السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسن الله إليكم
قال الشيخ السعدي في خلاصة تفسيره : (( أخبر الله في عدة آيات بهدايته الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم، وتوبته على كل مجرم، وأخبر في آيات أُخر أنه:
{لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
{لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
فما الجمع بينها؟ فيقال: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ - وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}
هي الفاصلة بين من هداهم الله ومن لم يهدهم فمن حقت عليه كلمة العذاب - لعنادهم، ولعلم الله أنهم لا يصلحون للهداية، بحيث صار الظلم والفسق وصفا لهم، ملازما غير قابل للزوال، ويعلم ذلك بظاهر أحوالهم وعنادهم ومكابرتهم للحقائق - فهؤلاء يطبع الله على قلوبهم فلا يدخلها خير أبدا، والجرم جرمهم، فإنهم رأوا سبيل الرشد فزهدوا فيه، ورأوا سبيل الغي فرغبوا فيه، واتخذوا الشياطين أولياء من دون الله)).
نريد توضيح أكثر لذلك جزاكم الله خيرا ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الهداية من الله تعالى على نوعين: النوع
الأول: هداية البيان والدلالة والإرشاد، وهذه هداية عامة لجميع الخلق؛
فالله تعالى قد بيّن الحقّ لعباده مؤمنهم وكافرهم، فمنهم من قبل هدى الله
فاهتدى به ومنهم من أعرض عنه فاستحقّ العقوبة من الله. وهذه
الهداية هي المذكورة في قول الله تعالى: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبّوا
العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون} والنوع الثاني: هداية التوفيق والإلهام ، وهذه الهداية خاصة للمؤمنين المستجيبين لهدى الله فمن
استجاب للهدى الأول وفّقه الله للهدى الثاني ، ومن أعرض عن الهدى الأوّل
حُرم الهدى الثاني جزاء وفاقاً، كما قال الله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله
قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين} وقد
جعل الله للهداية والإضلال أسباباً؛ وأعظم أسباب الهداية الإنابة إلى الله
تعالى وقبول هداه وشكر نعمته، وأعظم أسباب الإضلال الإعراض عن ذكر الله
والامتناع عن الاستجابة لهداه. كما
قال الله تعالى: {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} ، وقال
تعالى: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب}، وقال تعالى: {وكذلك
فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم
بالشاكرين}
وقال
تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين . وإنهم
ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} وقال تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر
بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنّة أن
يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا}
ولا
يزال العبد يعرض عن هدى الله تعالى مرة بعد مرة حتى يختم الله على قلبه
ويُزيَّن له الشيطان سوء عمله فلا ينفذ إليه الهدى ولو جاءته كلّ آية، لما
في قلبه من الإعراض الشديد والنفور عن الهدى . والله
تعالى عليم بخواتيم عباده وما سبق لهم في قدره ؛ ومن علم الله أنه يموت
على الكفر فلا يستطيع أحد من الخلق مهما كان أن يهديه، وهؤلاء هم الذين
حقَّت عليهم الضلالة، كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا
يؤمنون . ولو جاءتهم كلّ آية حتى يروا العذاب الأليم} ، وقال تعالى: {ولقد
بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله
ومنهم من حقت عليه الضلالة} ومعنى حقَّت عليهم الضلالة أي ماتوا على الضلال والكفر، فوقع ما قدّر عليهم في القدر السابق حقّا موافقاً لحقيقة حالهم. والله
تعالى لم يظلمهم في ذلك، ولم يُعذبهم على القدر السابق، بل بيّن لهم أسباب
الهدى والضلال، وطريق الحق وطريق الباطل، وجعل لهم قدرة واختياراً ؛
فاختاروا فعل أسباب الضلال وسلوك طرق الباطل؛ وأعرضوا عن الحق والهدى حتى
ماتوا على ضلالهم فحقَّت عليهم الضلالة، وحقّت عليهم كلمة العذاب، كما قال
تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنّم زمراً حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها وقال
لهم حزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء
يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقّت كلمت العذاب على الكافرين} فهم أقروا بأن الهدى قد جاءهم وأنهم أعرضوا عنه حتى حقّت عليهم كلمة العذاب بموتهم على الكفر والضلال وتماديهم في الإعراض عن اتباع هدى الله.