الأسئلة العلمية
حالة السؤال
سؤال عن معنى قول الإمام أحمد: (ثلاثة كتب ليس فيها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير)

0

0

0

أمل عبد الرحمن
مشرفة


11:32 22-1-1434 | 06-12-2012

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود أن أعرف ما المقصود بالعبارة التي تقول: ثلاثة ليس لها أصل.. ومن ضمنها التفسير، بارك الله فيكم.


عبد العزيز بن داخل المطيري
المشرف العام
11:34 26-1-1434 | 10-12-2012

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

هذه المقولة مروية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

قال ابن عدي في الكامل: (سمعت محمد بن سعيد الحراني يقول: سمعت عبد الملك الميموني يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ثلاثة كتب ليس فيها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير).

وقد رواها من طريقه الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.

قال الخطيب البغدادي : (وهذا الكلام محمول على وجه وهو أن المراد به كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها ولا موثوق بصحتها لسوء أحوال مصنفيها وعدم عدالة ناقليها وزيادات القصاص فيها . فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوه مرضية وطرق واضحة جلية . وأما الكتب المصنفة في تفسير القرآن فمن أشهرها كتابا الكلبي و مقاتل بن سليمان).

ثم روى بإسناده إلى عبد الصمد بن الفضل قال: سئل أحمد بن حنبل عن تفسير الكلبي فقال أحمد: (من أوله إلى آخره كذب) فقيل له: فيحل النظر فيه؟ قال: لا.

ثم قال الخطيب البغدادي: (وأما المغازي فمن المشتهرين بتصنيفها وصرف العناية إليها محمد بن إسحاق المطلبي ومحمد بن عمر الواقدي فأما ابن إسحاق فقد تقدمت منا الحكاية عنه أنه كان يأخذ عن أهل الكتاب أخبارهم ويضمنها كتبه وروي عنه أيضا أنه كان يدفع إلى شعراء وقته أخبار المغازي ، ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار ليلحقها بها...

وأما الواقدي فسوء ثناء المحدثين عليه مستفيض وكلام أئمتهم فيه طويل عريض).

ثم روى بإسناده عن الشافعي أنه قال: (كتب الواقدي كذب)

قال: وليس في المغازي أصح من كتاب موسى بن عقبة مع صغره وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره . فما روي من هذه الأشياء عمن اشتهر تصنيفه وعرف بجمعه وتأليفه هذا حكمه فكيف بما يورده القصاص في مجالسهم ويستميلون به قلوب العوام من زخارفهم ؟ إن النقل لمثل تلك العجائب من المنكرات وذهاب الوقت في الشغل بأمثالها من أخسر التجارات.

وقال ابن حجر في لسان الميزان: ( ينبغي أن يضاف إليها الفضائل فهذه أودية الأحاديث الضعيفة والموضوعة إذ كانت العمدة في المغازي على مثل الواقدي وفي التفسير على مثل مقاتل والكلبي وفي الملاحم على الاسرائيليات وأما الفضائل فلا تحصى كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية بدأ وبفضائل الشيخين وقد أغناهما الله واعلى مرتبتهما عنها).

فمراد الإمام أحمد هو انتقاد ما شاع في عصره من الكتب المؤلفة في هذه العلوم الثلاثة وأنها تضمنت كثيراً من الأقوال المرسلة التي لا أصل لها ، وفيها كثير من الأخبار الباطلة التي تروى بأسانيد واهية، وهذا لا يعني أنه لا يصح في التفسير والمغازي والملاحم أحاديث وآثار؛ هذا بعيد عن مراد الإمام أحمد، فإنه قد صح من ذلك شيء كثير لكنه متفرق في مصنفات متعددة وقد روى هو رحمه الله في مسنده أحاديث وآثاراً صحيحة وحسنة في هذه العلوم الثلاثة.

ومعرفة تأريخ هذه المقولة مهم جداً في معرفة مراده ؛ وذلك لأن بعض طلاب العلم قد ينصرف ذهنه إلى أن المراد به مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وغيرها وما جمعه أصحاب الكتب الستة من الأحاديث والآثار في التفسير وهذه كلها إنما كتبت بعد عصر الإمام أحمد ما عدا كتاب التفسير من صحيح البخاري فإنه عرضه على الإمام أحمد في آخر حياته.

وهذه الكتب هي أمثل ما كتب في التفسير بالمأثور، ومع هذا تضمنت أخباراً لا تثبت، ويحتاج الناظر فيها إلى التدقيق والتمحيص ومعرفة الصحيح من الضعيف.

فيتبين بذلك أن مراد الإمام أحمد الكتب التي شاعت في عصره كتفسير الكلبي ومقاتل بن سليمان ، ومغازي الواقدي وسيف بن عمر ونحو ذلك.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمته: (فالمقصود أن المنقولات التى يحتاج اليها فى الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره ومعلوم أن المنقول فى التفسير أكثره كالمنقول فى المغازى والملاحم

ولهذا قال الامام أحمد ثلاثة أمور ليس لها اسناد : التفسير والملاحم والمغازى ويروى ليس لها أصل أى اسناد ، لأن الغالب عليها المراسيل مثل ما يذكره عروة بن الزبير والشعبى والزهرى وموسى بن عقبة وابن اسحاق ومن بعدهم كيحيى بن سعيد الأموى والوليد بن مسلم و الواقدى).

قوله : (الغالب عليها المراسيل) ليس مراده به الإرسال الاصطلاحي في علم الحديث وإن كان مندرجاً فيه، بل مراده القول المرسل الذي لا إسناد له ولا حجة تبيّن صحته، فيقول بعضهم في تفسير بعض الآيات قولاً مرسلاً لا تعرف صحته إلا عن طريق الوحي .

كما روى الخطيب البغدادي بإسناده عن الإمام مالك أنه بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان فقال له: إن إنسانا سألني ما لون كلب أصحاب الكهف؟ فلم أدر ما أقول له.

فقال له مقاتل: (ألا قلت هو أبقع؛ فلو قلت لم تجد أحدا يرد عليك).

فيكون في تفاسير هؤلاء جزم بأمور لا أصل لها ولا حجة عليها من لغة ولا دلالة دليل صحيح كتعيين المبهم وتخصيص العام وتقييد المطلق وربما صرف المعنى عن ظاهر السياق ببعض تلك التفسيرات وكل هذا من القول بلا علم.

وأما مصنفات الأئمة الثقات في التفسير فهي نافعة جليلة القدر وقد جمعوا ما تفرق من الأحاديث والآثار وتكلموا في نقد بعضها، ولا يزال أهل العلم بالتفسير يؤلفون فيه ويجمعون ما روي فيه من الأحاديث والآثار ويدرسونها ويجتهدون في تمييز الصحيح من الضعيف.