17 Sep 2014
تفسير قول الله تعالى: {أَلَمْ
تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ
قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا
تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ
قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ
الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ
سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ
بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ
آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ
تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ (248) }
تفسير
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ
بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا
نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا
نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا
وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا
قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيّ لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا قالوا وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلّا قليلا منهم واللّه عليم بالظّالمين}
{الملأ}: أشراف القوم ووجوههم، ويروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا من الأنصار وقد رجعوا من بدر يقول: ما قتلنا إلا عجائز ضلعا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أولئك الملاء من قريش، لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك))،
والملأ في اللغة: الخلق، يقال أحسنوا ملأكم، أي: أخلاقكم قال الشاعر:
تنادوا يآل بهثة إذ رأونا... فقلنا أحسني ملأ جهينا
أي: خلقا، ويقال: أحسني ممالأة أي معاونة، ويقال رجل مليء - مهموز - أي: بين الملآء يا هذا - وأصل هذا كله في اللغة من شيء واحد.
فالملأ الرؤساء إنما سمّوا بذلك لأنهم ملء بما يحتاج إليه منهم. والملأ الذي في الخلق، إنما هو الخلق المليء بما يحتاج إليه، والملا: المتسع من الأرض غير مهموز، يكتب بالألف - والياء في قول قوم - وأما البصريون فيكتبون بالألف، قال الشاعر في الملا المقصور الذي يدل على المتسع من الأرض:
ألا غنياني وارفعا الصوت بالملا... فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا
وقوله عزّ وجلّ: {ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه}.
الجزم في {نقاتل في سبيل اللّه} الوجه على الجواب للمسألة الّتي في لفظ الأمر، أي: ابعث لنا - ملكا نقاتل، أي: إن تبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، ومن قرأ " ملكا يقاتل " بالياء، فهو على صفة الملك ولكن نقاتل هو الوجه الذي عليه القراء، والرفع فيه بعيد، يجوز على معنى فإنا نقاتل في سبيل الله، وكثير من النّحوّيين، لا يجيز الرفع في نقاتل. -
وقوله عزّ وجلّ: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألّا تقاتلوا} أي: لعلكم أن تجبنبوا عن القتال،
وقرأ بعضهم: هل عسيتم بكسر السين إن كتب عليكم القتال، وهي قراءة نافع،
وأهل اللغة كلهم يقولون عسيت أن أفعل ويختارونه، وموضع {ألّا تقاتلوا} نصب أعني موضع " أن " لأن (أنّ) وما عملت فيه كالمصدر، إذا قلت عسيت أن أفعل ذاك فكأنك قلت عسيت فعل ذلك.
وقوله عزّ وجلّ: {قالوا وما لنا ألّا نقاتل في سبيل اللّه}.
زعم - أبو الحسن الأخفش أن " أن " ههنا زائدة - قال: المعنى وما لنا لا نقاتل في سبيل اللّه،
وقال غيره: وما لنا في ألا نقاتل في سبيل اللّه وأسقط " في "
وقال بعض النحويين: إنما دخلت " أن" لأنّ " ما " معناه ما يمنعنا فلذلك دخلت " أن " لأن الكلام ما لك تفعل كذا وكذا.
والقول الصحيح عندي: أنّ " أن " لا تلغى ههنا، وأن المعنى وأي شي لنا في أن لا نقاتل في سبيل اللّه، أي: أي شيء لنا في ترك القتال.
{وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}
ومعني{وأبنائنا}أي: سبيت ذرارينا.
ولكنّ " في " سقطت مع " أن " لأن الفعل مستعمل مع أن دالا على وقت معلوم،
فيجوز مع " أن " يحذف حرف الجر كما تقول: هربت أن أقول لك كذا وكذا، تريد هربت أن أقول لك كذا وكذا.
وقوله عزّ وجلّ؛ {تولّوا إلّا قليلا منهم}
{قليلا} منصوب على الاستثناء، فأما - من روى " تولوا إلا قليل منهم " فلا أعرف هذه القراءة، ولا لها عندي وجه، لأن المصحف على النصب والنحو يوجبها، لأن الاستثناء - إذا كان أول الكلام إيجابا - نحو قولك جاءني القوم إلا زيدا - فليس في زيد المستثنى إلا النصب - والمعنى تولوا أستثني قليلا منهم - وإنما ذكرت هذه لأن بعضهم روى " فشربوا منه إلا قليل منهم " وهذا عندي ما لا وجه له). [معاني القرآن: 1/325-327]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله
عز وجل: ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم
ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال
ألاّ تقاتلوا
هذه الآية خبر عن قوم
من بني إسرائيل نالتهم ذلة وغلبة عدو، فطلبوا الإذن في الجهاد وأن يؤمروا
به، فلما أمروا كع أكثرهم وصبر الأقل، فنصرهم الله، وفي هذا كله مثال
للمؤمنين يحذر المكروه منه ويقتدى بالحسن، والملإ في هذه الآية جميع القوم،
لأن المعنى يقتضيه، وهذا هو أصل اللفظة.
ويسمى الأشراف الملأ
تشبيها، وقوله من بعد موسى معناه من بعد موته وانقضاء مدته، واختلف
المتأولون في النبي الذي قيل له ابعث، فقال ابن إسحاق وغيره عن وهب بن
منبه: هو سمويل بن بالي.
وقال السدي: هو شمعون وقال قتادة: هو يوشع بن نون.
قال القاضي أبو محمد
رحمه الله: وهذا قول ضعيف، لأن مدة داود هي بعد مدة موسى بقرون من الناس،
ويوشع هو فتى موسى، وكانت بنو إسرائيل تغلب من حاربها، وروي أنها كانت تضع
التابوت الذي فيه السكينة والبقية في مأزق الحرب، فلا تزال تغلب حتى عصوا
وظهرت فيهم الأحداث. وخالف ملوكهم الأنبياء، واتبعوا الشهوات، وقد كان الله
تعالى أقام أمورهم بأن يكون أنبياؤهم يسددون ملوكهم، فلما فعلوا ما ذكرناه
سلط الله عليهم أمما من الكفرة فغلبوهم وأخذ لهم التابوت في بعض الحروب
فذل أمرهم. وقال السدي: «كان الغالب لهم جالوت وهو من العمالقة، فلما رأوا
أنه الاصطلام وذهاب الذكر أنف بعضهم وتكلموا في أمرهم. حتى اجتمع ملأهم على
أن قالوا لنبي الوقت: ابعث لنا ملكاً الآية، وإنما طلبوا ملكا يقوم بأمر
القتال، وكانت المملكة في سبط من أسباط بني إسرائيل يقال لهم: «بنو يهوذا»،
فعلم النبي بالوحي أنه ليس في بيت المملكة من يقوم بأمر الحرب، ويسر الله
لذلك طالوت.
وقرأ جمهور الناس
«نقاتل» بالنون وجزم اللام على جواب الأمر، وقرأ الضحاك وابن أبي عبلة
«يقاتل» بالياء ورفع الفعل، فهو في موضع الصفة للملك. وأراد النبي المذكور
عليه السلام أن يتوثق منهم فوقفهم على جهة التقرير وسبر ما عندهم بقوله هل
عسيتم وقرأ نافع «عسيتم» بكسر العين في الموضعين، وفتح الباقون السين، قال
أبو علي: «الأكثر فتح السين وهو المشهور»، ووجه الكسر قول العرب هو عس بذلك
مثل حر وشج، وقد جاء فعل وفعل في نحو نقم ونقم، فكذلك عسيت وعسيت، فإن
أسند الفعل إلى ظاهر فقياس عسيتم أن يقال عسي زيد مثل رضي، فإن قيل فهو
القياس، وإن لم يقل فسائغ أن يأخذ باللغتين فيستعمل إحداهما في موضع الأخرى
كما فعل ذلك في غيره، ومعنى هذه المقالة:
هل أنتم قريب من التولي والفرار. إن كتب عليكم القتال؟.
قوله عز وجل: ......
قالوا وما لنا ألاّ نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا
فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلاّ قليلاً منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين
(246)
المعنى وأي شيء
يجعلنا ألا نقاتل وقد وترنا وأخرجنا من ديارنا؟ وقالوا هذه المقالة وإن كان
القائل لم يخرج من حيث قد أخرج من هو مثله وفي حكمه، ثم أخبر الله تعالى
عنهم أنهم لما فرض عليهم القتال ورأوا الحقيقة ورجعت أفكارهم إلى مباشرة
الحرب تولوا، أي اضطربت نياتهم وفترت عزائمهم، وهذا شأن الأمم المتنعمة
المائلة إلى الدعة، تتمنى الحرب أوقات الأنفة، فإذا حضرت الحرب كعت وانقادت
لطبعها، وعن هذا المعنى نهى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تتمنوا
لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاثبتوا»، ثم أخبر الله
تعالى عن قليل منهم أنهم ثبتوا على النية الأولى واستمرت عزيمتهم على
القتال في سبيل الله، ثم توعد الظالمين في لفظ الخبر الذي هو قوله واللّه
عليمٌ بالظّالمين، وقرأ أبي بن كعب «تولوا إلا أن يكون قليل منهم»). [المحرر الوجيز: 1/614-616]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم
تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبيٍّ لهم ابعث لنا
ملكًا نقاتل في سبيل اللّه قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا
قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا
فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلا قليلا منهم واللّه عليمٌ بالظّالمين
(246)}
قال عبد الرّزّاق عن
معمر عن قتادة: هذا النّبيّ هو يوشع بن نون. قال ابن جريرٍ: يعني ابن
أفراثيم بن يوسف بن يعقوب. وهذا القول بعيدٌ؛ لأنّ هذا كان بعد موسى بدهر
طويل، وكان ذلك في زمان داود عليه السّلام، كما هو مصرّحٌ به في القصّة وقد
كان بين داود وموسى ما ينيف عن ألف سنةٍ واللّه أعلم.
وقال السّدّيّ: هو
شمعون وقال مجاهدٌ: هو شمويل عليه السّلام. وكذا قال محمّد بن إسحاق عن وهب
بن منبّهٍ وهو: شمويل بن بالي بن علقمة بن يرخام بن إليهو بن تهو بن صوف
بن علقمة بن ماحث بن عمرصا بن عزريا بن صفنيه بن علقمة بن أبي ياسف بن
قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه
السّلام.
وقال وهب بن منبّهٍ
وغيره: كان بنو إسرائيل بعد موسى عليه السّلام على طريق الاستقامة مدّة
الزّمان، ثمّ أحدثوا الأحداث وعبد بعضهم الأصنام، ولم يزل بين أظهرهم من
الأنبياء من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويقيمهم على منهج التّوراة
إلى أن فعلوا ما فعلوا فسلّط اللّه عليهم أعداءهم فقتلوا منهم مقتلةً
عظيمةً، وأسروا خلقًا كثيرًا وأخذوا منهم بلادًا كثيرةً، ولم يكن أحدٌ
يقاتلهم إلّا غلبوه وذلك أنّهم كان عندهم التّوراة والتّابوت الّذي كان في
قديم الزّمان وكان ذلك موروثًا لخلفهم عن سلفهم إلى موسى الكليم عليه
الصّلاة والسّلام فلم يزل بهم تماديهم على الضّلال حتّى استلبه منهم بعض
الملوك في بعض الحروب وأخذ التّوراة من أيديهم ولم يبق من يحفظها فيهم إلّا
القليل وانقطعت النّبوّة من أسباطهم ولم يبق من سبط لاوي الّذي يكون فيه
الأنبياء إلّا امرأةٌ حاملٌ من بعلها وقد قتل فأخذوها فحبسوها في بيتٍ
واحتفظوا بها لعلّ اللّه يرزقها غلامًا يكون نبيًّا لهم ولم تزل [تلك]
المرأة تدعو اللّه عزّ وجلّ أن يرزقها غلامًا فسمع اللّه لها ووهبها
غلامًا، فسمّته شمويل: أي: سمع اللّه. ومنهم من يقول: شمعون وهو بمعناه
فشبّ ذلك الغلام ونشأ فيهم وأنبته اللّه نباتًا حسنًا فلمّا بلغ سنّ
الأنبياء أوحى اللّه إليه وأمره بالدّعوة إليه وتوحيده، فدعا بني إسرائيل
فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكًا يقاتلون معه أعداءهم وكان الملك أيضًا قد باد
فيهم فقال لهم النّبيّ: فهل عسيتم إن أقام اللّه لكم ملكًا ألّا تفوا بما
التزمتم من القتال معه {قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل اللّه وقد أخرجنا
من ديارنا وأبنائنا} أي: وقد أخذت منّا البلاد وسبيت الأولاد؟ قال اللّه
تعالى: {فلمّا كتب عليهم القتال تولّوا إلا قليلا منهم واللّه عليمٌ
بالظّالمين} أي: ما وفوا بما وعدوا بل نكل عن الجهاد أكثرهم واللّه عليمٌ
بهم). [تفسير ابن كثير: 1/664-665]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسع عليم}أي: قد أجابكم إلى ما سألتم. من بعث ملك يقاتل، وتقاتلون معه وطالوت وجالوت وداود. لا تنصرف لأنها أسماء أعجمية، وهي معارف فاجتمع فيها شيئان - التعريف والعجمة، وأما جاموس فلو سميت به رجلا لانصرف، وإن كان عجميا لأنه قد تمكن في العربية لأنك تدخل عليه الألف واللام، فتقول الجاموس والراقود.
فعلى هذا (قياس جميع) الباب.
وقوله عزّ وجلّ: {أنّى يكون له الملك علينا} أي: من أي جهة يكون ذلك.
{ولم يؤت سعة من المال}أي: لم يؤت ما تتملّك به الملوك.
فأعلمهم اللّه أنه {اصطفاه} ومعناه: اختاره، وهو " افتعل " من الصفوة.
والأصل: اصتفاه فالتاء إذا وقعت بعد الصاد أبدلت طاء لأن التاء من مخرج الطاء، والطاء مطبقة، كما أن الصاد مطبقة، فأبدلوا الطاء من التاء، ليسهل النطق بما بعد الصاد، وكذلك افتعل من الضرب: اضطرب، ومن الظلم اظطلم، ويجوز في اظطلم وجهان آخران:
1- يجوز اطّلم بطاء مشددة غير معجمة
2- واظّلم بظاء مشددة قال زهير:
هو الجواد الذي يعطيك نائله... عفوا ويظلم أحيانا فيظطلم
و " فيطّلم " و " فيظّلم ".
أعلمهم الله أنه اختاره، وأنه قد زيد في العلم والجسم بسطة، وأعلمهم أن العلم أهو، الذي به يجب أن يقع الاختيار ليس أن اللّه - جلّ وعزّ -:
لا يملك إلا ذا مال، وأعلم أن الزيادة في الجسم مما يهب به العدو، وأعلمهم أنه يؤتي ملكه من يشاء، وهو جلّ وعزّ لا يشاء إلا ما هو الحكمة والعدل.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه واسع عليم}أي: يوسع على من يشاء ويعلم أين ينبغي أن تكون السعة). [معاني القرآن: 1/327-329]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وقال لهم نبيّهم إنّ اللّه قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إنّ اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسمتفسير قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقال لهم نبيّهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التّابوت فيه سكينة من ربّكم وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين}أي: علامة تمليك اللّه إياه {أن يأتيكم التّابوت}.
وموضع (أن) رفع المعنى: إن آية ملكه إتيان التابوت أتاكم.
وقوله عزّ وجلّ: {فيه سكينة من ربّكم}أي: فيه ما تسكنون به إذا أتاكم، وقيل في التفسير إن السكينة لها رأس كرأس الهر من زبرجد أو ياقوت، ولها جناحان.
وقوله عزّ وجلّ: {وبقيّة ممّا ترك آل موسى وآل هارون}.
قيل في تفسيره: البقية رضاض الألواح وأن التوراة فيه وكتاب آخر جمع التوراة وعصا موسى. فهذا ما روي مما فيه، والظاهر، أن فيه (بقية) جائز أن يكون بقية من شيء من علامات الأنبياء، وجائز أن يكون البقية من العلم، وجائز أن يتضمنها جميعا.
والفائدة - كانت - في هذا التابوت أن الأنبياء - صلوات اللّه عليهم - كانت تستفتح به في الحروب، فكان التابوت يكون بين أيديهم فإذا سمع من جوفه أنين دف التابوت أي سار والجميع خلفه - واللّه أعلم بحقيقة ذلك.
وروي في التفسير: أنه كان من خشب الشمشار وكان قد غلب جالوت وأصحابه عليه فنزلهم بسببه داء، قيل هو الناسور الذي يكون في العنب فعلموا أن الآفة بسببه نزلت، فوضعوه على ثورين فيما يقال،
وقيل معنى {تحمله الملائكة}: إنها كانت تسوق الثورين.
وجائز أن يقال في اللغة: تحمله الملائكة، وإنما كانت تسوق ما يحمله، كما تقول حملت متاعي إلى مكة، أي كنت سببا لحمله إلى مكة.
ومعنى {إنّ في ذلك لآية لكم}أي: في رجوع التابوت إليكم علامة أن الله ملك طالوت عليكم إذ أنبأكم في قصته بغيب.
{إن كنتم مؤمنين}أي: إن كنتم مصدقين). [معاني القرآن: 1/329-330]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأما قول النبي لهم: إنّ آية ملكه فإن الطبري ذهب إلى أن بني إسرائيل تعنتوا وقالوا لنبيهم: وما آية ملك طالوت؟ وذلك على جهة سؤال الدلالة على صدقه في قوله إن الله قد بعث.