أحسن الله إليكم وجزاكم الله عنا خير الجزاء
تفسير قوله تعالى: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى (25) )
فهمت من الآية: أن الله عاقبه عقوبة في الدنيا -بالغرق- والآخرة –بالنار- لأجل أن ينكل به أي يجعله عبرة لغيره وزاجرا ومانعا لغيره من العصيان.
السؤال: كيف تكون عقوبة الآخرة نكالا وهو شيء غير محسوس للناس حتى يعتبروا و يمتنعوا؟
اختلف المفسّرون في معنى قول الله تعالى: {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المراد أنّ الله عاقبه على أوّل أعماله وآخرها؛ وهو أسلوب عربي معروف يراد به استغراق أعماله بالمؤاخذة؛ فلا يعفى عن شيء منها، وهذا القول رواية منصور بن المعتمر عن مجاهد.
والقول الثاني: المراد أن الله عاقبه على كلمته الأولى وكلمته الآخرة ، وقد ذكر جماعة من المفسرين أنّ كلمته الأولى قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} وكلمته الآخرة قوله: {أنا ربكم الأعلى} وقد ذكر غير واحد من المفسّرين أنّ بينهما أربعين سنة، وهذا القول مروي عن ابن عباس والضحاك والشعبي ورواية عن مجاهد.
والقول الثالث: المراد عقوبة الدنيا والآخرة ، وهذا قول الحسن البصري وقتادة.
وهذه الأقوال كلها صحيحة، ولفظ الآية يحتملها.
وتخصيص أهل الخشية بالاعتبار في قوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} يزيل الإشكال المذكور في السؤال؛ والذين يخشون الله يؤمنون بما أخبر به من العقوبة والنكال الذي كتبه الله على فرعون، وفي هذه الآية من العبرة : الإيمان بأنّ الله تعالى ناصرٌ دينَه وأولياءَه، وأنّ الطغاة مهما تجبروا وطغوا فإنّ مصيرهم إلى الزوال، وأنّ المؤمن مهما اشتدّ عليه بلاء الكفرة وتسلطهم فإنّ الله جاعل له فرجاً ومخرجاً، وأوجه العبرة المستفادة من قصة موسى وفرعون كثيرة، والإشارة في قوله تعالى: {إنّ في ذلك} راجعة إلى الحديث المذكور في قول الله تعالى: {هل أتاك حديث موسى} فهي شاملة للقصة من أولها إلى آخرها.