الدروس
course cover
المرحلة الثانية: مرحلة البناء العلمي
26 Dec 2015
26 Dec 2015

15598

0

1

course cover
التكوين العلمي لطالب العلم

القسم الأول

المرحلة الثانية: مرحلة البناء العلمي
26 Dec 2015
26 Dec 2015

26 Dec 2015

15598

0

1


0

0

0

0

1

المرحلة الثانية: مرحلة البناء العلمي

معنى البناء العلمي

إذا أحسن الطالب تأسيسه العلمي؛ أمكنه أن يبدأ مرحلة رفع البناء العلمي وتشييده وتحسينه، فإذا كان الأساس متيناً والبناء حسناً متوازناً كان تحصيل الطالب تحصيلاً مؤصّلاً نافعاً بإذن الله تعالى، يبلغ به مرتبة أهل العلم بأيسر طريقة وأقلّ مؤونة.

والمراد بالبناء العلمي هنا تعلم الطالب لتفاصيل المسائل العلمية تعلما منظما متوازناً شاملاً لأبواب العلم الذي يطلبه.


أهمية مرحلة البناء العلمي

مرحلة البناء العلمي مرحلة مهمّة جداً لأن فيها أكثر التحصيل العلمي المنظّم لطالب العلم، وهي المرحلة التي ينتقل بها الطالب من مستوى المبتدئين إلى مستوى المتقدّمين في طلب العلم بإذن الله تعالى.

ولذلك ينبغي أن يكون طالب العلم حسن الاستعداد لهذه المرحلة، وأن يعرف لها قدرها ويجتهد فيها اجتهاداً بالغاً.


سمات مرحلة البناء العلمي

تمتاز الدراسة في مرحلة البناء العلمي بأنّها أيسر على الطالب، وأكثر فائدة، وأغزر مادّة علمية، وذلك لأمور:

أولها: أن العلم الذي يطلبه الطالب أضحى واضح المعالم لديه، وخطته المنهجية بيّنة.

ثانيها: أنّ كثيراً من مسائل ذلك العلم قد درسها الطالب على قدرٍ مناسب، فيسهل عليه بعد ذلك دراستها بتوسّع أكثر.

وثالثها: أن الطالب في هذه المرحلة يكون قد تبيّن له ما يجيده من المهارات وما يبرع فيه؛ فيوجّه عنايته إلى ما يحسن من العلوم، وبالطريقة التي تكون أنفع له وأيسر عليه، وهذا أمر يختلف فيه طلاب العلم كثيراً.

ويحتاج الطالب في هذه المرحلة إلى أمرين مهمّين:

الأول: إدارة وقته وتنظيمه ليمكنه مواصلة طلب العلم بإتقان.

والثاني: القدرة على تصنيف المسائل العلمية وفهرستها بمهارة؛ لأن التمهر في ذلك يختصر عليك كثيراً من الجهد والوقت.


كيف يكون البناء العلمي؟

يكون البناء العلمي بخمسة أمور:

الأمر الأول: مواصلة الدراسة المتدرّجة في كتب العلم الذي يطلبه؛ فبعد دراسته للكتاب المختصر؛ يبدأ بدراسة كتاب أوسع منه بما يناسب مرحلة المتوسّطين، ثمّ يتدرّج في دراسة كتب ذلك العلم حتى يصل فيه إلى مرحلة المتقدّمين بإذن الله تعالى.

والأمر الثاني: اتّخاذ أصل جامع في ذلك العلم، يكون كالحاوي لمسائله فيتعاهده بالمراجعة والتهذيب والإضافة حتى ينمو هذا الأصل العلم لديه بنموّ تحصيله العلمي، ويخرج بعد سنوات يسيرة بأصل علمي كبير نفيس جداً في ذلك العلم، يستظهر عامّة ما تضمّنه.

والأمر الثالث: القراءة المنظّمة في كتب ذلك العلم؛ ففي كلّ علم عدد كبير من الكتب المؤلفة في أبواب منه، أو مسائل مفردة، فينظم الطالب قراءته في كتب ذلك العلم، ويضيف إلى أصله العلمي ما يستطرفه من الفوائد.

والأمر الرابع: كثرة مطالعة الكتب التي تعدّ من أصول ذلك العلم، ففي كلّ علم كتب مرجعية يرجع إليها العلماء جيلاً بعد جيل، وينهلون من معينها، وإن انتقى منها كتاباً يدمن قراءته والرجوع إليه فحسن.

والأمر الخامس: قراءة سير علماء ذلك العلم، ومعرفة طبقاتهم ومراتبهم، والتفكّر طرق تعلمهم وتعليمهم لذلك العلم، وتنوّع مسالكهم وطرائقهم في ذلك، واستخراج الفوائد والعبر منها، وهذه المعرفة تفيد طالب العلم فوائد جليلة في تحسين أصله العلمي وتقويته، وتنبّهه إلى أمور كان في غفلة عنها.


عناية العلماء بالأصول العلمية

كان لكثير من العلماء أصولهم العلمية الخاصة بهم، وهي بمثابة العدّة العلمية، يداومون على مطالعتها وتحريرها والإضافة إليها، والإفادة منها، وهذه الأصول وإن كانت غير مشتهرة لدى كثير من طلاب العلم إلا أنّ لها أثراً كبيراً في التحصيل العلمي لدى العلماء.

وسبب عدم شهرة الأصول العلمية للعلماء أنهم لم يكونوا ينشرونها، بل ينتقون منها ما يصلح للنشر، ومن تأمّل سير العلماء المتقدّمين عرف عنايتهم بأصولهم العلمية، وأثرها في بنائهم العلمي وثرائهم المعرفي، ومن الأمثلة على ذلك:

أ: أن الإمام أحمد انتقى أحاديث مسنده من أصله الذي تضمّن سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف حديث.

ب: وقال إسحاق بن راهويه: (كأني أنظر إلى مائة ألف حديث في كتبي).

ج: وقال الإمام مسلم: (صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة).

د: وقال أبو داوود: (كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمّنته كتاب السنن).

هـ: جرى شبه تحدٍّ بين أصحاب الإمام أحمد من يكتب من كتاب الصلاة ما ليس في كتب أبي بكر بن أبي شيبة؛ فوجّه لهم أبو بكر الأثرم ستمائة ورقة على هذا الشرط !! ، وهذا لم يكن ليتأتّى له لولا أنّه كان لديه أصل علمي كبير قد اعتنى بجمعه وتصنيفه.

و: ما أجاب به الدارقطني في كتاب العلل مما يدلّ على سعة معرفته بالروايات وجمعه للطرق وتفطنّه لعلل الأسانيد علم أنّ ذلك لم يكن ليتهيّأ له من غير أصل علمي كبير متقن.

ز: ما ذكره ابن رشيق المغربي عن ابن تيمية رحمه الله أنّه وقف على خمسة وعشرين تفسيراً مسنداً، وأنه كتب نقول السلف مجردًا عن الاستدلال على جميع القرآن.

وهذا أصل علميّ مهمّ، أرى أنّه من أعظم أسباب القوة العلمية لشيخ الإسلام ابن تيمية في التفسير.

والأمثلة على الأصول العلمية كثيرة ومتنوّعة، ومن تأمل كثرتها علم أنها من سنن العلماء في بنائهم العلمي وإعدادهم العدة العلمية، وأنّهم بذلوا في سبيل ذلك ما بذلوا ، وأمضوا من الوقت ما أمضوا، وإنما لم ينشروا تلك الأصول لأنّها كانت أصولاً خاصّة لضبط التحصيل العلمي، وليست للنشر، وإنما ينشرون ما ينتقونه منها.

والمقصود من هذا حث طلاب العلم على العناية ببناء أصولهم العلمية؛ وكلما أحسن الطالب بناءه ازداد معرفة بقيمته، وانتفاعاً به، ونهلاً منه، ومداومة على مطالعته حتى يكاد يحفظه.


أنواع الأصول العلمية

للعلماء طرق متنوّعة في بناء أصولهم العلمية، وتنوّع هذه الطرق يفيد الطالب في اختيار أقرب الطرق إلى نفسه وموافقتها لما يحسنه.

النوع الأول: الأصول المبنية من كتب عالم من العلماء واسع المعرفة والاطلاع حسن الفهم كثير التأليف؛ فيقبل الطالب على كتبه ويلخص مسائلها؛ حتى يكون لديه أصل علمي حسن من كتب ذلك الإمام، ومعرفة حسنة بأقواله في المسائل، وبصيرة بمنهجه في ذلك العلم، ويستفيد من طريقته في المسائل التي درسها أصول دراسة نظائر تلك المسائل.

ولهذا النوع أمثلة كثيرة من أعمال العلماء، ومن ذلك:

أ: أن الإمام اللغوي أحمد بن يحيى (ثعلب) أقبل على كتب الفرّاء وحذقها وهو لم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره.

ب: وأبو بكر الخلال صاحب كتاب السنة، أقبل على جمع مسائل الإمام أحمد وتصنيفها وترتيبها والتحقق من صحتها حتى صار إماما ذا شأن، وكانت كتبه من أهمّ مراجع الحنابلة.

ج: وكذلك فعل الفقيه الحنبلي ابن مفلح مع مسائل الإمام أحمد فقد كانت له براعة في جمعها وتصنيفها، ومعرفة بمصادرها، وتمييز مراتب الروايات عن الإمام أحمد، حتى قال عنه ابن القيم: (ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح).

د: وكما فعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد الرحمن السعدي بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم حيث اعتنيا بها عناية بالغة فانتفعا بها.

هـ: وكما فعل بعض طلاب العلم المعاصرين بكتب الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ودروسه الصوتية؛ فإنّهم أقبلوا عليها إقبالاً حسناً حتى استظهروا مسائلها، وعرفوا أقواله في عامّة مسائل العلم.

وأمثلة هذا النوع كثيرة لدى العلماء، لكن يجب أن يُتنبّه إلى أنّ هذه الطريقة لا تؤتي ثمارها المأمولة حتى يصبر عليها الطالب مدة طويلة من الزمن، يتفقّه في كتب ذلك العالم، ويلخّص مقاصدها، ويفهرس مسائلها، حتى يستظهرها جيداً، ولا يحصل البناء العلمي الحسن بمجرد القراءة العابرة.

والنوع الثاني: العناية بالكتب الأصول في علم من العلوم؛ كأن يعتني طالب علم التفسير بتفسير مهمّ فيكثر من قراءته حتى يستظهر مسائله؛ ويعرف كوامنه، ويعتني طالب علم الفقه بكتاب جامع في الفقه فيضبط مسائله ويدمن قراءته، وقد سلك هذه الطريقة جماعة من العلماء.

أ: قال ابن فرحون المالكي: (لازمت تفسير ابن عطية حتى كدت أحفظه).

ب: ونقل القاضي عياض عن ابن التبان أنه قرأ المدونة أكثر من ألف مرة.

ج: والكافيجي شيخ السيوطي لقّب بذلك بسبب كثرة اشتغاله بكتاب الكافية لابن الحاجب قراءةً وإقراءً.

وقد كانت مكتبات بعض العلماء المعروفين قليلة الكتب بالنسبة لكثير من مكتبات طلاب العلم؛ وكانوا مع ذلك من كبار أهل العلم وكبار أهل الفتوى، لأنّهم كانوا يحسنون قراءة تلك الكتب، ودراسة ما فيها، وقد ذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه أنّ ضبط الصحيح القليل أولى من معالجة الكثير الذي لا يميز صحيحه من سقيمه، وأنّ من عجز عن معرفة القليل الصحيح فلا معنى لاستكثاره مما لا يميّزه.

والنوع الثالث: أن يتخذ أصلاً يستفيده من كتب متعددة فيلخّص مسائلها ويجمعها ويصنّفها؛ ولهذا أمثلة:

أ: وهذا كما لخّص الماوردي أقوال المفسّرين من مصادر متعددة في كتابه "النكت والعيون"، وتبعه على ذلك ابن الجوزي في كتابه "زاد المسير في علم التفسير" وزاد عليه كثيراً.

ب: وكما جمع ابن الصلاح مقدّمته في علوم الحديث من مصادر كثيرة، أكثرها من كتب الخطيب البغدادي؛ فلخّصها، وهذّبها، ورتّبها، وأحسن تصنيفها وتقسيمها، حتى كانت مقدّمة نفيسة، وأصلاً علمياً مهمّا ثمّ هيّأها للنشر؛ ففرح بها أهل العلم، واعتنوا بها عناية كبيرة؛ حتّى عُدّ كتابه هذا من أصول الكتب المؤلّفة في علوم الحديث.

ج: وكما فعل السبكي في جمع الجوامع فإنّه لخّصه من نحو مائتي كتاب في أصول الفقه؛ واعتنى به أهل العلم فكثرت شروحه وحواشيه، حتى نظمه بعض أهل العلم.

د: وكما لخّص ابن تيمية أقوال السلف في التفسير من خمسة وعشرين تفسيراً مسنداً حتى صارت له معرفة حسنة واسعة بأقوال السلف في التفسير.

والنوع الرابع: التأليف لغرض التعلّم، وهذه الطريقة سلكها بعض أهل العلم كالسيوطي رحمه الله فإنّه ألّف التحبير في علم التفسير وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وكرّر التأليف في علوم القرآن على صور مختلفة إلى أن ألّف كتابه الكبير "الإتقان في علوم القرآن" فكان كتاباً حسناً جامعا متقناً ، واعتنى به أهل العلم عناية حسنة، حتى عُدّ من أصول الكتب المؤلّفة في علوم القرآن.

وكما فعل الذهبي في علم التاريخ والسير؛ فإنّه كرر التأليف فيه وتلخيص الأحداث والسير من مصادر متعددة؛ فألّف تاريخ الإسلام، والعبر في خبر من غبر، وسير أعلام النبلاء، وغيرها كثير، حتى عدّت كتبه من أهمّ المراجع في التاريخ.

وقريب من هذه الطريقة طريقة ابن الملقّن والمبرد والعيني وابن قطلوبغا وغيرهم.

والنوع الخامس: الاجتهاد في شرح كتاب من الكتب المختصرة الشاملة لعامّة مسائل العلم الذي يطلبه، فيشرحه شرحاً وافياً حافلاً يعتني بتحريره وتهذيبه حتى يكون أصلاً جامعًا لمسائل ذلك العلم، وقد سلك هذه الطريقة جماعة من أهل العلم رحمهم الله ، ومن ذلك:

أ: ما فعله ابن القيّم لمّا شرح كتاب منازل السائرين في كتابه العظيم "مدارج السالكين" فشرحه شرحاً وافياً بديعاً محرراً حتى كان من أهمّ مراجع علم السلوك.

ب: وما فعله الزركشي في عدد من الكتب؛ فإنّه شرح مقدمة ابن الصلاح شرحاً وافياً جامعاً مليئا بالفوائد والنقول المنتخبة من كتب أهل العلم، وشرح أيضاً جمع الجوامع للسبكي بالطريقة نفسها؛ حتى كانت كتبه تلك من أنفس الكتب المؤلّفة في تلك العلوم وأجمعها، وأغزرها مادّة علمية.

ج: وما فعله الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري؛ فإنّه شرحه شرحاً كبيراً وافياً أمضى فيه أكثر من ثلاثين سنة؛ واعتنى بتهذيبه وتحريره حتى عدّه العلماء مرجعاً مهماً لهم في شرح صحيح البخاري.

د: وما فعله السخاوي بألفية العراقي في الحديث؛ فإنّه شرحها شرحاً كبيراً وافياً محرراً في مجلدات عدة.

والنوع السادس: أن يقسّم العلم الذي يطلبه إلى أبواب كبيرة، ويكون له في كلّ قسم أصل علمي كبير؛ إما أن يؤلّف فيه أو يجعل لنفسه ملخّصاً خاصّا به، وقد سلك هذه الطريقة جماعة من أهل العلم، ومن ذلك ما فعله الخطيب البغدادي في أكثر أبواب علوم الحديث؛ فإنّه قد جعل بذلك لنفسه أصولاً علمية متعددة في علوم الحديث، وقد أحسن في جمعها وتهذيبها حتى عدّت كتبه من أهمّ المراجع لدى العلماء في علوم الحديث، حتى قال الحافظ ابن نقطة: "كل من أنصف عَلِمَ أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه".

وكذلك ما فعله ابن أبي الدنيا في أبواب متفرّقة من العلم مما تدعو الحاجة إليه؛ حتى قيل فيه: "ملأ ابن أبي الدنيا الدنيا علما".

والنوع السابع: الدراسات الجامعة المحررة لمسائل ذلك العلم، وهذا النوع من أصعب هذه الأنواع وأعظمها مشقّة، لكنه من أكثرها فائدة، ومن ذلك ما صنعه الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة في دراساته لأساليب القرآن؛ وأمضى في إعدادها أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، وقال في كلمة الختام: (فقد أذن الله لهذا البحث أن يكتمل وأن يرى النور بعد أن أمضيت في إعداده وطباعته ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً تابعت فيها الدرس، وواليت البحث من غير كلل ولا ملل، فجاء في أحد عشر جزءاً ضخماً ، ولقد كنت أخشى أن يحول الأجل دون الأمل، فالحمد لله والشكر له على أن مد في عمري وهيأ لي الأسباب التي مكنتني من طباعته).

وقال: (وما من شك في أن هذه الدراسات قد أثرت الدراسات النحوية إثراء عظيماً، وحفلت بالكثير من الطرائف والفوائد والفرائد.

وما ذلك إلا لكثرة المراجع التي اعتمدت عليها وتنوعها.

لم أقتصر على كتب النحو وحدها، ولا على كتب الإعراب وحدها، ولا على كتب التفسير وحدها، وإنما شملت القراءات كثيراً من الكتب المختلفة. كما ارتكزت هذه الدراسات على استقراء أسلوب القرآن وقراءاته المتنوعة).ا.هـ.

وموسوعته هذه من أعاجيب العصر، وقد قال فيها الأستاذ محمود شاكر رحمه الله: (فماذا يقول القائل في عمل قام به فرد واحد، لو قامت عليه جماعة لكان لها مفخرة باقية؟!!

فمن التواضع أن يسمى هذا العمل الذي يعرضه عليك هذا الكتاب «معجمًا نحويًا صرفيًا للقرآن العظيم»؛ فمعلوم أن جل اعتماد المعاجم قائم على الحصر والترتيب، أما هذا الكتاب، فالحصر والترتيب مجرد صورة مخططة يعتمد عليها، أما القاعدة العظمى التي يقوم عليها، فهي معرفة واسعة مستوعبة تامة لدقائق علم النحو، وعلم الصرف، وعلم اختلاف الأساليب).

· ما هي الطريقة المثلى في البناء العلمي؟

من الخطأ اقتراح طريقة موحدة لجميع الطلاب في بناء الأصل العلمي، وذلك بسبب اختلاف الطلاب في أوجه العناية العلمية، واختلاف ملكاتهم وقدراتهم، وتباين الفرص العلمية المتاحة لهم.

وتنوّع مسالك العلماء في بناء أصولهم العلمية يفيد الطالب باختيار أقرب الطرق إليه، وأيسرها عليه، وأنفعها له.


محاذير وتنبيهات

على طالب العلم أن يحذر من جملة من الأخطاء الشائعة؛ حتى يحصّن بناءه العلمي ويحسّنه، ومن هذه الأخطاء:

1: التصدّي للبناء العلمي على ضعف في التأسيس، وهذا الضعف سيكون له أثره في البناء العلمي، ومن أحسّ من نفسه ضعف تأسيس في العلم الذي يطلبه فليبادر إلى معالجته، حتى يبدأ مرحلة البناء العلمي على استعداد حسن بإذن الله تعالى.

2: ضعف التوازن في البناء العلمي، فتجد بعض الطلاب متبحّراً في أبواب من العلم الذي يطلبه ضعيفاً في الأبواب الأخرى منه.

3: العشوائية في القراءة، وهذه آفة حرم بها بعض طلاب العلم من إحكام أصولهم العلمية، وقادهم الاسترسال في القراءة العشوائية إلى إهمال أصولهم العلمية والتفريط فيها؛ حتى يكون منهم من يمضي سنوات في طلب العلم والقراءة الكثيرة غير المنظمة، ولا يستفيد سوى ثقافة عامة لا يستطيع البناء عليها.

4: التصدّر قبل التأهل، فيشتغل الطالب بالتصدر وما يتطلبه، ويغفل عن مواصلة بنائه العلمي.

وطالب العلم إذا ابتُلي بالحاجة إليه في بلد لا يوجد فيه من العلماء من يكفي لنشر العلم وتعليم الناس وتفقيههم في المسائل التي تتوقف عليها صحّة عباداتهم ومعاملاتهم؛ فعليه أن يوازن بين مواصلة بنائه العلمي، وتعليم الناس ما أحسن معرفته وتعلّمه من مسائل العلم، وليتجنّب القول بما لا يعلم، فإنّه إذا صدقت نيّته مع ذلك رُجي له أن يوفّق لحسن طلب العلم، وأن يبارك الله له في علمه، وليحرص على أن يجعله له أوقاتا يعتزل فيها للانكباب على التعلم الجادّ في مسائل ذلك العلم على طريقة متوسّطة بين التطويل والاختصار.

وليحذر هؤلاء من الحديث في مسائل الترف العلمي، وما يجلب النزاع ويثير الأهواء، فإنّ ذلك من مظان الافتتان والانحراف عن الجادّة في طلب العلم.

5: الإكثار المرهق، وهذه آفة تؤخّر طالب العلم كثيراً عن إتمام بنائه العلمي، وتهذيبه وتحسينه، فإنّه إذا أكثر على نفسه من المهامّ المتزامنة حتى يرهقها ضعف عزمه عن مواصلة البناء العلمي، وربّما توقّف وانقطع، ولذلك يوصى طالب العلم أن يختار في البناء العلمي طريقة ميسّرة يمكنه المداومة عليها وإتمامها حتى ينتفع بها.