الدروس
course cover
تفسير سورة آل عمران[من الآية (75) إلى الآية (76) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

5012

0

0

course cover
تفسير سورة آل عمران

القسم السادس

تفسير سورة آل عمران[من الآية (75) إلى الآية (76) ]
22 Jan 2015
22 Jan 2015

22 Jan 2015

5012

0

0


0

0

0

0

0

تفسير قول الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}


تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤدّه إليك إلّا ما دمت عليه قائما ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيل ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}
اتفق أبو عمرو، وعاصم والأعمش وحمزة على إسكان الهاء من {يؤده} وكذلك كل ما أشبه هذا من القرآن اتفقوا على إسكان الهاء فيه، نحو {نصله جهنّم}
وحكى أبو عبيدة عن أبي عمرو إنّه كسر في {ألقه إليهم}
ولا فصل بين هذا الحرف وسائر الحروف التي جزمها.
أما الحكاية عن أبي عمرو فيه وفي غيره فغلط.
كان أبو عمرو يختلس الكسرة، وهذا كما غلط عليه في (بارئكم) حكى القراء عنه أنه كان يحذف الهمزة في بارئكم.
وحكى سيبويه عنه - وهو في هذا أضبط من غيره - أنه كان يكسر كسرا خفيا،
وأمّا نافع وقراء أهل المدينة فأشبعوا هذه الحروف فكسروا وأثبتوا الياءات مثل (يؤده إليك) وهذا الإسكان الذي حكى عنه هؤلاء غلط بين لا ينبغي أن يقرأ به لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم ولا تسكن في الوصل إنما تسكن في الوقف.

وفي هذه الحروف أربعة أوجه:
1- يجوز إثبات الياء.
2- ويجوز حذفها تقول: يؤده إليك بالكسر.
3- ويجوز: يؤدّ هو إليك بالضم بإثبات الواو بعد الهاء.
4- ويجوز حذف الواو وضم الهاء.
فأما الوقف: فلا وجه له، لأن الهاء حرف خفي بيّن في الوصل بالواو في التذكير، قال سيبويه دخلت الواو في التذكير كما دخلت الألف في التأنيث، (نحو) ضربتهو وضربتها، قال أصحابه اختيرت الواو لأنها من طرف الشفتين والهاء من الحلق، فأبانت الواو الهاء، وإنما، تحذف الياء لعلة تقلب الواو إليها، فإذا حذفت الياء بقيت الكسرة فأما في الوقف فلا يجوز ألبتّة.
وقد أكثر الناس في تفسير القنطار، وقد حكينا ما قال الناس فيه.
ولم يتفقوا على تحديد في مقدار وزنه إلا أنهم قد اتفقوا في أنه الكثير من المال.
وقوله عزّ وجلّ: {إلّا ما دمت عليه قائما}: أكثر القراءة{دمت} بضم الدال، وقد قرئت {دمت} فأما دمت فمن قولك.
دمت: أدوم إدا بقيت على الشيء مثل قمت أقوم، وأما دمت - بالكسر - فعلى قولهم دمت تدام، مثل قولك: خفت تخاف، ويقال قد ديم بفلان وأديم به بمعنى دير به وأدير به، وهو الذي، به دوام كقولهم: به دوام كقولهم: به دوار. ويقال دام المال إذا سكن يدوم فهو دائم ومنه: " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الماء الدائم " أي: الساكن، ويقال قد دوّم الطائر في الجو تدويما، وهو يصلح أن يكون من وجهين، من دورانه في طيرانه ويصلح أن يكون من قلة حركة جناحه، لأنه يرى كأنه ساكن الجناح.
ومعنى{قائما}أي: إلا بدوامك قائما على اقتضاء دينك.
وقوله عزّ وجلّ: {ذلك بأنّهم قالوا}أي: فعلهم ذلك، بقولهم {ليس علينا في الأمّيّين سبيل} أي ليس علينا طريق في أخذ مالهم وصف اللّه عزّ وجلّ: أكلهم السحت وخيانتهم،
وقد قيل في التفسير: إنهم عاملوا قوما من المشركين فلما انتقلوا إلى الإسلام قالوا ليس علينا لكم سبيل إنما عاملناكم وأنتم على دينكم ذلك. فأعلم اللّه أنهم يكذبون، قال عزّ وجلّ:
{ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون}أي: وهم يعلمون أنهم يكذبون. فرد اللّه قولهم فقال: {بلى}: وهو عندي - واللّه - أعلم - وقف التمام، ثم استأنف فقال عزّ وجلّ:{من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين}). [معاني القرآن: 1/431-434]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلاّ ما دمت عليه قائماً ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون (75)
ثم أخبر تعالى عن أهل الكتاب أنهم قسمان في الأمانة، ومقصد الآية ذم الخونة منهم، والتفنيد لرأيهم وكذبهم على الله، في استحلالهم أموال العرب، وفي قراءة أبي بن كعب «تيمنه» بتاء وياء في الحرفين وكذلك- تيمنا- في يوسف، قال أبو عمرو الداني: وهي لغة تميم.
قال القاضي: وما أراها إلا لغة قرشية، وهي كسر نون الجماعة كنستعين، وألف المتكلم كقول ابن عمر، لا إخاله، وتاء المخاطب كهذه الآية ولا يكسرون الياء في الغائب وبها قرأ أبي بن كعب في «تيمنا» وابن مسعود والأشهب العقيلي وابن وثاب، وقد تقدم القول في «القنطار» في صدر السورة وقرأ جمهور الناس، «يؤده إليك» بكسر الهاء التي هي ضمير القنطار، وكذلك في الأخرى التي هي ضمير «الدينار»، واتفق أبو عمرو وحمزة وعاصم والأعمش على إسكان الهاء، وكذلك كل ما أشبهه في القرآن، نحو نصله جهنّم [النساء: 115] ونؤته نولّه إلا حرفا حكي عن أبي عمرو أنه كسره، وهو قوله تعالى: فألقه إليهم [النمل: 28] قال أبو إسحاق: وهذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط بين لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم، وإذا لم تجزم فلا يجوز أن تسكن في الوصل، وأما أبو عمرو فأراه كان يختلس الكسرة فغلط عليه، كما غلط عليه في بارئكم، وقد حكى عنه سيبويه، وهو ضابط لمثل هذا: أنه يكسر كسرا خفيفا، و «القنطار» في هذه الآية: مثال للمال الكثير يدخل فيه أكثر من القنطار وأقل، وأما «الدينار» فيحتمل أن يكون كذلك، مثالا لما قل، ويحتمل أن يريد طبقة لا تخون إلا في دينار فما زاد، ولم يعن لذكر الخائنين في أقل إذ هم طغام حثالة، وقرأ جمهور الناس «دمت» بضم الدال، وقرأ ابن وثاب والأعمش وأبو عبد الرحمن السلمي وابن أبي ليلى والفياض بن غزوان وغيرهم: «دمت ودمتم»، بكسر الدال في جميع القرآن، قال أبو إسحاق: من قولهم: «دمت»، تدام، نمت، تنام، وهي لغة، ودام معناه ثبت على حال ما، والتدويم على الشيء الاستدارة حول الشيء ومنه قول ذي الرمة: [البسيط]
... ... ... ... = والشمس حيرى لها في الجوّ تدويم
والدوام، الدوار يأخذ في رأس الإنسان، فيرى الأشياء تدور له، وتدويم الطائر في السماء، هو ثبوته إذا صفّ واستدار والماء الدائم وغيره هو الذي كأنه يستدير حول مركزه، وقوله قائماً يحتمل معنيين قال الزجّاج وقتادة ومجاهد: معناه قائما على اقتضاء دينك.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: يريدون بأنواع الاقتضاء من الحفز والمرافعة إلى الحكام، فعلى هذا التأويل، لا تراعى هيئة هذا الدائم بل اللفظة من قيام المرء على أشغاله، أي اجتهاده فيها، وقال السدي وغيره: قائماً في هذه الآية معناه: قائما على رأسه، على الهيئة المعروفة، وتلك نهاية الحفز، لأن معنى ذلك أنه في صدر شغل آخر، يريد أن يستقبله، وذهب إلى هذا التأويل جماعة من الفقهاء وانتزعوا من الآيات جواز السجن، لأن الذي يقوم عليه غريمه فهو يمنعه من تصرفاته في غير القضاء، ولا فرق بين المنع من التصرفات وبين السجن، وهذه الآية وما بعدها نزلت فيما روي، بسبب أن جماعة من العرب كانت لهم ديون في ذمم قوم من أهل الكتاب، فلما أسلم أولئك العرب قالت لهم اليهود: نحن لا نؤدي إليكم شيئا حين فارقتم دينكم الذي كنتم عليه، فنزلت الآية في ذلك وروي أن بني إسرائيل كانوا يعتقدون استحلال أموال العرب لكونهم أهل أوثان، فلما جاء الإسلام وأسلم من أسلم من العرب بقي اليهود فيهم على ذلك المعتقد، فنزلت الآية حامية من ذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا كل شيء من أمر الجاهلية فهو تحت قدمي، إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر».
قوله تعالى: ... ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون (75)
الإشارة ب ذلك إلى كونهم لا يؤدون الأمانة في دينار فما فوقه، على أحد التأويلين، والضمير في، قالوا، يعني به لفيف بني إسرائيل، لأنهم كانوا يقولون: نحن أهل الكتاب، والعرب أميون أصحاب أوثان، فأموالهم لناحلال متى قدرنا على شيء منها لا حجة علينا في ذلك ولا سبيل لمعترض وناقد إلينا في ذلك، و «الأميون» القوم الذين لا يكتبون لأنهم لا يحسنون الكتابة، وقد مر في سورة البقرة اشتقاق اللفظ واستعارة السبيل، هنا في الحجة هو على نحو قول حميد بن ثور:
وهل أنا إن عللت نفسي بسرحة = من السرح موجود عليّ طريق
وقوله تعالى: فأولئك ما عليهم من سبيلٍ [الشورى: 41] هو من هذا المعنى، وهو كثير في القرآن وكلام العرب، وروي أن رجلا قال لابن عباس: إنا نمر في الغزو بأموال أهل الذمة فنأخذ منها الشاة والدجاجة ونحوها قال: وتقولون ماذا؟ قال نقول: ليس علينا بأس، فقال ابن عباس: هذا كما قال أهل الكتاب: ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ، إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم، وقوله تعالى: ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون ذم لبني إسرائيل بأنهم يكذبون على الله تعالى في غير ما شيء، وهم علماء بمواضع الصدق لو قصدوها، ومن أخطر ذلك أمر محمد صلى الله عليه وسلم، هذا قول جماعة من المتأولين، وروي عن السدي
وابن جريج وغيرهما: أن طائفة من أهل الكتاب ادعت أن في التوراة إحلال الله لهم أموال الأميين كذبا منها وهي عالمة بكذبها في ذلك قالا: والإشارة بهذه الآية إلى ذلك الكذب المخصوص في هذا الفصل). [المحرر الوجيز: 2/259-263]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلا ما دمت عليه قائمًا ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون (75) بلى من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين (76)}
يخبر تعالى عن اليهود بأنّ فيهم الخونة، ويحذّر المؤمنين من الاغترار بهم، فإنّ منهم {من إن تأمنه بقنطارٍ} أي: من المال {يؤدّه إليك} أي: وما دونه بطريق الأولى أن يؤدّيه إليك {ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلا ما دمت عليه قائمًا} أي: بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقّك، وإذا كان هذا صنيعه في الدّينار فما فوقه أولى ألّا يؤدّيه.
وقد تقدّم الكلام على القنطار في أوّل السّورة، وأمّا الدّينار فمعروفٌ.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا سعيد بن عمرٍو السّكوني، حدّثنا بقيّة، عن زياد بن الهيثم، حدّثني مالك بن دينارٍ قال: إنّما سمّي الدّينار لأنّه دينٌ ونارٌ. وقال: معناه: أنّه من أخذه بحقّه فهو دينه، ومن أخذه بغير حقّه فله النّار.
ومناسبٌ أن يكون هاهنا الحديث الّذي علّقه البخاريّ في غير موضعٍ من صحيحه، ومن أحسنها سياقه في كتاب الكفالة حيث قال: وقال اللّيث: حدّثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرّحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل [بعض] بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ، فقال: ائتني بالشّهداء أشهدهم. فقال: كفى باللّه شهيدًا. قال: ائتني بالكفيل. قال: كفى باللّه كفيلا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمًّى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبًا يركبها يقدم عليه للأجل الّذي أجّله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبةً فنقرها فأدخل فيها ألف دينارٍ، وصحيفةً منه إلى صاحبه، ثمّ زجّج موضعها، ثمّ أتى بها إلى البحر، فقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي استسلفت فلانًا ألف دينارٍ فسألني كفيلا فقلت: كفى باللّه كفيلا فرضي بك. وسألني شهيدًا، فقلت: كفى باللّه شهيدًا فرضي بك، وإنّي جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه الّذي له فلم أقدر، وإنّي استودعتكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبًا يجيئه بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلمّا كسرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الّذي كان تسلّف منه، فأتاه بألف دينارٍ، وقال: واللّه ما زلت جاهدًا في طلب مركبٍ لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الّذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيءٍ؟ قال: ألم أخبرك أنّي لم أجد مركبًا قبل هذا؟ قال: فإنّ اللّه قد أدّى عنك الّذي بعثت في الخشبة، فانصرف بألف دينارٍ راشدًا.
هكذا رواه البخاريّ في موضعه معلّقًا بصيغة الجزم، وأسنده في بعض المواضع من الصّحيح عن عبد اللّه بن صالحٍ كاتب اللّيث عنه. ورواه الإمام أحمد في مسنده هكذا مطوّلًا عن يونس بن محمّدٍ المؤدّب، عن اللّيث به ورواه البزّار في مسنده، عن الحسن بن مدرك، عن يحيى بن حمّادٍ، عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، ثمّ قال: لا يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلّا من هذا الوجه بهذا الإسناد. كذا قال، وهو خطأٌ، لما تقدّم.
وقوله: {ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ} أي: إنّما حملهم على جحود الحقّ أنّهم يقولون: ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأمّيّين، وهم العرب؛ فإنّ اللّه قد أحلّها لنا. قال اللّه تعالى: {ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون} أي: وقد اختلقوا هذه المقالة، وائتفكوا بهذه الضّلالة، فإن اللّه حرم عليهم أكل الأموال إلّا بحقّها، وإنّما هم قومٌ بهت.
قال عبد الرّزّاق: أنبأنا معمر، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن [أبي] صعصعة بن يزيد ؛ أنّ رجلًا سأل ابن عبّاسٍ، قال: إنّا نصيب في الغزو من أموال أهل الذّمّة الدجاجة والشاة؟ قال ابن عبّاسٍ: فتقولون ماذا؟ قال: نقول ليس علينا بذلك بأسٌ. قال: هذا كما قال أهل الكتاب: {ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ} إنّهم إذا أدّوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلّا بطيب أنفسهم.
وكذا رواه الثّوريّ، عن أبي إسحاق بنحوه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن يحيى، أخبرنا أبو الرّبيع الزّهرانيّ حدّثنا يعقوب، حدّثنا جعفرٌ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: لمّا قال أهل الكتاب: {ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ} قال نبيّ اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] كذب أعداء الله، ما من شيٍء كان في الجاهليّة إلا وهو تحت قدميّ هاتين إلا الأمانة، فإنّها مؤدّاةٌ إلى البرّ والفاجر").
[تفسير القرآن العظيم: 2/60-62]


تفسير قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين}أي: فإن اللّه يحبه، ويجوز أن يكون استأنف جملة الكلام بقوله بلى لأن قولهم: ليس علينا فيما نفعل جناح.
كقولهم نحن أهل تقوى في فعلنا هذا - فأعلم اللّه أن أهل الوفاء بالعهد والتّقى يحبهم اللّه، وأنهم المتقون، أي: الذين يتقون الخيانة والكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 1/434]

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (بلى من أوفى بعهده واتّقى فإنّ اللّه يحبّ المتّقين (76) إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ (77)
ثم رد الله تعالى في صدر قولهم، ليس علينا بقوله بلى أي عليهم سبيل وحجة وتبعة، ثم أخبر على جهة الشرط أن من أوفى بالعهد واتّقى عقوبة الله في نقضه، فإنه محبوب عند الله، وتقول العرب:
وفى بالعهد، وأوفى به بمعنى، وأوفى، هي لغة الحجاز وفسر الطبري وغيره، على أن الضمير في قوله، بعهده عائد على الله تعالى، وقال بعض المفسرين: هو عائد على من.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: والقولان يرجعان إلى معنى واحد، لأن أمر الله تعالى بالوفاء مقترن بعهد كل إنسان، وقال ابن عباس: اتّقى في هذه الآية، معناه: اتقى الشرك، ثم خرج جواب الشرط على تعميم المتقين تشريفا للتقوى وحضّا عليها). [المحرر الوجيز: 2/263]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {بلى من أوفى بعهده واتّقى} أي: لكن من أوفى بعهده منكم يا أهل الكتاب الّذي عاهدكم اللّه عليه، من الإيمان بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا بعث، كما أخذ العهد والميثاق على الأنبياء وأممهم بذلك، واتّقى محارم اللّه تعالى واتّبع طاعته وشريعته الّتي بعث بها خاتم رسله وسيّد البشر " فإنّ اللّه يحبّ المتّقين "). [تفسير القرآن العظيم: 2/62]


* للاستزادة ينظر: هنا