أثابكم الله
من يروي الموضوعات في تفسيره من المفسرين ثم يحذف الأسانيد كابن الجوزي والماوردي! هل نحسن بهم الظن؟ وما مبرر فعلهم؟
نعم ، نحسن الظنّ بهم؛ فهم من كبار علماء الإسلام، ولم يفعلوا ذلك غشّاً ولا تدليساً، وإنما كان لذلك أسباب متنوّعة؛ فمن المفسّرين من يكون ضعيف المعرفة بالأسانيد وأحوال الرجال؛ فيختصر الأسانيد من غير معرفة بأحكامها، مع تسليمه بأنّ هذا الاختصار لا يقتضي صحّة النسبة، وإنما فعل ذلك لأجل حاجته أو حاجة طلاب العلم في وقته إلى تلخيص أقوال المفسّرين وترتيبها.
ثم من المفسّرين من ينقل عن هذا المختصر ويزيد عليه؛ كما فعل ابن الجوزي إذ أكثر من الاستفادة من الماوردي في تلخيصه لأقوال المفسرين، وزاد عليه، ونسج على منواله.
ودراسة مرويات التفسير عن الصحابة والتابعين بأسانيدها عمل شاقّ جداً، ولذلك لم يقم به أحد من المفسّرين فيما أعلم من أوّل التفسير إلى آخره، حتى تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم اللذين هما من أكبر التفاسير المسندة التي بأيدي الناس اليوم؛ كانا قليلاً ما يعرضان إلى الحكم على الأسانيد مع جلالة قدرهما وسعة معرفتهما بالرجال والأسانيد.
وقد يَظنُّ بعضُ طلاب العلم أن العالم العارف بأحوال الرجال والأسانيد يمكنه الحكم على جميع مرويات التفسير بمجرّد النظر في الإسناد، وهذا التصوّر غير صحيح، وإلا لما أعيا المحدّثين جرد مرويات التفسير بأسانيدها والحكم عليها، وذلك لأن كثيراً من تلك المرويات يحتاج الناظر فيها إلى جمع الطرق ومعرفة العلل ونقد المتن وزيادة البحث في أحوال بعض الرجال ومراتب مروياتهم.
وقد قام بعض المفسّرين العارفين بأحكام الأسانيد وأصول التفسير ببعض ذلك في رسائل تفسيرية متفرّقة، لكن لا يجتمع من كلامهم ما يمكن أن يؤلّف منه تفسير تامّ للقرآن، ويضطرّهم البحث في بعض المرويات إلى الإسهاب والتطويل الذي لا يناسب حال كثير من قراء التفسير.