الدروس
course cover
تفسير سورة آل عمران[من الآية (28) إلى الآية (30) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

4454

0

0

course cover
تفسير سورة آل عمران

القسم الثالث

تفسير سورة آل عمران[من الآية (28) إلى الآية (30) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

22 Jan 2015

4454

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}


تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وذكر الله جلّ وعزّ بعد هذا التقديس, والتعظيم أمر المنافقين فقال:{لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء إلّا أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}, القراءة بالجزم، وكسر الذال لالتقاء السّاكنين، ولو رفعت لكان وجهاً.
فقلت: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}
المعنى: أنه من كان مؤمنا فلا ينبغي أن يتخذ الكافر ولياً ؛ لأن ولي الكافر راض بكفره، فهو كافر.
قال الله جلّ وعزّ: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم}.
وقال: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض},ومعنى: {من دون المؤمنين}أي: لا يجعل ولاية لمن هو غير مؤمن، أي لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين، وهذا كلام جرى على المثل في المكان كما تقول: زيد دونك, فلست تريد أنه في موضع مستقل , وأنك في موضع مرتفع، ولكنك جعلت الشرف بمنزلة الارتفاع في المكان، وجعلت الخسّة كالاستقبال في المكان, فالمعنى: أن المكان المرتفع في الولاية مكان المؤمنين, فهذا بيان قوله: {من دون المؤمنين}.
ومعنى{ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء} أي : من يتول غير المؤمنين , فاللّه بريء منه.
{إلّا أن تتّقوا منهم تقاة}: و (تقيّة) قرئا جميعاً, فأباح الله جلّ وعزّ الكفر مع القصة.
والتقيّة خوف القتل، إلا أن هذه الإباحة لا تكون إلا مع سلامة النية وخوف القتل.
{ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}, معنى: (نفسه) إيّاه إلا أن النفس يستغنى بها هنا عن " إياه " وهو الكلام، وأما قوله عز وجل: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}, فممّا به خوطب العباد على قدر علمهم، ومعناه: تعلم ما عندي وما في حقيقتي, ولا أعلم ما عندك لا ما في حقيقتك.
وفي قوله: {تؤتي الملك من تشاء} أي: تؤتي الملك من تشاء أن تؤتيه، وكذلك {وتنزع الملك ممّن تشاء} أن تنزعه منه إلا أنه حذف ؛ لأن في الكلام ما يدل عليه). [معاني القرآن: 1/396-397]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير (28)}
هذا النهي عن الاتخاذ إنما هو فيما يظهره المرء فأما أن يتخذه بقلبه ونيته فلا يفعل ذلك مؤمن، والمنهيون هنا قد قرر لهم الإيمان، فالنهي إنما هو عبارة عن إظهار اللطف للكفار والميل إليهم، ولفظ الآية عام في جميع الأعصار، واختلف الناس في سبب هذه الآية، فقال ابن عباس: «كان كعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر بن زبير وعبد الله بن جبير وسعد بن خيثمة لأولئك النفر اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا مباطنتهم فأبى أولئك النفر إلا موالاة اليهود فنزلت الآية في ذلك»، وقال قوم: نزلت الآية في قصة حاطب بن أبي بلتعة وكتابه إلى أهل مكة، والآية عامة في جميع هذا ويدخل فيها فعل أبي لبابة في إشارته إلى حلقه حين بعثه النبي عليه السلام في استنزال بني قريظة، وأما تعذيب بني المغيرة لعمار فنزل فيما أباح النبي عليه السلام لعمار {إلّا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان}[النحل: 106].
وقوله تعالى: من دون عبارة عن كون الشيء الذي تضاف إليه دون غائبا متنحيا ليس من الأمر الأول في شيءٍ، وفي المثل، وأمر دون عبيدة الوذم كأنه من غير أن ينتهي إلى الشيء الذي تضاف إليه، ورتبها الزجاج المضادة للشرف من الشيء الدون وفيما قاله نظر، قوله: {فليس من اللّه في شيءٍ} معناه، في شيء مرضي على الكمال والصواب، وهذا كما قال النبي عليه السلام: «من غشنا فليس منا»، وفي الكلام حذف مضاف تقديره، فليس من التقرب إلى الله أو التزلف ونحو هذا، وقوله: {في شيءٍ} هو في موضع نصب على الحال من الضمير الذي في قوله «ليس من الله» ثم أباح الله إظهار اتخاذهم بشرط الاتقاء، فأما إبطانه فلا يصح أن يتصف به مؤمن في حال، وقرأ جمهور الناس «تقاة» أصله وقية- على وزن فعلة- بضم الفاء وفتح العين أبدلوا من الواو تاء كتجاة وتكأة فصار تقية ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فجاء تقاةً قال أبو علي يجوز أن تكون تقاةً مثل رماة حالا من تتّقوا وهو جمع فاعل وإن كان لم يستعمل منه فاعل، ويجوز أن يكون جمع تقى وجعل فعيل بمنزلة فاعل، وقرأ ابن عباس والحسن وحميد بن قيس ويعقوب الحضرمي ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو رجاء والجحدري وأبو حيوة «تقية» بفتح التاء وشد الياء على وزن فعيلة وكذلك روى المفضل عن عاصم وأمال الكسائي القاف في تقاةً في الموضعين، وأمال حمزة في هذه الآية ولم يمل في قوله: {حقّ تقاته}[آل عمران: 102] وفتح سائر القراء القاف إلا أن نافعا كان يقرأها بين الفتح والكسر، وذهب قتادة إلى أن معنى الآية {إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً}: «من جهة صلة الرحم أي ملامة، فكأن الآية عنده مبيحة الإحسان إلى القرابة من الكفار»، وذهب جمهور المفسرين إلى أن معنى الآية: «إلا أن تخافوا منهم خوفا وهذا هو معنى التقية».
واختلف العلماء في التقية ممن تكون؟ وبأي شيء تكون؟ وأي شيء تبيح؟ فأما الذي تكون منه التقية فكل قادر غالب مكره يخاف منه، فيدخل في ذلك الكفار إذا غلبوا وجورة الرؤساء والسلابة وأهل الجاه في الحواضر، قال مالك رحمه الله: «وزوج المرأة قد يكره، وأما بأي شيء تكون التقية ويترتب حكمها فذلك بخوف القتل وبالخوف على الجوارح وبالضرب بالسوط وبسائر التعذيب، فإذا فعل بالإنسان شيء من هذا أو خافه خوفا متمكنا فهو مكره وله حكم التقية، والسجن إكراه والتقييد إكراه والتهديد والوعيد إكراه وعداوة أهل الجاه الجورة تقية، وهذه كلها بحسب حال المكره وبحسب الشيء الذي يكره عليه، فكم من الناس ليس السجن فيهم بإكراه، وكذلك الرجل العظيم يكره بالسجن والضرب غير المتلف ليكفر فهذا لا تتصور تقيته من جهة عظم الشيء الذي طلب منه، ومسائل الإكراه هي من النوع الذي يدخله فقه الحال»، وأما أي شيء تبيح فاتفق العلماء على إباحتها للأقوال باللسان من الكفر وما دونه ومن بيع وهبة وطلاق، وإطلاق القول بهذا كله، ومن مداراة ومصانعة، وقال ابن مسعود: «ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان، إلا كنت متكلما به». واختلف الناس في الأفعال، فقال جماعة من أهل العلم منهم الحسن ومكحول ومسروق: «يفعل المكره كل ما حمل عليه مما حرم الله فعله وينجي نفسه بذلك»، وقال مسروق: «فإن لم يفعل حتى مات دخل النار»، وقال كثير من أهل العلم منهم سحنون: «بل إن لم يفعل حتى مات فهو مأجور وتركه ذلك المباح أفضل من استعماله»، وروي أن عمر بن الخطاب قال في رجل يقال له، نهيت بن الحارث، أخذته الفرس أسيرا، فعرض عليه شرب الخمر وأكل الخنزير وهدد بالنار، فلم يفعل فقذفوه فيها فبلغ ذلك عمر، فقال: وما كان عليّ نهيت أن يأكل، وقال جمع كثير من العلماء التقية إنما هي مبيحة للأقوال، فأما الأفعال فلا، روي ذلك عن ابن عباس والربيع والضحاك، وروي ذلك عن سحنون وقال الحسن : «في الرجل يقال له: اسجد لصنم وإلا قتلناك، قال، إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ويجعل نيته لله، فإن كان إلى غير القبلة فلا وإن قتلوه»، قال ابن حبيب: «وهذا قول حسن».
قال القاضي: «وما يمنعه أن يجعل نيته لله وإن كان لغير قبلة، وفي كتاب الله{فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}[البقرة: 115]وفي الشرع إباحة التنفل للمسافر إلى غير القبلة»، هذه قواعد مسألة التقية، وأما تشعب مسائلها فكثير لا يقتضي الإيجاز جمعه.
وقوله تعالى: {ويحذّركم اللّه} إلى آخر الآية وعيد وتنبيه ووعظ وتذكير بالآخرة، وقوله: نفسه نائبة عن إياه، وهذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر، والنفس في مثل هذا راجع إلى الذات، وفي الكلام حذف مضاف لأن التحذير إنما هو من عقاب وتنكيل ونحوه، فقال ابن عباس والحسن: «ويحذركم الله عقابه» ). [المحرر الوجيز: 2/ 191-194]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلا أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير (28)}
نهى اللّه، تبارك وتعالى، عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتّخذوهم أولياء يسرّون إليهم بالمودّة من دون المؤمنين، ثمّ توعّد على ذلك فقال:
{ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ} أي: من يرتكب نهي اللّه في هذا فقد برئ من اللّه كما قال: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطانًا مبينًا}[النّساء:144] وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين}[المائدة: 51].
وقال تعالى:
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} إلى أن قال: {ومن يفعله منكم فقد ضلّ سواء السّبيل}[الممتحنة: 1] وقال تعالى -بعد ذكر موالاة المؤمنين للمؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب-: {والّذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ} [الأنفال: 73].
وقوله:
{إلا أن تتّقوا منهم تقاةً} أي: إلّا من خاف في بعض البلدان أوالأوقات من شرّهم، فله أن يتّقيهم بظاهره لا بباطنه ونيّته، كما حكاه البخاريّ عن أبي الدّرداء أنّه قال: «إنّا لنكشر في وجوه أقوامٍ وقلوبنا تلعنهم».
وقال الثّوريّ: قال ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما:
«ليس التّقيّة بالعمل إنّما التّقيّة باللّسان»، وكذا رواه العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: «إنّما التّقيّة باللّسان»، وكذا قال أبو العالية، وأبو الشّعثاء والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ. ويؤيّد ما قالوه قول اللّه تعالى: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من اللّه ولهم عذابٌ عظيمٌ}[النحل: 106].
وقال البخاريّ: قال الحسن:
«التّقيّة إلى يوم القيامة».
ثمّ قال تعالى:
{ويحذّركم اللّه نفسه} أي: يحذّركم نقمته، أي مخالفته وسطوته في عذابه لمن والى أعداءه وعادى أولياءه.
ثمّ قال تعالى:
{وإلى اللّه المصير} أي: إليه المرجع والمنقلب، فيجازي كلّ عاملٍ بعمله.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا سويد بن سعيدٍ، حدّثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي حسينٍ، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن عمرو بن ميمون بن مهران قال:
«قام فينا معاذ ابن جبلٍ فقال: يا بني أودٍ، إنّي رسول رسول اللّه إليكم، تعلمون أنّ المعاد إلى اللّه إلى الجنّة أو إلى النّار» ). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 30-31]


تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللّه ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (29) يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رؤفٌ بالعباد (30)}
الضمير في تخفوا هو للمؤمنين الذين نهوا عن اتخاذ الكافرين أولياء، والمعنى أنكم إن أبطنتم الحرص على إظهار موالاتهم فإن الله يعلم ذلك ويكرهه منكم، وقوله تعالى: {ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض}، معناه على التفصيل، وقوله على كلّ شيءٍ قديرٌ عموم والشيء في كلام العرب الموجود). [المحرر الوجيز: 2/ 194-195]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه اللّه ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (29) يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد (30)}
يخبر تبارك وتعالى عباده أنّه يعلم السّرائر والضّمائر والظّواهر، وأنّه لا يخفى عليه منهم خافيةٌ، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والآناث واللحظات وجميع الأوقات، وبجميع ما في السموات والأرض، لا يغيب عنه مثقال ذرّةٍ، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال، وهو
{على كلّ شيءٍ قديرٌ} أي: قدرته نافذةٌ في جميع ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 31]


تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوف بالعباد}
ونصب: {يوم تجد كلّ نفس} بقوله: {ويحذّركم اللّه نفسه}: كأنه قال: ويحذركم اللّه نفسه في ذلك اليوم، ويجوز أن يكون نصب على قوله: {وإلى اللّه المصير يوم تجد كل نفس}، والقول الأول أجود).[معاني القرآن: 1/397]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ويوم نصب على الظرف، وقد اختلف في العامل فيه، فقال مكي بن أبي طالب: «العامل فيه قديرٌ»، وقال الطبري: «العامل فيه قوله:{وإلى اللّه المصير}[آل عمران: 28]» وقال الزجّاج: «وقال أيضا العامل فيه{ويحذّركم اللّه نفسه}[آل عمران: 28]يوم ورجحه» وقال مكي: «حكاية العامل فيه فعل مضمر تقديره، «اذكر يوم»، وما بمعنى الذي ومحضراً» قال قتادة: «معناه موفرا»، وهذا تفسير بالمعنى، والحضور أبين من أن يفسر بلفظ آخر، وقوله تعالى: {ما عملت من سوءٍ} يحتمل أن تكون ما معطوفة على ما الأولى فهي في موضع نصب وتكون تودّ في موضع الحال، وإلى هذا العطف ذهب الطبري وغيره، ويحتمل أن تكون رفعا بالابتداء ويكون الخبر في قوله: تودّ وما بعده كأنه قال: وعملها السيّء مردود عندها أن بينها وبينه أمدا، وفي قراءة ابن مسعود «من سوء ودت» وكذلك قرأ ابن أبي عبلة، ويجوز على هذه القراءة أن تكون ما شرطية ولا يجوز ذلك على قراءة «تود» لأن الفعل مستقبل مرفوع والشرط يقتضي جزمه اللهم إلا أن يقدر في الكلام محذوف «فهي تود» وفي ذلك ضعف، و «الأمد» الغاية المحدودة من المكان أو الزمان، قال النابغة: سبق الجواد إذا استولى على الأمد فهذه غاية في المكان، وقال الطرماح:

كلّ حيّ مستكمل عدّة العم ....... ر ومود إذا انقضى أمده

فهذه غاية في الزمان، وقال الحسن في تفسير هذه الآية: «يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا ذلك مناه، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها»، وقوله: {واللّه رؤفٌ بالعباد} يحتمل أن يكون إشارة إلى التحذير لأن تحذيره وتنبيهه على النجاة رأفة منه بعباده، ويحتمل أن يكون ابتداء إعلام بهذه الصفة فمقتضى ذلك التأنيس لئلا يفرط الوعيد على نفس مؤمن، وتجيء الآية على نحو قوله تعالى: {إنّ ربّك لشديد العقاب، وإنّه لغفورٌ رحيمٌ}[الأعراف: 165] لأن قوله: {ويحذّركم اللّه نفسه}[آل عمران: 28] والله محذور العقاب). [المحرر الوجيز: 2/ 195-196]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهذا تنبيهٌ منه لعباده على خوفه وخشيته، وألّا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم، فإنّه عالمٌ بجميع أمورهم، وهو قادرٌ على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أنظر من أنظر منهم، فإنّه يمهل ثمّ يأخذ أخذ عزيزٍ مقتدرٍ؛ ولهذا قال بعد هذا: {يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدًا بعيدًا} الآية، يعني: يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خيرٍ وشرٍّ كما قال تعالى: {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر}[القيامة: 13] فما رأى من أعماله حسنًا سرّه ذلك وأفرحه، وما رأى من قبيحٍ ساءه وغاظه، وودّ لو أنّه تبرّأ منه، وأن يكون بينهما أمدٌ بعيدٌ، كما يقول لشيطانه الّذي كان مقترنًا به في الدّنيا، وهو الّذي جرّأه على فعل السّوء: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}[الزّخرف: 38].
ثمّ قال تعالى مؤكّدًا ومهدّدًا ومتوعّدًا:
{ويحذّركم اللّه نفسه} أي: يخوّفكم عقابه، ثمّ قال مرجيًا لعباده لئلّا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه: {واللّه رءوفٌ بالعباد} قال الحسن البصريّ: «من رأفته بهم حذّرهم نفسه». وقال غيره: أي: رحيمٌ بخلقه، يحبّ لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم، وأن يتّبعوا رسوله الكريم). [تفسير القرآن العظيم: 2/ 31-32]



* للاستزادة ينظر: هنا