الدروس
course cover
تفسير سورة آل عمران[من الآية (14) إلى الآية (17) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

4910

0

0

course cover
تفسير سورة آل عمران

القسم الثاني

تفسير سورة آل عمران[من الآية (14) إلى الآية (17) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

22 Jan 2015

4910

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}


تفسير قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب}
قيل في {زيّن}قولان:
1- قال بعضهم اللّه زينها محنة كما قال:{إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيّهم أحسن عملا}
2- وقال بعضهم: الشيطان زينها ؛ لأن اللّه قد زهد فيها , وأعلم أنّها متاع الغرور.
والقول الأول: أجود ؛ لأنه جعلها زينة محبوبة موجود , واللّه قد زهّد فيها بأن أعلم , وأرى زوالها، ومعنى {القناطير}: عند العرب: الشيء الكثير من المال, وهو جمع قنطار.
فأما أهل التفسير:فقالوا أقوالاً غير خارجة من مذهب العرب:
قال بعضهم القنطار: ملء مسك ثور ذهبًا أو فضة,
وقال بعضهم: القنطار : ثمانون ألف درهم,
وقال بعضهم: القنطار : ألف دينار،
وقال بعضهم : ألف رطل ذهباً أو فضة, فهذه جملة ما قال الناس في القنطار.

والذي بخرج في اللغة: أن القنطار مأخوذ من عقد الشيء وأحكامه, والقنطرة: مأخوذة من ذلك,فكأن القنطار هو الجملة من المال التي تكون عقدة وثيقة منه.
فأمّا من قال من أهل التفسير إنّه شيء من الذهب موف، فأقوى منه عندي ما ذكر من إنّه من الذهب والفضة؛ لأن اللّه جلّ وعزّ ذكر القناطير فيهما؛ فلا يستقيم أن يكون القنطار في إحداهما دون الأخرى.
ومعنى {الخيل المسوّمة}في اللغة: الخيل عليها السيماء , والسّومة , وهي العلامة، ويجوز وهو حسن أن يكون المسومة: السائمة، وأسيمت: أرعيت.
{والأنعام}: المواشي, واحدها نعم، أكثر استعمالها في الإبل،{والحرث}: الزرع، وهذا كله محبّب إلى الناس , كما قال اللّه عزّ وجلّ، ثم زهد الله في جميعه.
وتأويل التزهيد فيه ليس الامتناع من أن يزرع الناس، ولا من أن يكسبوا الشيء من جهة، وإنما وجه التزهيد فيه الحث على الصدقة, وسلوك سبل البرّ التي أمر بها في ترك الاستكثار من المال, وغيره، فهذا وجه التزهيد.
فقال جلّ وعزّ: {ذلك متاع الحياة الدّنيا}, أي: ما يتمتع به فيها.
{واللّه عنده حسن المآب}: والمآب في اللغة: المرجع، يقال: آب الرجل, يؤوب , أوباً, وإياباً,ومآباً). [معاني القرآن: 1/383-384]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب (14)}
قرأ جمهور الناس «زين» على بناء الفعل للمفعول ورفع «حبّ» على أنه مفعول لم يسم فاعله، وقرأ الضحاك ومجاهد «زين» على بناء الفعل للفاعل ونصب «حبّ» على أنه المفعول، واختلف الناس من المزين؟ فقالت فرقة: «الله زين ذلك» وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه قال لما نزلت هذه الآية: «قلت الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت:{قل أأنبّئكم بخيرٍ من ذلكم}[آل عمران: 15]»، وقالت فرقة: «المزين هو الشيطان»، وهذا ظاهر قول الحسن بن أبي الحسن، فإنه قال: «من زينها؟ ما أحد أشد لها ذما من خالقها».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وإذا قيل زين الله، فمعناه بالإيجاد والتهيئة لانتفاع وإنشاء الجبلة عن الميل إلى هذه الأشياء، وإذا قيل زين الشيطان فمعناه بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها. والآية تحتمل هذين النوعين من التزيين ولا يختلف مع هذا النظر». وهذه الآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توضيح لمعاصري محمد عليه السلام من اليهود وغيرهم، والشّهوات ذميمة واتباعها مرد وطاعتها مهلكة، وقد قال عليه السلام: «حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره» فحسبك أن النار حفت بها، فمن واقعها خلص إلى النار، وو القناطير جمع قنطار، وهو العقدة الكبيرة من المال، واختلف الناس في تحرير حده كم هو؟ فروى أبي بن كعب، عن النبي عليه السلام أنه قال: «القنطار ألف ومائتا أوقية»، وقال بذلك معاذ بن جبل وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعاصم بن أبي النجود وجماعة من العلماء، وهو أصح الأقوال، لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية، وقال ابن عباس والضحاك بن مزاحم والحسن بن أبي الحسن: «القنطار ألف ومائتا مثقال»، وروى الحسن ذلك مرفوعا عن النبي عليه السلام، قال الضحاك: «وهو من الفضّة ألف ومائتا»، وروي عن ابن عباس أنه قال: «القنطار من الفضّة اثنا عشر ألف درهم، ومن الذّهب ألف دينار»، وروي ذلك عن الحسن والضحاك وقال سعيد بن المسيب: «القنطار ثمانون ألفا»، وقال قتادة: «القنطار مائة رطل من الذّهب أو ثمانون ألف درهم من الفضّة»، وقال السدي: «القنطار ثمانية آلاف مثقال وهي مائة رطل، وقال مجاهد القنطار سبعون ألف دينار»، وروي ذلك عن ابن عمر، وقال أبو نضرة: «القنطار ملء مسك ثور ذهبا».
قال ابن سيده: «هكذا هو بالسريانية»، وقال الربيع بن أنس: «القنطار المال الكثير بعضه على بعض»، وحكى النقاش عن ابن الكلبي: «أن القنطار بلغة الروم ملء مسك ثور ذهبا»، وقال النقاش: «القناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة لأنه جمع الجمع»، وهذا ضعف نظر وكلام غير صحيح، وقد حكى مكي نحوه عن ابن كيسان أنه قال: «لا تكون المقنطرة أقل من تسعة» وحكى المهدوي عنه وعن الفراء: «لا تكون المقنطرة أكثر من تسعة»، وهذا كله تحكم. قال أبو هريرة: «القنطار اثنا عشر ألف أوقية»، وحكى مكي قولا «إن القنطار أربعون أوقية ذهبا أو فضة»، وقاله ابن سيده في المحكم، وقال: «القنطار بلغة بربر ألف مثقال»، وروى أنس بن مالك عن النبي عليه السلام في تفسير قوله تعالى: {وآتيتم إحداهنّ قنطاراً}[النساء: 20] قال: «ألف دينار» ذكره الطبري، وحكى الزجاج أنه قيل: «إن القنطار هو رطل ذهبا أو فضة وأظنها وهما، وإن القول مائة رطل فسقطت مائة للناقل، والقنطار إنما هو اسم المعيار الذي يوزن به، كما هو الرطل والربع، ويقال لما بلغ ذلك الوزن هذا قنطار أي يعدل القنطار»، والعرب تقول: قنطر الرجل إذا بلغ ماله أن يوزن بالقنطار، وقال الزجاج: «القنطار مأخوذ من عقد الشيء وأحكامه والقنطرة المعقودة نحوه، فكأن القنطار عقدة مال».
واختلف الناس في معنى قوله: المقنطرة فقال الطبري: «معناه المضعفة»، وكأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسع، وقد تقدم ذكر هذا النظر، وقال الربيع: «معناه المال الكثير بعضه فوق بعض»، وقال السدي: «معنى المقنطرة، المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم»، وقال مكي: «المقنطرة المكملة»، والذي أقول: إنها إشارة إلى حضور المال وكونه عتيدا، فذلك أشهى في أمره وذلك أنك تقول في رجل غني من الحيوان والأملاك: فلان صاحب قناطير مال أي لو قومت أملاكه لاجتمع من ذلك ما يعدل قناطير، وتقول في صاحب المال الحاضر العتيد هو صاحب قناطير مقنطرة أي قد حصلت كذلك بالفعل بها، أي قنطرت فهي مقنطرة، وذلك أشهى للنفوس وأقرب للانتفاع وبلوغ الآمال. وقد قال مروان بن الحكم: «ما المال إلا ما حازته العياب»، وإذا كان هذا فسواء كان المال مسكوكا، أو غير مسكوك، أما أن المسكوك أشهى لما ذكرناه، ولكن لا تعطي ذلك لفظة المقنطرة.
والخيل: جمع خائل عند أبي عبيدة، سمي بذلك الفرس لأنه يختال في مشيه فهو كطائر وطير، وقال غيره: هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، واختلف المفسرون في معنى المسوّمة فقال سعيد بن جبير وابن عباس وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى والحسن والربيع ومجاهد: «معناه الراعية في المروج والمسارح تقول: سامت الدابة أو الشاة إذا سرحت وأخذت سومها من الرعي أي غاية جهدها ولم تقصر عن حال دون حال»، وأسمتها أنا إذا تركتها لذلك، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «في سائمة الغنم الزكاة» ومنه قوله عز وجل: {فيه تسيمون}[النحل: 10] وروي عن مجاهد أنه قال: «المسوّمة معناه المطهمة الحسان»، وقاله عكرمة، سومها الحسن، وروي عن ابن عباس أنه قال: «المسوّمة معناه المعلمة، شيات الخيل في وجوهها» وقاله قتادة، ويشهد لهذا القول بيت لبيد:

وغداة قاع القرنتين أتينهم ....... زجلا يلوح خلالها التّسويم

وأما قول النابغة:

بسمر كالقداح مسوّمات ....... عليها معشر أشباه جنّ

فيحتمل أن يريد المطهمة الحسان، ويحتمل أن يريد المعلمة بالشيات ويحتمل أن يريد المعدة، وقد فسر الناس قوله تعالى: {مسوّمةً عند ربّك} [هود: 83] بمعنى معدة، وقال ابن زيد في قوله تعالى: {والخيل المسوّمة} معناه: «المعدة للجهاد».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق:«قوله: للجهاد ليس من تفسير اللفظة»، والأنعام الأصناف الأربعة: الإبل والبقر والضأن والمعز والحرث هنا اسم لكل ما يحرث، وهو مصدر سمي به، تقول: حرث الرجل إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة فيقع اسم الحرث على زرع الحبوب وعلى الجنات وغير ذلك من أنواع الفلاحة. وقوله تعالى: {إذ يحكمان في الحرث}[الأنبياء: 78] قال جمهور المفسرين، كان كرما، والمتاع ما يستمتع به وينتفع مدة ما منحصرة، والمآب المرجع، تقول: آب الرجل يؤوب، ومنه قول الشاعر:

رضيت من الغنيمة بالإياب

وقول الآخر:

... ... ... ... ....... إذا ما القارظ العنزيّ آبا

وقول عبيد:

... ... ... ... ....... وغائب الموت لا يؤوب

وأصل مآب مأوب، نقلت حركة الواو إلى الهمزة وأبدل من الواو ألف، مثل مقال، فمعنى الآية تقليل أمر الدنيا وتحقيرها، والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة، وفي قوله: {زيّن للنّاس} تحسر ما على نحو ما في قول النبي عليه السلام: «تتزوج المرأة لأربع»- الحديث- وقوله تعالى: {قل أأنبّئكم}[آل عمران: 15] بمثابة قول النبي عليه السلام: «فاظفر بذات الدين» ). [المحرر الوجيز: 2/ 170-175]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا واللّه عنده حسن المآب (14) قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد (15) }
يخبر تعالى عمّا زيّن للنّاس في هذه الحياة الدّنيا من أنواع الملاذ من النّساء والبنين، فبدأ بالنّساء لأنّ الفتنة بهنّ أشدّ، كما ثبت في الصّحيح أنّه، عليه السّلام، قال:
«ما تركت بعدي فتنةً أضرّ على الرّجال من النّساء». فأمّا إذا كان القصد بهنّ الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوبٌ مرغوبٌ فيه مندوبٌ إليه، كما وردت الأحاديث بالتّرغيب في التّزويج والاستكثار منه، «وإنّ خير هذه الأمّة كان أكثرها نساءً» وقوله عليه السّلام: «الدّنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصّالحة، إن نظر إليها سرّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله»وقوله في الحديث الآخر: «حبّب إليّ النّساء والطّيب وجعلت قرة عيني في الصّلاة» وقالت عائشة، رضي اللّه عنها: «لم يكن شيءٌ أحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من النّساء إلّا الخيل»، وفي روايةٍ: «من الخيل إلّا النّساء».
وحبّ البنين تارةً يكون للتّفاخر والزّينة فهو داخلٌ في هذا، وتارةً يكون لتكثير النّسل، وتكثير أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ممّن يعبد اللّه وحده لا شريك له، فهذا محمودٌ ممدوحٌ، كما ثبت في الحديث:
«تزوّجوا الودود الولود، فإنّي مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة»
وحبّ المال -كذلك-تارةً يكون للفخر والخيلاء والتّكبّر على الضّعفاء، والتّجبّر على الفقراء، فهذا مذمومٌ، وتارةً يكون للنّفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البرّ والطّاعات، فهذا ممدوحٌ محمودٌ عليه شرعًا.
وقد اختلف المفسّرون في مقدار القنطار على أقوالٍ، وحاصلها:
«أنّه المال الجزيل»، كما قاله الضّحّاك وغيره، وقيل: ألف دينارٍ. وقيل: ألفٌ ومائتا دينارٍ. وقيل: اثنا عشر ألفًا. وقيل: أربعون ألفًا. وقيل: ستّون ألفًا وقيل: سبعون ألفًا. وقيل: ثمانون ألفًا. وقيل غير ذلك.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا حمّادٌ، عن عاصمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«القنطار اثنا عشر ألف أوقيّةٍ، كلّ أوقيّةٍ خير ممّا بين السّماء والأرض».
وقد رواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الصّمد بن عبد الوارث، عن حماد ابن سلمة، به. وقد رواه ابن جريرٍ عن بندار، عن ابن مهديٍّ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن عاصمٍ -هو ابن بهدلة-عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة موقوفًا، وهذا أصحّ. وهكذا رواه ابن جريرٍ عن معاذ بن جبلٍ وابن عمر. وحكاه ابن أبي حاتمٍ، عن أبي هريرة وأبي الدّرداء، أنّهم قالوا:
«القنطار ألفٌ ومائتا أوقيّةٍ».
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثني زكريّا بن يحيى الضّرير، حدّثنا شبابة، حدّثنا مخلد بن عبد الواحد، عن عليّ بن زيدٍ، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن زرّ بن حبيش عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«القنطار ألف أوقيّةٍ ومائتا أوقيّةٍ».
وهذا حديثٌ منكرٌ أيضًا، والأقرب أن يكون موقوفًا على أبيّ بن كعبٍ، كغيره من الصّحابة. وقد روى ابن مردويه، من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن محمّد بن إبراهيم عن يحنّش أبي موسى، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«من قرأ مائة آيةٍ لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آيةٍ إلى ألف أصبح له قنطار من أجرٍ عند اللّه، القنطار منه مثل الجبل العظيم». ورواه وكيع، عن موسى بن عبيدة، بمعناه وقال الحاكم في مستدركه: حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عيسى بن زيدٍ اللّخميّ بتنّيس حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، حدّثنا زهير بن محمّدٍ، حدّثنا حميد الطّويل، ورجلٌ آخر، عن أنس بن مالكٍ قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قول اللّه، عزّ وجلّ: {والقناطير المقنطرة} قال: «القنطار ألفا أوقيّةٍ». صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه، هكذا رواه الحاكم.
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ بلفظٍ آخر فقال: حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن الرّقّي، حدثنا عمرو ابن أبي سلمة، حدّثنا زهيرٌ -يعني ابن محمّدٍ-حدّثنا حميدٌ الطّويل ورجلٌ آخر قد سمّاه-يعني يزيد الرّقاشي-عن أنسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: قنطارٌ، يعني:
«ألف دينارٍ». وهكذا رواه ابن مردويه، ورواه الطّبرانيّ، عن عبد اللّه بن محمّد بن أبي مريم، عن عمرو بن أبي سلمة، فذكر بإسناده مثله سواءً.
وروى ابن جريرٍ عن الحسن البصريّ مرسلًا عنه وموقوفًا عليه:
«القنطار ألفٌ ومائتا دينارٍ». وكذا رواه العوفي عن ابن عبّاسٍ.
وقال الضّحّاك:
«من العرب من يقول: القنطار ألف دينارٍ. ومنهم من يقول: اثنا عشر ألفًا».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عارم، عن حمّاد، عن سعيدٍ الجريري عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، قال:
«القنطار ملء مسك الثّور ذهبًا». قال أبو محمّدٍ: ورواه محمّد بن موسى الحرشيّ، عن حمّاد بن زيدٍ، مرفوعًا. والموقوف أصحّ.
وحبّ الخيل على ثلاثة أقسامٍ، تارةً يكون ربطها أصحابها معدّة لسبيل اللّه تعالى، متى احتاجوا إليها غزوا عليها، فهؤلاء يثابون. وتارةً تربط فخرًا ونواءً لأهل الإسلام، فهذه على صاحبها وزر. وتارةً للتّعفّف واقتناء نسلها. ولم ينس حقّ اللّه في رقابها، فهذه لصاحبها ستر، كما سيأتي الحديث بذلك إن شاء اللّه تعالى عند قوله تعالى:
{وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ اللّه وعدوّكم}[الأنفال: 60].
وأمّا
{المسوّمة} فعن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: «المسوّمة الرّاعية، والمطهّمة الحسان»، وكذا روي عن مجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وعبد الرّحمن بن عبد اللّه بن أبزى، والسّدّي، والرّبيع بن أنسٍ، وأبي سنان وغيرهم. وقال مكحولٌ: «المسوّمة: الغرّة والتّحجيل». وقيل غير ذلك.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن سويد بن قيسٍ، عن معاوية بن حديج، عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«ليس من فرسٍ عربي إلّا يؤذن له مع كلّ فجر يدعو بدعوتين، يقول: اللّهمّ إنّك خوّلتني من خوّلتني منبني آدم، فاجعلني من أحبّ ماله وأهله إليه، أو أحب أهله وماله إليه».
وقوله:
{والأنعام} يعني: الإبل والبقر والغنم {والحرث} يعني: الأرض المتّخذة للغراس والزّراعة.
قال الإمام أحمد: حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا أبو نعامة العدويّ، عن مسلم بن بديل عن إياس بن زهيرٍ، عن سويد بن هبيرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«خير مال امرئٍ له مهرة مأمورة، أو سكّة مأبورة» المأمورة الكثيرة النّسل، والسّكّة: النّخل المصطفّ، والمأبورة: الملقّحة.
ثمّ قال تعالى:
{ذلك متاع الحياة الدّنيا} أي: إنّما هذا زهرة الحياة الدّنيا وزينتها الفانية الزّائلة {واللّه عنده حسن المآب} أي: حسن المرجع والثّواب.
وقد قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعدٍ قال: قال عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه: لمّا أنزلت:
{زيّن للنّاس حبّ الشّهوات} قلت: «الآن يا ربّ حين زيّنتها لنا فنزلت:{قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار}». ولهذا قال تعالى:{قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 19-22]


تفسير قوله تعالى:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وأعلم اللّه جلّ وعزّ أن خيراً من جميع ما في الدنيا ما أعده لأوليائه , فقال:
{قل أؤنبّئكم بخير من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ورضوان من اللّه واللّه بصير بالعباد (15)},
الرفع في
{جنّات}:القراءة،
والخفض جائز على أن تكون
{جنّات} بدلاً من خير المعنى : أؤنبئكم بجنات تجري من تحتها الأنهار, ويكون{للذين اتقوا عند ربهم} من تمام الكلام الأول.
ومعنى{وأزواج مطهرة}أي: مطهرة من الأدناس, ومطهرة مما يحتاج إليه نساء أهل الدنيا من الحيض, وغيره.
{ورضوان من اللّه}, أكثر القراءة كسر الراء, وروى أبو بكر بن عياش , عن عاصم:{ورضوان من اللّه } بضم الراء في كل القرآن، ويقال: رضيت الشيء أرضاه رضاً, ومرضاة, ورضواناً, ورضواناً). [معاني القرآن: 1/384-385]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قل أأنبّئكم بخيرٍ من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهّرةٌ ورضوانٌ من اللّه واللّه بصيرٌ بالعباد (15)}
في هذه الآية تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها، وذكر تعالى حال الدنيا وكيف استقر تزيين شهواتها، ثم جاء الإنباء بخير من ذلك، هازا للنفوس وجامعا لها لتسمع هذا النبأ المستغرب النافع لمن عقل، وأنبئ: معناه أخبر، وذهبت فرقة من الناس إلى أن الكلام الذي أمر النبي عليه السلام بقوله تم في قوله تعالى: {عند ربّهم} و{جنّاتٌ} على هذا مرتفع بالابتداء المضمر تقديره: ذلك جنات، وذهب آخرون إلى أن الكلام تم في قوله: {من ذلكم} وأن قوله: {للّذين} خبر متقدم، و{جنّاتٌ} رفع بالابتداء، وعلى التأويل الأول يجوز في جنّاتٌ الخفض بدلا من خير، ولا يجوز ذلك على التأويل الثاني، والتأويلان محتملان، وقوله: {من تحتها} يعني من تحت أشجارها وعلوها من الغرف ونحوها وخالدين نصب على الحال، وقوله: {وأزواجٌ} عطف على الجنات وهو جمع زوج وهي امرأة الإنسان، وقد يقال زوجة، ولم يأت في القرآن، و{مطهّرةٌ}، معناه من المعود في الدنيا من الأقذار والريب وكل ما يصم في الخلق والخلق، ويحتمل أن يكون الأزواج الأنواع والأشباه، والرضوان، مصدر من الرضى وفي الحديث عن النبي عليه السلام: «أن أهل الجنة إذا استقروا فيها وحصل لكل واحد منهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال الله لهم: أتريدون أن أعطيكم ما هو أفضل من هذا؟ قالوا يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول الله تعالى: «أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا»، هذا سياق الحديث، وقد يجيء مختلف الألفاظ والمعنى قريب بعضه من بعض، وفي قوله تعالى: {واللّه بصيرٌ بالعباد} وعد ووعيد). [المحرر الوجيز: 2/ 175-176]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولهذا قال تعالى: {قل أؤنبّئكم بخيرٍ من ذلكم} أي: قل يا محمّد للنّاس: أأخبركم بخيرٍ ممّا زيّن للنّاس في هذه الحياة الدّنيا من زهرتها ونعيمها، الّذي هو زائلٌ لا محالة. ثمّ أخبر عن ذلك، فقال: {للّذين اتّقوا عند ربّهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار} أي: تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار، من أنواع الأشربة؛ من العسل واللّبن والخمر والماء وغير ذلك، ممّا لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ.
{خالدين فيها} أي: ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولا.
{وأزواجٌ مطهّرةٌ} أي: من الدّنس، والخبث، والأذى، والحيض، والنّفاس، وغير ذلك ممّا يعتري نساء الدّنيا.
{ورضوانٌ من اللّه} أي: يحلّ عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم بعده أبدًا؛ ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى الّتي في براءةٌ: {ورضوانٌ من اللّه أكبر}[التّوبة: 72] أي: أعظم ممّا أعطاهم من النعيم المقيم، ثمّ قال تعالى {واللّه بصيرٌ بالعباد} أي: يعطي كلًّا بحسب ما يستحقّه من العطاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 22-23]


تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وموضع {الذين يقولون} خفض صفة{للذين اتقوا}, المعنى: للمتقين القائلين: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار (16)}, وكذلك{الصابرين والصادقين}, ولو كانت رفعاً على الاستئناف ؛ لجاز ذلك , ولكن القراءة لا تجاوز.
ومعنى{القانتين}أي: القائمين بعبادة اللّه، وقد فسرنا القنوت فيما مضى, ومعنى {المنفقين}: المتصدقين، وجميع ما في سبيل اللّه.
{والمستغفرين بالأسحار} السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر.
العرب تقول: جئتك بأعلى السحر ,تريد : في أول السحر، وهو أول إدبار الليل إلى طلوع الفجر الظاهر البين.
فاللّه عزّ وجلّ وصف هؤلاء بالتصديق , والإنفاق في سبيله , والقيام بعبادته، ثمّ وصفهم بأنهم مع ذلك ؛ لشدّة خوفهم, ووجلهم:يستغفرون بالأسحار). [معاني القرآن: 1/385]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار (16) الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار (17)}

{الّذين} بدل من {للذين اتقوا}[آل عمران: 15]، فسر في هذه الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنات، ويحتمل أن يكون إعراب قوله: {الّذين} في هذه الآية رفعا على القطع وإضمار الابتداء ويحتاج إلى القطع وإضمار فعل في قوله: {الصّابرين} والخفض في ذلك كله على البدل أوجه. ويجوز في الّذين، وما بعده النصب على المدح؟). [المحرر الوجيز: 2/ 176-177]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار (16) الصّابرين والصّادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار (17) }
يصف تعالى عباده المتّقين الّذين وعدهم الثّواب الجزيل، فقال تعالى:
{الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا} أي: بك وبكتابك وبرسولك {فاغفر لنا ذنوبنا} أي بإيماننا بك وبما شرعته لنا فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا من أمرنا بفضلك ورحمتك {وقنا عذاب النّار} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 23]


تفسير قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وموضع {الذين يقولون}: خفض صفة {للذين اتقوا}, المعنى للمتقين : القائلين.
{الّذين يقولون ربّنا إنّنا آمنّا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النّار}, وكذلك{الصابرين والصادقين}, ولو كانت رفعاً على الاستئناف لجاز ذلك , ولكن القراءة لا تجاوز.
ومعنى {القانتين}: أي : القائمين بعبادة اللّه، وقد فسرنا القنوت فيما مضى. ومعنى المنفقين : المتصدقين، وجميع ما في سبيل اللّه.
{والمستغفرين بالأسحار} السحر: الوقت الذي قبل طلوع الفجر.
العرب تقول: جئتك بأعلى السحر, تريد: في أول السحر، وهو أول إدبار الليل إلى طلوع الفجر الظاهر البين, فاللّه عزّ وجلّ وصف هؤلاء بالتصديق , والإنفاق في سبيله, والقيام بعبادته، ثمّ وصفهم بأنهم مع ذلك ؛ لشدّة خوفهم, ووجلهم : يستغفرون بالأسحار). [معاني القرآن: 1/385] (م)

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والصبر في هذه الآية معناه على الطاعات وعلى المعاصي والشهوات، والصدق معناه في الأقوال والأفعال، والقنوت، الطاعة والدعاء أيضا وبكل ذلك يتصف المتقي، والإنفاق معناه في سبيل الله ومظان الأجر كالصلة للرحم وغيرها، ولا يختص هذا الإنفاق بالزكاة المفروضة، والاستغفار طلب المغفرة من الله تعالى، وخص تعالى السحر لما فسر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول، من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر».
وروي في تفسير قول يعقوب عليه السلام: سوف أستغفر لكم ربي، أنه أخر الأمر إلى السحر، وروى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: «سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد يقول: رب أمرتني فأطعتك، وهذا سحر فاغفر لي، فنظرت فإذا ابن مسعود»، وقال أنس بن مالك: «أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة» ، وقال نافع: «كان ابن عمر يحيي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع آسحرنا؟ فأقول- لا- فيعاود الصلاة ثم يسأل، فإذا قلت نعم قعد يستغفر»، فلفظ الآية إنما يعطي طلب المغفرة، وهكذا تأوله من ذكرناه من الصحابة، وقال قتادة: «المراد بالآية المصلون بالسحر»، وقال زيد بن أسلم: «المراد بها الذين يصلون صلاة الصبح في جماعة وهذا كله يقترن به الاستغفار، والسحر والسحر، بفتح الحاء وسكونها آخر الليل»، قال الزجاج وغيره: «هو قبل طلوع الفجر»، وهذا صحيح لأن ما بعده الفجر هو من اليوم لا من الليلة، وقال بعض اللغويين: السحر من ثلث الليل الآخر إلى الفجر.
قال الفقيه الإمام: والحديث في التنزل وهذه الآية في الاستغفار يؤيدان هذا، وقد يجيء في أشعار العرب ما يقتضي أن حكم السحر يستمر فيما بعد الفجر نحو قول امرئ القيس:

يعلّ به برد أنيابها ....... إذا غرّد الطّائر المستحر

يقال: أسحر واستحر إذا دخل في السحر، وكذلك قولهم: نسيم السحر، يقع لما بعد الفجر، وكذلك قول الشاعر: ربيع بن زياد

تجد النساء حواسرا يندبنه ....... قد قمن قبل تبلج الأسحار

فقد قضى أن السحر يتبلج بطلوع الفجر، ولكن حقيقة السحر في هذه الأحكام الشرعية من الاستغفار المحمود، ومن سحور الصائم، ومن يمين لو وقعت إنما هي من ثلث الليل الباقي إلى السحر). [المحرر الوجيز: 2/ 177-178]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {الصّابرين} أي: في قيامهم بالطّاعات وتركهم المحرّمات {والصّادقين} فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه من الأعمال الشّاقّة {والقانتين} والقنوت: الطّاعة والخضوع {والمنفقين} أي: من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطّاعات، وصلة الأرحام والقرابات، وسدّ الخلات، ومواساة ذوي الحاجات {والمستغفرين بالأسحار} دلّ على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار.
وقد قيل: إنّ يعقوب، عليه السّلام، لمّا قال لبنيه:
{سوف أستغفر لكم ربّي}[يوسف:98] أنّه أخّرهم إلى وقت السّحر. وثبت في الصّحيحين وغيرهما من المساند والسّنن، من غير وجهٍ، عن جماعةٍ من الصّحابة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ينزل اللّه تبارك وتعالى في كلّ ليلةٍ إلى سماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟» الحديث وقد أفرد الحافظ أبو الحسن الدّارقطنيّ في ذلك جزءًا على حدةٍ فرواه من طرقٍ متعدّدةٍ.
وفي الصّحيحين، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت:
«من كلّ اللّيل قد أوتر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، من أوله وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السّحر».
وكان عبد اللّه بن عمر يصلّي من اللّيل، ثمّ يقول:
«يا نافع، هل جاء السّحر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدّعاء والاستغفار حتّى يصبح». رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا أبي، عن حريث بن أبي مطرٍ، عن إبراهيم بن حاطبٍ، عن أبيه قال:
«سمعت رجلًا في السّحر في ناحية المسجد وهو يقول: ربّ أمرتني فأطعتك، وهذا سحرٌ، فاغفر لي. فنظرت فإذا ابن مسعودٍ»، رضي اللّه عنه.
وروى ابن مردويه عن أنس بن مالكٍ قال:
«كنّا نؤمر إذا صلّينا من اللّيل أن نستغفر في آخر السّحر سبعين مرّةً» ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 23-24]



* للاستزادة ينظر: هنا