أجهدت ذهنيا حتى أستطيع صياغة سؤالي هذا وسأضع كلام الشيخ بالأسود واستفساري بالألوان:
اقتباس:
(الإظهار في موضع الإضمار). وله فوائد كثيرة، تظهر بحسب السياق منها: 1- الحكم على مرجعه بما يقتضيه الاسم الظاهر. 2- بيان علة الحكم. 3- عموم الحكم لكل متصف بما يقتضيه الاسم الظاهر. |
إذن في النقاط الثلاث تكررت كلمة " الحكم " إذن لابد أن تكون ذات دلالة واحدة ، أليس كذلك ؟
نأتي للمثال الذي ذكره الشيخ :
مثال ذلك قوله تعالى: (من كان عدوّاً للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ اللّه عدوٌّ للكافرين) (البقرة: الآية 98) ولم يقل فإن الله عدو له، فأفاد هذا الإظهار:
1- الحكم بالكفر على من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل (هنا الشيخ جعل الحكم هو الكفر وهو نفسه مقتضى الاسم الظاهر).
2- إن الله عدو لهم بكفرهم (هنا الشيخ جعل الحكم هو العداوة والعلة الكفر، وذلك خلاف النقطة السابقة).
3- أن كل كافر فالله عدو له (هنا الشيخ جعل الحكم هو العداوة ومقتضى الاسم الظاهر هو الكفر، فشابه النقطة الأولى في مقتضى الاسم الظاهر وخالفها في الحكم و وافق النقطة الثانية في الحكم).
بتطبيق الفوائد التي ذكرها الشيخ على هذا المثال الذي ذكره، يكون :
أولا: الحكم على من كان عدوا لله وملائكته بالكفر >> وهذه موافقة لقول الشيخ.
ثانيا: علة الكفر هي عداوتهم لله وملائكته ورسله>> وهذه مخالفة لقول الشيخ حيث في قوله هو جعل كون الله عدو لهم هو الحكم والكفر هو العلة بينما هنا في هذا التطبيق الحكم هو الكفر والعداوة هي السبب طبقا للفوائد، أليس كذلك؟
أم أن هذه الآية تتضمن سببا له نتيجتين ،السبب هو العداوة لله و النتيجة الأولى كفرهم و النتيجة الثانية عداوة الله لهم ، فكانت النتيجة الأولى سبب النتيجة الثانية و على هذا فإن ما ذكره الشيخ في النقطة الثانية من مثاله ينضبط مع ما ذكرت ؟
ثالثا عموم الحكم بالكفر لكل متصف بالكفر (وهنا تظهر إشكالية -على ما يبدو لي - في صياغة الفائدة الثالثة حيث قال: "عموم الحكم لكل متصف بما يقتضيه الاسم الظاهر" فكيف يكون ذلك الحكم هو نفسه مقتضى الاسم الظاهر؟، أليس لو قيل بـ" عموم الحكم على كل متصف بمرجع مقتضى الاسم الظاهر " لكان أقرب للمراد لأنه لو على ذلك نقول الحكم بالكفر على كل من عادى الله وملائكته وتكون هي (الحكم بالكفر على كل من عادى الله وملائكته) ثالثا ، فيستقيم حينئذ صوغ العبارة مع المراد؟
- التفكير في هذه المسألة وتحريرها استغرق قرابة الساعتين -لأني ما أحببت أن أقوم وأقطع الفكر فيها- مما أثر علي وردي بالليل فهل في ذلك حظ نفس لأني انشغلت بها عما هو أهم بالنسبة لي؟
منشأ الإشكال متركّب من أمرين:
الأمر الأول: القاعدة التي وضعتيها وانطلقت منها وهي خاطئة، وكان يمكنك اكتشاف خطئها بمعرفة خطأ لوازمها لأنّ فساد اللازم يدلّ على فساد الملزوم؛ فقولك: (في النقاط الثلاث تكررت كلمة " الحكم " إذن لابد أن تكون ذات دلالة واحدة ) غير صحيح؛ لأنّ لفظ الحكم من الألفاظ الواسعة في دلالاتها، ويختلف المراد به بحسب السياق.
والأمر الثاني: أن هذه الأغراض الثلاثة لا تصلح قاعدة لكل مواضع الإظهار في موضع الإضمار.
فقوله: (1- الحكم على مرجعه بما يقتضيه الاسم الظاهر) أي أننا نحكم على مرجع الضمير بما يقتضيه الاسم الظاهر؛ وهذا قد يتأتّي في بعض الآيات أن يكون الحكم شرعياً، لكن في آيات أخرى يكون الحكم لغوياً لبيان فائدة بلاغية أو لدفع الالتباس ونحو ذلك وهذا مما يفهم بدلالة سياق الآية؛ وفي المثال الذي مثّل به الشيخ الحكم شرعي وهو الحكم بالكفر على من عادى الله وملائكته ورسله وجبريل وميكال.
لكن في مثل قول الله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} وقوله: {واتقوا الله ويعلّمكم الله} الإظهار هنا فيه معنى التعظيم، وإفادة التعظيم حكم لغوي بلاغي.
وفي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتّبع خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر} الإظهار هنا فيه معنى المبالغة في التحذير.
وفي قوله تعالى: {وبالحق أنزلناه وبالحقّ نزل} الإظهار فيه معنى زيادة التقرير والتوكيد.
وقد يأتي الإظهار في موضع الإضمار لإزالة اللبس كما في قوله تعالى: {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه}.
وقول الشيخ: (2-بيان علة الحكم) هذه العلة قد تظهر في بعض الآيات إذا كان الحكم شرعياً، وقوله: (إن الله عدو لهم بكفرهم) هذا حكم آخر؛ وهو مقتضى كفرهم، فالحكم هنا هو العداوة والعلّة هي الكفر، والأمر الثالث وهو قوله: (أن كل كافر فالله عدو له) مؤكد لذلك .
فتقرير كلام الشيخ أن في الآية حكمين:
أحدهما: الحكم بالكفر على من عادى الله وملائكته ورسله وجبريل وميكال.
الآخر: أن الله عدوّ للكافرين.
وفيها: بيان علّة هذه العداوة وهي الكفر.
وفيها: بيان عموم هذا الحكم لكل من اتّصف بهذه العلة، والعموم هنا مستفاد من تعليق الحكم بعلته وهو صريح دلالة منظوق الآية.
وهذه الأمور الثلاثة تصلح أن تكون من فوائد ودلالات هذه الآية، لكن لا يمكن حملها على جميع المواضع التي ورد فيها الإظهار في موضع الإضمار، لما سبق بيانه من أنّ الإظهار في موضع الإضمار يأتي لأغراض متعددة، وهو باب من أبواب النحو ، وله تعلّق بعلم المعاني من علوم البلاغة.