الدروس
course cover
تفسير سورة آل عمران[من الآية (18) إلى الآية (20) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

4998

0

0

course cover
تفسير سورة آل عمران

القسم الثاني

تفسير سورة آل عمران[من الآية (18) إلى الآية (20) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

22 Jan 2015

4998

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}


تفسير قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عز وجل: {شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم}
قال أبو عبيدة معنى{شهد الله}: قضى اللّه، وحقيقته أنه علم , وبين اللّه؛ لأن الشاهد هو العالم الذي يبين ما علمه، فاللّه عزّ وجلّ - قد دل على توحيده بجميع ما خلق فبيّن أنّه لا يقدر أحد أن ينشئ شيئا واحدا مما أنشأ، وشهدت الملائكة لما علمت من قدرته, وشهد أولو العلم بما ثبت عندهم, وتبين من خلقه الذي لا يقدر عليه غيره.
وأكثر القراءة {أنّه لا إله إلّا هو} بفتح الألف في (أنه),
وقد رويت بالكسر عن ابن عباس، وروى
{أنّ الدّين عند اللّه الإسلام} بفتح الألف " والأكثر فتح (أنّه) , وكسر (إنّ الدّين).
ومن قرأ (إنه) بالكسر, فالمعنى: شهد اللّه أن الدين عند اللّه الإسلام, وأنّه لا إله إلا هو, والأجود الفتح كما وصفنا في الأول؛ لأن الكلام, والتوحيد, والنداء بالأذان:{أشهد أن لا إله إلا الله}, وأكثر ما وقع أشهد على ذكر التوحيد,
وجائز أن يفتح أن الأولى,
وأن الثانية, فيكون فتح الثانية على جهتين على شهد اللّه أن لا إله إلا هو , وشهد أن الدين عنده الإسلام).
[معاني القرآن: 1/385-386]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم (18)}.أصل شهد في كلام العرب حضر، ومنه قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}[البقرة 185] ثم صرفت الكلمة حتى قيل في أداء ما تقرر علمه في النفس بأي وجه تقرر من حضور أو غيره: شهد يشهد فمعنى شهد اللّه أعلم عباده بهذا الأمر الحق وبينه، وقال أبو عبيدة: «شهد اللّه معناه، قضى الله» وهذا مردود من جهات، وقرأ جميع القراء: أنّه لا إله بفتح الألف من أنّه وبكسرها من قوله: {إنّ الدّين}[آل عمران: 19] واستئناف الكلام، وقرأ الكسائي وحده «أن الدين» بفتح الألف، قال أبو علي: «أن بدل من أنّه الأولى، وإن شئت جعلته من بدل الشيء من الشيء وهو هو، لأن الإسلام هو التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلت «إن الدين» بدلا من القسط لأنه هو في المعنى»، ووجه الطبري هذه القراءة، بأن قدر في الكلام واو عطف ثم حذفت وهي مرادة كأنه قال: {وإنّ الدّين} [آل عمران: 19] وهذا ضعيف، وقرأ عبد الله بن العباس: «إنه لا إله إلا هو» بكسر الألف من «إنه»، وقرأ «أن الدين» بفتح الألف، فأعمل شهد في «أن الدين وجاء قوله: «إنه لا إله إلا هو» اعتراضا جميلا في نفس الكلام المتصل، وتأول السدي الآية على نحو قراءة ابن عباس فقال: «الله وملائكته والعلماء يشهدون:{إنّ الدّين عند اللّه الإسلام}[آل عمران: 19] وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار، «شهداء الله» على وزن فعلاء، وبالإضافة إلى المكتوبة، قال أبو الفتح، هو نصب على الحال من الضمير في {المستغفرين} [آل عمران: 17] وهو جمع شهيد أو جمع شاهد كعالم وعلماء، وروي عن أبي المهلب هذا أنه قرأ «شهد الله» برفع الشهداء، وروي عنه أنه قرأ «شهد» الله» على وزن- فعل- بضم الفاء والعين ونصب شهداء على الحال، وحكى النقاش أنه قرئ «شهد الله» بضم الشين والهاء، والإضافة إلى المكتوبة قال: فمنهم من نصب الدال ومنهم من رفعها، وأصوب هذه القراءات قراءة الجمهور، وإبقاع الشهادة على التوحيد، والملائكة وأولوا العلم عطف على اسم الله تعالى، وعلى بعض ما ذكرناه من القراءات يجيء قوله: {والملائكة وأولوا العلم} ابتداء وخبره مقدر، كأنه قال: والملائكة وأولوا العلم يشهدون وقائماً نصب على الحال من اسمه تعالى في قوله: {شهد اللّه} أو من قوله إلّا هو وقرأ ابن مسعود «القائم بالقسط» والقسط العدل). [المحرر الوجيز: 2/ 178-179]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {شهد اللّه أنّه لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم (18) إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب (19) فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد (20) }
شهد تعالى -وكفى به شهيدًا، وهو أصدق الشّاهدين وأعدلهم، وأصدق القائلين-
{أنّه لا إله إلا هو} أي: المتفرد بالإلهيّة لجميع الخلائق، وأنّ الجميع عبيده وخلقه، والفقراء إليه، وهو الغنيّ عمّا سواه كما قال تعالى: {لكن اللّه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى باللّه شهيدًا} الآية [النّساء: 166].
ثمّ قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال:
{شهد اللّه أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم} وهذه خصوصيّةٌ عظيمةٌ للعلماء في هذا المقام.
{قائمًا بالقسط} منصوبٌ على الحال، وهو في جميع الأحوال كذلك.
{لا إله إلا هو} تأكيدٌ لما سبق {العزيز الحكيم} العزيز: الّذي لا يرام جنابه عظمةً وكبرياءً، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن عبد ربّه، حدّثنا بقيّة بن الوليد، حدّثني جبير بن عمرو القرشيّ، حدّثنا أبو سعيد الأنصاريّ، عن أبي يحيى مولى آل الزّبير بن العوّام، عن الزّبير بن العوّام، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية:
{شهد اللّه أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}«وأنا على ذلك من الشّاهدين يا ربّ».
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر، فقال: حدّثنا عليّ بن حسينٍ، حدّثنا محمّد بن المتوكّل العسقلانيّ، حدّثنا عمر بن حفص بن ثابتٍ أبو سعيدٍ الأنصاريّ، حدّثنا عبد الملك بن يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه، عن جدّه، عن الزّبير قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين قرأ هذه الآية:
{شهد اللّه أنّه لا إله إلا هو والملائكة} قال: «وأنا أشهد أي ربّ».
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ في المعجم الكبير: حدّثنا عبدان بن أحمد وعليّ بن سعيدٍ الرّازيّ قالا حدّثنا عمّار بن عمر بن المختار، حدّثني أبي، حدّثني غالبٌ القطّان قال:
«أتيت الكوفة في تجارةٍ، فنزلت قريبًا من الأعمش، فلمّا كانت ليلةٌ أردت أن أنحدر قام فتهجّد من اللّيل، فمرّ بهذه الآية: {شهد اللّه أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم. إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} ثمّ قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد اللّه به، وأستودع اللّه هذه الشّهادة، وهي لي عند اللّه وديعةٌ: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} قالها مرارًا. قلت: لقد سمع فيها شيئًا، فغدوت إليه فودّعته، ثمّ قلت: يا أبا محمّدٍ، إنّي سمعتك تردد هذه الآية. قال: أو ما بلغك ما فيها؟ قلت: أنا عندك منذ شهرٍ لم تحدّثني. قال: واللّه لا أحدّثك بها إلى سنةٍ. فأقمت سنةً فكنت على بابه، فلمّا مضت السّنة قلت: يا أبا محمّدٍ، قد مضت السّنة. قال: حدّثني أبو وائلٍ، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول اللّه عزّ وجلّ: عبدي عهد إليّ، وأنا أحقّ من وفّى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنّة»). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 24-25]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب}
لك في {جاءهم} الفتح والتفخيم، ولك الإمالة نحو الكسر , فأما الفتح فلغة أهل الحجاز، وهي اللغة العليا القدمى,
وأما جاءهم بالكسر فلغة تميم, وكثير من العرب, وهي جيدة فصيحة أيضاً.

فالذي يميل إلى الكسر يدل على أن الفعل من ذوات الياء,
والذي يفتح, فلأن الياء قد انقلبت صورتها إلى الألف, وفي الألف حظها من الفتح, وكل مصيب.

ونصب {بغيا} بقوله: {اختلفوا}, والمعنى: اختلفوا بغياً, أي: للبغي، لم يختلفوا ؛ لأنهم رأوا البصيرة والبرهان.
قال الأخفش المعنى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم ، والذي هو الأجود أن يكون بغياً منصوباً بما دل عليه, {وما اختلفوا}, فيكون المعنى: اختلفوا بغياً بينهم.
{ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} أي: سريع الحساب له.
والجزم هو الوجه في {ومن يكفر}, وهي القراءة, ولو قرئت بالرفع, لكان له وجه من القياس, ولكن الجزم أجود وأفصح في المعنى.
ومعنى {سريع الحساب}, أي: سريع المجازاة له كما قال: {وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر أو هو أقرب},
وقالوا: جائز أن يكون
{سريع الحساب}: سريع التعريف للعامل عمله -؛ لأنه جل ثناؤه عالم بجميع ما عملوا لا يحتاج إلى إثبات شيء, وتذاكر شيء.
ونصب {قائما بالقسط} حال مؤكدة ؛ لأن الحال المؤكدة تقع مع الأسماء في غير الإشارة، تقول إنه زيد معروفاً, وهو الحق مصدقاً, ولا إله إلا هو قائماً بالقسط.
والقسط في اللغة: العدل قال اللّه {وأقيموا الوزن بالقسط} أي: بالعدل، ويقال أقسط الرجل إذا عدل, وقسط إذا جار, والعادل مقسط, والجائر قاسط,
قال اللّه
{وأقسطوا إنّ اللّه يحبّ المقسطين} أي: اعدلوا إن اللّه يحب العادلين, وقال: {وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً}, فإن قال قائل: فمن أين جاء من لفظ القسط , ما معناه الجور وأصله العدل؟
فإنما ذلك كقولك : عدل الرجل على القوم, يعدل عدلاً, ومعدلة.
ومعدلة، إذا هو أنصفهم، وعدل عن الحق عدلاً إذا جار، فكذلك جاء من لفظ القسط ما معناه الجور , كما جاء ما معناه العدل). [معاني القرآن: 1/387-388]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب (19)}
قد تقدم ذكر اختلاف القراء في كسر الألف من إنّ الدّين وفتحها، والدّين في هذه الآية الطاعة والملة، والمعنى، أن الدين المقبول أو النافع أو المقرر، والإسلام في هذه الآية هو الإيمان والطاعة، قاله أبو العالية وعليه جمهور المتكلمين، وعبر عنه قتادة ومحمد بن جعفر بن الزبير بالإيمان.
قال أبو محمد رحمه الله: «ومرادهما أنه مع الأعمال، والإسلام هو الذي سأل عنه جبريل النبي عليه السلام حين جاء يعلم الناس دينهم الحديث وجواب النبي له في الإيمان والإسلام يفسر ذلك، وكذلك تفسيره قوله عليه السلام: بني الإسلام على خمس، الحديث، وكل مؤمن بنبيه ملتزم لطاعات شرعه فهو داخل تحت هذه الصفة»، وفي قراءة ابن مسعود «إن الدين عند الله للإسلام» باللام ثم أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب، أنه كان على علم منهم بالحقائق، وأنه كان بغيا وطلبا للدنيا، قاله ابن عمر وغيره.
والّذين أوتوا الكتاب لفظ يعم اليهود والنصارى، لكن الربيع بن أنس قال: «المراد بهذه الآية اليهود، وذلك أن موسى عليه السلام، لما حضرته الوفاة، دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة، عند كل حبر جزء، واستخلف يوشع بن نون فلما مضت ثلاثة قرون، وقعت الفرقة بينهم»، وقال محمد بن جعفر بن الزبير: «المراد بهذه الآية النصارى، وهي توبيخ لنصارى نجران»، وبغياً نصب على المفعول من أجله أو على الحال من الّذين ثم توعد عز وجل الكفار، وسرعة الحساب يحتمل أن يراد بها سرعة مجيء القيامة والحساب إذ هي متيقنة الوقوع، فكل آت قريب ويحتمل أن يراد بسرعة الحساب أن الله تعالى بإحاطته بكل شيء علما لا يحتاج إلى عد ولا فكرة، قاله مجاهد). [المحرر الوجيز: 2/ 180-181]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} إخبارٌ من اللّه تعالى بأنّه لا دين عنده يقبله من أحدٍ سوى الإسلام، وهو اتّباع الرّسل فيما بعثهم اللّه به في كلّ حينٍ، حتّى ختموا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، الّذي سدّ جميع الطّرق إليه إلّا من جهة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن لقي اللّه بعد بعثته محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بدين على غير شريعته، فليس بمتقبّلٍ. كما قال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}[آل عمران:85] وقال في هذه الآية مخبرًا بانحصار الدّين المتقبّل عنده في الإسلام: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام}
وذكر ابن جريرٍ أنّ ابن عبّاسٍ قرأ:
{شهد اللّه أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائمًا بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم. إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} بكسر إنّه وفتح {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} أي: شهد هو وملائكته وأولو العلم من البشر بأنّ الدّين عند اللّه الإسلام. والجمهور قرأوها بالكسر على الخبر، وكلا المعنيين صحيحٌ. ولكنّ هذا على قول الجمهور أظهر واللّه أعلم.
ثمّ أخبر تعالى بأنّ الّذين أوتوا الكتاب الأوّل إنّما اختلفوا بعد ما قامت عليهم الحجّة، بإرسال الرّسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم، فقال:
{وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم} أي: بغى بعضهم على بعضٍ، فاختلفوا في الحقّ لتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جميع أقواله وأفعاله، وإن كانت حقًّا، ثمّ قال: {ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب} أي: من جحد بما أنزل اللّه في كتابه فإن الله سيجازيه على ذلك، ويحاسبه على تكذيبه، ويعاقبه على مخالفته كتابه). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 25-26]


تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصير بالعباد}
إن شئت أسكنت الياء (من وجهي),
وإن شئت فتحتها , فقلت: أسلمت وجهي للّه، وقد فسّرنا أمر هذه الياء فيما سلف، والمعنى: أن اللّه عزّ وجلّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج على أهل الكتاب, والمشركين, بأنه اتبع أمر اللّه الذي هم أجمعون مقرون بأنه خالقهم، فدعاهم إلى ما أقروا به، وأراهم الدلالات والآيات التي قد شرحنا ذكرها, بأنه رسوله صلى الله عليه وسلم
ومعنى {أسلمت وجهي للّه}أي: قصدت بعبادتي إلى اللّه جل ثناؤه , وأقررت أنه لا إله غيره، وكذلك {من اتّبعن}, ويجوز في اللغة: أسلمت وجهي, أي: أسلمت نفسي, قال اللّه عزّ وجلّ: {كلّ شيء هالك إلّا وجهه}
وقال: {ويبقى وجه ربّك} المعنى: ويبقى ربك, والمعنى: كل شيء هالك إلا اللّه عزّ وجلّ.
{ومن اتبعن}: لك حذف الياء, وإثباتها، والأحبّ إليّ في هذا اتباع المصحف؛ لأن اتباعه سنة, ومخالفته بدعة، وما حذف من هذه الياءات نحو {ومن اتبعن}, {لئن أخرتن إلى يوم القيامة}, ونحو فيقول: {ربي أكرمن}, فيقول: {ربي أهانن}, فهو على ضربين مع النون، فإذا كان رأس آية, فأهل اللغة يسمون أواخر الآي الفواصل, فيجيزون حذف الياءات، كما يجيزونه في قوافي الشعر، كما قال الأعشى:
ومن شانئ كاسف وجهه.= إذا ما انتسبت له أنكرن
وهل يمنعني ارتيادي البلاد= من حذر الموت أن يأتين
المعنى: أن يأتيني وأنكرني، فإذا لم يكن آخر قافية , أو آخر آية, فالأكثر إثبات الياء، وحذفها جيّد بالغ أيضاً بخاصة مع النونات، إلا أن أصل اتبعني " اتبعي " , ولكن النون زيدت, لتسلم فتحة العين، فالكسرة مع النون تنوب عن الياء، فإذا لم تكن النون نحو غلامي , وصاحبي, فالأجود إثباتها، وحذفها مع غير النون أقل منه مع النون إلا أنه جائز، نقول هذا غلام قد جاء , والأجود هذا غلامي قد جاء، وغلامي قد جاء، بفتح الياء, وإسكانها, وحذفها جائز؛ لأنّ الكسرة دالة عليها.
وقوله تبارك اسمه: {وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم}, الذين أوتوا الكتاب ": اليهود والنصارى، والأميون مشركو العرب ؛ لأنهم إنما نسبوا إلى ما عليه الأمة في الخلقة ؛ لأن الإنسان يخلق غير كاتب، فهذا معنى: الأمّيين،
وقال بعض النحويين معنى : أأسلمتم الأمر،
معناه عندهم: أسلموا, وحقيقة هذا الكلام أنه لفظ استفهام، معناه: التوقيف والتهديد، كما تقول للرجل بعد أن تأمره, وتؤكد عليه " أقبلت.. وإلا فأنت أعلم ", فأنت إنما تسأله متوعداً في مسألتك، لعمري هذا دليل: أنك تأمره بأن يفعل.
ومعنى{وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ} أي: ليس عليك هداهم , إنما عليك إقامة البرهان لهم , فإذا بلغت, فقد أدّيت ما عليك.
وقوله جلّ وعزّ: {واللّه بصير بالعباد}أي: بصير بما يقطع عذرهم فيما دلهم به على وحدانيته , وتثبيت رسله.
وقال في إثر هذه الآية: {إنّ الّذين يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير حقّ ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من النّاس فبشّرهم بعذاب أليم}). [معاني القرآن: 1/388-390]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد (20)}
حاجّوك فاعلوك من الحجة والضمير في حاجّوك لليهود ولنصارى نجران والمعنى: إن جادلوك وتعنتوا بالأقاويل المزورة، والمغالطات فاسند إلى ما كلفت من الإيمان والتبليغ وعلى الله نصرك، وقوله وجهي يحتمل أن يراد به المقصد كما تقول خرج فلان في وجه كذا فيكون معنى الآية: جعلت مقصدي لله، ويحتمل أن يكون معنى الآية، أسلمت شخصي وذاتي وكليتي وجعلت ذلك لله، وعبر بالوجه إذ الوجه أشرف أعضاء الشخص وأجمعها للحواس، وقد قال حذاق المتكلمين في قوله تعالى: {ويبقى وجه ربّك}[الرحمن: 27] أنها عبارة عن الذات، وأسلمت في هذا الموضع بمعنى دفعت وأمضيت وليست بمعنى دخلت في السلم لأن تلك لا تتعدى، وقوله تعالى: {ومن اتّبعن} في موضع رفع عطف على الضمير في موضع خفض عطفا على اسم الله تعالى كأنه يقول: جعلت مقصدي لله بالإيمان به والطاعة له، ولمن اتبعن بالحفظ له والتحفي بتعليمه وصحبته لك في اتّبعن حذف الياء وإثباتها وحذفها أحسن اتباعا لخط المصحف، وهذه النون إنما هي لتسلم فتحة لام الفعل فهي مع الكسرة تغني عن الياء لا سيما إذا كانت رأس آية، فإنها تشبه قوافي الشعر كما قال الأعشى:

وهل يمنعنّ ارتياد البلا ....... د من حذر الموت أن يأتين

فمن ذلك قوله تعالى: {ربّي أكرمن}[الفجر: 15] فإذا لم تكن نون فإثبات الياء أحسن، لكنهم قد قالوا: هذا غلام قد جاء فاكتفوا بالكسرة دلالة على الياء، والذين أوتوا الكتاب في هذا الموضع يجمع اليهود والنصارى باتفاق، والأميون هم الذين لا يكتبون وهم العرب في هذه الآية، وهذه النسبة هي إلى الأم أو إلى الأمة أي كما هي الأم، أو على حال خروج الإنسان عن الأم أو على حال الأمة الساذجة قبل التعلم والتحذق، وقوله: {أأسلمتم} تقرير في ضمنه الأمر كذا قال الطبري وغيره:«وذلك بين»، وقال الزجاج: «أأسلمتم تهديد»، وهذا حسن، لأن المعنى أأسلمتم أم لا؟.
وقوله تعالى: {فقد اهتدوا} وجاءت العبارة بالماضي مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى لهم وتحصله.
وقوله تعالى: {فإنّما عليك البلاغ} ذكر بعض الناس أنها آية موادعة وأنها مما نسخته آية السيف.
قال أبو محمد: «وهذا يحتاج أن يقترن به معرفة تاريخ نزولها، وأما على ظاهر نزول هذه الآية في وقت وفد نجران فإنما المعنى فإنّما عليك البلاغ بما فيه قتال وغيره»، والبلاغ مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل، وفي قوله تعالى: {واللّه بصيرٌ بالعباد} وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين). [المحرر الوجيز: 2/ 181-183]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {فإن حاجّوك} أي: جادلوك في التّوحيد {فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن} أي: فقل أخلصت عبادتي للّه وحده، لا شريك له ولا ندّ له ولا ولد ولا صاحبة له {ومن اتّبعن} على ديني، يقول كمقالتي، كما قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرةٍ أنا ومن اتّبعني وسبحان اللّه وما أنا من المشركين}[يوسف: 108].
ثمّ قال تعالى آمرًا لعبده ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يدعو إلى طريقته ودينه، والدّخول في شرعه وما بعثه اللّه به الكتابيّين من الملّتين والأمّيّين من المشركين فقال:
{وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ} أي: واللّه عليه حسابهم وإليه مرجعهم ومآبهم، وهو الّذي يهدي من يشاء، ويضلّ من يشاء، وله الحكمة في ذلك، والحجّة البالغة؛ ولهذا قال: {واللّه بصيرٌ بالعباد} أي: هو عليمٌ بمن يستحقّ الهداية ممّن يستحقّ الضّلالة، وهو الّذي {لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 33] وما ذاك إلّا لحكمته ورحمته.
وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدّلالات على عموم بعثته، صلوات اللّه وسلامه عليه، إلى جميع الخلق، كما هو معلومٌ من دينه ضرورةً، وكما دلّ عليه الكتاب والسّنّة في غير ما آيةٍ وحديثٍ، فمن ذلك قوله تعالى:
{قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا}[الأعراف: 158] وقال تعالى: {تبارك الّذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا}[الفرقان: 1] وفي الصّحيحين وغيرهما، ممّا ثبت تواتره بالوقائع المتعدّدة، أنّه بعث كتبه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو إلى اللّه ملوك الآفاق، وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم، كتابيّهم وأمّيّهم، امتثالًا لأمر اللّه له بذلك. وقد روى عبد الرّزّاق، عن معمر، عن همّام، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «والّذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمّة يهوديّ ولا نصراني، ومات ولم يؤمن بالّذي أرسلت به، إلّا كان من أهل النّار» رواه مسلمٌ.
وقال صلّى اللّه عليه وسلّم:
«بعثت إلى الأحمر والأسود» وقال: «كان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّةً وبعثت إلى النّاس عامّةً». وقال الإمام أحمد: حدّثنا مؤمّل، حدّثنا حمّاد، حدّثنا ثابتٌ عن أنسٍ، رضي اللّه عنه: أنّ غلامًا يهوديًّا كان يضع للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وضوءه ويناوله نعليه، فمرض، فأتاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فدخل عليه وأبوه قاعدٌ عند رأسه فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا فلان، قل: لا إله إلّا اللّه» فنظر إلى أبيه، فسكت أبوه، فأعاد عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنظر إلى أبيه، فقال أبوه: أطع أبا القاسم، فقال الغلام:: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّك رسول الله، فخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقول: «الحمد لله الّذي أخرجه بي من النّار» أخرجه البخاريّ في الصّحيح إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 26-27]



* للاستزادة ينظر: هنا