هل مراده أنها آية معدودة من السورة؟ أم آية مستقلة؟
ابن عبّاس رضي الله عنهما كان يعدّ البسملة آية من الفاتحة، وقد أُخذ ما عُرف بالعدّ المكي عن عبد الله بن كثير الداري عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، والبسملة فيه معدودة آية من الفاتحة.
ولم يعدّها آية من أيّ سورة سوى الفاتحة.
وهذا الأثر المذكور في السؤال بهذا اللفظ عن ابن عباس ليس له أصل، وإنما أورده الزمخشري في تفسيره بلا إسناد، وقد غلّطه العلماء في ذلك.
وروى البيهقي في شعب الإيمان من طريق حنظلة بن عبد الله السدوسي، عن شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قال: (من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله عز وجلّ).
وهذا إسناد ضعيف جداً؛ لضعف حنظلة وشهر.
وروى ابن بشران في أماليه، وابن الأعرابي في معجمه، وأبو إسحاق الثعلبي في تفسيره، من طريق سليم بن مسلم المكي قال: حدثنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن طلحة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك {بسم الله الرحمن الرحيم} فقد ترك آية من كتاب الله عز وجل، وقد عُدَّ مما عُدَّ عليَّ من أمّ الكتاب: {بسم الله الرحمن الرحيم}). وهذا إسناد تالف، آفته سليم بن مسلم المكي المعروف بالخشّاب جهميٌّ متروك الحديث.
لكن روى البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل أنهما قالا: (من ترك {بسم الله الرحمن الرحيم} في فواتح السور؛ فقد ترك مئة وثلاث عشرة آية من القرآن).
وذلك أنّ سورة براءة لم تُكتب البسملة فيها في المصاحف العثمانية.
ولا ريب أنّ البسملة آية من كتاب الله تعالى، وقد روي في ذلك أحاديث عدّة منها ما في صحيح مسلم من حديث علي بن مسهر، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله قال: « أنزلت علي آنفاً سورة؛ فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم . إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر}». رواه مسلم.
والصحابة قد جردوا المصحف مما سوى القرآن؛ فلم يكتبوا فيه أسماء السور ولا عدد آياتها، ولم تكن المصاحف منقوطة ولا مشكولة، وإنما استحدث النقط والشكل وأسماء السور وعدد آياتها بعد.
لكن القول بأنّ البسملة آية من كتاب الله لا يقتضي أنّها آية في كلّ سورة، وكذلك كتابتها في المصاحف في أوّل كلّ سورة لا يقتضي أنها معدودة من آيات تلك السور.
وإنما عدّت البسملة آية من الفاتحة في العدّ الكوفي والعدّ المكي، وسائر أهل العدد لا يعدونها آية من الفاتحة.
والخلاف في عدّ الآي كالخلاف في القراءات؛ يقال بصحّة الجميع ولا يعارض بينها.
وأمّا باقي السور فلا خلاف بين أهل العدد في ترك عدّ البسملة آيةً منها، وإن كانوا يقرؤون بها في أوّل كل سورة غير براءة لأنّ افتتاح السور بالبسملة سنّة، والبسملة في أوّل سورة براءة فيها رواية عن عاصم.