الأسئلة العلمية
حالة السؤال
سؤال عن معنى حرف الباء في (باسم) في قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}

0

0

0

هيئة الإدارة
هيئة الإدارة


14:12 9-6-1435 | 09-04-2014

سؤال سمر الأرناؤوط - من ملتقى أهل التفسير:هل يمكن إجابتي على هذا السؤال الذي وصلني من أحد الإخوة بارك الله بكم؟
قال تعالى في سورة العلق: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} كيف نقرأ باسم الله؟ (حرف الباء يحيرني)

وقال تعالى: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} ما المراد من هذه الآية؟

شكر الله لكم مسبقًا ونفع بعلمكم.


عبد العزيز بن داخل المطيري
المشرف العام
14:14 09-6-1435 | 09-05-2014

هذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها المفسرون اختلافاً كثيراً ، وبعض الأقوال فيها متقاربة، وغالبها مبني الاختلاف في معنى الباء في قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك}.

وهذا تلخيص لأقوال العلماء في هذه المسألة الكبيرة، وهي مجال رحب للمدارسة والتعرف على مآخذ العلماء في الاستدلال والترجيح واختلاف النظر، ومن العجيب فيها أنك تجد للمفسر الواحد فيها أكثر من قول، وهذا يدل على تقارب بعض هذه الأقوال في المعنى تقارباً كبيراً:

القول الأول: الباء صلة (زائدة)، والمعنى: اقرأ اسم ربك، أي: اذكر اسم ربك.
قال به أبو عبيدة، وذكره عنه جماعة من المفسرين.
واستُشهد له بقول الشاعر: هن الحرائر لا ربات أخمرة = سود المحاجر لا يقرأن بالسور.
وضعفه الرازي.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: {اقرأ باسم ربك} مجازه: اقرأ اسم ربك)
تنبيه: هذه الجملة تدل على أن أبا عبيدة يرى أن الباء زائدة، ولذلك نقل بعض العلماء عنه أنه قال: (الباء صلة) وهذا لازم قوله وليس نص قوله.
وقال ابن خالويه: (بِاسْمِ) جَرٌّ ببَاءِ الصِّفَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا العِلَلَ في ذَلِكَ في أوَّلِ الكِتَابِ، فأغْنَى عَنِ الإعَادَةِ، غَيْرَ أنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ أخْبَرَنِي عَنْ أبِي حَاتِمٍ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: الباءُ زَائِدَةٌ، والمَعْنَى اقْرَأِ اسْمَ رَبِّكَ، كَمَا قَالَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ}، وَأُنْشِدَ: سُودُ الْمَحَاجِرِ لاَ يَقْرَأْنَ بِالسُّوَر).


القول الثاني: الباء للاستفتاح، والابتداء ، أي اقرأ القرآن مستفتحاً أو مبتدأً بذكر اسم ربك.
قال به: الماوردي، والسمعاني، وابن عطية، والزمخشري، والقرطبي وزكريا الأنصاري، وجماعة من المفسرين.
قال الماوردي: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} أي: استفتح قراءتك باسم ربك الذي خلق)
قال ابن عطية: (ومعنى هذه الآية: اقرأ هذا القرآن باسم ربك، أي: ابدأ فعلك بذكر اسم الله، كما قال تعالى: {وقال اركبوا فيها باسم الله} هذا وجه
قال الزمخشري: (مَحَلُّ ‏(باسْمِ رَبِّكَ) النَّصْبُ على الحالِ؛ أي‏ِ:‏ اقْرَأْ مُفْتَتِحاً باسمِ ربِّكَ، قُلْ‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ. ثُمَّ اقْرَأْ).


القول الثالث: الباء للاستعانة، والمعنى: اقرأ القرآن مستعيناً باسم ربك.
وهذا القول ذكره أبو الليث السمرقندي والرازي، والبيضاوي، والخازن، وأبو حيان، والسمين الحلبي ، وابن عاشور، وغيرهم.
ورجحه أبو حيان في النهر الماد.
قال أبو الليث السمرقندي: {اقرأ باسم ربك} يعني: اقرأ بعون الله ووحيه إليك)
قال الخازن: (وقيلَ: معناهُ اقْرَأِ القرآنَ مُسْتَعِيناً باسمِ ربِّكَ على ما تَتَحمَّلُهُ من النُّبُوَّةِ وأعباءِ الرسالةِ)
قال ابن عاشور: وقوله: {باسم ربك} فيه وجوه: أولها: أن يكون افتتاح كلام بعد جملة (اقرأ) وهو أول المقروء، أي: قل باسم الله؛ فتكون الباء للاستعانة، فيجوز تعلقه بمحذوف تقديره: ابتدئ، ومعنى الاستعانة باسم الله ذكر اسمه عند هذه القراءة، وإقحام كلمة (اسم) لأن الاستعانة بذكر اسمه تعالى لا بذاته كما تقدم في الكلام على البسملة، وهذا الوجه يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (باسم الله) حين تلقى هذه الجملة).


القول الرابع: الباء للتبرك، والمعنى: اقرأ متبركاً باسم ربك
ذكره ابن جزي الكلبي
قال ابن جزي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} فيه وَجهان: أحدُهما: أنَّ معناه اقْرَأْ القرآنَ مُفْتَتِحًا باسمِ رَبِّكَ أو مُتَبَرِّكًا باسمِ رَبِّكَ).


القول الخامس: الباء للملابسة
وهذا القول قدمه أبو السعود والشوكاني على غيره من الأقوال، وقال به: الألوسي، والقاسمي.
قال أبو السعود: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {باسْمِ رَبِّكَ} مُتَعَلِّقٌ بِمُضْمَرٍ، هُوَ حَالٌ مِنْ ضميرِ الفاعلِ؛ أَي: اقْرَأْ مُلْتَبِساً بِاسْمِهِ تَعَالَى؛ أَيْ: مُبْتَدِئاً بِهِ؛ لِتَتَحَقَّقَ مُقَارَنَتُهُ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ المَقْرُوءِ)
قال الشوكاني: (وَقولُهُ: {بِاسْمِ رَبِّكَ} مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ، هوَ حالٌ؛ أي: اقْرَأْ مُلْتَبِساً بِاسْمِ رَبِّكَ أَوْ مُبْتَدِئاً باسمِ رَبِّكَ، أَوْ مُفْتَتِحاً)
قال الألوسي: (بلْ هيَ أصْلِيَّةٌ ومعناها الملابَسَةُ، وهيَ مُتعلِّقةٌ بما عندَها أوْ بمحذوفٍ وَقَعَ حالًا)
وقال الألوسي أيضاً: (ورُجِّحَت الملابَسَةُ بسلامتِها عنْ إيهامِ كونِ اسمِهِ تعالَى آلةً لغيرِهِ، وقدْ تَقَدَّمَ ما يَتَعَلَّقُ بذلكَ أوَّلَ الكتابِ).


القول السادس: الباء للمصاحبة
ذكره ابن عاشور.
قال ابن عاشور: (الثاني: أن تكون الباء للمصاحبة، ويكون المجرور في موضع الحال من ضمير (اقرأ) الثاني مقدماً على عامله للاختصاص، أي: اقرأ ما سيوحى إليك مصاحباً اسم ربك، فالمصاحبة مصاحبة الفهم والملاحظة لجلاله، ويكون هذا إثباتاً لوحدانية الله بالإلهية، وإبطالاً للنداء باسم الأصنام الذي كان يفعله المشركون، يقولون: باسم اللات، باسم العزى، كما تقدم في البسملة، فهذا أول ما جاء من قواعد الإسلام قد افتتح به أول الوحي).


القول السابع: الباء للدلالة على الملازمة والتكرار
قال به مكي بن أبي طالب القيسي.
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ : ( قَوْلُهُ تَعَالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} دَخَلَتِ الْبَاءُ فِي اسْمٍ لِتَدُلَّ عَلَى الْمُلازَمَةِ وَالتَّكْرِيرِ ، وَمِثْلُهُ: أَخَذْتُ بِالْخِطَامِ، فَإِنْ قُلْتَ: اقْرَأْ اسْمَ رَبِّكَ ، وَأَخَذْتُ الْخِطَامَ ، لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلامِ مَا يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْفِعْلِ وَتَكْرِيرِهِ).


القول الثامن: الباء للإهلال
قال الرازي: (وثالثُها: أنَّ قولَهُ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ؛ أي: اجْعَلْ هذا الفعلَ لله وافْعَلْهُ لأجْلِهِ، كما تَقولُ: بَنَيْتُ هذه الدارَ باسمِ الأميرِ، وصَنَعْتُ هذا الكتابَ باسمِ الوزيرِ ولأَجْلِهِ؛ فإنَّ العِبادةَ إذا صارتْ للَّهِ تعالَى، فكيف يَجترئُ الشيطانُ أن يَتصرَّفَ فيما هو للَّهِ تعالَى؟)
وذكره النيسابوري، ومحمد عبده المصري، والقاسمي بمعناه.


القول التاسع: الباء بمعنى (على)، والمعنى اقرأ على اسم الله
ذكره السمعاني، والقرطبي، وابن عاشور، وعزاه أبو حيان ومن تبعه للأخفش.
قال أبو حيان: (وقالَ الأخفشُ: الباءُ بمعنى عَلَى؛ أي: اقْرَءِ على اسمِ اللَّهِ، كما قالُوا في قَوْلِهِ: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ} ؛ أيْ: على اسمِ اللَّهِ)
قلت: لم أجد لهذه المسألة ذكراً في معاني القرآن للأخفش، حتى في تفسير قوله تعالى: (وقال اركبو فيها).
قال ابن عاشور: (الثالث: أن تكون الباء بمعنى (على) كقوله تعالى: (من إن تأمنه بقنطار) أي على قنطار، والمعنى: اقرأ على اسم ربك، أي: على إذنه، أي أن الملك جاءك على اسم ربك، أي مرسلاً من ربك، فذِكْرُ (اسم) على هذا متعين) .


القول العاشر: الاسم صلة، أي: اذكر ربك
ذكره أبو الليث السمرقندي.
وعزاه أبو حيان، والسمين الحلبي، والشوكاني لأبي عبيدة، ولم أجده في كتاب أبي عبيدة.
قال أبو الليث السمرقندي: (ويقال: معناه: {اقرأ باسم ربك} كقوله: {واذكر ربك إذا نسيت} يعني اذكر ربك الذي خلق الخلائق)
قال أبو حيان: (وقالَ أبو عُبيدةَ: الباءُ صلةٌ، والمعنى: اذْكُرْ رَبَّكَ، وقالَ أيضاً: الاسمُ صلةٌ، والمعنى: اقْرَأْ بعَوْنِ رَبِّكَ وتَوْفِيقِهِ).


القول الحادي عشر : المعنى اقرأ بذكر ربك
قاله ابن جرير، وابن الملقن
قال ابن جرير: (اقرأ يا محمد بذكر ربك الذي خلق)
قال ابن الملقن: ( (باسم ربك): أي بذكر ربك)


القول الثاني عشر: المعنى اقرأ بأمر ربك.
قال به ابن وهب الدينوري، وأبو الليث السمرقندي.
قالَ ابْنُ وَهْبٍ الدِّينَوَرِيُّ: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، في قَوْلِهِ تَعَالَى: (اقْرَأْ) يَقُولُ: اقْرَأْ يا مُحَمَّدُ الْقُرْآنَ وهو أَوَّلُ ما نَزَلَ عَليْهِ جِبْرِيلُ ( بِاسْمِ رَبِّكَ) بِأَمْرِ رَبِّكَ ( الَّذِي خَلَقَ) الْخَلائِقَ).
قالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: (قولُه تبارَكَ وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} . يقولُ: اقْرَأْ القُرآنَ بأمْرِ رَبِّكَ).


القول الثالث عشر: المعنى اذكر التسمية في ابتداء كل سورة.
وهذا القول هو ما اعتمده الواحدي في الوجيز، وذكره ابن عطية عن الثعلبي، وذكره أبو حيان.
قالَ الْوَاحِدِيُّ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} يَعْنِي: اقْرَأِ القُرآنَ بِاسْمِ رَبِّكَ، وهو أَنْ تَذْكُرَ التَّسْمِيَةَ في ابتِداءِ كُلِّ سُورَةٍ، {الَّذِي خَلَقَ} : الأشياءَ والمخْلُوقَاتِ).
قال ابن عطية: (ووجه آخر في كتاب الثعلبي أن المعنى: اقرأ في أول كل سورة وقراءة: (بسم الله الرحمن الرحيم) )
تنبيه: ليس في تفسير الثعلبي المطبوع ذكر لهذه المسألة فلعله نقله عنه بواسطة الواحدي.


القول الرابع عشر: اقرأ كلمة (باسم ربك الذي خلق) كأنه أمر بقراءة هذه اللفظة
ذكره وجها ابن عطية، وابن جزي.
قال ابن عطية: (ووجه آخر أن يكون المقروء الذي أمر بقراءته هو: (باسم ربك الذي خلق) كأنه قال له: اقرأ هذه اللفظة)
قال ابن جزي: (والوَجْهُ الثاني أنَّ معناه: اقرأْ هذا اللَّفْظَ وهو {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فيكونُ { بِاسْمِ رَبِّكَ }مَفعولًا وهو الْمَقروءُ).


القول الخامس عشر: اقرأ ما يوحى إليك متحدثاً باسم ربك ناسباً ما تقرؤه إليه
قال عطية سالم: (والذي يَظهَرُ - واللَّهُ تعالى أعلَمُ - أنَّ قولَه: {بِاسْمِ رَبِّكَ} ؛ أيْ: أنَّ ما تَقْرَؤُهُ هو مِن ربِّك، وتُبَلِّغُهُ للناسِ باسمِ ربِّكَ، وأنتَ مُبَلِّغٌ عن ربِّكَ، على حَدِّ قولِه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، وقولِه: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ}؛ أيْ: عن اللَّهِ تعالى، وكقولِه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، ونَظيرُ هذا في الأعرافِ الحاضرةِ: خِطابُ الحُكْمِ، أو ما يُسَمَّى خِطابَ العَرْشِ، حينَما يقُولُ مُلْقِيهِ: باسمِ الْمَلِكِ، أو: باسمِ الأُمَّةِ، أو باسمِ الشَّعْبِ، على حَسَبِ نِظامِ الدولةِ؛ أيْ: باسمِ السُّلطةِ التي منها مَصدرُ التشريعِ والتوجيهِ السياسيِّ).