الدروس
course cover
تفسير سورة الفيل [ من الآية (1) إلى آخر السورة ]
14 Sep 2014
14 Sep 2014

4105

0

1

course cover
تفسير جزء عمّ

القسم الثامن

تفسير سورة الفيل [ من الآية (1) إلى آخر السورة ]
14 Sep 2014
14 Sep 2014

14 Sep 2014

4105

0

1


0

0

0

0

1

مقدمات تفسير سورة الفيل
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر


أسماء السورة

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الفيل). [تفسير القرآن العظيم: 8/483]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (آخر تفسير سورة الفيل). [تفسير القرآن العظيم: 8/490]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (تفسيرُ سورةِ الفيلِ). [تيسير الكريم الرحمن: 934]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (سُورَةُ الْفِيلِ). [زبدة التفسير: 601]


نزول السورة

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهي مكّيّةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/483]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وهي مكية). [تيسير الكريم الرحمن: 934]




* للاستزادة ينظر: هنا

هيئة الإشراف

#2

14 Sep 2014

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}


تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) )
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (هذه من النّعم التي امتنّ اللّه بها على قريشٍ؛ فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود؛ فأبادهم اللّه، وأرغم آنافهم، وخيّب سعيهم، وأضلّ عملهم، وردّهم بشرّ خيبةٍ، وكانوا قوماً نصارى.

وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً ممّا كان عليه قريشٌ من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتّوطئة لمبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فإنّه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ينصركم يا معشر قريشٍ على الحبشة لخيريّتكم عليهم ولكن صيانةً للبيت العتيق، الذي سنشرّفه ونعظّمه ونوقّره ببعثة النّبيّ الأمّيّ محمدٍ صلوات اللّه وسلامه عليه خاتم الأنبياء.

وهذه قصّة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتّقريب.

قد تقدّم في قصّة أصحاب الأخدود أنّ ذا نواسٍ،، وكان آخر ملوك حمير، وكان مشركاً هو الذي قتل أصحاب الأخدود، وكانوا نصارى، وكانوا قريباً من عشرين ألفاً، فلم يفلت منهم إلاّ دوس ذو ثعلبانٍ، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام، وكان نصرانيًّا، فكتب له إلى النّجاشيّ ملك الحبشة؛ لكونه أقرب إليهم.

فبعث معه أميرين: أرياط وأبرهة بن الصّبّاح أبا يكسوم في جيشٍ كثيفٍ فدخلوا اليمن، فجاسوا خلال الديار واستلبوا الملك من حمير، وهلك ذو نواسٍ غريقاً في البحر، واستقلّ الحبشة بملك اليمن، وعليهم هذان الأميران: أرياط وأبرهة.

فاختلفا في أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافّا، فقال أحدهما للآخر: إنّه لا حاجة بنا إلى اصطدام الجيشين بيننا، ولكن ابرز إليّ وأبرز إليك، فأيّنا قتل الآخر استقلّ بعده بالملك. فأجابه إلى ذلك، فتبارزا وخلف كلّ واحدٍ منهما قناةٌ، فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف فشرم أنفه وفمه وشقّ وجهه، وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله، ورجع أبرهة جريحاً، فداوى جرحه فبرأ، واستقلّ بتدبير جيش الحبشة باليمن.

فكتب إليه النّجاشيّ يلومه على ما كان منه ويتوعّده ويحلف ليطأنّ بلاده ويجزّنّ ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترقّق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحفٍ وبجرابٍ فيه من تراب اليمن، وجزّ ناصيته وأرسلها معه، ويقول في كتابه: ليطأ الملك على هذا الجراب فيبرّ قسمه، وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك. فلمّا وصل ذلك إليه أعجبه منه، ورضي عنه، وأقرّه على عمله.

وأرسل أبرهة يقول للنّجاشيّ: إنّي سأبني لك كنيسةً بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها. فشرع في بناء كنيسةٍ هائلةٍ بصنعاء رفيعة البناء عالية الفناء مزخرفة الأرجاء سمّتها العرب القلّيس لارتفاعها؛ لأنّ الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حجّ العرب إليها، كما يحجّ إلى الكعبة بمكّة، ونادى بذلك في مملكته، فكرهت العرب العدنانيّة والقحطانيّة ذلك وغضبت قريشٌ لذلك غضباً شديداً حتى قصدها بعضهم وتوصّل إلى أن دخلها ليلاً فأحدث فيها، وكرّ راجعاً.

فلمّا رأى السّدنة ذلك الحدث رفعوا أمره إلى ملكهم أبرهة وقالوا له: إنّما صنع هذا بعض قريشٍ ؛؛ غضباً لبيتهم الذي ضاهيت هذا به. فأقسم أبرهة ليسيرنّ إلى بيت مكّة، وليخرّبنّه حجراً حجراً.

وذكر مقاتل بن سليمان أنّ فتيةً من قريشٍ دخلوها فأجّجوا فيها ناراً وكان يوماً فيه هواءٌ شديدٌ فاحترقت وسقطت إلى الأرض.

فتأهّب أبرهة لذلك، وسار في جيشٍ كثيفٍ عرمرمٍ؛ لئلا يصدّه أحدٌ عنه، واستصحب معه فيلاً عظيماً كبير الجثّة، لم ير مثله، يقال له: محمودٌ. وكان قد بعثه إليه النّجاشيّ ملك الحبشة لذلك، ويقال: كان معه أيضاً ثمانية أفيالٍ.

وقيل: اثنا عشر فيلاً. وقيل غيره واللّه أعلم. يعني: ليهدم به الكعبة بأن تجعل السلاسل في الأركان وتوضع في عنق الفيل ثم يزجر ؛؛ ليلقى الحائط جملةً واحدةً.

فلمّا سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جدًّا ورأوا أنّ حقًّا عليهم المحاجفة دون البيت وردّ من أراده بكيدٍ، فخرج إليه رجلٌ من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له: ذو نفرٍ. فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت اللّه وما يريده من هدّه وإخرابه فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم؛ لما يريده اللّه عزّ وجلّ من كرامة البيت وتعظيمه،، وأسر ذو نفرٍ.

فاستصحبه معه ثمّ مضى لوجهه، حتّى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيبٍ الخثعميّ في قومه: شهران وناهسٍ، فقاتلوه فهزمهم أبرهة، وأسر نفيل بن حبيبٍ، فأراد قتله ثمّ عفا عنه، واستصحبه معه؛ ليدلّه في بلاد الحجاز.

فلمّا اقترب من أرض الطّائف خرج إليه أهلها ثقيفٌ وصانعوه خيفةً على بيتهم الذي عندهم، الذي يسمّونه اللاّت فأكرمهم، وبعثوا معه أبا رغالٍ دليلاً.

فلمّا انتهى أبرهة إلى المغمّس -وهو قريبٌ من مكّة- نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكّة من الإبل وغيرها فأخذوه، وكان في السّرح مائتا بعيرٍ لعبد المطّلب، وكان الذي أغار على السّرح بأمر أبرهة أمير المقدّمة، وكان يقال له: الأسود بن مفصودٍ، فهجاه بعض العرب فيما ذكره ابن إسحاق.

وبعث أبرهة حناطة الحميريّ إلى مكّة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريشٍ، وأن يخبره أنّ الملك لم يجئ لقتالكم إلاّ أن تصدّوه عن البيت، فجاء حناطة فدلّ على عبد المطلب بن هاشمٍ وبلّغه عن أبرهة ما قال.

فقال له عبد المطلب: واللّه ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقةٍ، هذا بيت اللّه الحرام وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلّ بينه وبينه،، فواللّه ما عندنا دفعٌ عنه.

فقال له حناطة: فاذهب معي إليه، فذهب معه فلمّا رآه أبرهة أجلّه، وكان عبد المطلب رجلاً جميلاً حسن المنظر، ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط، وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال للتّرجمان: إنّ حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعيرٍ أصابها لي.

فقال أبرهة لترجمانه: قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني، أتكلّمني في مائتي بعيرٍ أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه؟! لا تكلّمني فيه؟! فقال له عبد المطلب: إنّي أنا ربّ الإبل، وإنّ للبيت ربًّا سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منّي، قال: أنت وذاك.

ويقال: إنّه ذهب مع عبد المطلب جماعةٌ من أشراف العرب، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت فأبى عليهم، وردّ أبرهة على عبد المطلب إبله.

ورجع عبد المطلب إلى قريشٍ فأمرهم بالخروج من مكّة والتّحصّن في رؤوس الجبال تخوّفاً عليهم من معرّة الجيش، ثمّ قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفرٌ من قريشٍ يدعون اللّه ويستنصرونه على أبرهة وجنده، وقال عبد المطلب: وهو آخذٌ بحلقة باب الكعبة

لاهمّ إنّ المرء يم = نع رحله فامنع حلالك

لا يغلبنّ صليبهم = ومحالهم غدواً محالك

قال ابن إسحاق: ثمّ أرسل عبد المطلب حلقة الباب ثمّ خرجوا إلى رؤوس الجبال. وذكر مقاتل بن سليمان أنّهم تركوا عند البيت مائة بدنةٍ مقلّدةٍ لعلّ بعض الحبشة ينال منها شيئاً بغير حقٍّ فينتقم اللّه منه.

فلمّا أصبح أبرهة تهيّأ لدخول مكّة، وهيّأ فيله وكان اسمه محموداً وعبّأ جيشه، فلمّا وجّهوا الفيل نحو مكّة أقبل نفيل بن حبيبٍ حتّى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه وقال: ابرك محمودٌ، أو ارجع راشداً من حيث جئت؛ فإنّك في بلد اللّه الحرام، ثمّ أرسل أذنه فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيبٍ يشتدّ حتّى أصعد في الجبل.

وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطّبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقّه، فبزغوه بها ليقوم فأبى، فوجّهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول، ووجّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجّهوه إلى مكّة فبرك؛ وأرسل اللّه عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كلّ طائرٍ منها ثلاثة أحجارٍ يحملها: حجرٌ في منقاره، وحجران في رجليه أمثال الحمّص والعدس، لا تصيب منهم أحداً إلاّ هلك، وليس كلّهم أصابت.

وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق ويسألون عن نفيلٍ؛ ليدلّهم على الطريق، هذا ونفيلٌ على رأس الجبل مع قريشٍ، وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل اللّه بأصحاب الفيل من النّقمة وجعل نفيلٌ يقول:

أين المفرّ والإله الطّالب = والأشرم المغلوب غير الغالب

قال ابن إسحاق: وقال نفيلٌ في ذلك أيضاً:

ألا حيّيت عنّا يا ردينا = نعمناكم مع الإصباح عينا

ردينة لو رأيت ولا تريه = لدى جنب المحصّب ما رأينا

إذًا لعذرتني وحمدت أمري = ولم تأسي على ما فات بينا

حمدت اللّه إذ أبصرت طيراً = وخفت حجارةً تلقى علينا

فكلّ القوم يسأل عن نفيلٍ = كأنّ عليّ للحبشان دينا

وذكر الواقديّ بأسانيده أنّهم لمّا تعبّؤوا لدخول الحرم وهيّؤوا الفيل جعلوا لا يصرفونه إلى جهةٍ من سائر الجهات إلاّ ذهب فيها، فإذا وجّهوه إلى الحرم ربض وصاح، وجعل أبرهة يحمل على سائس الفيل وينهره ويضربه ليقهر الفيل على دخول الحرم، وطال الفصل في ذلك، هذا وعبد المطّلب وجماعةٌ من أشراف مكّة؛ منهم المطعم بن عديٍّ، وعمرو بن عائذ بن عمران بن مخزومٍ، ومسعود بن عمرٍو الثّقفيّ على حراءٍ ينظرون إلى ما الحبشة يصنعون؟ وماذا يلقون من أمر الفيل؟ وهو العجب العجاب، فبينما هم كذلك؛ إذ بعث اللّه عليهم طيراً أبابيل، أي: قطعاً قطعاً صفراً دون الحمام، وأرجلها حمرٌ ومع كلّ طائرٍ ثلاثة أحجارٍ، وجاءت فحلّقت عليهم وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا.

وقال محمد بن كعبٍ: جاؤوا بفيلين: فأمّا محمودٌ فربض، وأمّا الآخر فشجع فحصب.

وقال وهب بن منبّه: كان معهم فيلةٌ؛ فأمّا محمودٌ -وهو فيل الملك- فربض؛ ليقتدي به بقيّة الفيلة، وكان فيها فيلٌ تشجّع فحصب، فهربت بقيّة الفيلة.

وقال عطاء بن يسارٍ وغيره: ليس كلّهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة، بل منهم من هلك سريعاً، ومنهم من جعل يتساقط عضواً عضواً وهم هاربون، وكان أبرهة يتساقط عضواً عضواً؛ حتّى مات ببلاد خثعمٍ.

قال ابن إسحاق: فخرجوا يتساقطون بكلّ طريقٍ، ويهلكون على كلّ منهلٍ، وأصيب أبرهة في جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملةً أنملةً، حتّى قدموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطّائر، فما مات حتّى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون.

وذكر مقاتل بن سليمان أنّ قريشاً أصابوا مالاً جزيلاً من أسلابهم وما كان معهم، وأنّ عبد المطّلب أصاب يومئذٍ من الذّهب ما ملأ حفرةً.

وقال ابن إسحاق: وحدّثني يعقوب بن عتبة أنّه حدّث أنّ أوّل ما رؤيت الحصبة والجدريّ بأرض العرب ذلك العام، وأنّه أوّل ما رؤي به مرائر الشّجر؛ الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام.

وهكذا روي عن عكرمة من طريقٍ جيّدٍ.

قال ابن إسحاق: فلمّا بعث اللّه محمداً صلّى اللّه عليه وسلّم كان فيما يعدّ به على قريشٍ من نعمته عليهم وفضله ما ردّ عنهم من أمر الحبشة؛ لبقاء أمرهم ومدّتهم، فقال: {ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليلٍ وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجّيلٍ فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ}؛ {لإيلاف قريشٍ إيلافهم رحلة الشّتاء والصّيف فليعبدوا ربّ هذا البيت الّذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوفٍ}. أي: لئلاّ يغيّر شيئاً من حالهم التي كانوا عليها؛ لما أراد اللّه بهم من الخير لو قبلوه). [تفسير القرآن العظيم: 8/483-487]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (أي: أمَا رأيتَ من قدرةِ اللهِ وعظيمِ شأنهِ، ورحمتهِ بعبادهِ، وأدلةِ توحيدهِ، وصدقِ رسولهِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مَا فعلهُ اللهُ بأصحابِ الفيلِ، الذينَ كادوا بيتَهُ الحرامَ وأرادوا إخرابهُ، فتجهزوا لأجلِ ذلكَ، واستصحبوا معهمُ الفيلةَ لهدمهِ، وجاؤوا بجمعٍ لا قِبلَ للعربِ بهِ، منَ الحبشةِ واليمنِ، فلمَّا انتهوا إلى قربِ مكةَ، ولمْ يكنْ بالعربِ مدافعةٌ، وخرجَ أهلُ مكةَ من مكةَ خوفاً على أنفسهمْ منهمْ). [تيسير الكريم الرحمن: 935] (م)

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (1- {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} هُم الَّذِينَ قَصَدُوا تخريبَ الْكَعْبَةِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الحَبَشةِ؛ أَيْ: قَدْ عَلِمْتَ يَا مُحَمَّدُ والناسُ فِي عَصْرِكَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِقِصَّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَمَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ، فَمَا لِقَوْمِكَ بِاللَّهِ لا يُؤْمِنُونَ؟!

وَأَصْحَابُ الْفِيلِ قَوْمٌ من النَّصَارَى من الأحباشِ، مَلَكُوا الْيَمَنَ، ثُمَّ سَارُوا مِنْهُ يُرِيدُونَ تخريبَ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا أَقْبَلُوا عَلَى مَكَّةَ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِم الطَّيْرَ المذكورةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، فَأَهْلَكَتْهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ آيَةً.

وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِينَ عَاماً، وَكَانَ بَعْضُ الَّذِينَ شَهِدُوا ذَلِكَ أَحْيَاءً عِنْدَ البَعثةِ). [زبدة التفسير: 601]


تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) )

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (أي: أمَا رأيتَ من قدرةِ اللهِ وعظيمِ شأنهِ، ورحمتهِ بعبادهِ، وأدلةِ توحيدهِ، وصدقِ رسولهِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مَا فعلهُ اللهُ بأصحابِ الفيلِ، الذينَ كادوا بيتَهُ الحرامَ وأرادوا إخرابهُ، فتجهزوا لأجلِ ذلكَ، واستصحبوا معهمُ الفيلةَ لهدمهِ، وجاؤوا بجمعٍ لا قِبلَ للعربِ بهِ، منَ الحبشةِ واليمنِ، فلمَّا انتهوا إلى قربِ مكةَ، ولمْ يكنْ بالعربِ مدافعةٌ، وخرجَ أهلُ مكةَ من مكةَ خوفاً على أنفسهمْ منهمْ، أرسلَ اللهُ عليهمْ طيراً أبابيلَ أي: متفرقةً، تحملُ حجارةً محماةً منْ سجِّيلٍ، فرمتهمْ بهَا، وتتبعتْ قاصيهمْ ودانيهمْ، فخمدوا وهمدوا، وصاروا كعصفٍ مأكولٍ، وكفى اللهُ شرّهمْ، وردَّ كيدهمْ في نحورهمْ). [تيسير الكريم الرحمن: 935] (م)

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2- {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}؛ أَيْ: أَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ تَعَالَى مَكْرَهُمْ وَسَعْيَهُمْ فِي تخريبِ الْكَعْبَةِ واستباحةِ أَهْلِهَا فِي تضليلٍ عَمَّا قَصَدُوا إِلَيْهِ، حَتَّى لَمْ يَصِلُوا إِلَى الْبَيْتِ، وَلا إِلَى مَا أَرَادُوهُ بِكَيْدِهِمْ، بَلْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا يَذْكُرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ؛ أَيْ: فَإِذَا عَلِمَ قَوْمُكَ هَذَا الأَمْرَ، فَمَا لَهُمْ لا يَخَافُونَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ بِهِمْ عُقُوبَتَهُ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ وَيَصُدُّونَ النَّاسَ عَن الإِيمَانِ؟!). [زبدة التفسير: 601]


تفسير قوله تعالى: (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال ابن هشامٍ: الأبابيل: الجماعات، ولم تتكلّم العرب بواحده.

قال: وأمّا السّجّيل: فأخبرني يونس النّحويّ وأبو عبيدة أنّه عند العرب: الشّديد الصّلب. قال: وذكر بعض المفسّرين أنّهما كلمتان بالفارسيّة جعلتهما العرب كلمةً واحدةً، وإنما هو (سنج وجلّ). يعني: بـ (السّنج) الحجر، و(الجلّ) الطّين، يقول: الحجارة من هذين الجنسين: الحجر والطّين.

قال: والعصف: ورق الزّرع الذي لم يقصّب، واحدته عصفةٌ. انتهى ما ذكره.

وقد قال حمّاد بن سلمة، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، وأبو سلمة بن عبد الرّحمن: {طيراً أبابيل}. قال: الفرق.

وقال ابن عبّاسٍ والضّحّاك: {أبابيل}: يتبع بعضها بعضاً. وقال الحسن البصريّ وقتادة: الأبابيل: الكثيرة. وقال مجاهدٌ: أبابيل: شتّى متتابعةٌ مجتمعةٌ.

وقال ابن زيدٍ: الأبابيل: المختلفة، تأتي من ههنا ومن ههنا، أتتهم من كلّ مكانٍ.

وقال الكسائيّ: سمعت النّحويّين يقولون: إبّولٌ مثل العجّول، قال: وقد سمعت بعض النّحويّين يقول: واحد الأبابيل: إبّيلٌ.

وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثني عبد الأعلى، حدّثني داود، عن إسحاق بن عبد اللّه بن الحارث بن نوفلٍ، أنّه قال في قوله: {وأرسل عليهم طيراً أبابيل}. هي الأقاطيع، كالإبل المؤبّلة.

وحدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا وكيعٌ، عن ابن عونٍ، عن ابن سيرين، عن ابن عبّاسٍ: {وأرسل عليهم طيراً أبابيل}. قال: لها خراطيم كخراطيم الطّير، وأكفٌّ كأكفّ الكلاب.

وحدّثنا يعقوب، حدّثنا هشيمٌ، أخبرنا حصينٌ، عن عكرمة في قوله: {طيراً أبابيل}. قال: كانت طيراً خضراً خرجت من البحر، لها رؤوسٌ كرؤوس السّباع.

وحدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا ابن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عميرٍ: {طيراً أبابيل}. قال: هي طيرٌ سودٌ بحريّةٌ، في مناقرها وأظفارها الحجارة.

وهذه أسانيد صحيحةٌ.

وقال سعيد بن جبيرٍ: كانت طيراً خضراً، لها مناقير صفرٌ تختلف عليهم.

وعن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ وعطاءٍ: كانت الطّير الأبابيل مثل التي يقال لها: عنقاء مغربٌ. رواه عنهم ابن أبي حاتمٍ.

وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن أبي شيبة، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عميرٍ قال: لمّا أراد اللّه أن يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيراً أنشئت من البحر أمثال الخطاطيف، كلّ طيرٍ منها يحمل ثلاثة أحجارٍ مجزّعةٍ؛ حجرين في رجليه، وحجراً في منقاره.

قال: فجاءت حتّى صفّت على رؤوسهم، ثمّ صاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما يقع حجرٌ على رأس رجلٍ إلاّ خرج من دبره، ولايقع على شيءٍ من جسده إلاّ خرج من الجانب الآخر، وبعث اللّه ريحاً شديدةً فضربت الحجارة فزادتها شدّةً؛ فأهلكوا جميعاً). [تفسير القرآن العظيم: 8/487-488]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (أي: أمَا رأيتَ من قدرةِ اللهِ وعظيمِ شأنهِ، ورحمتهِ بعبادهِ، وأدلةِ توحيدهِ، وصدقِ رسولهِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مَا فعلهُ اللهُ بأصحابِ الفيلِ، الذينَ كادوا بيتَهُ الحرامَ وأرادوا إخرابهُ، فتجهزوا لأجلِ ذلكَ، واستصحبوا معهمُ الفيلةَ لهدمهِ، وجاؤوا بجمعٍ لا قِبلَ للعربِ بهِ، منَ الحبشةِ واليمنِ، فلمَّا انتهوا إلى قربِ مكةَ، ولمْ يكنْ بالعربِ مدافعةٌ، وخرجَ أهلُ مكةَ من مكةَ خوفاً على أنفسهمْ منهمْ، أرسلَ اللهُ عليهمْ طيراً أبابيلَ أي: متفرقةً، تحملُ حجارةً محماةً منْ سجِّيلٍ). [تيسير الكريم الرحمن: 935] (م)

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3- {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ}: جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةً، وَهِيَ طَيْرٌ سُودٌ، جَاءَتْ مِن قِبَلِ الْبَحْرِ فَوْجاً فَوْجاً، مَعَ كُلِّ طائرٍ ثَلاثَةُ أحجارٍ: حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، لا يُصِيبُ شَيْئاً إِلاَّ هَشَمَهُ). [زبدة التفسير: 601]


تفسير قوله تعالى: (تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال السّدّيّ: عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {حجارةٍ من سجّيلٍ}. قال: طينٌ في حجارةٍ: (سنك وكلّ) وقد قدّمنا بيان ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا). [تفسير القرآن العظيم: 8/488]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (أي: أمَا رأيتَ من قدرةِ اللهِ وعظيمِ شأنهِ، ورحمتهِ بعبادهِ، وأدلةِ توحيدهِ، وصدقِ رسولهِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مَا فعلهُ اللهُ بأصحابِ الفيلِ، الذينَ كادوا بيتَهُ الحرامَ وأرادوا إخرابهُ، فتجهزوا لأجلِ ذلكَ، واستصحبوا معهمُ الفيلةَ لهدمهِ، وجاؤوا بجمعٍ لا قِبلَ للعربِ بهِ، منَ الحبشةِ واليمنِ، فلمَّا انتهوا إلى قربِ مكةَ، ولمْ يكنْ بالعربِ مدافعةٌ، وخرجَ أهلُ مكةَ من مكةَ خوفاً على أنفسهمْ منهمْ، أرسلَ اللهُ عليهمْ طيراً أبابيلَ أي: متفرقةً، تحملُ حجارةً محماةً منْ سجِّيلٍ، فرمتهمْ بهَا، وتتبعتْ قاصيهمْ ودانيهمْ). [تيسير الكريم الرحمن: 935] (م)

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (4-{تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} قَالُوا: هِيَ حِجَارَةٌ مِنْ طِينٍ طُبِخَتْ بِنَارِ جَهَنَّمَ، مَكْتُوبٌ فِيهَا أَسْمَاءُ الْقَوْمِ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَهُمْ حَجَرٌ مِنْهَا خَرَجَ بِهِ الجُدَرِيُّ، وَكَانَ الحَجَرُ كالحِمَّصَةِ وَفَوْقَ العَدَسَةِ). [زبدة التفسير: 601]


تفسير قوله تعالى: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) )

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فجعلهم كعصفٍ مأكولٍ}. قال سعيد بن جبيرٍ: يعني التّبن الذي تسمّيه العامّة هبّوراً، وفي روايةٍ عن سعيد بن جبيرٍ: ورق الحنطة، وعنه أيضاً: العصف: التّبن، والمأكول: القصيل، يجزّ للدّوابّ.

وكذلك قال الحسن البصريّ، وعن ابن عبّاسٍ: العصف: القشرة التي على الحبّة، كالغلاف على الحنطة. وقال ابن زيدٍ: العصف: ورق الزّرع وورق البقل، إذا أكلته البهائم فراثته فصار دريناً.

والمعنى: أنّ اللّه سبحانه وتعالى أهلكهم ودمّرهم وردّهم بكيدهم وغيظهم لم ينالوا خيراً، وأهلك عامّتهم، ولم يرجع منهم مخبرٌ إلاّ وهو جريحٌ، كما جرى لملكهم أبرهة؛ فإنّه انصدع صدره عن قلبه حين وصل إلى بلده صنعاء، وأخبرهم بما جرى لهم ثمّ مات، فملك بعده ابنه يكسوم، ثم من بعده أخوه مسروق بن أبرهة، ثم خرج سيف بن ذي يزن الحميريّ إلى كسرى، فاستغاثه على الحبشة، فأنفذ معه من جيوشه، فقاتلوا معه فردّ اللّه إليهم ملكهم وما كان في آبائهم من الملك، وجاءته وفود العرب للتّهنئة.

وقد قال محمد بن إسحاق: حدّثنا عبد اللّه بن أبي بكرٍ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عائشة قالت: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكّة أعميين مقعدين يستطعمان، ورواه الواقديّ عن عائشة مثله. ورواه أيضاً عن أسماء بنت أبي بكرٍ أنّها قالت: كانا مقعدين يستطعمان النّاس عند إسافٍ ونائلة، حيث يذبح المشركون ذبائحهم.

قلت: كان اسم قائد الفيل "أنيساً".

وقد ذكر الحافظ أبو نعيمٍ في كتاب (دلائل النّبوّة) من طريق ابن وهبٍ، عن ابن لهيعة، عن عقيل بن خالدٍ، عن عثمان بن المغيرة؛ قصّة أصحاب الفيل، ولم يذكر أنّ أبرهة قدم من اليمن، وإنّما بعث على الجيش رجلاً يقال له: شمر بن مفصودٍ، وكان الجيش عشرين ألفاً، وذكر أنّ الطير طرقتهم ليلاً؛ فأصبحوا صرعى.

وهذا السياق غريبٌ جدًّا، وإن كان أبو نعيمٍ قد قوّاه ورجّحه على غيره، والصحيح أنّ أبرهة الأشرم الحبشيّ قدم من مكّة كما دلّ على ذلك السياقات والأشعار، وهكذا روى ابن لهيعة عن الأسود، عن عروة، أنّ أبرهة بعث الأسود بن مفصودٍ على كتيبةٍ، معهم الفيل، ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه، والصحيح قدومه، ولعلّ ابن مفصودٍ كان على مقدّمة الجيش، واللّه أعلم.

ثمّ ذكر ابن إسحاق شيئاً من أشعار العرب فيما كان من قصّة أصحاب الفيل، فمن ذلك شعر عبد اللّه بن الزّبعرى:

تنكّلوا عن بطن مكّة إنّها = كانت قديماً لا يرام حريمها

لم تخلق الشّعرى ليالي حرّمت = إذ لا عزيز من الأنام يرومها

سائلٌ أمير الجيش عنها ما رأى = فلسوف ينبي الجاهلين عليمها

ستّون ألفاً لم يؤوبوا أرضهم = ولم يعش بعد الإياب سقيمها

كانت بها عادٌ وجرهم قبلهم = واللّه من فوق العباد يقيمها

وقال أبو قيس بن الأسلت الأنصاريّ المرّيّ:

ومن صنعه يوم فيل الحبو = ش إذ كلّ ما بعثوه رزم

محاجنهم تحت أقرابه = وقد شرّموا أنفه فانخرم

وقد جعلوا سوطه مغولاً = إذا يمّموه قفاه كلم

فولّى وأدبر أدراجه = وقد باء بالظّلم من كان ثمّ

فأرسل من فوقهم حاصباً = يلفّهم مثل لفّ القزم

تحثّ على الصّبر أحبارهم = وقد ثأجوا كثؤاج الغنم

وقال أبو الصّلت بن أبي ربيعة الثّقفيّ، ويروى لأميّة بن أبي الصّلت بن أبي ربيعة:

إنّ آيات ربّنا باقياتٌ = ما يماري فيهنّ إلاّ الكفور

خلق اللّيل والنّهار فكلٌّ = مستبينٌ حسابه مقدور

ثمّ يجلو النّهار ربٌّ رحيمٌ = بمهاةٍ شعاعها منشور

حبس الفيل بالمغمّس حتّى = صار يحبو كأنّه معقور

لازماً حلقه الجران كما قطّر = من ظهر كبكبٍ محدور

حوله من ملوك كندة أبطالٌ = ملاويث في الحروب صقور

خلّفوه ثمّ ابذعرّوا جميعاً = كلّهم عظم ساقه مكسور

كلّ دينٍ يوم القيامة عند اللّــ = ـه إلاّ دين الحنيفة بور

وقد قدّمنا في تفسير سورة الفتح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا أطلّ يوم الحديبية على الثّنيّة التي تهبط به على قريشٍ بركت ناقته، فزجروها؛ فألحّت، فقالوا: خلأت القصواء، أي: حرنت. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ماخلأت القصواء، وما ذاك لها بخلقٍ، ولكن حبسها حابس الفيل، ثمّ قال: والّذي نفسي بيده، لا يسألوني اليوم خطّةً يعظّمون فيها حرمات اللّه إلاّ أجبتهم إليها، ثمّ زجرها فقامت)). والحديث من أفراد البخاريّ.

وفي الصّحيحين، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال يوم فتح مكّة: ((إنّ اللّه حبس عن مكّة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، وإنّه قد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ألا فليبلّغ الشّاهد الغائب)) ). [تفسير القرآن العظيم: 8/488-490]

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (أي: أمَا رأيتَ من قدرةِ اللهِ وعظيمِ شأنهِ، ورحمتهِ بعبادهِ، وأدلةِ توحيدهِ، وصدقِ رسولهِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مَا فعلهُ اللهُ بأصحابِ الفيلِ، الذينَ كادوا بيتَهُ الحرامَ وأرادوا إخرابهُ، فتجهزوا لأجلِ ذلكَ، واستصحبوا معهمُ الفيلةَ لهدمهِ، وجاؤوا بجمعٍ لا قِبلَ للعربِ بهِ، منَ الحبشةِ واليمنِ، فلمَّا انتهوا إلى قربِ مكةَ، ولمْ يكنْ بالعربِ مدافعةٌ، وخرجَ أهلُ مكةَ من مكةَ خوفاً على أنفسهمْ منهمْ، أرسلَ اللهُ عليهمْ طيراً أبابيلَ أي: متفرقةً، تحملُ حجارةً محماةً منْ سجِّيلٍ، فرمتهمْ بهَا، وتتبعتْ قاصيهمْ ودانيهمْ، فخمدوا وهمدوا، وصاروا كعصفٍ مأكولٍ، وكفى اللهُ شرّهمْ، وردَّ كيدهمْ في نحورهمْ، وكانتْ تلكَ السنةَ التي ولدَ فيهَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فصارتْ من جملةِ إرهاصاتِ دعوتهِ، ومقدماتِ رسالتهِ، فللهِ الحمدُ والشكرُ). [تيسير الكريم الرحمن: 935]

قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (5-{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}: كَوَرَقِ الزَّرْعِ إِذَا أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ فَرَمَتْ بِهِ مِن أسفلُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: صَارُوا كَوَرَقِ زَرْعٍ قَدْ أَكَلَتْ مِنْهُ الدَّوَابُّ وَبَقِيَ مِنْهُ التِّبْنُ). [زبدة التفسير: 601-602]



* للاستزادة ينظر: هنا