22 Jan 2015
تفسير
قول الله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ
يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
(69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ
تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ
بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}
تفسير قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ
يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
(69)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله
تعالى: ودّت طائفةٌ من أهل الكتاب لو يضلّونكم وما يضلّون إلاّ أنفسهم وما
يشعرون (69) يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون (70) يا
أهل الكتاب لم تلبسون الحقّ بالباطل وتكتمون الحقّ وأنتم تعلمون (71)
أخبر الله تعالى عن
طائفة أنها تود وتشتهي أن تضل المسلمين، أي تتلفهم عن دينهم وتجعلهم في
ضلال ثم فسر الطائفة بقوله: من أهل الكتاب فتحتمل من أن تكون للتبعيض،
وتكون الطائفة الرؤساء والأحبار الذين يسكن الناس إلى قولهم، ويحتمل أن
تكون لبيان الجنس وتكون الطائفة جميع أهل الكتاب، وقال الطبري: يضلّونكم
معناه يهلكونكم، واستشهد ببيت جرير.
كنت القذى في موج أخضر مزبد = قذف الأتيّ به فضلّ ضلالا
وقول النابغة: [الطويل]
فآب مضلّوه بعين جليّة ... البيت
وهذا تفسير غير خاص
باللفظة وإنما اطرد له هذا الضلال في الآية وفي البيتين اقترن به هلاك،
وأما أن تفسر لفظة الضلال بالهلاك فغير قويم، قوله تعالى: وما يضلّون إلّا
أنفسهم إعلام بأن سوء فعلهم عائد عليهم، وأنهم ببعدهم عن الإسلام هم
الضالون، ثم أعلم أنهم لا يشعرون أنهم لا يصلون إلى إضلالكم). [المحرر الوجيز: 2/250-251]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (
{ودّت طائفةٌ من أهل الكتاب لو يضلّونكم وما يضلّون إلا أنفسهم وما يشعرون
(69) يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون (70) يا أهل
الكتاب لم تلبسون الحقّ بالباطل وتكتمون الحقّ وأنتم تعلمون (71) وقالت
طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار
واكفروا آخره لعلّهم يرجعون (72) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إنّ
الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم قل إنّ
الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (73) يختصّ برحمته من
يشاء واللّه ذو الفضل العظيم (74)}
يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين وبغيهم إيّاهم الإضلال، وأخبر أنّ وبال
ذلك إنّما يعود على أنفسهم، وهم لا يشعرون أنّهم ممكورٌ بهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/59]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:{يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون}, أي: وأنتم تشهدون أنها آيات اللّه؛ لأنكم كنتم تخبرون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، وأصل{لم تكفرون}، لما تكفرون والمعنى: لأي شيء تكفرون.
وكذلك {لم تقولون ما لا تفعلون}, وكذلك {عم يتساءلون}, و{فبم تبشرون},
فإذا وقفت على هذه الحروف, وقفت بالهاء، فقلت: لمه، وبمه؛ لأن الألف حذفت
في هذه الأسماء التي للاستفهام خاصة, فجوز ذلك، ولا يجوز ذلك في الموصلة؛
لأن الألف فيهن, ليست آخر الأسماء, إنما الألف وسط وحذفها؛ لأن حروف الجر
عوض منها، فحذفت استخفافاً؛ لأن الفتحة دالة عليها، ولا يجوز إسكان هذه
الحروف.
وزعم الكسائي أن الأصل كان في "كم" كما، قال:
وكنت أشتهي أن تكون مفتوحة ؛ لالتقاء السّاكنين في قولهم: " كم المال " -
بالكسر -, وهذا غلط من أبي الحسن، ولو كان كما يقول لكان " كم مالك ", كما
أنك تقول: (لم فعلت),
, وليس هذا القول مما يعرج عليه). [معاني القرآن:1/427-428]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم
وقفهم تعالى موبخا لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، والمعنى: قل لهم
يا محمد، لأي سبب تكفرون بآيات الله التي هي آية القرآن؟ وأنتم تشهدون أن
أمره وصفة محمد الذي هو الآتي به في كتابكم، قال هذا المعنى قتادة وابن
جريج والسدي، وتحتمل الآية أن يريد «بالآيات» ما ظهر على يدي محمد عليه
السلام من تعجيز العرب والإعلام بالغيوب وتكلم الجماعات وغير ذلك وتشهدون
على هذا يكون بمعنى تحضرون وتعاينون، والتأويل الأول أقوى لأنه روي أن أهل
الكتاب كانوا قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم يخبرون بصفة النبي الخارج
وحاله، فلما ظهر كفروا به حسدا، فإخبارهم المتقدم لظهوره هو الشهادة التي
وقفوا عليها، قال مكي: وقيل إن هذه الآيات عني بها قريظة والنضير وبنو
قينقاع ونصارى نجران). [المحرر الوجيز: 2/251]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى منكرًا عليهم: {يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون} أي: تعلمون صدقها وتتحقّقون حقّها). [تفسير القرآن العظيم: 2/59]
تفسير
قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ
بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{يا أهل الكتاب لم تلبسون الحقّ بالباطل وتكتمون الحقّ وأنتم تعلمون}, أي: لم تغطون الحق بباطلكم, وأنتم تعلمون أنه الحق؛ يقال: لبست عليهم الأمر ألبسه, قال الله تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}, ويقال: لبست الثوب ألبسه، وقال الله عزّ وجلّ: {ويلبسون ثياباً خضراً}.
ولو قيل: {وتكتموا الحق} لجاز، على قولك: لم تجمعون هذا وذاك, ولكن الذي في القرآن أجود في الإعراب). [معاني القرآن: 1/428]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله
تعالى: لم تلبسون الحقّ معناه تخلطون، تقول لبست الأمر بفتح الباء بمعنى
خلطته، ومنه قوله تعالى: وللبسنا عليهم ما يلبسون [الأنعام: 9] وتقول: لبست
الثوب بكسر الباء، قال ابن زيد:
الحقّ الذي لبسوه هو
التوراة المنزلة، و «الباطل» الذي لبسوه به هو ما كتبوه بأيديهم ونسبوه إلى
التوراة، وقال ابن عباس: الحقّ إسلامهم بكرة، و «الباطل» كفرهم عشية،
والآية نزلت في قول عبد الله بن الصيف وعدي بن زيد والحارث بن عوف. تعالوا
نؤمن بما أنزل على محمد وجه النهار، ونكفر آخره، عسى أن نلبس على المسلمين
أمرهم، وقال قتادة وابن جريج: لم تلبسون الحقّ بالباطل معناه لم تخلطون
اليهودية والنصرانية بالإسلام، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره
الإسلام.
قال الفقيه الإمام
أبو محمد: فكأن هذا المعنى لم تبقون على هذه الأديان وتوجدونها؟ فيكون في
ذلك لبس على الناس أجمعين، وقال بعض المفسرين: الحقّ الذي لبسوه قولهم:
محمد نبي مرسل، و «الباطل» الذي لبسوه به قول أحبارهم: لكن ليس إلينا بل
ملة موسى مؤبدة، وقوله تعالى: وتكتمون الحقّ وأنتم تعلمون يريد شأن محمد
صلى الله عليه وسلم، كذلك قال الربيع وابن جريج وقتادة وغيرهم، وفي قوله:
وأنتم تعلمون توقيف على العناد ظاهر، قال أبو إسحاق الزجّاج: ولو قيل
وتكتموا الحق لجاز على قولك، لم تجمعون ذا وذا، على أن تكتموا في موضع نصب
على الصرف في قول الكافرين، وبإضمار «أن»، في قول أصحابنا، قال أبو علي:
الصرف هاهنا يقبح، وكذلك إضمار «أن»، لأن تكتمون، معطوف على موجب، فليست
الآية بمنزلة قولهم: أتأكل السمك وتشرب اللبن، وبمنزلة قولك أتقوم فأقوم
والعطف على الموجب مقرر وليس بمستقيم عنه، وإنما استفهم عن السبب في اللبس،
واللبس موجب، والعطف على الموجب المقرر قبيح متى نصب إلا في ضرورة شعر كما
روي: [الرجز]
... ... ... ... = وألحق بالحجاز فاستريحا
وقد قال سيبويه في
قولك: أسرت حتى تدخل المدينة؟ لا يجوز إلا النصب في تدخل، لأن السير مستفهم
عنه غير موجب، وإذا قلت: أيهم سار حتى يدخلها؟ رفعت، لأن السير موجب
والاستفهام إنما وقع عن غيره). [المحرر الوجيز: 2/251-252]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (
{يا أهل الكتاب لم تلبسون الحقّ بالباطل وتكتمون الحقّ وأنتم تعلمون} أي:
تكتمون ما في كتبكم من صفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأنتم تعرفون ذلك
وتتحقّقونه). [تفسير القرآن العظيم: 2/59]
* للاستزادة ينظر: هنا