذي في (يتربّصن) يعود على الأزواج
مضافات إلى الّذين.. كأنك قلت: يتربّص أزواجهم، ومثل هذا من الكلام قولك
الذي يموت ويخلف ابنتين ترثان الثلثين، المعنى ترث ابنتاه الثلثين. ومعنى قوله عزّ وجلّ: {وعشرا} يدخل فيها الأيام. زعم سيبويه أنك إذا قلت " لخمس بقين " فقد علم المخاطب أن الأيام داخلة مع الليالي، وزعم غيره أن لفظ التأنيث مغلّب في هذا الباب. وحكى
الفرّاء صمنا عشرا من شهر رمضان، فالصوم إنّما يكون في الأيّام ولكن
التأنيث مغلّب في الليالي - لإجماع أهل اللغة " سرنا خمسا بين يوم وليلة " أنشد سيبوبه: فطافت ثلاثا بين يوم وليلة... يكون النكير أن تصيح وتجأرا قال
سيبوبه: هذا باب المؤنث الذي استعمل للتأنيث والتذكير، والتأنيث أصله، قال
تقول: عندي ثلاث بطات ذكور وثلاث من الإبل ذكور، قال لأنك تقول: هذه إبل،
وكذلك ثلاث من الغنم ذكور. (قال)
فإن قلت عندي ثلاثة ذكور من الإبل لم يكن إلا التّذكير، لأنك إنما ذكرت
ذكورا ثم جئت تقول من الإبل بعد أن مضى - الكلام على التذكير، وليس بين
النحويين البصريين والكوفيين خلاف في الذي ذكرنا من باب تأنيث هذه الأشياء
فإن قلت عندي خمسة بين رجل وامرأة غلبت التذكير لا غير. وقوله عزّ وجلّ: {فإذا بلغن أجلهنّ}أي: غاية هذه الأشهر والعشر. {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف}أي: لا جناح عليكم في أن تتركوهن - إذا انقضت هذه المدة – أن يتزوجن، وأن يتزين زينة لا ينكر مثلها. وهذا معنى {بالمعروف} ). [معاني القرآن: 1/314-317]
يرضعن أولادهنّ خبر،
معناه: الأمر على الوجوب لبعض الوالدات، والأمر على جهة الندب والتخيير
لبعضهن، فأما المرأة التي في العصمة فعليها الإرضاع، وهو عرف يلزم إذ قد
صار كالشرط إلا أن تكون شريفة ذات ترفه فعرفها أن لا ترضع وذلك كالشرط، فإن
مات الأب ولا مال للصبي فمذهب مالك في المدونة أن الرضاع لازم للأم، بخلاف
النفقة، وفي كتاب ابن الجلاب: رضاعه في بيت المال، وقال عبد الوهاب: هو من
فقراء المسلمين، وأما المطلقة طلاق بينونة فلا رضاع عليها، والرضاع على
الزوج إلا أن تشاء هي، فهي أحق به بأجرة المثل. هذا مع يسر الزوج، فإن كان
معدما لم يلزمها الرضاع إلا أن يكون المولود لا يقبل غيرها فتجبر حينئذ على
الإرضاع، ولها أجر مثلها في يسر الزوج، وكل ما يلزمها الإرضاع فإن أصابها
عذر يمنعها منه عاد الإرضاع على الأب. وروي عن مالك أن الأب إذا كان معدما
ولا مال للصبي فإن الرضاع على الأم، فإن كان بها عذر ولها مال فالإرضاع
عليها في مالها. وهذه الآية هي في المطلقات، قاله السدي والضحاك وغيرهما،
جعلها الله حدا عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع فمن دعا منهما إلى إكمال
الحولين فذلك له، وقال جمهور المفسرين: إن هذين الحولين لكل واحد، وروي عن
ابن عباس أنه قال: «هي في الولد الذي يمكث في البطن ستة أشهر، فإن مكث سبعة
أشهر فرضاعه ثلاثة وعشرون شهرا، فإن مكث ثمانية أشهر فرضاعه اثنان وعشرون
شهر، فإن مكث تسعة أشهر فرضاعه أحد وعشرون شهرا».
قال القاضي أبو محمد
رحمه الله: كأن هذا القول انبنى على قوله تعالى: وحمله وفصاله ثلاثون شهراً
[الأحقاف: 15]، لأن ذلك حكم على الإنسان عموما، وسمي العام حولا لاستحالة
الأمور فيه في الأغلب، ووصفهما ب كاملين إذ مما قد اعتيد تجوزا أن يقال في
حول وبعض آخر حولين، وفي يوم وبعض آخر مشيت يومين وصبرت عليك في ديني يومين
وشهرين. وقوله تعالى: لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة مبني على أن الحولين ليسا
بفرض لا يتجاوز، وقرأ السبعة «أن يتم الرضاعة» بضم الياء ونصب الرضاعة،
وقرأ مجاهد وابن محيصن وحميد والحسن وأبو رجاء «تتم الرضاعة» بفتح التاء
الأولى ورفع الرضاعة على إسناد الفعل إليها، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة
والجارود بن أبي سبرة كذلك، إلا أنهم كسروا الراء من الرضاعة، وهي لغة
كالحضارة والحضارة، وغير ذلك. وروي عن مجاهد أنه قرأ «الرضعة» على وزن
الفعلة، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «أن يكمل الرضاعة» بالياء المضمومة،
وانتزع مالك رحمه الله وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة
الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين، لأن بانقضاء الحولين تمت
الرضاعة فلا رضاعة، وروي عن قتادة أنه قال: «هذه الآية تضمنت فرض الإرضاع
على الوالدات، ثم يسر ذلك وخفف بالتخيير الذي في قوله: لمن أراد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول متداع.
قول عز وجل: وعلى
المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها لا تضارّ
والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده وعلى الوارث مثل ذلك
المولود له اسم جنس
وصنف من الرجال، والرزق في هذا الحكم الطعام الكافي، وقوله بالمعروف يجمع
حسن القدر في الطعام وجودة الأداء له وحسن الاقتضاء من المرأة، ثم بين
تعالى أن الإنفاق على قدر غنى الزوج ومنصبها بقوله: لا تكلّف نفسٌ إلّا
وسعها، وقرأ جمهور الناس: «تكلف» بضم التاء «نفس» على ما لم يسمّ فاعله،
وقرأ أبو رجاء «تكلّف» بفتح التاء بمعنى تتكلف «نفس» فاعله، وروى عنه أبو
الأشهب «لا نكلّف» بالنون «نفسا» بالنصب، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبان عن
عاصم «لا تضار والدة» بالرفع في الراء، وهو خبر معناه الأمر، ويحتمل أن
يكون الأصل «تضارر» بكسر الراء الأولى فوالدة فاعل، ويحتمل أن يكون «تضارر»
بفتح الراء الأولى فوالدة مفعول لم يسم فاعله، ويعطف مولود له على هذا
الحد في الاحتمالين، وقرأ نافع وحمزة والكسائي وعاصم لا تضارّ بفتح الراء
المشددة، وهذا على النهي، ويحتمل أصله ما ذكرنا في الأولى، ومعنى الآية في
كل قراءة: النهي عن أن تضار الوالدة زوجها المطلق بسبب ولدها، وأن يضارها
هو بسبب الولد، أو يضار الظئر، لأن لفظة نهيه تعم الظئر، وقد قال عكرمة في
قوله: لا تضارّ والدةٌ: معناه الظئر، ووجوه الضرر لا تنحصر، وكل ما ذكر
منها في التفاسير فهو مثال.
وروي عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ «لا تضارر» براءين الأولى مفتوحة. وقرأ أبو
جعفر بن القعقاع «لا تضار» بإسكان الراء وتخفيفها، وروي عنه الإسكان
والتشديد، وروي عن ابن عباس «لا تضارر» بكسر الراء الأولى.
واختلف العلماء في
معنى قوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك. فقال قتادة والسدي والحسن وعمر بن
الخطاب رضي الله عنه وغيرهم: هو وارث الصبي إن لو مات، قال بعضهم: وارثه من
الرجال خاصة يلزمه الإرضاع كما كان يلزم أبا الصبي لو كان حيا، وقاله
مجاهد وعطاء، وقال قتادة أيضا وغيره: هو وارث الصبي من كان من الرجال
والنساء، ويلزمهم إرضاعه على قدر مواريثهم منه. وحكى الطبري عن أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمد بن الحسن أنهم قالوا: الوارث الذي يلزمه إرضاع المولود هو
وليه ووارثه إذا كان ذا رحم محرم منه، فإن كان ابن عم وغيره وليس بذي رحم
محرم فلا يلزمه شيء.
قال القاضي أبو محمد
رحمه الله: وفي هذا القول تحكم، وقال قبيصة بن ذؤيب والضحاك وبشير بن نصر
قاضي عمر بن عبد العزيز: الوارث هو الصبي نفسه، أي عليه في ماله إذا ورث
أباه إرضاع نفسه، وقال سفيان رحمه الله: «الوارث هو الباقي من والدي
المولود بعد وفاة الآخر منهما» ويرى مع ذلك إن كانت الوالدة هي الباقية أن
يشاركها العاصب في إرضاع المولود على قدر حظه من الميراث. ونص هؤلاء الذين
ذكرت أقوالهم على أن المراد بقوله تعالى: مثل ذلك الرزق والكسوة، وذكر ذلك
أيضا من العلماء إبراهيم النخعي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
والشعبي والحسن وابن عباس وغيرهم. وقال مالك رحمه الله في المدونة وجميع
أصحابه والشعبي أيضا والزهري والضحاك وجماعة من العلماء: المراد بقوله مثل
ذلك أن لا يضار، وأما الرزق والكسوة فلا شيء عليه منه، وروى ابن القاسم عن
مالك أن الآية تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث ثم نسخ ذلك.
قال القاضي أبو محمد
رحمه الله: فالإجماع من الأمة في أن لا يضار الوارث، والخلاف هل عليه رزق
وكسوة أم لا؟، وقرأ يحيى بن يعمر «وعلى الورثة مثل ذلك» بالجمع.
قوله عز وجل: فإن
أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتم أن
تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا
اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ (233)
الضمير في أرادا
للوالدين، وفصالًا معناه «فطاما» عن الرضاع، ولا يقع التشاور ولا يجوز
التراضي إلا بما لا ضرر فيه على المولود، فإذا ظهر من حاله الاستغناء عن
اللبن قبل تمام الحولين فلا جناح على الأبوين في فصله، هذا معنى الآية،
وقاله مجاهد وقتادة وابن زيد وسفيان وغيرهم، وقال ابن عباس: «لا جناح مع
التراضي في فصله قبل الحولين وبعدهما».
قال القاضي أبو محمد
رحمه الله: وتحرير القول في هذا أن فصله قبل الحولين لا يصح إلا بتراضيهما
وأن لا يكون على المولود ضرر، وأما بعد تمامهما فمن دعا إلى الفصل فذلك له
إلا أن يكون في ذلك على الصبي ضرر، وقوله تعالى: وإن أردتم أن تسترضعوا
مخاطبة لجميع الناس تجمع الآباء والأمهات، أي لهم اتخاذ الظئر مع الاتفاق
على ذلك، وأما قوله تعالى: إذا سلّمتم فمخاطبة للرجال خاصة، إلا على أحد
التأويلين في قراءة من قرأ «أتيتم»، وقرأ الستة من السبعة «آتيتم» بالمد،
المعنى أعطيتم، وقرأ ابن كثير «أتيتم» بمعنى ما جئتم وفعلتم كما قال زهير:
[الطويل].
وما كان من خير أتوه فإنما = توارثه آباء آبائهم قبل
قال أبو علي: «المعنى
إذا سلمتم ما أتيتم نقده أو إعطاءه أو سوقه، فحذف المضاف وأقيم الضمير
مقامه فكان التقدير ما أتيتموه، ثم حذف الضمير من الصلة».
قال القاضي أبو محمد
رحمه الله: ويحتمل اللفظ معنى آخر قاله قتادة، وهو إذا سلمتم ما أتيتم من
إرادة الاسترضاع، أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي وكان ذلك عن اتفاق منهما
وقصد خير وإرادة معروف من الأمر. وعلى هذا الاحتمال: فيدخل في الخطاب ب
سلّمتم الرجال والنساء، وعلى التأويل الذي ذكره أبو علي وغيره: فالخطاب
للرجال، لأنهم الذين يعطون أجر الرضاع، قال أبو علي: ويحتمل أن تكون ما
مصدرية، أي إذا سلمتم الإتيان، والمعنى كالأول، لكن يستغنى عن الصنعة من
حذف المضاف، ثم حذف الضمير، قال مجاهد: «المعنى إذا سلمتم إلى الأمهات
أجرهن بحساب ما أرضعن إلى وقت إرادة الاسترضاع»، وقال سفيان: «المعنى إذا
سلمتم إلى المسترضعة وهي الظئر أجرها بالمعروف». وباقي الآية أمر بالتقوى
وتوقيف على أن الله تعالى بصير بكل عمل، وفي هذا وعيد وتحذير، أي فهو مجاز
بحسب عملكم). [المحرر الوجيز: 1/571-577]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والوالدات
يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له
رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلا وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها
ولا مولودٌ له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراضٍ منهما
وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا
سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون
بصيرٌ (233)}
هذا إرشادٌ من اللّه
تعالى للوالدات: أن يرضعن أولادهنّ كمال الرّضاعة، وهي سنتان، فلا اعتبار
بالرّضاعة بعد ذلك؛ ولهذا قال: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} وذهب أكثر
الأئمّة إلى أنّه لا يحرّم من الرّضاعة إلّا ما كان دون الحولين، فلو ارتضع
المولود وعمره فوقهما لم يحرم.
قال التّرمذيّ: "باب
ما جاء أنّ الرّضاعة لا تحرّم إلّا في الصّغر دون الحولين": حدّثنا قتيبة،
حدّثنا أبو عوانة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أمّ سلمة
قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يحرّم من الرّضاع إلّا ما
فتق الأمعاء في الثّدي، وكان قبل الفطام". وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ،
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم وغيرهم: أنّ الرّضاعة لا تحرّم إلّا ما كان دون الحولين، وما كان بعد
الحولين الكاملين فإنّه لا يحرّم شيئًا. وفاطمة بنت المنذر بن الزّبير بن
العوّام، وهي امرأة هشام بن عروة.
قلت: تفرّد التّرمذيّ
برواية هذا الحديث، ورجاله على شرط الصّحيحين، ومعنى قوله: إلّا ما كان في
الثّدي، أي: في محلّ الرّضاعة قبل الحولين، كما جاء في الحديث، الّذي رواه
أحمد، عن وكيع وغندرٍ، عن شعبة، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ
قال: لمّا مات إبراهيم ابن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: "إن له
مرضعًا في الجنّة". وهكذا أخرجه البخاريّ من حديث شعبة وإنّما قال، عليه
السّلام، ذلك؛ لأنّ ابنه إبراهيم، عليه السّلام، مات وله سنةٌ وعشرة أشهرٍ،
فقال: "إنّ له مرضعًا في الجنّة" يعني: تكمل رضاعه، ويؤيّده ما رواه
الدّارقطنيّ، من طريق الهيثم بن جميلٍ، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن
دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "لا
يحرّم من الرّضاع إلّا ما كان في الحولين"، ثمّ قال: لم يسنده عن ابن عيينة
غير الهيثم بن جميلٍ، وهو ثقةٌ حافظٌ.
قلت: وقد رواه الإمام
مالكٌ في الموطّأ، عن ثور بن زيدٍ، عن ابن عبّاسٍ موقوفًا . ورواه
الدّراورديّ عن ثورٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ وزاد: "وما كان بعد الحولين
فليس بشيءٍ"، وهذا أصحّ.
وقال أبو داود
الطّيالسيّ، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم: "لا رضاع
بعد فصالٍ، ولا يتم بعد احتلامٍ"، وتمام الدّلالة من هذا الحديث في قوله:
{وفصاله في عامين} [لقمان: 14]. وقال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا}
[الأحقاف: 15]. والقول بأنّ الرّضاعة لا تحرم بعد الحولين مروي عن عليٍّ،
وابن عبّاسٍ، وابن مسعودٍ، وجابرٍ، وأبي هريرة، وابن عمر، وأمّ سلمة، وسعيد
بن المسيّب، وعطاءٍ، والجمهور. وهو مذهب الشّافعيّ، وأحمد، وإسحاق،
والثّوريّ، وأبي يوسف، ومحمّدٍ، ومالكٍ في روايةٍ، وعنه: أنّ مدّته سنتان
وشهران، وفي روايةٍ: وثلاثة أشهرٍ. وقال أبو حنيفة: سنتان وستّة أشهرٍ،
وقال زفر بن الهذيل: ما دام يرضع فإلى ثلاث سنين، وهذا روايةٌ عن
الأوزاعيّ. قال مالكٌ: ولو فطم الصّبيّ دون الحولين فأرضعته امرأةٌ بعد
فصاله لم يحرم؛ لأنّه قد صار بمنزلة الطّعام، وهو روايةٌ عن الأوزاعيّ، وقد
روي عن عمر وعليٍّ أنّهما قالا لا رضاع بعد فصالٍ، فيحتمل أنّهما أرادا
الحولين كقول الجمهور، سواءٌ فطم أو لم يفطم، ويحتمل أنّهما أرادا الفعل،
كقول مالكٍ، واللّه أعلم.
وقد روي في الصّحيح
عن عائشة، رضي اللّه عنها: أنّها كانت ترى رضاع الكبير يؤثّر في التّحريم،
وهو قول عطاء بن أبي رباحٍ، واللّيث بن سعدٍ، وكانت عائشة تأمر بمن تختار
أن يدخل عليها من الرّجال لبعض نسائها فترضعه، وتحتجّ في ذلك بحديث سالمٍ
مولى أبي حذيفة حيث أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم امرأة أبي حذيفة أن
ترضعه، وكان كبيرًا، فكان يدخل عليها بتلك الرّضاعة، وأبى ذلك سائر أزواج
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ورأين ذلك من الخصائص، وهو قول الجمهور.
وحجّة الجمهور -منهم الأئمّة الأربعة، والفقهاء السّبعة، والأكابر من
الصّحابة، وسائر أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سوى عائشة -ما ثبت
في الصّحيحين، عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
"انظرن من إخوانكنّ، فإنّما الرّضاعة من المجاعة". وسيأتي الكلام على مسائل
الرّضاع، وفيما يتعلّق برضاع الكبير، عند قوله تعالى: {وأمّهاتكم اللاتي
أرضعنكم} [النّساء:23]
وقوله: {وعلى المولود
له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} أي: وعلى والد الطّفل نفقة الوالدات
وكسوتهنّ بالمعروف، أي: بما جرت به عادة أمثالهنّ في بلدهنّ من غير إسرافٍ
ولا إقتارٍ، بحسب قدرته في يساره وتوسّطه وإقتاره، كما قال تعالى: {لينفق
ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه لا يكلّف اللّه
نفسًا إلا ما آتاها سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسرًا} [الطّلاق:7]. قال
الضّحّاك: إذا طلّق [الرّجل] زوّجته وله منها ولدٌ، فأرضعت له ولده، وجب
على الوالد نفقتها وكسوتها بالمعروف.
وقوله: {لا تضارّ
والدةٌ بولدها} أي: لا تدفعه عنها لتضرّ أباه بتربيته، ولكن ليس لها دفعه
إذا ولدته حتّى تسقيه اللّبأ الّذي لا يعيش بدون تناوله غالبًا، ثمّ بعد
هذا لها رفعه عنها إذا شاءت، ولكن إن كانت مضارّةً لأبيه فلا يحلّ لها ذلك،
كما لا يحلّ له انتزاعه منها لمجرّد الضّرار لها. ولهذا قال: {ولا مولودٌ
له بولده} أي: بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضرارًا بها، قاله مجاهدٌ،
وقتادة، والضّحّاك، والزّهريّ، والسّدّيّ، والثّوريّ، وابن زيد، وغيرهم.
وقوله: {وعلى الوارث
مثل ذلك} قيل: في عدم الضّرار لقريبه قاله مجاهدٌ، والشّعبيّ، والضّحّاك.
وقيل: عليه مثل ما على والد الطّفل من الإنفاق على والدة الطّفل، والقيام
بحقوقها وعدم الإضرار بها، وهو قول الجمهور. وقد استقصى ذلك ابن جريرٍ في
تفسيره. وقد استدلّ بذلك من ذهب من الحنفيّة والحنبليّة إلى وجوب نفقة
الأقارب بعضهم على بعضٍ، وهو مرويٌّ عن عمر بن الخطّاب، وجمهور السّلف،
ويرشّح ذلك بحديث الحسن، عن سمرة مرفوعًا: من ملك ذا رحمٍ محرمٍ عتق عليه.
وقد ذكر أنّ الرّضاعة
بعد الحولين ربّما ضرّت الولد إمّا في بدنه أو عقله، وقد قال سفيان
الثّوريّ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: أنّه رأى امرأةً ترضع بعد
الحولين. فقال: لا ترضعيه.
وقوله: {فإن أرادا
فصالا عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما} أي: فإن اتّفقا والدا
الطّفل على فطامه قبل الحولين، ورأيا في ذلك مصلحةً له، وتشاورا في ذلك،
وأجمعا عليه، فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤخذ منه: أنّ انفراد أحدهما بذلك
دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحدٍ منهما أن يستبدّ بذلك من غير مشاورة
الآخر، قاله الثّوريّ وغيره، وهذا فيه احتياطٌ للطّفل، وإلزامٌ للنّظر في
أمره، وهو من رحمة اللّه بعباده، حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما
وأرشدهما إلى ما يصلحه ويصلحهما كما قال في سورة الطّلاق: {فإن أرضعن لكم
فآتوهنّ أجورهنّ وأتمروا بينكم بمعروفٍ وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}
[الطّلاق:6].
وقوله: {وإن أردتم أن
تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} أي: إذا
اتّفقت الوالدة والوالد على أن يتسلّم منها الولد إمّا لعذرٍ منها، أو عذرٍ
له، فلا جناح عليهما في بذله، ولا عليه في قبوله منها إذا سلّمها أجرتها
الماضية بالّتي هي أحسن، واسترضع لولده غيرها بالأجرة بالمعروف. قاله غير
واحدٍ.
وقوله: {واتّقوا اللّه} أي: في جميع أحوالكم {واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ} أي: فلا يخفى عليه شيءٌ من أحوالكم وأقوالكم). [تفسير ابن كثير: 1/632-635]
قال بعض نحاة
الكوفيين: الخبر عن الّذين متروك والقصد الإخبار عن أزواجهم بأنهن يتربصن،
ومذهب نحاة البصرة أن خبر الّذين مترتب بالمعنى، وذلك أن الكلام إنما
تقديره يتربص أزواجهم، وإن شئت قدرته. وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن،
فجاءت العبارة في غاية الإيجاز، وإعرابها مترتب على
هذا المعنى المالك
لها المتقرر فيها، وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى: وفيما يتلى عليكم
الذين يتوفون، ولا أعرف هذا الذي حكاه لأن ذلك إنما يتجه إذا كان في الكلام
لفظ أمر بعد. مثل قوله:
والسّارق والسّارقة
فاقطعوا أيديهما [المائدة: 38]، وهذه الآية فيها معنى الأمر لا لفظه فيحتاج
مع هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر، وحسن مجيء
الآية هكذا أنها توطئة لقوله: فلا جناح عليكم، إذ القصد بالمخاطبة من أول
الآية إلى آخرها الرجال الذين منهم الحكام والنظرة، وعبارة المبرد والأخفش
ما ذكرناه، وهذه الآية هي في عدة المتوفى عنها زوجها، وظاهرها العموم
ومعناها الخصوص في الحرائر غير الحوامل ولم تعن الآية لما يشذ من مرتابة
ونحوها، وحكى المهدوي عن بعض العلماء أن الآية تناولت الحوامل ثم نسخ ذلك
بقوله: وأولات الأحمال [الطلاق: 4]، وعدة الحامل وضع حملها عند جمهور
العلماء، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما أن تمام عدتها آخر
الأجلين، والتربص الصبر والتأني بالشخص في مكان أو حال، وقد بين تعالى ذلك
بقوله: بأنفسهنّ، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: متظاهرة أن
التربص بإحداد وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه،
والتزام المبيت في مسكنها حيث كانت وقت وفاة الزوج. وهذا قول جمهور العلماء
وهو قول مالك وأصحابه. وقال ابن عباس وأبو حنيفة فيما روي عنه وغيرهما:
ليس المبيت بمراعى، تبيت حيث شاءت. وقال الحسن بن أبي الحسن: «ليس الإحداد
بشيء، إنما تتربص عن الزواج، ولها أن تتزين وتتطيب».
قال القاضي أبو محمد
رحمه الله: وهذا ضعيف. وقرأ جمهور الناس «يتوفون» بضم الياء، وقرأ علي بن
أبي طالب رضي الله عنه «يتوفون» بفتح الياء، وكذلك روى المفضل عن عاصم،
ومعناه يستوفون آجالهم، وجعل الله الأربعة الأشهر والعشر عبادة في العدة
فيها استبراء للحمل، إذا فيها تكمل الأربعون والأربعون والأربعون، حسب
الحديث الذي رواه ابن مسعود وغيره ثم ينفخ الروح، وجعل الله تعالى العشر
تكملة إذ هي مظنة لظهور الحركة بالجنين وذلك لنقص الشهور أو كمالها ولسرعة
حركة الجنين أو إبطائها، قاله سعيد بن المسيب وأبو العالية وغيرهما، وقال
تعالى: عشراً، ولم يقل عشرة تغليبا لحكم الليالي إذ الليلة أسبق من اليوم
والأيام في ضمنها، وعشر أخف في اللفظ. قال جمهور أهل العلم: ويدخل في ذلك
اليوم العاشر وهو من العدة لأن الأيام مع الليالي، وحكى منذر بن سعيد- وروي
أيضا عن الأوزاعي-: أن اليوم العاشر ليس من العدة بل انقضت بتمام عشر
ليال، قال المهدوي: «وقيل المعنى وعشر مدد كل مدة من يوم وليلة»، وروي عن
ابن عباس أنه قرأ «أربعة أشهر وعشر ليال».
قوله عز وجل: فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبيرٌ (234)
أضاف تعالى الأجل
إليهنّ إذ هو محدود مضروب في أمرهن، والمخاطبة بقوله فلا جناح عليكم عامة
لجميع الناس، والتلبس بهذا الحكم هو للحكام والأولياء اللاصقين والنساء
المعتدات، وقوله عز وجل فيما فعلن يريد به التزوج فما دونه من التزين
واطراح الإحداد. قال مجاهد وابن شهاب وغيرهما: أراد بما فعلن النكاح لمن
أحببن إذا كان معروفا غير منكر، ووجوه المنكر في هذا كثيرة، وقال بعض
المفسرين: بالمعروف معناه بالإشهاد، وقوله تعالى: واللّه بما تعملون خبيرٌ
وعيد يتضمن التحذير. وخبيرٌ اسم فاعل من خبر إذا تقصى علم الشيء). [المحرر الوجيز: 1/577-580]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين
يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا فإذا
بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما
تعملون خبيرٌ (234)}
هذا أمرٌ من اللّه
للنّساء اللّاتي يتوّفى عنهنّ أزواجهنّ: أن يعتددن أربعة أشهرٍ وعشر ليالٍ
وهذا الحكم يشمل الزّوجات المدخول بهنّ وغير المدخول بهنّ بالإجماع،
ومستنده في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة، وهذا الحديث الّذي رواه
الإمام أحمد وأهل السّنن وصحّحه التّرمذيّ: أنّ ابن مسعودٍ سئل عن رجلٍ
تزوّج امرأةً فمات ولم يدخل بها، ولم يفرض لها؟ فتردّدوا إليه مرارًا في
ذلك فقال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن اللّه، وإن يكن خطأً فمنّي
ومن الشّيطان، واللّه ورسوله بريئان منه: [أرى] لها الصّداق كاملًا. وفي
لفظٍ: لها صداق مثلها، لا وكس، ولا شطط، وعليها العدّة، ولها الميراث. فقام
معقل بن سنانٍ الأشجعيّ فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قضى
به في بروع بنت واشقٍ. ففرح عبد اللّه بذلك فرحًا شديدًا. وفي روايةٍ: فقام
رجالٌ من أشجع، فقالوا: نشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قضى به
في بروع بنت واشق.
ولا يخرج من ذلك إلّا
المتوفّى عنها زوجها، وهي حاملٌ، فإنّ عدّتها بوضع الحمل، ولو لم تمكث
بعده سوى لحظةٍ؛ لعموم قوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}
[الطّلاق: 4]. وكان ابن عبّاسٍ يرى: أن عليها أن تتربّص بأبعد الأجلين من
الوضع، أو أربعة أشهرٍ وعشرٍ، للجمع بين الآيتين، وهذا مأخذٌ جيّدٌ ومسلكٌ
قويٌّ، لولا ما ثبتت به السّنّة في حديث سبيعة الأسلميّة، المخرّج في
الصّحيحين من غير وجهٍ: أنّه توفّي عنها زوجها سعد بن خولة، وهي حاملٌ، فلم
تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، وفي روايةٍ: فوضعت حملها بعده بليالٍ،
فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب، فدخل عليها أبو السّنابل بن بعكك،
فقال لها: ما لي أراك متجمّلة؟ لعلّك ترجين النّكاح. واللّه ما أنت بناكح
حتى يمر عليك أربعة أشهرٍ وعشر. قالت سبيعة: فلمّا قال لي ذلك جمعت عليّ
ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألته عن ذلك،
فأفتاني بأنّي قد حللت حين وضعت، وأمرني بالتّزويج إن بدا لي.
قال أبو عمر بن عبد
البرّ: وقد روي أنّ ابن عبّاسٍ رجع إلى حديث سبيعة، يعني لمّا احتجّ عليه
به. قال: ويصحّح ذلك عنه: أنّ أصحابه أفتوا بحديث سبيعة، كما هو قول أهل
العلم قاطبةً.
وكذلك يستثنى من ذلك
الزّوجة إذا كانت أمةً، فإنّ عدّتها على النّصف من عدّة الحرّة، شهران وخمس
ليالٍ، على قول الجمهور؛ لأنّها لمّا كانت على النّصف من الحرّة في الحدّ،
فكذلك فلتكن على النّصف منها في العدّة. ومن العلماء -كمحمّد بن سيرين
وبعض الظّاهريّة -من يسوّي بين الزّوجات الحرائر والإماء في هذا المقام؛
لعموم الآية، ولأنّ العدّة من باب الأمور الجبلّيّة الّتي تستوي فيها
الخليقة. وقد ذكر سعيد بن المسيّب، وأبو العالية وغيرهما: أنّ الحكمة في
جعل عدّة الوفاة أربعة أشهرٍ وعشرًا؛ لاحتمال اشتمال الرّحم على حملٍ، فإذا
انتظر به هذه المدّة ظهر إن كان موجودًا، كما جاء في حديث ابن مسعودٍ
الّذي في الصّحيحين وغيرهما: "إنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يومًا
نطفةً، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك، ثمّ يبعث إليه
الملك فينفخ فيه الرّوح". فهذه ثلاث أربعيناتٍ بأربعة أشهرٍ، والاحتياط
بعشرٍ بعدها لما قد ينقص بعض الشّهور، ثمّ لظهور الحركة بعد نفخ الرّوح
فيه، واللّه أعلم.
قال سعيد بن أبي
عروبة، عن قتادة: سألت سعيد بن المسيّب: ما بال العشرة؟ قال: فيه ينفخ
الرّوح. وقال الرّبيع بن أنسٍ: قلت لأبي العالية: لم صارت هذه العشر مع
الأشهر الأربعة؟ قال: لأنّه ينفخ فيها الرّوح. رواهما ابن جريرٍ. ومن هاهنا
ذهب الإمام أحمد، في روايةٍ عنه، إلى أنّ عدّة أمّ الولد عدّة الحرّة
هاهنا؛ لأنّها صارت فراشًا كالحرائر، وللحديث الّذي رواه الإمام أحمد، عن
يزيد بن هارون، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة
بن ذؤيبٍ، عن عمرو بن العاص أنّه قال: لا تلبسوا علينا سنّة نبيّنا، عدّة
أمّ الولد إذا توفّي عنها سيّدها أربعة أشهرٍ وعشرٌ ورواه أبو داود، عن
قتيبة، عن غندر -وعن ابن المثنّى، عن عبد الأعلى. وابن ماجه، عن عليّ بن
محمّدٍ، عن وكيع -ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن مطر الورّاق، عن رجاء
بن حيوة، عن قبيصة، عن عمرو بن العاص، فذكره.
وقد روي عن الإمام
أحمد أنّه أنكر هذا الحديث، وقيل: إنّ قبيصة لم يسمع عمرًا، وقد ذهب إلى
القول بهذا الحديث طائفةٌ من السّلف، منهم: سعيد بن المسيّب، ومجاهدٌ،
وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وابن سيرين، وأبو عياضٍ،والزّهريّ، وعمر بن عبد
العزيز. وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان، وهو أمير المؤمنين. وبه
يقول الأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبلٍ، في روايةٍ عنه. وقال
طاوسٌ وقتادة: عدّة أمّ الولد إذا توفّي عنها سيّدها نصف عدّة الحرّة:
شهران وخمس ليالٍ. وقال أبو حنيفة وأصحابه، والثّوريّ، والحسن بن صالح بن
حيّ: تعتدّ بثلاث حيضٍ. وهو قول عليٍّ، وابن مسعودٍ، وعطاءٍ، وإبراهيم
النخعي. وقال مالكٌ، والشّافعيّ، وأحمد في المشهور عنه: عدّتها حيضةٌ. وبه
يقول ابن عمر، والشّعبيّ، ومكحولٌ، واللّيث، وأبو عبيدٍ، وأبو ثور،
والجمهور.
قال اللّيث: ولو مات
وهي حائضٌ أجزأتها. وقال مالكٌ: فلو كانت ممّن لا تحيض فثلاثة أشهرٍ. وقال
الشّافعيّ والجمهور: شهرٌ، وثلاثةٌ أحبّ إليّ. واللّه أعلم.
وقوله: {فإذا بلغن
أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون
خبيرٌ} يستفاد من هذا وجوب الإحداد على المتوفّى عنها زوجها مدّة عدّتها،
لما ثبت في الصّحيحين، من غير وجهٍ، عن أمّ حبيبة وزينب بنت جحشٍ أمّي
المؤمنين، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن
باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميّتٍ فوق ثلاثٍ، إلّا على زوجٍ أربعة
أشهرٍ وعشرًا". وفي الصّحيحين أيضًا، عن أمّ سلمة: أنّ امرأةً قالت: يا
رسول اللّه، إنّ ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال:
"لا ". كلّ ذلك يقول: "لا" مرّتين أو ثلاثًا. ثمّ قال: "إنّما هي أربعة
أشهرٍ وعشرٌ وقد كانت إحداكنّ في الجاهليّة تمكث سنةً". قالت زينب بنت أمّ
سلمة: كانت المرأة إذا توفّي عنها زوجها دخلت حفشًا، ولبست شرّ ثيابها، ولم
تمسّ طيبًا ولا شيئًا، حتّى تمرّ بها سنةٌ، ثمّ تخرج فتعطى بعرة فترمي
بها، ثمّ تؤتى بدابّةٍ -حمارٍ أو شاةٍ أو طيرٍ -فتفتضّ به فقلّما تفتضّ
بشيءٍ إلّا مات.
ومن هاهنا ذهب كثيرٌ
من العلماء إلى أنّ هذه الآية ناسخةٌ للآية الّتي بعدها، وهي قوله:
{والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول
غير إخراجٍ} [البقرة: 240]، كما قاله ابن عبّاسٍ وغيره، وفي هذا نظرٌ كما
سيأتي تقريره.
والغرض أنّ الإحداد
هو عبارةٌ عن ترك الزّينة من الطّيب، ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثيابٍ
وحليٍّ وغير ذلك وهو واجبٌ في عدّة الوفاة قولًا واحدًا، ولا يجب في عدّة
الرّجعيّة قولًا واحدًا، وهل يجب في عدّة البائن؟ فيه قولان.
ويجب الإحداد على
جميع الزّوجات المتوفّى عنهنّ أزواجهنّ، سواءٌ في ذلك الصّغيرة والآيسة
والحرّة والأمة، والمسلمة والكافرة، لعموم الآية. وقال الثّوريّ وأبو حنيفة
وأصحابه: لا إحداد على الكافرة. وبه يقول أشهب، وابن نافعٍ من أصحاب
مالكٍ. وحجّة قائل هذه المقالة قوله صلّى اللّه عليه وسلّم:"لا يحلّ
لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاثٍ، إلّا على
زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا": قالوا: فجعله تعبّدًا. وألحق أبو حنيفة وأصحابه
والثّوريّ الصّغيرة بها، لعدم التّكليف. وألحق أبو حنيفة وأصحابه الأمة
المسلمة لنقصها. ومحلّ تقرير ذلك كلّه في كتب الأحكام والفروع، واللّه
الموفّق للصّواب.
وقوله: {فإذا بلغن
أجلهنّ} أي: انقضت عدّتهنّ. قاله الضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ، {فلا جناح
عليكم} قال الزّهريّ: أي: على أوليائها {فيما فعلن} يعني: النّساء اللّاتي
انقضّت عدّتهنّ. قال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: إذا طلّقت المرأة أو مات عنها
زوجها، فإذا انقضّت عدّتها فلا جناح عليها أن تتزيّن وتتصنّع وتتعرّض
للتّزويج، فذلك المعروف. روي عن مقاتل بن حيّان نحوه، وقال ابن جريجٍ عن
مجاهدٍ: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} قال: هو النّكاح
الحلال الطّيّب. وروي عن الحسن، والزّهريّ، والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير ابن كثير: 1/635-638]
* للاستزادة ينظر: هنا