الأسئلة العلمية
حالة السؤال
سؤال عن معنى حديث: ((إن قلبك حشي الإيمان، وإن العبد يعطى الإيمان قبل القرآن))

0

0

0

أمل عبد الرحمن
مشرفة


11:40 27-5-1436 | 18-03-2015

السلام عليكم

لم أفهم جواب النبي صلى الله عليه وسلم على شكوى الصحابي:

اقتباس:

وقال أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أقرأ القرآن فلا أجد قلبي يعقل عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قلبك حشي الإيمان، وإن العبد يعطى الإيمان قبل القرآن)).

جزاكم الله خيرا


عبد العزيز بن داخل المطيري
المشرف العام
11:41 28-5-1436 | 19-03-2015

هذا الحديث مختلف فيه فضعّفه الهيثمي والبوصيري، وصححه أحمد شاكر.

وفيه - على القول بصحته - دليل على تفاوت قلوب الناس في عقل الحقّ واحتمال معرفته؛ فمنهم من يرزقه الله القوة القلبية فتكون لديه قوة لعقل معاني القرآن واستحضارها مع قوّة لاحتمال القلب لهذه المعاني بقدَر؛ لأنّ احتمال المخلوق له قدَر محدود؛ فإذا ورد على القلب ما يزيد على احتماله لم يتّسع له؛ بل ربّما أضرّه ذلك.

ولذلك ورد في الصحيحين أن النّبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعرج به إلى السماء أتاه جبريل وهو نائم في المسجد الحرام فشقّ ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه، ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب، محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا.

وفي رواية لمسلم: " فاستخرج قلبي، فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيمانا وحكمة، ثم أتيت بدابة أبيض، يقال له: البراق، فوق الحمار، ودون البغل، يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، ثم انطلقنا حتى أتينا السماء الدنيا" الحديثَ.

وفي رواية أنه حشي سَكينة.

وقد ذكر في أوجه الحكمة من ذلك أن يكون قلب النبي صلى الله عليه وسلم أقوى على احتمال ما سيشاهده من الآيات الكبرى والأمور المهولة.

وهذا أمر ظاهر فإنّ الآيات العظيمة إذا وردت على قلب لا يحتملها اضطرب لذلك وربما أضره .

وذكر في كتب السير أن رجلان كانا على تلّ يرقبان اقتتال المسلمين والمشركين في غزوة بدر فرأيا الملائكة وسمعا أصواتهما وهم يقاتلون مع المسلمين فأمّا أحدهما فانخلع قلبه ومات من ساعته.

وأن رجلاً كان في عهد عثمان رضي الله عنه يسير في الليل وحده؛ فرأى رجلاً خارجاً من قبر يشتعل جسده نارا وهو يستغيث: يا عبد الله اسقني؛ وخلفه رجل يتبعه ويضربه ويقول: لا تسقه فإنّه كافر؛ فابيضّ رأس الرجل من الفزع.


وقد وصف الله القرآن بأنه قول ثقيل، وفيه من العلم الجليل ما لا تتسع له كثير من القلوب، ولذلك يعلمون منه ما ييسّره الله لهم، وما تحتمله قلوبهم، وإلا لو اجتمع في قلب من القلوب ضعف الاحتمال وقوة عقل معاني القرآن لخشي عليه من الصعق كما حصل لبعض التابعين، ومنهم من مات بسبب ذلك؛ كما ذكر عن قاضي البصرة زرارة بن أوفى أنه صلى بالناس صلاة الصبح في الجامع ؛ فلما بلغ قول الله تعالى: {فإذا نقر في الناقور . فذلك يومئد يوم عسير} خرّ ميّتا.

قال بهز بن حكيم: (فكنت فيمن احتمله إلى داره). رواه الترمذي والحاكم وغيرهما.

وقال محمد بن نصر المروزي: (وقرأ قارئ على مروان المحلمي القرآن فخر مغشيا عليه).

وقال أحمد بن سعيد الهمداني: دخل ابن وهب الحمَّام، فسمع قارئا يقرأ: (وإذ يتحاجون في النار)، فغشي عليه.

والحمّام عندهم هو المكان الذي يستحمّون فيه بالمياه الحارّة.

بل كان سبب وفاته رحمه الله قريبا من ذلك؛ فقد نقل الذهبي عن خالد بن خداش أنه قال: قرئ على ابن وهب كتاب " أهوال يوم القيامة " - تأليفه - فخر مغشيا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام، رحمه الله.


وهذا يقع بسبب اجتماع قوّة عقل المعاني مع ضعف احتمال القلب، وقد قال الله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدّعاً من خشية الله}

ولذلك كان من رحمة الله ببعض القلوب أن يفتح عليه من معاني القرآن بقدر ما تطيق احتماله، ومنهم من يبلغ به أن تتزاحم في قلبه أمور فلا تتسع لقوة عقل معاني القرآن؛ فإن كانت هذه الأمور من أمور الإيمان كان صاحبها معذوراً؛ وهذا ما يُحمل عليه الحديث على القول بصحّته.

وإن كانت من أمور الدنيا بحيث يزدحم في قلب قارئ القرآن الاشتغال بأمور الدنيا حتى لا يتّسع قلبه لعقل معاني القرآن كان مذموماً.

والله تعالى قد قسم العقول كما قسم الأرزاق؛ فمن قُسم له الإيمان وقوة عقل معاني القرآن كان من خير المراتب؛ وهذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم والكمّل من أمّته؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حشي قلبه إيمانا وهو مع ذلك أحسن الناس عقلاً لمعاني القرآن.

ومن قسم له الإيمان ووجد ضعفاً في عقل معاني القرآن فليرض بما قسم الله له؛ إذ أعطاه الله الإيمان، وهو مع ذلك لا يفوته - بإذن الله - قدر من فهم القرآن ينتفع به.

والخلاصة أنّ هذا الحديث مخرّج على مقصده؛ وهو عدم التثريب على المؤمن الذي يحرص على عقل معاني القرآن، ويجد مع ذلك ذهولاً وانصراف ذهنٍ ؛ فإنّ من الناس من يشتدّ عليه ذلك جداً ويغتمّ له، وربّما اتّهم نفسه بالنفاق، ودخله من اليأس والأذى النفسي شيء كثير؛ فأراد النبي صلى الله عليه وسلم استلال ذلك كلّه بطمأنته بأنّ قلبه حشي إيماناً ، فيرتاح لذلك المؤمن وتطمئنّ نفسه.

وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه قالوا له: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به.

قال: «وقد وجدتموه؟»

قالوا: نعم.

قال: «ذاك صريح الإيمان». رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد عُلم أنّ المؤمن الذي يدفع وساوس الشيطان بيقينه أعظم إيمانا من الذي تعرض له هذه الوساوس وتشتدّ عليه وهو ينكرها بقلبه؛ ولكن لما كان المقام مقام مواساة وليس مقام مفاضلة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهم ما تسكن به أنفسهم ويطمئنّون به؛ فكذلك في هذا الحديث.