اقتباس:
أحسن الله إليكم شيخنا الفاضل
أضيف إلى سؤال أختي الفاضلة سؤال: هل يمكن الجمع بين كل من الحديث الشريف والآية القرآنية {هوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]، بأن الآيات المحكمات التي هي أم الكتاب عامة شاملة لما في القرآن كله وسورة الفاتحة خاصة آياتها كلها محكمة فهي أم الكتاب أيضًا ولا تنافي بين ذلك بل هي تسمية أخص والأخرى أعم؟ هل يمكن القول بذلك؟
أصبت في بعض الجواب سددك الله، وبعضه يحتاج إلى مزيد توضيح، وبيان ذلك:
أن ههنا عدة إطلاقات صحيحة واردة في النصوص، ولكل إطلاق اعتباره
فالقرآن كلّه محكم كما قال الله تعالى: {كتاب أحكمت آياته} باعتبار أنه ليس فيه نقص ولا تناقض ولا ضعف ولا خلل، وهو كلّه متشابه كما قال الله تعالى: {كتاباً متشابها مثاني..} بمعنى أنه يشبه بعضه بعضاً في الفضل والحكمة ويصدّق بعضه بعضاً ولا يختلف ولا يتناقض.
ومنه محكم ومنه متشابه باعتبار آخر، وهو أن منه آيات بيّنة الدلالة ومنه آيات تشتبه على بعض الناس فأمّا أهل الحقّ المهتدون فيردّون المتشابه إلى المحكم فيعملون بالمحكم ، ويفهمون المتشابه بما لا يعارض المحكم.
وأما الذين في قلوبهم مرض الزيغ فيفرحون بالمتشابه ويحاولون الاستدلال به على بعض باطلهم؛ فتجدهم يتتبّعون المتشابه من الآيات لينزلوه على معانٍ لم يردها الله عزّ وجل وليثيروا الفتنة بين الناس.
ولله تعالى في جعل بعض الآيات محكمة وبعضها متشابهة حكمة بالغة، ومن ذلك أنها امتحان وابتلاء، ولذلك فإن الراسخين في العلم يقدّمون الإيمان بكلّ ما أنزل الله ويسألونه الهداية وأن لا يزيغ قلوبهم، كما قال الله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب . ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.
وأما لفظ "أم الكتاب" فله ثلاث إطلاقات صحيحة.
الأول: فاتحة الكتاب، وهو المراد في حديث أبي هريرة في أسماء الفاتحة.
والثاني: أصل الكتاب ومعظمه الذي هو عماد الدين وبيان فرائضه وأحكامه، وهو المراد في آية آل عمران.
والثالث: اللوح المحفوظ وهو المراد في قول الله تعالى: {وعنده أم الكتاب} .
والله تعالى أعلم.