أثابكم الله
ذكر ابن كثير في تفسير {أولئك هم الخاسرون} نقلا عن ابن جرير:
اقتباس:
وقال ابن جريرٍ في قوله: {أولئك هم الخاسرون} الخاسرون: جمع خاسرٍ، وهم النّاقصون أنفسهم [و] حظوظهم بمعصيتهم اللّه من رحمته، كما يخسر الرّجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه، وكذلك الكافر والمنافق خسر بحرمان اللّه إيّاه رحمته الّتي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته، يقال منه: خسر الرّجل يخسر خسرًا وخسرانًا وخسارًا، كما قال جرير بن عطيّة: إنّ سليطًا في الخسار إنّه.......أولاد قومٍ خلقوا أقنّه). [تفسير ابن كثير: 1/ 209-211] |
السؤال: أليس الله يرحمهم برحمته ..التي هي صفة من صفاته.. ؟
إضافة الرحمة إلى الله تعالى في النصوص على نوعين:
النوع الأول: إضافة صفة إلى المتصف بها، وهذه هي الرحمة التي هي صفة الله تعالى وهي غير مخلوقة كما أنه سائر صفاته غير مخلوقة.
والنوع الثاني: إضافة مخلوق إلى خالقه، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: « اختصمت الجنة والنار إلى ربهما، فقالت الجنة: يا رب، ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم، وقالت النار: أوثرت بالمتكبرين، فقال الله تعالى للجنة: أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي، أصيب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها».
وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييئس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار»
وفي رواية في صحيح مسلم: «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة»
فهذه رحمة مخلوقه عظيمة أنزل منها رحمة واحدة في الدنيا فبها يتراحم الخلق كلهم، وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة؛ فمن حُرمها فهو الخاسر المحروم.
وهذه الرحمة هي من آثار الرحمة التي هي صفته جلّ وعلا.
ولذلك فإنّ الحرمان من الرحمة في مثل قول الله تعالى: {أولئك يئسوا من رحمتي} يشمل النوعين.