جاء في تفسير ابن عطية لقوله تعالى: {ما ننسخ من آية} (106): قال:
اقتباس:
احتج الزجاج بقوله تعالى: {ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك} أي لم نفعل، قال أبو علي: لم نذهب بالجميع. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: على معنى إزالة النعمة كما توعّد. |
ذهب أبو إسحاق الزجاج إلى أن قراءة (أو نُنسها) لا يصحّ أن تحمل على معنى النسيان، واحتجّ بالآية المذكورة، واحتجاجه - رحمه الله - لا يصح، وقد ردّه أبو علي الفارسي صاحب كتاب (الحجة للقراءة السبعة) وهو كتاب مهمّ في توجيه القراءات.
وابن عطية رحمه الله لخّص حجة كل واحد منهما بألفاظ موجزة.
فاحتجاج أبي إسحاق بقول الله تعالى: {ولو شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} لو حرف امتناع لامتناع، فلم يذهب الله بما أوحى إلى نبيّه، ففهم الزجاج من ذلك أن النسيان لم يقع لأنه جزء من معنى إذهاب ما أوحى الله إلى نبيّه.
ووجّه أبو علي الفارسي ذلك بأنّ معنى الآية التي احتج بها الزجاج على غير ما أراد فقال: (هذا الذي احتجّ به على من ذهب إلى أنّ ننسها من النسيان، لا يدل على فساد ما ذهبوا إليه من أن ذلك من النسيان، وذلك أن قوله: {وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} إنما هو على ما لا يجوز عليه النسخ والتبديل من الأخبار وأقاصيص الأمم، ونحو ذلك مما لا يجوز عليه التبديل. والذي ينساه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما يجوز أن ينسخ من الأوامر والنواهي الموقوفة على المصلحة في الأوقات التي يكون ذلك فيها أصلح)ا.هـ
فلخّص ذلك كلّه أبو عطية بقوله: (لم نذهب بالجميع) ثم فسّره بقوله: (على معنى إزالة النعمة كما توعّد).
وذلك أنه فهم مغزى أبي علي الفارسي رحمه الله من أن قوله تعالى: {ولو شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك} يعمّ كلّ ما أوحى الله إلى نبيّه من الوحي الذي هو محض فضله ونعمته عليه، أي: فلو شئنا لذهبنا بهذه النعمة وهي الوحي، وهذا لا دلالة فيه على أن الوحي لا يُنسى منه ما شاء الله أن يُنسى.
وبهذا نعلم أن من المفسّرين من يختصر العبارة اختصاراً شديداً يقتصر فيه على حرف الحجة، ويعبّر عنه بعبارة من عنده.