شيخنا بارك الله فيكم
ذكرتم في درس عدد آيات سورة الفاتحة ما نصه:
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ{الحمد لله رب العالمين} لا يذكرون {بسم الله الرحمن الرحيم} في أول قراءة ولا في آخرها). متفق عليه. وعدم الجهر بالبسملة لا يقتضي عدم قراءتها، وهذه الرواية عن أنس تفسّرها الرواية الأخرى من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنسٍ، قال: «صلّيت خلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأبي بكرٍ، وعمر فلم يجهروا ببسم الله الرّحمن الرّحيم». |
سؤالي: ما هو الدليل على جواز الإسرار ببعض الفاتحة (البسملة) على قول من يقول أنها آية منها؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مسألة الإسرار بالبسملة والجهر بها منفكّة عن مسألة عدّها آية منها أو عدم عدّها، ومسائل القراءات وعدّ الآي مبناها على النقل الصحيح، ولا يرجّح بينها كما يرجّح بين الأقوال الفقهية، فما صحّت القراءة به وصحّ عدّه يُحكم بصحّته، وإن صحّت قراءتان وصحّ عددان يعتقد صحتهما جميعاً.
ولذلك فإنّ من الخطأ ما يسلكه بعض فقهاء المذاهب وبعض المفسّرين من الطعن في بعض القراءات ومذاهب العدّ الصحيحة، وقد صحّت عن القرّاء المعتبرين بالأسانيد المتواترة، والأئمة الكبار لا يقع منهم الطعن في القراءات الصحيحة الثابتة؛ كما تقدّم النقل في ذلك عن شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن الجزري، ومن رُوي عنه شيء من إنكار بعض القراءات من الأئمة المتقدّمين فإنما هو محمول على أنّ تلك القراءة لم تبلغه، كما أخذ الإمام مالك عن قرّاء المدينة وهم لا يعدّون البسملة آية من الفاتحة.
وأمّا إسرار البسملة والجهر بها فمسألة أخرى؛ فقد صحّ من حديث أنس وعبد الله بن مغفّل المزني وغيرهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر بالبسملة، وليس فيه نفي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأها، وقد ثبت من حديث أمّ سلمة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان قرأ البسملة في أوّل الفاتحة، وصحّ عن علي بن أبي طالب وابن عباس عدّ البسملة آية من الفاتحة.
وسواء قلنا إنها آية من الفاتحة أو أو قلنا إنها ليست آية منها؛ فإنّ الإجماع قد انعقد على كتابتها في المصحف في أوّل الفاتحة وفي أوّل كلّ سورة من القرآن عدا سورة براءة، فلو قرأها القارئ تبرّكاً كما يقرؤها في أوّل كلّ سورة لكان متّبعاً للسنّة، ولو لم يقرأها على أنّها آية من الفاتحة.