الدروس
course cover
الدرس الثاني: مذاهب الصحابة رضي الله عنهم في كتابة غير القرآن
27 Dec 2021
27 Dec 2021

3577

0

0

course cover
تدوين التفسير

القسم الأول

الدرس الثاني: مذاهب الصحابة رضي الله عنهم في كتابة غير القرآن
27 Dec 2021
27 Dec 2021

27 Dec 2021

3577

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثاني: مذاهب الصحابة رضي الله عنهم في كتابة العلم

عناصر الدرس:
1. إيجاز أقوال الصحابة في كتابة غير القرآن.

2. تحرير مذاهب الصحابة رضي الله عنهم في كتابة غير القرآن:
...- 1. تحرير مذهب عمر بن الخطاب(ت:23هـ) رضي الله عنه في كتابة العلم.
...- 2. ما روي عن عليّ بن أبي طالب(ت:40هـ) رضي الله عنه.
...- 3. ما روي عن عبد الله بن مسعود(ت:32هـ) رضي الله عنه.
...- 4. ما روي عن أبي موسى الأشعري(ت:44هـ) رضي الله عنه.
...- 5. ما روي عن زيد بن ثابت(ت:45هـ) رضي الله عنه.
...- 6. ما روي عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب(ت:50هـ) رضي الله عنهما.
...- 7. ما روي عن المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي(ت:50ه) رضي الله عنه.
...- 8. ما روي عن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان النجاري الأنصاري(ت:53هـ تقريباً) رضي الله عنه.
...- 9. ما روي عن أبي هريرة(ت:59) رضي الله عنه.
...- 10. ما روي عن سمرة بن جندب الفزاري(ت:59هـ) رضي الله عنه.
...- 11. ما روي عن أسيد بن ظهير بن رافع الحارثي الخزرجي(ت:65هـ) رضي الله عنه.
...- 12. تحرير مذهب ابن عباس(ت:68هـ) رضي الله عنهما في كتابة العلم.
...- 13: ما روي عن زيد بن أرقم بن زيد الخزرجي الأنصاري(ت:68هـ) رضي الله عنه.
...- 14. ما روي عن البراء بن عازب(ت:72هـ) رضي الله عنهما.
...- 15. ما روي عن رافع بن خديج الأنصاري(ت:74هـ) رضي الله عنه.
...- 16. ما روي عن أبي سعيد الخدري(ت:74هـ) رضي الله عنه.
...- 17. ما روي عن ابن عمر (ت:74هـ) رضي الله عنهما في كتابة العلم.
...- 18. ما روي عن جابر بن سمرة السوائي(ت:74هـ تقريباً) رضي الله عنهما.
...- 19. ما روي عن واثلة بن الأسقع الليثي(ت:85هـ) رضي الله عنه.
...- 20. ما روي عن أبي أمامة الباهلي(ت:86هـ) رضي الله عنه.
...- 21. ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي الخزاعي(ت:86هـ) رضي الله عنه.
...- 22. ما روي عن أنس بن مالك(ت:92هـ) رضي الله عنه.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#2

27 Dec 2021

إيجاز أقوال الصحابة رضي الله عنهم في كتابة غير القرآن :
اختلف الصحابة رضي الله عنهم في كتابة غير القرآن من الحديث ومسائل العلم على أقوال:
القول الأول: النهي عن كتابة غير القرآن خشية الافتتان به، والاختلاف فيه، والاشتغال به عن القرآن.
وهذا قول ابن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وزيد بن ثابت، وأبي سعيد الخدري.
وقد كان هذا القول شائعاً في القرن الأول، وروي أن ابن مسعود كان يُتلف الكتب التي يبلغه أنها تُكتب، وكان معلّمَ أهل الكوفة في خلافة عمر وعثمان، وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يأمر بمحو ما يكتب غير القرآن، وكان أميرَ البصرة في زمان عمر، وأمير الكوفة في أواخر خلافة عثمان.
والقول الثاني: الترخيص في كتابة العلم وتقييده، وهو قول علي بن أبي طالب، وابنه الحسن، والمغيرة بن شعبة، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأسيد بن ظهير الخزرجي، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، وواثلة بن الأسقع، وأبي أمامة الباهلي، وعبد الله بن أبي أوفى، وأنس بن مالك، ورافع بن خديج، وهو رواية عن أبي هريرة، ورواية عن ابن عباس.
والقول الثالث: المنع لغير الخاصة ممن يُعرف عنهم التوثّق في كتابة العلم، ووضعه مواضعه، وهو ما تحرر من مذهب ابن عباس رضي الله عنهما.
والقول الرابع: الترخيص المقيّد بالحاجة وعدم تخليد الكتاب، وهو قول مأثور عن عمر بن الخطاب، وذهب إليه عبيدة السلماني، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين في المشهور عنهم، وسيأتي تفصيل ذلك عنهم إن شاء الله تعالى.

ومما ينبغي التنبيه عليه أنَّ الخلاف هنا محصور في الكتابة التي يُراد بها تدوين العلم وكتابة غير القرآن من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وآثار بعض الصحابة، والفتاوى والأقضية نحوها من مسائل العلم، وهذا يُخرج كتابة ما تقتضيه الحاجة والمصلحة في زمانهم من كتابة العقود، عقود الصلح، وعقود المبايعات، والتداين، وكذلك الاكتتاب في الجيوش، ونحو ذلك؛ فهذه كلها غير داخلة في الخلاف في تدوين مسائل العلم.
وكذلك المكاتبات التي تكون بين الخلفاء وولاة الأمصار وقادة الجيوش وإن كان بعضها قد يتضمن بعض الأقضية والفتاوى وبعض الأحاديث التي أدرجت لغرض الاستدلال، ولم يكن غرضهم تقييد ما بلغهم من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب لأجل أن يُخلّد في كتاب، وكذلك مكاتبات الأخبار والتبليغات والوصايا التي تكون بين الإخوان، فهذه أيضاً غير داخلة في الحديث عن هذه المسألة.

ولذلك كان ممن اشتهر عنهم القول بمنع كتابة العلم مَن يجيب على الرسائل المكتوبة، ويكتبها، كما كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يكتب إلى عمر بن الخطاب وإلى عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وكان مع ذلك شديد النهي عن كتابة ما يرويه من الأحاديث وما يقوله من المواعظ والوصايا وما يفتي به.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#3

27 Dec 2021

تحرير مذاهب الصحابة رضي الله عنهم في كتابة العلم:
اختلف الصحابة رضي الله عنهم في كتابة العلم على أقوال تقدم ذكر خلاصتها، وقد رُوي عن بعضهم في ذلك آثار صريحة في بيان مذاهبهم في كتابة العلم، وتعددت الروايات عن بعضهم بما يحتاج معه إلى جمع ودراسة ليتحرر بيان مذهبهم.
ولذلك جمعت في هذا المبحث ما وقفت عليه من الآثار المروية عن علماء الصحابة رضي الله عنهم في كتابة العلم.

1. تحرير مذهب عمر بن الخطاب(ت:23هـ) رضي الله عنه في كتابة العلم:
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد روي عنه أنه همّ بكتابة السنن، واستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخار في ذلك شهراً، ثم عزم على أن لا يكتبها، وأمر بإتلاف ما كتب، وأمر عمّاله أن لا يخلّدوا عنه كتاباً من الكتب التي يبعث بها إليهم، وكان في كتبه علم كثير، وقد روي بعض ما في تلك الكتب، وتناقله الرواة.
- قال معمر عن الزهري، عن عروة، أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق يستخير الله فيها شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له، فقال: «إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً» رواه معمر بن راشد في جامعه، ومن طريقه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرني شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن فاستشار فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه؛ فأشار عليه عامّتهم بذلك؛ فلبث عمرُ شهراً يستخير الله في ذلك، شاكّاً فيه، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له؛ فقال: « إني قد كنتُ ذكرتُ لكم من كتاب السنن ما قد علمتم، ثم تذكّرت فإذا أناسٌ من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتباً فأكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً» فترك كتاب السنن
». رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم، وروى نحوه من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب به.
وعروة وإن لم يدرك السماع من عمر بن الخطاب إلا أن له عناية بالسير والأخبار وهو مقدّم فيها، مع قيام الاحتمال القوي بكونه سمع ذلك من بعض الصحابة الذين استشارهم عمر أو شهدوا ذلك الأمر، ويشهد له مرسل يحيى بن جعدة.
- وقال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: (من كان عنده شيء من ذلك فليمْحُه). رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال عبد الله بن العلاء بن زبر: سألت القاسم يملي عليَّ أحاديث؛ فقال: إنّ الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب؛ فقام عمر على المنبر؛ فأنشد الناس أن يأتوه بها؛ فلما أتوه بها أمر بتحريقها، ثم قال: (مثناة كمثناة أهل الكتاب!!)
قال: (فمنعني القاسم يومئذ أن أكتب حديثاً). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق.
شرح قول عمر: (مثناة كمثناة أهل الكتاب)
ومثناة أهل الكتاب كتاب وضعوه أحلوا فيه بعض ما حرّم الله، وحرفوا فيه ما أنزل الله؛ فأقبلوا على مثناتهم وضيعوا كتاب ربّهم.
- قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (سألتُ رجلاً من أهل العلم بالكتب الأُوَل قد عرفها وقرأها عن المثناة؛ فقال: إنَّ الأحبار والرهبان من بني إسرائيل بعد موسى وضعوا كتاباً فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله تبارك وتعالى؛ فسمّوه المثناة، كأنه يعني أنهم أحلوا فيه ما شاءوا وحرموا فيه ما شاءوا على خلاف كتاب الله تبارك وتعالى).
وقد روي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ من علامات الساعة أن تُتلى المثناة لا يُنكرها أحد.
- قال الوليد بن هشام: حدثنا الحارث بن يزيد الحمصي، عن عمرو بن قيس، قال: وفدت مع أبي إلى يزيد بن معاوية بحوّارين حين توفي معاوية رضي الله عنه، نعزيه ونهنيه بالخلافة، فإذا رجل في مسجدها يقول: (ألا إنَّ من أشراطِ الساعةِ أن يُرفع الأشرارُ، ويوضع الأخيار، ألا إنَّ من أشراط الساعة أن يظهر القولُ، ويُخزن العملُ، ألا إنَّ من أشراط الساعة أن تتلى المثناة فلا يوجد من يغيرها).
قيل له: وما المثناة؟
قال: «ما استُكْتب من كتاب غير القرآن، فعليكم بالقرآن فبه هُديتم، وبه تُجزون، وعنه تُسألون».
فلم أدر من الرجل، فحدثت هذا الحديث بعد ذلك بحمص، فقال لي رجل من القوم: أو ما تعرفه؟
قلت: لا.
قال: (ذلك عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما). رواه الدارمي في سننه، والطبراني في المعجم الكبير.
ورواه الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن كثير الصنعاني وهو مضعَّف قال: حدثنا الأوزاعي، عن عمرو بن قيس السكوني؛ فساق الحديث بنحوه، ثم قال عمرو: فحدثت بهذا الحديث قوما، وفيهم إسماعيل بن عبيد الله، فقال: أنا معك في ذلك المجلس تدري من الرجل؟ قلت: لا، قال: عبد الله بن عمرو).
ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام من طريق إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس السكوني عن عبد الله بن عمرو بن العاص، بنحوه.
وهذا الحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة بمجموع طرقه، وحمله على كتب المذاهب الفقهية، وهو محمل غريب، وظاهر الحديث يدلّ على أنّه كتاب يُقرأ على الناس فيه تحريف لكلام الله تعالى كتحريف أهل الكتاب، وعدم إنكاره إما لقوّة السلطان القائم عليه في ذلك الزمان وشدّة ترهيبه للناس مع إنكارهم في قلوبهم لما يأمر بتلاوته، وإما لغلبة الجهل على الناس حتى يظنوا ما ليس من كتاب الله أنه من كتاب الله، ويكون ذلك من علامات الساعة، وهذا لا يقتضي عدم حفظ القرآن، بل القرآن محفوظ إلى أن يأذن الله برفعه في آخر الزمان.
وليس مراد عبد الله بن عمرو بن العاص كتابة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان هو ممن يكتبها، وله الصحيفة الصادقة المشهورة، فالأحاديث الصحيحة ليس فيها ما يخالف كتاب الله.
وكذلك كان عبد الله بن عمرو بن العاص يقرأ كتب أهل الكتاب، ويحدّث عن بني إسرائيل اعتماداً على ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم من الإذن في التحديث عن بني إسرائيل، في قوله صلى الله عليه وسلم: (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).
ولا ريب أن عبد الله بن عمرو بن العاص لم يكن يقصد هذه الكتب مع علمه بتحريف أهل الكتاب لكتابهم، فإنّه كان يقرأها وينتقي من حديثهم ما يحدّث به.
وإنما المراد كتابٌ تتخذه هذه الأمة بمثل ما كان يعمله أهل الكتاب، وهو مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم».
قال الصحابة: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟
قال: «فمن». رواه البخاري ومسلم من حديث زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- وقال أحمد بن يونس: حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تقوم الساعة حتى تأخذَ أمتي بأخذِ القرون قبلها، شبراً بشبر، وذراعا بذراع».
فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟
فقال: «ومن الناس إلا أولئك». رواه البخاري في صحيحه.
- وقال الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن أبي البختري، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «لتعملنّ عمل بني إسرائيل؛ فلا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله»
فقال رجل: تكون فينا قردة وخنازير؟
قال: «وما يريبك من ذلك لا أمَّ لك؟!». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال سفيان الثوري عن أبي قيس، عن الهزيل، قال: قال عبد الله [هو ابن مسعود]: «أنتم أشبه الناس سمتاً وهيئة ببني إسرائيل، تتبعون آثارهم حذو القذة بالقذة حتى لا يكون فيهم شيءٌ إلا كان فيكم مثله». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب السنة.
ذكر بعض ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابة العلم
- قال ابن وهب: سمعت مالكاً يحدث أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب هذه الأحاديث أو كتبها، ثم قال: «لا كتاب مع كتاب الله». ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال جرير، عن مغيرة، قال: كان عمر يكتب إلى عماله: «لا تُـخَلِّدُنَّ عليَّ كتاباً». رواه ابن أبي شيبة.
وتخليد الكتب إبقاؤها زمناً طويلاً، وهذا أمر بإتلاف الكتب بعد معرفة ما فيها، وحفظ ما يلزم حفظه.
ولا ريب أنّ الخليفة يحتاج إلى الكتابة إلى الولاة وقادة الجيوش، وقد يكون في بعض ما يكتب لهم ما يعدّ من مسائل العلم، وفيها شيء من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يفتيهم به.

وبهذا يتحرر مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنه كان لا يرى بأساً بكتابة العلم للحاجة من غير تخليد للكتب؛ فإذا تأدّت الحاجة يتلف الكتاب، ولا يبقى فيُتوارث ويفتتن به.

- وأما ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: «كتب رجلٌ مصحفاً، وكتب عند كلّ آية تفسيرها، فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين» رواه ابن أبي شيبة.
فهذا خبر لا يثبت من جهة الإسناد، فيه جابر الجعفي، وهو متروك الحديث، وعامر الشعبي لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

- وأما ما رواه الدارمي، وابن أبي شيبة، والخطيب البغدادي في تقييد العلم من طريق أبي عاصم النبيل قال: أخبرني ابن جريج، عن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان، عن عمه عمرو بن أبي سفيان، أنه سمع عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، يقول: «قيّدوا العلم بالكتاب»؛ فقد أُعلَّ بعنعنة ابن جريج، وبالاختلاف في إسناده، فقد قال يحي بن سعيد الأنصاري: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «قيّدوا هذا العلم بالكتاب» فجعله عن ابن عمر، وهو منقطع بين عبد الملك وابن عمر.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#4

27 Dec 2021

2. ما روي عن عليّ بن أبي طالب(ت:40هـ) رضي الله عنه:
أما عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقد كتب صحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أسنان الإبل، والديات، وبعض أحكام الجهاد، وحدود حرم المدينة، وأشياء أخرى يأتي ذكر بعضها عند الحديث عن صحيفته إن شاء الله.
- وقال وكيع: حدثني المنذر بن ثعلبة، عن علباء بن أحمر اليشكري، قال: قال علي: « من يشتري مني علما بدرهم؟». رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، وقال: «يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم».
رجاله ثقات، لكنه منقطع، علباء لم يدرك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
- وأما ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي أسامة الكوفي، عن شعبة، عن جابر عن عبد الله بن يسار قال: سمعت علياً يخطب يقول: «أعزم على مَن كان عنده كتابٌ إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم».
فهذا خبر لا يصحّ عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، في إسناده جابر الجعفي، وهو متروك الحديث.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#5

27 Dec 2021

3. ما روي عن عبد الله بن مسعود(ت:32هـ) رضي الله عنه:
- قال عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي، عن أبيه، قال: أَصبتُ أنا وعلقمة صحيفةً فانطلقنا بها إلى عبد الله فجلسنا بالباب وقد زالت الشمس أو كادت أن تزول؛ فاستيقظ؛ فأرسل الجارية؛ فقال: «انظري من بالباب» فرجَعَت إليه.
فقالت: علقمة والأسود.
فقال: «ائذني لهما» فدخلنا.
قال كأنكم قد أطلتم الجلوس في الباب؟
قالا: أجل.
قال: «فما منعكما أن تستأذنا؟»
قالا: خشينا أن تكون نائماً.
قال: «ما أحبّ أن تظنوا بي هذا، إنَّ هذه ساعة كنّا نقيسها بصلاة الليل»
قلنا: هذه صحيفة فيها حديث عجيب؛ فقال: (هاتها، يا جارية هاتي الطست، اسكبي فيها ماء)
فجعل يمحوها بيده، ويقول: {نحن نقص عليك أحسن القصص}
قلنا: انظر إليها؛ فإنَّ فيها حديثاً حسناً؛ فجعل يمحوها، ثم قال: «إنما هذه القلوب أوعية فأشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره» رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
قال أبو عبيد: (إنَّ هذه الصحيفة أُخذت من بعض أهل الكتاب، فلهذا كرهها عبد الله).
- وقال حصين بن عبد الرحمن عن مرة الهمداني قال: جاء أبو قرة الكندي بكتاب من الشام، فحمله فدفعه إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فنظر فيه فدعا بطست، ثم دعا بماء فمرسه فيه، وقال: «إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم كتابهم»
قال حصين: فقال مرّة: (أمَا إنَّه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحُه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب). رواه الدارمي، والخطيب البغدادي في تقييد العلم من طرق عن حصين بن عبد الرحمن عن مرّة.
وقول أبي عبيد وقول مرة الهمداني فيهما نظر؛ فقد جاء من طريق آخر أن الكتاب كان فيه بعض كلام أبي الدرداء رضي الله عنه وقصصه.
- قال أبو أمية عمرو بن هشام الحراني , حدثنا محمد بن سلمة , عن ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: جاء رجل من أهل الشام إلى عبد الله بن مسعود ومعه صحيفةٌ فيها كلامٌ من كلام أبي الدرداء، وقصص من قصصه؛ فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تنظر ما في هذه الصحيفة من كلام أخيك أبي الدرداء فأخذ الصحيفة؛ فجعل يقرأ فيها وينظر حتى أتى منزله؛ فقال: يا جارية ائتيني بالإجّانة مملوءةً ماء؛ فجاءت بها فجعل يدلكها، ويقول: {الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون نحن نقص عليك أحسن القصص} أقصصاً أحسن من قصص الله تريدون؟ أو حديثا أحسن من حديث الله تريدون؟). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال العوام بن حوشب الواسطي، عن إبراهيم التيمي قال: بلغَ ابنَ مسعود رضي الله عنه أن عند ناس كتاباً يُعجبون به؛ فلم يزل بهم حتى أتوه به؛ فمحاه ثم قال: «إنما هلك أهل الكتاب قبلكم، أنهم أقبلوا على كتب علمائهم، وتركوا كتاب ربهم» رواه الدارمي.
- وقال عفاق المحاربي، عن أبيه، قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه، يقول: «إن ناساً يسمعون كلامي، ثم ينطلقون فيكتبونه، وإني لا أحلّ لأحد أن يكتب إلا كتابَ الله عزَّ وجلَّ» رواه الدارمي.
وقال الأعمش، عن جامع بن شداد، عن أبي الشعثاء سليم بن أسود المحاربي, قال: كنت أنا وعبد الله بن مرداس، فرأينا صحيفة فيها قصص وقرآن مع رجل من النخع، قال: فواعدنا المسجد قال: فقال عبد الله بن مرداس: أشتري صحفاً بدرهم.
إنا لقعود في المسجد ننتظر صاحبنا إذا رجل؛ فقال: أجيبوا عبد الله يدعوكم.
قال: فتقوّضت الحلقة؛ فانتهينا إلى عبد الله بن مسعود؛ فإذا الصحيفة في يده؛ فقال: «إن أحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه، وإنَّ أحسن الحديث كتاب الله، وإنَّ شر الأمور محدثاتها، وإنكم تُحْدِثون ويُحْدَث لكم؛ فإذا رأيتم محدثةً فعليكم بالهدى الأوّل؛ فإنما أهلك أهلَ الكتابين قبلكم مثل هذه الصحيفة وأشباهها، توارثوها قرناً بعد قرن حتى جعلوا كتابَ الله خلف ظهورهم كأنهم لا يعلمون؛ فأنشد اللهَ رجلاً علم مكان صحيفة إلا أتاني؛ فوالله لو علمتها بدير هند لانتقلت إليها». رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
ودير هند نسبة إلى هند بنت النعمان بن المنذر وكانت نصرانية بنت لها ديراً بالحيرة؛ فكانت تتعبّد فيه حتى ماتت بعدما فتحت العراق.
- وقال أبو مالك الأشجعي، عن سليم بن أسود المحاربي قال: «كان ابن مسعود رضي الله عنه يكره كتابة العلم» رواه ابن أبي شيبة كما في جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال حفص بن غياث، عن مجالد، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، قال: (كنا نسمع الشيء فنكتبه؛ ففطن لنا عبد الله فدعا أمَّ ولده، ودعا بالكتاب وبإجّانة من ماء؛ فغسله). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال شريك النخعي، عن مجالد، عن عامر الشعبي، عن مسروق، قال: حدّث ابنُ مسعود بحديث فقال ابنه: ليس كما حدثت، قال: وما علمك؟
قال: كتبته.
قال: فهلمَّ الصحيفة.
قال: (فجاء بها؛ فمحاها). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
وأمّا ما أخرجه ابن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن معن أنه قال: «أخرج إليَّ عبد الرحمن بن عبد الله كتاباً وحلف لي أنه خطّ أبيه بيده».
فهذه الرواية فيها اختصار مخلّ يوهم أنّ الكتاب بخطّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وإنما عود الضمير على عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، والمقصود خطّ أبي معن، وهو عبد الرحمن.
وقد رواه على التبيين أبو محمد الدارمي في سننه فقال: أخبرنا محمد بن قدامة، حدثنا أبو أسامة، عن مسعر قال: أخرج إليَّ معن بن عبد الرحمن كتاباً، فحلف لي بالله أنه خط أبيه، فإذا فيه: قال عبد الله: (والذي لا إله إلا هو ما رأيت أحداً كان أشدَّ على المتنطّعين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيتُ أحداً كان أشدَّ عليهم من أبي بكر رضي الله عنه، وإني لأرى عمر رضي الله عنه كان أشدَّ خوفاً عليهم أو لهم».
ثمّ إنّ لفظ الكتاب يطلق على ما يُكتب من ورقة فما فوقها، وكانت عامّة الكتب في ذلك الوقت تُدرج درجاً.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

27 Dec 2021

4. ما روي عن أبي موسى الأشعري(ت:44هـ) رضي الله عنه:
- قال عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه «أن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فتبعوه وتركوا التوراة» رواه الدارمي، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال سليمان بن المغيرة: حدثنا حميد بن هلال، عن أبي بردة، قال: كان لأبي موسى تابع فقذفه في الإسلام، فقال لي: يوشك أبو موسى أن يذهب ولا يحفظ حديثه، فاكتب عنه، قال: قلت: نعم ما رأيت.
قال: فجعلت أكتب حديثه، قال: فحدّث حديثاً؛ فذهبت أكتبه كما كنت أكتب، فارتاب بي، وقال: (لعلك تكتب حديثي؟!)
قال: قلت: نعم.
قال: (فأتني بكلِّ شيء كتبتَه).
قال: فأتيته به، فمحاه، ثم قال: (احفظ كما حفظت). رواه ابن سعد.
- وقال غيلان بن جرير: حدثني أبو بردة بن أبي موسى قال: (كتبت عن أبي أحاديث ففطن بي فقال: تكتب؟ فقلت: نعم، قال: فدعا بكتبي فمحاها بالماء وقال: خذ كما أخذنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه أبو القاسم البغوي، والخطيب البغدادي في تقييد العلم بنحوه إلا أنه قال: (كتبت عن أبي كتباً كثيرة).
- وقال أبو خيثمة: حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة قال: (كتبت عن أبي كتاباً فظهرَ عليَّ فأمر بمركَن؛ فقال بكتبي فيها فغسلها). رواه في كتاب العلم، ورواه من طريقه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة، ورواه أحمد في العلل والخطيب البغدادي في تقييد العلم بنحوه.
- وقال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن أبي بردة قال: (كتبت عن أبي كتاباً كبيراً؛ فقال: "ائتني بكتبك" فأتيته بها فغسلها). رواه في مصنفه ورواه من طريقه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد ويونس بن عبيد عن أبي بردة بن أبي موسى قال: كنت آتي أبي فكلما حدّث بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قمت فكتبته؛ ففطن لي، فقال: أتكتب كلَّ ما أحدّث به؟
فقلت: نعم.
قال: فاذهب فجئ بكتابك.
فجئته؛ فدعا بماء فغسله فيه). رواه الروياني في مسنده، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
- وقال أبو هلال الراسبي: حدثنا حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: كان أبو موسى يحدثنا بأحاديث؛ فنقوم أنا ومولى لي فنكتبها؛ فحدثنا يوماً بأحاديث فقمنا لنكتبها؛ فظنَّ أنا نكتبها؛ فقال: أتكتبانِ ما سمعتما مني؟
قالا: نعم.
قال: فجيئاني به.
فدعا بماء فغسله، وقال: (احفظوا عنا كما حفظنا). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
وقد رواه عن حميد بن هلال سليمان بن المغيرة وسهل بن أسلم أخرج روايتيهما الخطيب البغدادي في تقييد العلم.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

27 Dec 2021

5. ما روي عن زيد بن ثابت(ت:45هـ) رضي الله عنه:
كان زيد بن ثابت كاتباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب له الوحي، ويكتب رسائله، وكان معاوية وهو خليفة يكاتبه في بعض المسائل يستفتيه فيجيبه كتابة، وكان يسأل عن بعض الفرائض فيجيب بها كتابة، وكتب إليه مرة رسالة طويلة في الفرائض.
والظاهر من مذهب زيد بن ثابت أنه لم يكن يأذن لأصحابه بكتابة الحديث، وقد عُرف عنه كراهة ذلك مما جعل مروان بن الحكم يحتال على الكتابة عنه، بأن أوقف كاتباً خلف ستار في مجلسه يكتب ما يقوله زيد، فلما علم زيد بذلك أنكره.
- قال ابن عون: قال لي ابن سيرين، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أرادني مروان بن الحكم - وهو أمير على المدينة - أن أُكْتِبَه شيئاً، قال: «فلم أفعل».
قال: «فجعل ستراً بين مجلسه وبين بقية داره».
قال: " فكان أصحابه يدخلون عليه، ويتحدثون في ذلك الموضع، فأقبل مروان على أصحابه، فقال: ما أرانا إلا قد خنّاه، ثم أقبل عليّ قال: قلت وما ذاك؟
قال: ما أرانا إلا قد خنّاك.
قال: قلت: وما ذاك؟
قال: (إنا أمرنا رجلاً يقعد خلف هذا الستر؛ فيكتب ما تفتي هؤلاء، وما تقول). رواه الدارمي.
- وقال وكيع، عن إسماعيل، عن الشعبي أن مروان دعا زيد بن ثابت وقوما يكتبون، وهو لا يدري، فأعلموه، فقال: «أتدرون لعل كل شيء حدثتكم ليس كما حدثتكم». رواه ابن أبي شيبة، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال: دخل زيد بن ثابت على معاوية؛ فحدّثه حديثاً، فأمر إنساناً أن يكتب، فقال زيد: (إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نكتب شيئاً من حديثه).
قال: (فمحاه). رواه أحمد، وأبو داوود، والبيهقي في المدخل إلى السنن، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وقد أُعلّ بالانقطاع.
- وقال ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة ويحيى بن أيوب عن عقيل بن خالد، أن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت حدثه عن أبيه، عن جده زيد بن ثابت، أن عمر بن الخطاب استأذن عليه يوما فأذن له ورأسه في يد جارية له ترجله فنزع رأسه؛ فقال له عمر: دعها ترجلك.
فقال: «يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي جئتك».
فقال عمر: إنما الحاجة لي إني جئتك لننظر في أمر الجد.
فقال زيد: «لا والله ما يقول فيه».
فقال عمر: ليس هو بوحي حتى نزيد فيه وننقص، إنما هو شيء تراه؛ فإن رأيته وافقتني تبعته وإلا لم يكن عليك فيه شيء؛ فأبى زيد فخرج مغضباً، وقال: (قد جئتك وأنا أظنك ستفرغ من حاجتي).
ثم أتاه مرة أخرى في الساعة التي أتاه المرة الأولى؛ فلم يزل به حتى قال: «فسأكتب لك فيه» فكتبه في قطعة قتب وضرب له مثلا: «إنما مثله مثل شجرة تنبت على ساق واحد فخرج فيها غصنٌ، ثم خرج في الغصن غصنٌ آخر؛ فالساقُ يسقي الغصن؛ فإن قطعت الغصن الأول رجع الماء إلى الغصن يعني الثاني، وإن قطعت الثاني رجع الماء إلى الأول».
فأتي به فخطب الناس عمر، ثم قرأ قطعة القتب عليهم، ثم قال: (إنَّ زيد بن ثابت قد قال في الجَدّ قولاً وقد أمضيته).
قال: (وكان عمر أوَّل جدّ كان؛ فأراد أن يأخذ المال كلَّه، مال ابن ابنه دون إخوته؛ فقسمه بعد ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه). رواه الدارقطني، والبيهقي.
- وقال ابن جريج: أخبرني يحيى بن سعيد أنه قرأ كتاباً من معاوية إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد والأخ؛ فكتب إليه يقول: (الله أعلم، وحضرت الخليفتين قبلك - يريد عمر وعثمان - يقضيان للجد مع الأخ الواحد النصف، ومع الاثنين الثلث؛ فإذا كانوا أكثر من ذلك لم ينقص من الثلث شيئاً». رواه عبد الرزاق.
- وقال سعيد بن منصور: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت إنَّ معاني هذه الفرائض كلها وأصولها عن زيد بن ثابت، وأبو الزناد فسرها على معاني زيد بن ثابت: (يرث الرجل من امرأته إذا هي لم تترك ولدا ولا ولد ابن النصف، فإن تركت ولدا أو ولد ابن ذكرا أو أنثى ورثها زوجها الربع، لا ينقص من ذلك شيئاً). ثم ذكر الرسالة بطولها.
- وقال ابن وهب: أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: أخذ أبو الزناد هذه الرسالة من خارجة بن زيد بن ثابت ومن كبراء آل زيد بن ثابت: " بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من زيد بن ثابت "، فذكر الرسالة بطولها، وفيها: " ولقد كنتُ كلمت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن الجد والإخوة من الأب كلاماً شديداً، وأنا يومئذ أحسب أنَّ الإخوة أقرب حقاً في أخيهم من الجد، ويرى هو يومئذ أن الجد هو أقرب من الإخوة، فطال تحاورنا فيه حتى ضربت له بعض بنيه مثلا بميراث بعضهم دون بعض، فأقبل علي كالمغتاظ؛ فقال: والله الذي لا إله إلا هو، لو أني قضيت اليوم لبعضهم دون بعض لقضيته للجَد، ولرأيت أنه أولى به، ولكن لعلهم أن يكونوا ذوي حق ولعلي لا أخيب سهم أحد منهم، وسوف أقضي بينهم إن شاء الله تعالى نحو الذي أرى يومئذ، فحسبته - وأستغفر الله - أن ذلك من آخر كلام حاورت فيه أمير المؤمنين عمر في شأن الجد والإخوة، ثم حسبت أنه كان يقسم بعدهم، ثم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه بين الجد والإخوة نحو الذي كتبت به إليك في هذه الصحيفة، وحسبت أني قد وعيت ذلك فيما حضرت من قضائهما). رواه البيهقي.
وهذه الرسالة أخرج البخاري صدرها في الأدب المفرد من طريق ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة عن كبراء آل زيد بن ثابت، ولا ريب أن خارجة من كبراء آل زيد بن ثابت، فلعل في العبارة تصحيفاً.
وخبر رسالة زيد بن ثابت إلى معاوية في شأن الفرائض ثابت، لكن لم أقف على نصّها عنه تامة، وما أخرجه سعيد بن منصور إنما هو مما فهمه أبو الزناد وعبّر عنه وزاده شرحاً وتوضيحاً، ولم يميز كلامه من كلام زيد بن ثابت.
- قال كثير بن هشام الكلابي قال: حدثنا جعفر بن برقان قال: سمعت الزهري يقول: (لولا أنَّ زيد بن ثابت كتب الفرائض لرأيت أنها ستذهب من الناس). رواه يعقوب بن سفيان في المعرفة والبيهقي في السنن الكبرى.
والذي يظهر أن الزهريّ أراد ما كتب زيد بن ثابت لمعاوية بن أبي سفيان في رسالته الطويلة في مسائل في الفرائض.
وأما ما رواه سعيد بن منصور فقد استخرجه بعض المتأخرين من سنن سعيد بن منصور، وطبعه باسم "رسالة زيد بن ثابت في الفرائض وشرحها لأبي الزناد"؛ فأوهمت التسمية أن لزيد بن ثابت كتاباً في الفرائض شرحه أبو الزناد، على ما يفهمه الناس اليوم من المتون وشروحها.

تنبيه:

وأما ما رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، والخطيب البغدادي في "تقييد العلم" من طريق يزيد بن هارون قال: أنبأنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي أفلح يعني كثيراً، قال: «كنا نكتب عند زيد بن ثابت رضي الله عنه»
فالمكتوب هنا مبهم، وظاهر استدلال البيهقي والخطيب البغدادي بهذا الأثر أنهم كانوا يكتبون السنن، لكن روى ابن أبي خيثمة في تاريخه من طريق عمرو بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن كثير بن الصلت أنهم كانوا يكتبون عند زيد - يعني: ابن ثابت - المصاحف.
وكثير بن أفلح كان من الذين كتبوا المصاحف العثمانية زمن عثمان ابن عفان.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

27 Dec 2021

6. ما روي عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب(ت:50هـ) رضي الله عنهما:
- قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: (سألت الحسن بن علي عن قول عليّ في الخيار؛ فدعا برَبعةٍ؛ فأخرج منها صحيفةً صفراءَ مكتوب فيها قول علي في الخيار). رواه ابن أبي حاتم في العلل.
والرَّبعة صندوق توضع فيه الصحف والكتب، وكانت الصحف في ذلك الوقت تطوى طوياً وقد يمتدّ طول بعضها إلى أذرع كثيرة.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

27 Dec 2021

7. ما روي عن المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي(ت:50ه) رضي الله عنه:
ظاهر ما روي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كان لا يرى بأساً بكتابة العلم.
- قال ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة: كتب معاوية إلى المغيرة: اكتب إليَّ ما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
وكتب إليه: « إنه كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات». رواه البخاري ومسلم، وفي رواية في صحيح مسلم: قال: (فأملاها عليَّ المغيرة، وكتبتُ بها إلى معاوية).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#10

27 Dec 2021

8. ما روي عن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان النجاري الأنصاري(ت:53هـ تقريباً) رضي الله عنه:
- قال ابن وهب: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال: (قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه على نجران، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم). رواه ابن وهب في جامعه، والنسائي في سننه.
- وقال أبو اليمان: أنبانا شعيب، عن الزهري قال: قرأت صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ذكر أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كتبها لعمرو بن حزم فإذا فيها: (هذا كتاب الجروح، في النفس مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعي جدعه مائة من الإبل، وفي العين خمسون من الإبل، وفي الأذن خمسون من الإبل، وفي الرجل خمسون من الإبل). رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة.
- وقال الحكم بن موسى بن أبي زهير: حدثنا يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود قال: (حدثني الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن وكان في الكتاب أن في النفس مائة من الإبل). رواه محمد بن نصر في كتاب السنة.
- وقال محمد بن إسحاق: حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتابا وعهدا، وأمره فيه أمره فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله ورسوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}، عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ الحقَّ كما أمره، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، وينهى الناس، ولا يمسَّ أحدٌ القرآن إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين لهم في الحق، ويشد عليهم في الظلم، فإنَّ الله عز وجل كره الظلم ونهى عنه ... ) ثمّ ذكر الكتاب بطوله، وهو في تفسير ابن أبي حاتم، ودلائل النبوة للبيهقي.
- وقال محمد بن الحسن الشيباني: أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، أن أباه أخبره عن الكتاب الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه لعمرو بن حزم في العقول؛ فكتب: «أن في النفس مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعيت جدعا مائة من الإبل، وفي الجائفة ثلث النفس، وفي المأمومة مثلها، وفي العين خمسين، وفي اليد خمسين، وفي الرجل خمسين، وفي كل إصبع مما هنالك عشرا من الإبل، وفي السن خمساً من الإبل، وفي الموضحة خمساً من الإبل». وهو في موطأ مالك برواية محمد بن الحسن.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#11

27 Dec 2021

9. ما روي عن أبي هريرة(ت:59) رضي الله عنه:
دلّت الآثار المروية عن أبي هريرة رضي الله عنهأنه كان لا يكتب، ولا يُملي الأحاديث، لكنّه لم يكن ينكر على من يكتب، وقد أقرّ بعض أصحابه على كتابتهم؛ فكتب عنه محمد بن سيرين، وهمام بن منبه، وبشير بن نهيك، وغيرهم، وأذن لبعضهم برواية ما كتبوه عنه.
- قال عمرو بن دينار، عن وهب بن منبه، عن أخيه، سمع أبا هريرة رضي الله عنه، يقول: «ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكثر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب» رواه الدارمي.
- وقال الأوزاعي: سمعت أبا كثير قال: سمعت أبا هريرة يقول: «نحن لا نَكْتُب، ولا نُكْتِب، ولا نَكْتُم». رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال عمران بن حدير: حدثنا أبو مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كنت أكتب ما أسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابي؛ فقرأته عليه، وقلت له: هذا ما سمعتُ منك؟
قال: (نعم). رواه أبو محمد الدارمي، وأبو خيثمة في كتاب العلم، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي خيثمة في تاريخه، والبيهقي في السنن الكبرى كلهم من طرق عن أبي مجلز.
- وقال وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبى مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كتبت كتاباً عن أبى هريرة فلما أردت أن أفارقه قلت: يا أبا هريرة! إني كتبت عنك كتاباً؛ فأرويه عنك؟
قال: (نعم، اروه عني). رواه أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم، والترمذي في سننه.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#12

27 Dec 2021

10. ما روي عن سمرة بن جندب الفزاري(ت:59هـ) رضي الله عنه:
لسمرة بن جندب رضي الله عنه صحيفة مشهورة كتب فيها حديثاً كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأوصى بها بنيه.
- قال خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب أنه كتب إلى بنيه: (من سمرة بن جندب، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، وتجتنبوا الخبائث، وتطيعوا الله ورسوله، والخلفاء الذين يقيمون أمر الله، ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نصلي من الليل، أو يصلي أحدنا بعد الصلاة المكتوبة ما قلَّ أو كَثُرَ، ونجعلها وتراً ... ) وذكر أحاديث كثيرة، أخرج البزار والطبراني والحاكم طائفة منها، وانتقى منها أبو داود السجستاني أحاديث أودعها في كتابه السنن.
وصحيفة سمرة بن جندب مشتهرة، وكان الحسن البصري يحدث منها، لكن صار لها روايات بعد ذلك اختلف فيها.
- قال داود بن المحبر البكراوي، عن زياد بن عبيد الله بن الربيع الزيادي، عن محمد بن سيرين قال: (عليكم برسالة سمرة بن جندب إلى بنيه فإنَّ فيها علماً جماً). رواه ابن عساكر.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#13

27 Dec 2021

11. ما روي عن أسيد بن ظهير بن رافع الحارثي الخزرجي(ت:65هـ) رضي الله عنه:
- قال ابن جريج: أخبرني عكرمة بن خالد، عن أسيد بن حضير الأنصاري، ثم أحد بني حارثة، أنه أخبره أنه كان عاملاً على اليمامة، وأنَّ مروان كتب إليه: أنَّ معاوية كتب إليه: أيما رجل سُرق منه سرقة، فهو أحق بها بالثمن حيث وجدها.
قال: فكتبتُ إلى مروان: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أنه إذا كان الذي ابتاعها من الذي سرقها غير متهم خُيّر سيدها، فإن شاء أخذ الذي سُرق منه بالثمن، وإن شاء اتبع سارقه» قال: (وقضى بذلك أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله تعالى عنهم). رواه أحمد.
وقوله: أسيد بن حضير، هذا وهم وقع لابن جريج لما حدّث أهل البصرة بهذا الحديث، والصحيح: أسيد بن ظهير من بني حارثة من الأنصار، وهو ابن عمّ رافع بن خديج، وكان والياً على اليمامة زمن معاوية بن أبي سفيان.
- قال الحافظ ابن عساكر: (هذا وهم، إنما صاحب هذا الحديث أسيد بن ظهير، ابن [عم] رافع بن خديج، وهو من بني حارثة؛ فأما أسيد بن حضير فمن بني عبد الأشهل.
وذكر هارون بن عبد الله الحمّال عن أحمد بن حنبل قال: "هو في كتاب ابن جريج أسيد بن ظهير، ولكن هكذا حدّثهم بالبصرة" وكذلك رواه عبد الرازق عن ابن جريج).
- قال أبو الحجاج المزي: (وهو الصواب، فإنَّ أسيد بن ظهير هو الذي بقي إلى خلافة معاوية).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#14

27 Dec 2021

12. تحرير مذهب ابن عباس(ت:68هـ) رضي الله عنهما في كتابة العلم:
أما ابن عباس رضي الله عنهما فقد كان صاحب كتب، ومات وكتبه حمل بعير، وروي أنه كان يكتب عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكاتب العلماء في الآفاق، حتى كان يكاتب بعض من كان يعرف عنه أنه يقرأ كتب أهل الكتاب يسألهم عن بعض ما يعرض له مما يحتاج إلى السؤال عنه.
وقد دلّ مجموع الآثار المروية عنه على أنه لم يكن يأذن بكتابة العلم إلا إذناً خاصاً لمن يعرفه بحسن الأخذ وجودة الفهم، فكان يأذن لخاصة أصحابه بالكتابة، وربما أملى على بعضهم، لكنه كان لا يجيب العامّة بكتابة العلم، وإنما يقول للسائل أبلغهم عنا بكذا وكذا؛ فإنا لا نكتب العلم في الرسائل، وكان بعدما كفّ بصره إذا بلغه أنّ في مجلسه من يكتب أمسك عن الحديث؛ وذلك - والله تعالى أعلم - لأنه خشي أن يكتب بعض الحاضرين ما لا يُحسن فهمه فيضعه في غير مواضعه أو يأخذه عنه من لم يحضر مجلسه فيسيء فهمه وينسبه إلى ابن عباس.
وقد عُرض عليه كتاب كُتبتْ فيه أقضية لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فمحاه إلا قدر ذراع، وقال: «والله ما قضى بهذا عليّ إلا أن يكون ضلَّ».
ولعل هذا ونحوه مما أوقفه على غلط الكاتبين؛ فحمله على التوسط في شأن كتابة العلم؛ فكان لا يكتب إلا حين يستوثق من فهم الكاتب أو يكون هو الذي يملي عليه حتى يأمن الغلط.
وكان ابن أبي مليكة قاضياً في الطائف زمن ابن الزبير؛ فكان يكاتب ابن عباس فيما يحتاج للسؤال عنه، ويجيبه ابن عباس كتابة.
وكان نجدة الحروري يكتب إلى ابن عباس فيجيبه كتابة لمصلحة راجحة.

وسأذكر من الآثار عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يدلّ دلالة واضحة على مذهبه في كتابة العلم، وأنه كان لا يرى الإذن المطلق، ولا المنع المطلق، وإنما كان يأذن للخاصة ممن يحسن الكتابة، ويضع الحديث مواضعه، أو يكون الكتاب من إملائه لمصلحة راجحة حتى يأمن غلط الكاتب.
- قال فضيل بن عياض، عن فائد المدني مولى عبيد الله بن أبي رافع، عن عبيد الله بن عليّ بن أبي رافع قال: (كان ابن عباس يأتي أبا رافع فيقول: ما صنع النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم يوم كذا؟ ومع ابن عباس ألواح يكتب ما يقول). رواه الروياني في مسنده، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عساكر في تاريخ دمشق، لكن عبيد الله بن علي بن أبي رافع لم يدرك جدّه.
- وقال الوقدي: حدثني فائد مولى عبيد الله بن علي، عن عبيد الله بن علي، عن جدته سلمى قالت: «رأيت عبد الله بن عباس معه ألواح يكتب عليها عن أبي رافع شيئاً من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه ابن سعد في الطبقات؛ فوصله، وجدّته سلمى صحابية رضي الله عنها، لكن الواقدي ضعيف الحديث.
- وقال حماد بن سلمة: أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم، مولى آل العباس، قال: (كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد، فقال: (الرعد ملك). رواه ابن جرير، وهذا إسناد منقطع، موسى بن سالم لم يدرك ابن عباس، لكن يعضده ما رواه الطبراني في الدعاء من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد، فكتب إليه: «الرعد ملك».
وكان أبو الجلد الأسدي ممن قرأ كتب أهل الكتاب.
- وقال طَلق بن غنام، عن عثمان المكي، عن ابن أبي مُليكة قال: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه؛ فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله).رواه ابن جرير.
- وقال عثمان بن حكيم الأنصاري: سمعت سعيد بن جبير، يقول: «كنت أسير مع ابن عباس رضي الله عنه، في طريق مكة ليلاً، وكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل، حتى أصبح فأكتبه». رواه الدارمي.
- وقال مندل بن علي العنزي: حدثني جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: (كنت أجلس عند ابن عباسٍ فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ .. ). رواه الدارمي.
- وقال حنظلة بن أبي سفيان: سمعت طاووساً يقول: (لما عَمِيَ ابنُ عباس جعل أناس من أهل العراق يسألونه ويكتبون) قال: (فجاء إنسان من أهله فالتقم أذنه؛ فلم يتكلم حتى قام). رواه ابن سعد.
و"التقم أذنه" أي سارّه بكلام فهم منه طاووس بقرينة الحال أنه يخبره بأنّهم يكتبون؛ فصمت ابن عباس؛ لئلا يكتبوا عنه وهو لا يعرف حالهم ولم يتوثّق من فهمهم وضبطهم.
- وقال معتمر بن سليمان: سمعت أبي يذكر عن طاووس أن سعيد بن جبير كان عند ابن عباس، قال: فقيل له: (إنهم يكتبون).
قال: (يكتبون؟!) ثم قام.
قال: وكان حسن الخلق. قال: (كأنه يرى أنه لولا حسن خلقه لغيّر بأشدّ من القيام) رواه ابن سعد.
- وقال ابن جريج: أخبرني الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان ينهى عن كتاب العلم وأنه قال: (إنما أضلَّ من كان قبلكم الكتب). رواه ابن سعد في الطبقات، والخطيب البغدادي في تقييد العلم، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس بن كيسان قال: إن كان الرجل يكتب إلى ابن عباس يسأله عن الأمر؛ فيقول للرجل الذي جاء بالكتاب: «أخبر صاحبك بأنَّ الأمر كذا وكذا؛ فإنا لا نكتب في الصحف إلا الرسائل والقرآن». رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال عبد الله بن طاووس، عن أبيه، قال: سأل ابنَ عباسٍ رجلٌ من أهل نجران؛ فأعجبَ ابنَ عباسٍ رضي الله عنه حسنُ مسألتِهِ، فقال الرجل: اكتبه لي، فقال ابن عباس: «إنا لا نكتب العلم» رواه معمر بن راشد في جامعه، ومن طريقه البيهقي في المدخل إلى السنن، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال عبد الله بن إدريس الأودي عن هارون بن عنترة الشيباني، عن أبيه أنه قال: حدثني ابن عباس بحديثٍ فقلتُ: أكتبه عنك؟!
قال: «فرخَّص لي ولم يَكَدْ» رواه الدارمي وابن أبي شيبة.
- وقال خلاد بن يحيى: حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: كتبت إلى ابن عباس فكتب إلي: «إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعى عليه». رواه البخاري في صحيحه.
- وقال سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال؛ فقال: ابن عباس: (لولا أن أكتم علماً ما كتبت إليه). رواه أحمد ومسلم.
- وقال عمرو الناقد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاووس بن كيسان قال: ("أُتي ابنُ عباس بكتابٍ فيه قضاء علي رضي الله عنه؛ فمحاه إلا قدر"، وأشار سفيان بن عيينة بذراعه). رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
- وقال أحمد بن يونس: حدثنا زهير [ يعني ابن معاوية]، قال: حدثنا موسى بن عقبة قال: (وضع عندنا كُريب حمل بعير من كتب ابن عباس فكان علي بن عبد الله بن عباس إذا أراد الكتاب كتب إليه: "ابعث إلي بصحيفة كذا وكذا" فينسخها فيبعث إليه بإحداهما). رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عساكر في تاريخه، وإسناده جيد.

فهذه الآثار يدلّ مجموعها على مذهب ابن عباس في الإذن الخاصّ بالكتابة وهو مذهب قائم على تحقيق المصلحة الشرعية ودرء المفسدة.
- وأمّا ما ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله من طريق قال: قال عبد الرزاق: وأنا معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس، أنه قال: «إنا لا نَكْتبُ العلم ولا نُكْتِبُه».
فهذه الزيادة لا تصحّ، وقد حذف منها سياقها الذي يبيّن المراد بها، وليست في جامع معمر بن راشد بهذا اللفظ، والذي فيه قوله: «إنا لا نكتب العلم» وهي رواية مختصرة ذكرها على التفصيل أبو خيثمة في كتاب العلم، وقد تقدّم ذكرها.
- وأما ما رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، وأحمد بن حنبل في العلل؛ والخطيب البغدادي في تقييد العلم؛ من طريق وكيع عن عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن عباس أنه قال: «قيدوا العلم بالكتاب، من يشتري مني علما بدرهم؟».
فلا يصحّ عن ابن عباس، يحيى بن أبي كثير لم يدرك ابن عباس، وقد قال يحيى بن سعيد القطان: (مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح).
وهذا الخبر أصله مرويّ عن علي بن أبي طالب بإسناد فيه انقطاع.
- وأما ما رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم من طريق خالد بن عبد الرحمن الخراساني قال: حدثنا حسام بن مِصك، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: «خير ما قيد به العلم الكتاب».
فخبر منكر لا يصح، خالد بن عبد الرحمن متكلم فيه، وحسام متروك الحديث، وهو حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي.
- وأما ما رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم من طريق أبي القاسم البغوي قال: حدثنا داود بن رشيد، حدثنا أبو حفص هو الأبار، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: (قيدوا العلم، وتقييده كتابه).
فلا يثبت، ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث، وقد تركه بعض الأئمة، وعلى فرض صحته فهو محمول على توجيه الخطاب لخاصة أصحابه الذين عرفهم بحسن الفهم لمسائل العلم، وأما أن يدعوا العامة للكتابة فهذا خلاف منهجه الذي صحّ عنه.
- وأما ما رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم من طريق عبد الله بن أبي داوود السجستاني قال: حدثنا حمدان بن يوسف، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا حفص بن عمر بن أبي العطاف، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن عبد الله بن عباس، قال: (قيدوا العلم بالكتاب).
فلا يصحّ أيضاً، حفص بن عمر قال فيه البخاري: منكر الحديث.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#15

27 Dec 2021

13: ما روي عن زيد بن أرقم بن زيد الخزرجي الأنصاري(ت:68هـ) رضي الله عنه:
- قال موسى بن عقبة: حدثني عبد الله بن الفضل، أنه سمع أنس بن مالك يقول: حزنت على من أصيب بالحرة؛ فكتب إليَّ زيد بن أرقم - وبلغه شدة حزني - يذكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار». رواه البخاري في صحيحه.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#16

27 Dec 2021

14. ما روي عن البراء بن عازب(ت:72هـ) رضي الله عنهما:
المشهور عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه كان يرخّص في الكتابة، وكان قد نزل الكوفة.
- قال وكيع بن الجراح الرؤاسي: حدثنا أبي عن عبد الله بن حنش [الأودي] قال: «لقد رأيتهم يكتبون على أكفهم بالقصب عند البراء». رواه أحمد في العلل، وأبو خيثمة في كتاب العلم، وابن أبي شيبة في مصنفه، والدارمي في سننه، والبيهقي في المدخل إلى السنن.
وقد أخذ عنه أربدة التميمي وكان يكتب.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#17

27 Dec 2021

15. ما روي عن رافع بن خديج الأنصاري(ت:74هـ) رضي الله عنه:
- قال نافع بن جبير: خطب مروان الناس، فذكر مكة وحرمتها، فناداه رافع بن خديج، فقال: (إنَّ مكةَ إنْ تكنْ حرماً، فإنَّ المدينةَ حرمٌ؛ حرَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مكتوب عندنا في أديم خولاني، إن شئت أن نُقْرِئَكَه فعلنا).
فناداه مروان: (أجل قد بلغنا ذلك). رواه أحمد ومسلم.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#18

27 Dec 2021

16. ما روي عن أبي سعيد الخدري(ت:74هـ) رضي الله عنه:
أما أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فكان ينهى عن الكتابة، وقد روي أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فلم يأذن له، فلعلّه بقي على النهي الأول.
- قال سفيان بن عيينة: حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أنهم استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتبوا عنه، فلم يأذن لهم». رواه الدارمي والترمذي.
- وقال سعيد الجريري عن أبي نضرة العبدي قال: قلت لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إنك تحدثنا أحاديث معجبة، وإنا نخاف أن نزيد أو ننقص؛ فلو أَكْتَبْتَناه.
فقال: «لا، إنا لن نُكْتِبَكُم، ولن نجعله قرآنا، ولكن احفظوا عنا كما حفظنا نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والدارمي في مسنده، والحاكم في المستدرك، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال المستمرّ بن الريان، عن أبي نضرة العبدي، قال: قلنا لأبي سعيد: لو كتبتم لنا فإنا لا نحفظ؛ قال: «لا نكتبكم، ولا نجعلها مصاحف، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا فنحفظ؛ فاحفظوا عنا كما كنا نحفظ عن نبيكم صلى الله عليه وسلم». رواه البيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال كهمس بن الحسن، عن أبي نضرة قال: قلنا لأبي سعيد الخدري: لو أكْتَبْتَنا الحديثَ؛ فقال: «لا نُكْتِبكم، خذوا عنّا كما أخذنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#19

27 Dec 2021

17. ما روي عن ابن عمر (ت:74هـ) رضي الله عنهما في كتابة العلم:
وأما ابن عمرفقد اشتهر عنه أنه كان لا يرضى أن يُكتب عنه شيء، ولا سيما أقواله، وما يفتي به.
وروي أنّ له كتباً يتعاهدها في خاصة نفسه، ولم ينقل عنه أنه كان يملي شيئاً أو يأذن لأحد بالكتابة في مجلسه.
- قال أبو حمزة السكري، عن إبراهيم الصائغ، عن نافع (أن ابن عمر كان لا يخرج من بيته غدوة حتى ينظر في كتبه). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وهذا إسناد جيد.
- وقال حبيب بن الشهيد: قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: (لا تطيقونه! الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما). رواه ابن سعد.
فإن كان المراد بالكتب المصحف فالخبر واحد، وليس فيه دلالة على أنّ له كتباً في الحديث أو غيره، وإن كان المراد كتباً غير المصحف؛ فيكون مذهبه كمذهب من يرخّص للمرء أن يكتب لخاصة نفسه ما يستذكر به من غير أن يخلّد كتاباً أو ينشره.
- قال شعبة بن الحجاج عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير قال: كنت أسأل ابن عمر في صحيفة، ولو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه، قال: فسألته عن الإيلاء؛ فقال: أتريد أن تقول: قال ابن عمر، وقال ابن عمر؟!
قال: قلت: نعم، ونرضى بقولك ونقنع.
قال: (يقول في ذلك الأمراء). رواه ابن سعد.
- وقال سفيان بن عيينة، عن أيوب، قال: سمعت سعيد بن جبير، قال: «كنا نختلف في أشياء، فكتبتها في كتاب، ثم أتيت بها ابنَ عمر أسأله عنها خفيا، فلو علم بها كانت الفيصل فيما بيني وبينه». رواه ابن أبي شيبة، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: «كتب إليَّ أهلُ الكوفة مسائل ألقى فيها ابنَ عمر فلقيتُه فسألتُه من الكتاب، ولو علم أنَّ معي كتاباً لكانت الفيصل بيني وبينه». رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال وهيب بن خالد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: «كنا إذا اختلفنا في الشيء كتبته حتى ألقى به ابن عمر، ولو يعلم بالصحيفة معي لكان الفيصل بيني وبينه». رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال ابن جريج قال: أخبرني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثقفي، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «قيدوا هذا العلم بالكتاب» رواه الدارمي، لكنه منقطع.
وهو مخالف للمشهور من مذهب ابن عمر في الكتابة.


تنبيه:

- وأما رواه الدارمي وابن أبي خيثمة من طريق الوليد بن سليمان بن أبي السائب عن سليمان بن موسى أنه (رأى نافعاً مولى ابن عمر يملي علمه، ويكتب بين يديه).
فسليمان بن موسى هو الدمشقي لم يدرك ابن عمر، والضمير عائد إلى نافع، وليس إلى ابن عمر، وقد توهّم منه بعضهم أنّ ابن عمر كان يملي على نافع.
وهذا الخبر رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق من طريق دحيم عن محمد بن شعيب بن شابور قال: أخبرني ابن أبي السائب عن سليمان بن موسى قال: (رأيت نافعاً يُملي عليه ويُكتَب بين يديه).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#20

27 Dec 2021

18. ما روي عن جابر بن سمرة السوائي(ت:74هـ تقريباً) رضي الله عنهما:
- قال حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع، أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكتب إليَّ:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول: «لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش».
وسمعته يقول: ": عصيبة: من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض، بيت كسرى «أو» آل كسرى".
وسمعته يقول: «إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم».
وسمعته يقول: «إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته» وسمعته يقول: «أنا الفرط على الحوض». رواه أحمد ومسلم.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#21

27 Dec 2021

19. ما روي عن واثلة بن الأسقع الليثي(ت:85هـ) رضي الله عنه:
- قال هشام بن عمار: حدثنا معروف الخياط قال: (رأيت واثلة يملي على الناس الأحاديث، وهم يكتبونها بين يديه). رواه ابن عدي.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#22

27 Dec 2021

20. ما روي عن أبي أمامة الباهلي(ت:86هـ) رضي الله عنه:
- قال ابن وهب، عن معاوية، عن الحسن بن جابر أنه سأل أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن كتاب العلم، فقال: (لا بأس بذلك). رواه الدارمي.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#23

27 Dec 2021

21. ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي الخزاعي(ت:86هـ) رضي الله عنه:
- قال موسى بن عقبة: حدثني سالم أبو النضر، مولى عمر بن عبيد الله، قال: كنت كاتبا له، قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى حين خرج إلى الحرورية؛ فقرأته، فإذا فيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدوَّ انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس فقال: « أيها الناس! لا تمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف»
ثم قال: « اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم». رواه البخاري ومسلم.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#24

27 Dec 2021

22. ما روي عن أنس بن مالك(ت:92هـ) رضي الله عنه:
أما أنس بن مالك رضي الله عنه فكان يكتب بعض الأحاديث، ويقرّ من يكتب عنده، بل كان يحثّ على الكتابة.
- قال سليمان بن المغيرة: حدثنا ثابت، عن أنس بن مالك، قال: حدثني محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك، قال: قدمت المدينة فلقيت عتبان، فقلت: حديث بلغني عنك، قال: أصابني في بصري بعض الشيء، فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحبّ أن تأتيني فتصليَ في منزلي، فأتخذه مصلى.
قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه، فدخل وهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم، ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم، قالوا: ودّوا أنه دعا عليه فهلك، ودّوا أنه أصابه شر، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، وقال: «أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟»
قالوا: إنه يقول ذلك، وما هو في قلبه.
قال: «لا يشهد أحدٌ أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فيدخل النار، أو تطعمه».
قال أنس: (فأعجبني هذا الحديث، فقلت لابني: اكتبه فكتبه). رواه مسلم في صحيحه.
- وقال مهدي بن ميمون، عن سلم العلوي، قال: «رأيت أبان يكتب عند أنس رضي الله عنه في سبورة» رواه الدارمي.
- وقال مسلم بن إبراهيم الأزدي: حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس، أن أنساً رضي الله عنه كان يقول لبنيه: «يا بني قيّدوا هذا العلم». رواه الدارمي، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.

تنبيه:
- وأما ما رواه حفص بن عمر الأبلي قال: حدثنا عبد الله بن المثنى، حدثني عمّاي النضر وموسى ابنا أنس، عن أبيهما أنس بن مالك، أنه أمرهما بكتابة الحديث والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلمها، وقال أنس: (كنا لا نعدّ عِلْمَ من لم يكتب علمه علماً). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم، وأبو طاهر السلفي في المشيخة البغدادية.
فهذا خبر لا يصحّ، وحفص بن عمر منكر الحديث.