السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم أفهم توجيه قول ابن الجزري بأن رسم السين صادا في الصراط يحتمل قراءتها سينا كما في قراءة ابن كثير وكذا زايا كما في قراءة أبي عمرو، رغم أنه غير مكتوب في المصحف ﻻ سينا و ﻻ زايا صغيرتان في أعلى الصاد و ﻻ أسفلها؟!
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأصل في (الصراط) أن يكتب بالسين، لأنّه مشتقّ من السَّرط، والعرب تختلف لغاتها في نطق هذه الكلمة، فمنهم من ينطقها بالصاد، ومنهم من ينطقها بالزاي، ومنهم من يشمّ الزاي بالصاد، وقد نزلت فيها قراءات متعددة تيسيراً من الله تعالى على هذه الأمة، ولما كان في زمن عثمان بن عفان عزم بمشورة من قراء الصحابة وعلمائهم على جمع الناس على مصحف واحد، فكان لا بدّ لهم من الاختيار في كتابة هذا الحرف؛ إما أن يكتبوه بالسين على الأصل أو بالصاد أو بالزاي؛ فكان اختيارهم في جميع نسخ المصاحف العثمانية أن كتبوها بالصاد، ونحن لم نقف على نصّ يبيّن علّة هذا الاختيار، لكن تلمّس العلماء الحكمة من ذلك، فكان ما اختاره الحافظ ابن الجزري وهو من أعلام القراء الكبار، أنّ كتابة هذه الكلمة على الأصل وهو السين يفوّت القراءة باللغات الأخرى، وأما كتابتها بالصاد على خلاف الأصل ففيه مندوحة ليقرأ من شاء على أن يقرأ على الأصل مما صحّ؛ ومن شاء أن يقرأ على الرسم كما صحّت بذلك القراءة ، والإشمام يحتمله الرسم، والزاي مقاربة للسين والصاد إذ كلها حروف صفير.
ومخالفة القراءة للرسم على نوعين:
النوع الأول: مخالفة تامة، كإبدال كلمة بكلمة، أو تقديم أو تأخير، أو زيادة حرف أو كلمة؛ فهذا النوع قد انعقد الإجماع على ترك القراءة به إذا كان مخالفاً لجميع المصاحف العثمانية، ولو صحّت به الرواية قبل الجمع العثماني، ويكون مما تركت القراءة به من الأحرف السبعة.
والنوع الثاني: مخالفة يسيرة كإبدال حرف بحرف مقارب له؛ مما تختلف فيه لغات العرب وطرائقها في النطق، فهذا النوع يمما جرى عمل القراء على القراءة به، وعدم اعتبار القراءة به مخالفة لصريح الرسم.
والمعوّل في القراءات على الرواية والسماع لا على الكتابة، وإنما يستفاد من الكتابة ضبط ما تصحّ به القراءة على وجه العموم مما جمع عثمان رضي الله عنه القرّاء عليه.