أسأل عن كتاب دراسات في أساليب القرآن لمحمد عبد الخالق عضيمة، لو تعطيني نبذة عنه وعن أهميته في التخصص.
كتاب "دراسات في أسلوب القرآن" للأستاذ اللغوي النحوي البارع محمد عبد الخالق عضيمة من أجلّ الكتب المعاصرة، وهو معجم نحوي صرفي كبير، ودليل إحصائيٌّ مبتكر للأساليب اللغوية في القرآن الكريم، مع دراسات وافية مرتبة على أبواب النحو والصرف، استغرق العمل الدؤوب فيه ثلاثة عقود من الزمن ونيّف.
- قال رحمه الله في خاتمة كتابه: (قد أذن الله لهذا البحث أن يكتمل وأن يرى النور بعد أن أمضيت في إعداده وطباعته ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاماً تابعت فيها الدرس، وواليت البحث من غير كلل ولا ملل، فجاء في أحد عشر جزءاً ضخماً).
وقد كان عملاً جليلاً مشهوداً أثنى عليه العلماء والباحثون، وتعجبوا من جَلَد مؤلفه وحسن إتقانه، وما تضمنه الكتاب من مباحث عزيزة المنال بغير هذا الجهد الإحصائي الكبير الذي قام به مؤلفه.
حتى قال عنه الأستاذ الكبير محمود شاكر رحمه الله: (فماذا يقول القائل في عمل قام به فرد واحد، لو قامت عليه جماعة لكان لها مفخرة باقية؟! فمن التواضع أن يسمى هذا العمل الذي يعرضه عليك هذا الكتاب «معجمًا نحويًا صرفيًا للقرآن العظيم».
فمعلوم أن جلَّ اعتماد المعاجم قائم على الحصر والترتيب؛ أما هذا الكتاب فالحصر والترتيب مجرد صورة مخططة يعتمد عليها.
أما القاعدة العظمى التي يقوم عليها فهي معرفة واسعة مستوعبة تامة لدقائق علم النحو، وعلم الصرف، وعلم اختلاف الأساليب.
ولولا هذه المعرفة لم يتيسر لصاحبه أن يوقع في حصره من حروف المعاني وتصاريف اللغة على أبوابها من علم النحو، وعلم الصرف، وعلم أساليب اللغة.
وهذا العمل الجليل الذي تولاه أستاذنا الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة والذي أفنى فيه خمسة وعشرين عامًا طوالاً، والذي يعرض عليك منه هذا القسم الأول إنما هو جزء من عمل ضخم لم يسبقه إليه أحد، ولا أظن أن أحدًا من أهل زماننا كان قادرًا عليه بمفرده، فإن الشيخ قد أوتي جلدًا وصبرًا ومعرفة، وأمانة في الاطلاع، ودقة في التحري لم أجدها متوافرة لكثيرة ممن عرفت) ا.هـ.
وكان مما يعوّق استفادة كثير من الباحثين والدارسين من هذا الكتاب كبر حجمه وتعدد أجزائه وصعوبة استخراج المباحث منه لغير المتمرسين في قراءته، إضافة إلى أنه كان يرمز لكثير من الشواهد برقم السورة ورقم الآية فكان استخراج الشواهد بهذه الدلالة فيه مشقة ظاهرة.
فلذلك قمنا في موقع جمهرة العلوم بعمل تقريبٍ لهذا الكتاب ييسر للباحث استكشاف مباحثه، والوصول السريع لبغيته منه، وقد خصصنا لكل قسمٍ من أقسام الكتاب قسماً في الجمهرة، وخصصنا موضوعاً لكل مبحث من مباحثه، وبقي علينا استكمال استجلاب دلالات الشواهد المرموز إليها بالأرقام؛ لتُذكر بنصها دون الإحالة إليها بأرقام السور والآيات، وتلخيص مباحث الكتاب وخدمته ببرامج العرض والخرائط الذهنية، وتمكين الباحثين من البحث في محتواه بمحركات البحث.
وقد اشتمل الكتاب على ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: في معاني الحروف الواردة في القرآن الكريم ، ويقع في ثلاثة أجزاء.
- والقسم الثاني: معجم صرفي كبير ويقع في أربعة أجزاء.
- والقسم الثالث: معجم نحوي كبير ويقع في أربعة أجزاء.
وبلغ عدد مجلدات الكتاب: 11 مجلداً.
وبلغ مجموع صفحات الكتاب: 7346 صفحة.
وقد قال عنه مؤلفه رحمه الله: (وبعد: فهذا بحث رسمت خطوطه، ونسجت خيوطه بقراءتي. استهدفت أن أصنع للقرآن الكريم معجمًا نحويًا صرفيًا، يكون مرجعًا لدارس النحو، فيستطيع أن يعرف متى أراد: أوقع مثل هذا الأسلوب في القرآن أم لا؟
وإذا كان في القرآن فهل ورد كثيرًا أو قليلاً، وفي قراءات متواترة أو شاذة؟ كما أنه يستطيع أن يحتكم إليه في الموازنة بين الأقوال المختلفة؛ كما كان يفعل الصدر الأول في الاحتكام إلى كلام الفصحاء ومشافهتهم قبل أن يدب اللحن إلى الألسنة.
وَجَّه الفقهاء عنايتهم إلى مصدر الشريعة الأول، وهو القرآن، فأحصوا آيات الأحكام، وأشبعوا القول فيها، والحديث عنها.
فالدارس للفقه يستطيع بسهولة ويسر أن يهتدي إلى الأحكام التي مصدرها القرآن، والأحكام التي مصدرها غيره.
والقرآن الكريم حجة في العربية بقراءته المتواترة، وغير المتواترة؛ كما هو حجة في الشريعة. فالقراءة الشاذة التي فقدت شرط التواتر لا تقل شأنًا عن أوثق ما نقل إلينا من ألفاظ اللغة وأساليبها. وقد أجمع العلماء على أن نقل اللغة يكتفي فيه برواية الآحاد.
ولو أراد دارس النحو أن يحتكم إلى أسلوب القرآن وقراءاته في كل ما يعرض له من قوانين النحو والصرف – ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ ذلك لأن الشعر قد استبد بجهد النحاة، فركنوا إليه، وعولوا عليه، بل جاوز كثيرٌ منهم حدّه، فنسب اللحن إلى القرّاء الأئمة، ورماهم بأنهم لا يدرون ما العربية!
وكان تعويل النحويين على الشعر ثغرة نفذ منها الطاعنون عليهم؛ لأن الشعر روى بروايات مختلفة؛ كما أنه موضع ضرورة.
لهذا مست الحاجة إلى إنشاء دراسة شاملة لأسلوب القرآن الكريم في جميع رواياته؛ إذ في هذه القراءات ثروة لغوية ونحوية جديرة بالدرس وفيها دفاع عن النحو؛ تعضد قواعده، وتدعم شواهده)ا.هـ.